ظاهرة اجهزة النقال في العراق بين النعمة والنقمة

تحقيق: وسن البلداوي

شبكة النبأ: ينظر المجتمع بشكل عام إلى ظاهرة الهواتف النقالة على أنها ظاهرة جديرة بالاهتمام، فهي بنظرهم تقدم الراحة والمتعة إضافة إلى قدرتها على المساعدة في إنجاز مجموعة كبيرة من شئون الحياة اليومية، فضلاً عن انها ادوات اجتماعية لا تقدر بثمن، وأحيانًا يشعر بعضهم أنه تائِه إذا لم يحمل جهاز النقال على مدار الساعة...

لكن ومن خلال هذا الهاتف النقال طَفَت على سطح المجتمعات ذاته وفي الآونة الأخيرة ظاهرة غريبة عليه الا وهي التسلية والمعاكسات غير المبررة من قبل الشباب وخاصة في المجتمعات الشرقية التي تعرف بالالتزام والحشمة، فأصبحت ممارسات الخليوي تتم على غير ما وُجد له، وبين هذا وذاك تضيع القيم وتذوب معها المبادئ وتكسب شركات الهواتف الفاتورة، ويدفع المجتمع الثمن.

ونظرا لأهمية الأمر سعت (شبكة النبأ المعلوماتية) الى إلقاء الضوء على هذه الظاهرة خصوصًا العربية الشرقية، وحرصًا على وضع اليد على مواطن الخلل.. فقد قمنا بالتحدث مع أهل الخبرة من جهة ليطلعونا ومع أهل الحِكمة من جهةٍ أخرى لينصحونا، ولنترك بعدها لقلوبكم الحكم، ولعقولكم التقييم:

قال معن عبد الامير (مدرس كومبيوتر) لـ شبكة النبأ: ظاهرة الخليوي ليست مقتصرة على مجتمع الشباب العربي فحسب، بل هي ظاهرة شبابية عالمية، وهي أيضا ذات ارتباط وثيق بثورة الاتصالات التي بدأت تجتاح العالم، فهناك من ينظر لهذه الوسيلة أو الظاهرة باعتبارها متنفّسا لشخصيته غير المرغوبة عند مجتمع العارفين به، فتراه يلجأ لأسلوب التخاطب "عبر الخلوي"؛ باعتبار أن شخصيته غير معلومة لدى الطرف الآخر، وقد يكون السبب عائدًا لحالة الفراغ التي يعيشها معظم شبابنا، وخصوصًا في فترات العطل والإجازات فيلجأ الشاب أو الفتاة لتعبئة ذاك الفراغ بهذه الطريقة كوسيلة يراها "لقتل الوقت".وعن سبب إقبال الشباب على هذه الظاهرة يقول: تأخذ معظم القطاعات الشبابية ظاهرة "الخلوي" باعتبارها إحدى مظاهر "البريستيج" أو الفخفخة المجتمعية.

 وعن دور الأبوين في بروز هذه الظاهرة اكدت السيدة ام زيد لـ شبكة النبأ: أنا أعتقد أن دور الأبوين جزءٌ من الحل وليس الحل كله، فالوعي المجتمعي والجامعي الديني والمدرسي والإعلامي الرسمي كلها تحمل المسئولية ومطالَبة بالحل، وتضيف: مع أن مجتمعاتنا العربية ما يزال يعتبر مجتمعٌ محافظٌ- فإن هذا لا يجب أن يمنعَنا من دقِّ ناقوس الخطر وضرورة الالتفات لمثل هذا الانتشار البكتيري للظاهرة.

وردًّا على ما يقوله بعض الشباب من أن المشكلة تكمن في الفتاة نفسها وليس في الشاب أجابت: إن إسناد مسئولية الظاهرة على العنصر الأنثوي فيه تجنٍّ كبيرٌ، فإذا كانت الفتاة تتملَّكُها رغبة المحادثة فيتعين على الشاب تحكيم عقله ودوام التذكر أن "للكل أخوات وبنات وأمهات"..!! ومعادلة "الإثم" في شرعنا الحكيم لا تقتصر على عنصر المبادأة، بل تمتد بذات المقدار من الرفض الشرعي لمن يتقبل ويتعاطى، وبالتالي أرى اجتماعيًا وموضوعيًا أن إلقاء عبء المشكلة على طرف دون آخر فيه تجنٍّ واضحٌ، وأُرجع بدوري أسباب إقبال فتياتنا على الظاهرة إلى ارتفاع نسب العنوسة إلى معدلات متفاقمة، فضلاًً عن التكوين الفطري للمرأة والذي يساعد- إن لم يضبط- على تفشي هذه الظاهرة.

لكنَّ السيدة ام منتظر ترى في قولها لـ شبكة النبأ، أن هناك فوائد مرجوَّة من هذا المحمول: انني أراه نعمةً لمن ابتعد عنها زوجها بسبب السفر؛ لأن بواسطته يتم التواصل بينها وبينه عبر الرسائل، او الاتصال باهلها والسؤال عن احوالهم بسبب بعد المسافة بينها وبينهم...

اما السيدة انتصار(مديرة مدرسة) فتحدثت عن بداية نشوء هذه الظاهرة قائلة لـ شبكة النبأ: حينما بدأت الشركات الخلوية بالعمل ابتدأت كسلعة كمالية مكلفة، بمعنى أنها مقتصرة على فئة معينة من الأغنياء فقط، ولكن الآن وبعد 10 سنوات من وجود هذه الشركات أصبح الفقير والغني يمتلك جهازًا خلويًّا خاصًّا به، بل إنك تجد في المنزل الواحد ما يقرب من 6-7 خلويات وهو بعدد أفراد الأسرة، والسبب أن الشركات المنتجة تقوم بالمنافسة فتقوم بتخفيض سعر الدقيقة والجهاز أيضًا، خصوصًا في آخر الليل، وهو ما يدفع كلا الجنسين على التحدث ولساعات طويلة دون علم أهليهما بذلك. وعن دور العائلة في التصدي لهذه الظاهرة قالت: أرى أن دور العائلة كبير جداوعليهم تقع مسؤولية المحافظة والمراقبة والتوجيه.

اما السيدة ام ثائر قالت: أرى في الجوال تواصلاً مع اهلي واقاربي وصديقاتي، ومع قريباتي في بلد آخر، نتواصل بواسطة الرسائل التي تصاغ بطريقة مضحكة أو طريفة، نتبادل الضحكات، ونعرف أخبار بعضنا بشكل يومي، وهذا الشيء لم يكن يحدث من قبل الجولات، كما أرى أن للجوال استعمالاً مهمًّا في حالة الوقوع في ورطة، مثل أن يتوقف المصعد، أو أي مشكلة أخرى.

 ويتفق السيد (سنام) مع ما قالته ام ثائر في أن الجوال له ايجابيات كثيرة وكبيرة لايمكن حصرها وهذا هو حال الدنيا فيها الايجابي وفيها السلبي، فكل شئ على الرغم من الفائدة التي يقدمها لنا يمكن ان يكون له جانب سلبي مثلا السيارة على الرغم من اهميتها في سهولة تنقلنا من مكان الى مكان لكن في نفس الوقت لها جانب سلبي في حوادث السير التي تحدث من خلالها.

ويضيف لـ شبكة النبأ: بكل تأكيد أرى أن المشكلة تكمن في العائلة نفسها التي تسمح لاولادها سواء اكانوا ذكورا ام اناثا استخدام الموبايل في مكالمات غير ضرورية وشراء الكارتات الواحد تلو الاخر بدون اي استفسار سواء من الاب ام من الام .. وهذا يجعل الشباب في مئزق كبير في الانجراف في امور مجتمعنا وتقاليدنا في غنى عنها.

وقال أبو زين العابدين- مدرّس وأب لخمسة اولاد – لـ شبكة النبأ: لا شك أن جهاز الخلوي أو الهاتف النقَّال هو صرعةٌ تكنولوجيةٌ رائعةٌ في هذا العصر، ولكنَّ أعداء الإسلام قاموا بتوظيف هذه الصرعة التكنولوجية لأهدافهم الخاصة في إبعاد الشباب المسلم عن دينه؛ لذلك قاموا هنا ,وهناك بتوظيف شباب وفتيات مهمتهم فقط تقوم على اصطياد الشباب والفتيات من أجل الإيقاع بهم.

فإذا كان الشاب غير متمسك بدينه بشكل سليم أو الفتاة كذلك فإنهما يكونان ضحيةً لهؤلاء وعن دوره كأب في الحفاظ على أسرته من أمثال هؤلاء اضاف لـ شبكة النبأ: أنا كأب لا أنصح ولا أرى ضرورةً في أن تحمل الفتاة- خاصةً- أو الشاب الجهازَ الخلوي، وخاصةً أثناء غيابهما لفترات طويلة عن أعين والديهم .. وعن رده فيمن يقول إن اللوم يقع على الوالدَين أجاب: نعم أضع اللوم في الدرجة الأولى على الوالدين، فهما اللذان يسمحان لأولادهما باقتناء هذه الأجهزة دون علمٍ منهما بخطر هذه الأجهزة وتبعاتها الخطيرة، وأضاف أنه يشدد على دور الأصدقاء في ذلك، ويطالب أولياء الأمور أن يراقبوا أبناءهم وبناتهم ونوعية أصدقائهم، واستشهد أخيرًا بالمثل القائل: الصاحب ساحب.

واخيرا قمنا بمقابلة المستشارة الاجتماعية والمتخصصة في الشأن الاجتماعي- السيدة ازهار صاحب- وسألناها عن السبب الذي يدفع فتياتنا وشبابنا إلى الدخول في مثل هذه المنزلقات الخطرة، فأجابت لـ شبكة النبأ: أرى أن الفتاة - سواء أكانت تمتلك هاتفًا نقالاً أم لا، يحكمها في النهاية استقامتها وما تكتنزه من قيم ومبادئ. وعن المستفيد الأول من وجود هذه الظاهرة قالت: معطيات الحضارة تأتينا تباعًا، وما علينا عند استخدامها إلا استخدام التوعية والحكمة، ولا يهم مَن وراء هذه الظاهرة.. الذي يهمُّنا مدى استجابتنا لها وكيفية استخدامها.

 وعن دور الأبوين قالت المستشارة لـ شبكة النبأ: أما دور الأبوين فهو الإرشاد والتنبيه الرقيق بعد التربية الصحيحة، وقالت السيدة انتصار جملة نصائح للفتاة والشاب معًا؛ حيث تقول: نصائحي للفتيات والفتيان أن يبتعدوا عن كل مايسيئ لتقاليدنا واخلاقنا من أغانٍ واختلاطٍ، وليعلموا أن هناك مسئوليةً فرديةً تبدأ من سن البلوغ وتنتهي بانتهاء  الحياة، ولا ننسى أن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولاً.. كل فتى أو فتاة يسأل نفسه إلى أين ستوصلني هذه الخطوة في الحياة؟! فمطلب المسلم الحياة الطيبة الخالية مما يعيبها، وعند العرض والنشر يتمنى ألا يخزيَه الله أمام الخلائق.

وأضافت: أريد من الفتى والفتاة أن يأخذ كل منهما العبرة ممن مشى على دروب الغواية، أريد من كل مسلم أن يتخذ أيَّ معطى من معطيات الحضارة؛ لتخدمه وتخدم مجتمعه ووطنه ودينه، أريد من الفتيان والفتيات الحفاظ على أنفسهم من الضياع وتشتت القلب والاهتمام بما ينهض بالحال وينجي يوم السؤال، وأريد منهما أخيرًا الرقابة الذاتية والمسئولية الشخصية.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 1 حزيران/2007 -13/جمادي الأول/1428