اقرار المحكمة الدولية والمزيد من الاضطرابات والفوضى في لبنان

 شبكة النبأ: يأتي قرار تبني مجلس الامن انشاء محكمة دولية لمحاكمة المتهمين باغتيال رئيس الوزراء الاسبق رفيق الحريري في وقت يشهد فيه الوضع السياسي والامني داخل لبنان تعقيدا كبيرا مرشحا للتدهور في ظل التداعيات بشمال لبنان، وياتي هذا القرار كذلك في قلب الخلاف مع سوريا جارة لبنان الاكبر التي تتهمها القيادات اللبنانية المؤيدة للحكومة بقتل الحريري و22 اخرين بتفجير بالغ الضخامة في عام 2005، وأجبر الغضب الدولي الناجم عن الاغتيال تبني مجلس الامن قرارا يجبر سوريا على سحب قواتها من لبنان، وهو ما حصل بالفعل.

وتنفي دمشق ضلوعها في الامر لكنها أشارت الى أنها لن تتعامل مع المحكمة، وحذر السفير الامريكي لدى الامم المتحدة زلماي خليل زاد سوريا من انها ربما تواجه ضغوطا متزايدة اذا لم تتعامل مع المحكمة.

وعلى الرغم من التحذيرات التي وجهها الرئيس اللبناني المؤيد لسوريا اميل لحود وغيره من أن المحكمة من شأنها أن تشعل موجة جديدة من العنف في البلاد تقول القيادات الغربية ان من الضروري من حيث المبدأ محاكمة قتلة الحريري.

وحذرت صحف لبنانية من أن قرار تشكيل محكمة خاصة بمحاكمة المشتبه بهم في مقتل رئيس وزراء لبنان الاسبق رفيق الحريري قد تعني المزيد من عدم الاستقرار في لبنان.

وفي تصويت أجري بمجلس الامن الدولي أيد المجلس انشاء المحكمة التي تمثل لب أسوأ ازمة سياسية تمر بها البلاد منذ الحرب الاهلية التي اندلعت بين عامي 1975 و1990.

ولم يتمكن الزعماء في لبنان من الاتفاق على خطط الامم المتحدة لانشاء المحكمة. ويقول سياسيون لبنانيون مؤيدون لسوريا ان المحكمة ستستخدم كأداة سياسية من قبل الولايات المتحدة.

من جانب آخر يرى زعماء يتهمون دمشق بالوقوف وراء الاغتيال وهجمات أخرى في لبنان ان المحكمة وسيلة لمنع التأثير السوري. وتنفي سوريا اي ضلوع لها في الامر.

وقال علي حماده الذي يكتب عمودا في جريدة النهار "انه الحبل يضيق على رقاب القتلة" لكنه حذر من ان المحكمة "ربما لن تأتي بالامن الفوري. وقد ينفع المتضررون في التهديد والتهويل والتخريب ولكن ما من شيء سيوقف قطار قيامة لبنان."

لكن منتقدي انشاء المحكمة يتوقعون ايضا المزيد من المشاكل في المستقبل في صدى لتحذير أصدرته دمشق من ان خطوة الامم المتحدة قد تغرق البلاد في مزيد من عدم الاستقرار.

وقال عمر نشابة الكاتب في جريدة الاخبار المؤيدة لسوريا ان تشكيل المحكمة من دون توافق داخلي "يثير قلقا جديا على الامن والاستقرار ويدخل البلد في دائرة الخطر."

واضاف "ان انشاء المحكمة بموجب قرار دولي وبدون موافقة جزء كبير من المواطنين على صيغتها يوسع ويعمق الشرخ بين اللبنانيين."

واثنى سعد الحريري نجل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري على قرار الامم المتحدة وقال انه يمثل لحظة تاريخية للبنان.

ولم يصدر اي تعقيب بعد عن حلفاء سوريا ومن ضمنهم حزب الله على تصويت مجلس الامن لكنهم كانوا ينتقدون بشدة مطالبة الحريري وحلفائه باتخاذ خطوة أحادية من جانب الامم المتحدة لانشاء المحكمة.

ويقول حزب الله وحلفاؤه ومن بينهم حركة امل دائما انهم يدعمون فكرة انشاء المحكمة الدولية لكنهم يريدون مناقشة تفاصيلها.

وفي تحد لسوريا صوت مجلس الامن الدولي لصالح انشاء محكمة للنظر في قضية قتل رئيس الوزراء اللبناني الاسبق رفيق الحريري قبل عامين. بحسب رويترز.

وبعد أشهر من الخلافات بين الساسة اللبنانيين المنقسمين بشدة ومحادثات بين الحكومة اللبنانية والامم المتحدة وافق عشرة من أعضاء المجلس على القرار الذي رعاه الغرب وامتنع خمسة عن التصويت. ولم يكن هناك معارضون.

وتراهن القوى الغربية على أن الدفعة التي سيقدمها القرار لسلطة الحكومة اللبنانية وحكم القانون ستفوق أي رد فعل عنيف في المنطقة.

وقال امير جونز باري السفير البريطاني لدى الامم المتحدة للصحفيين ان التصويت " سيرسل الاشارة السياسية الصحيحة" الى لبنان وهي دولة لها تاريخ طويل من الاغتيالات السياسية التي مر الكثير منها دون أن ينال الجناة عقابا.

ويأتي القرار استجابة لطلب رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة لكن البرلمان اللبناني لم يوافق على الخطة لان رئيسه المعارض البارز نبيه بري والذي يشكك في شرعية الحكومة اللبنانية امتنع عن دعوة المجلس للانعقاد.

ويقول منتقدون من داخل المجلس انه يتجاوز سلطاته بتفعيل الفصل السابع من ميثاق الامم المتحدة من أجل فرض انشاء المحكمة.

ورفض جونز باري وجهة النظر هذه. وقال عن انشاء المحكمة "يمكننا ذلك من الناحية القانونية ويجب علينا ذلك من الناحية السياسية." لكنه وصف لبنان بأنه "حالة خاصة" نتجت عن عجز البرلمان اللبناني عن التصديق على انشاء المحكمة.

وعدل سفراء غربيون القرار في الاسبوع الماضي بحيث يعطي للفصائل اللبنانية فرصة أخيرة لانهاء خلافاتها حول انشاء المحكمة حتى العاشر من يونيو حزيران عندما تكون المحكمة سارية.

ويضع القرار موضع التنفيذ اتفاقية توصلت اليها الامم المتحدة والحكومة اللبنانية في نوفمبر تشرين الثاني الماضي.

ولم يتم الاتفاق بعد على تفاصيل أساسية بشأن المحكمة بما في ذلك مكان انعقادها ويتوقع الدبلوماسيون أن يتأخر بدء عمل المحكمة لمدة عام.

وتحتجز السلطات اللبنانية في الوقت الحالي ثمانية أشخاص لصلتهم بقتل الحريري. وهم أربعة جنرالات مؤيدين لسوريا كانوا يرأسون أجهزة أمن لبنانية في ذلك الوقت وأربعة أعضاء من جماعة سنية صغيرة تدعمها سوريا يشتبه في أنهم لعبوا دورا في مراقبة تحركات الحريري.

لكن لم يحدد بعد تحقيق مستمر تجريه الامم المتحدة من يتعين اصدار لائحة اتهام ضده في هذه القضية.

روسيا تحذر أمريكا

وحذرت روسيا الولايات المتحدة من التسبب في مزيد من الزعزعة لاستقرار لبنان بشحنات الأسلحة الأمريكية وطالبتها بان تلتزم بدقة بالاتفاقيات الدولية في تقديم مثل هذه المعونات.

وقد أرسلت الولايات المتحدة الاسبوع الماضي عدة طائرات محملة بالمعونات العسكرية الى لبنان ومنها ذخائر ومعدات أُخرى لمساعدة الجيش اللبناني على قتال متشددين اسلاميين في مخيم للاجئين الفلسطينيين شمال البلاد. بحسب رويترز.

وقال وزير الخارجية الروسي سيرجي لافروف بعد لقائه أعضاء رباعي الوساطة للسلام في الشرق الاوسط "فيما يتعلق بشحنات الأسلحة الى المنطقة فاننا نفترض دائما انه من الضروري الالتزام بالاتفاقيات الدولية."

وأضاف قوله "ونعلم أيضا انه من الضروري منع شحنات الأسلحة التي قد تساعد على زعزعة الاوضاع وافترض ايضا ان الدول الأخرى سوف تلتزم بهذه المباديء نفسها."

وحاولت وزيرة الخارجية الامريكية كوندوليزا رايس التي كانت تتحدث في المؤتمر الصحفي نفسه ان تطمئن لافروف ان الولايات المتحدة تتبع القواعد الدولية وقالت ان عدة قرارات للامم المتحدة تحث على تقوية الجيش اللبناني.

وقالت رايس "الولايات المتحدة ليست الدولة الوحيدة التي تساعد في تجهيز الجيش اللبناني الذي يحتاج الى امتلاك القدرات الحديثة للدفاع عن سيادة البلاد وحماية دولته. وهذا هو الغرض الوحيد لهذا ولا يتدخل في الشؤون اللبنانية."

وقدمت الولايات المتحدة معونات عسكرية قيمتها نحو 45 مليون دولار الى لبنان خلال الاثنى عشر شهرا الماضية ووافق الكونجرس الامريكي الاسبوع الماضي على معونة عسكرية اضافية قيمتها 280 مليون دولار.

والمعونات العسكرية الامريكية الى لبنان جزء من استراتيجية حكومة الرئيس جورج بوش لتعزيز رئيس الوزراء المعتدل فؤاد السنيورة وقواته الامنية.

وينص قرار المحكمة كذلك على انها "ستبدأ العمل في تاريخ يحدده الامين العام بالتشاور مع الحكومة اللبنانية آخذا بالاعتبار التقدم الذي تحققه لجنة التحقيق الدولية المستقلة في عملها".

واشار عدد من الدبلوماسيين في الامم المتحدة الى ان المحكمة لن تبدأ العمل عمليا قبل حوالى سنة.

وتقرر مبدأ انشاء المحكمة في 2005 بموجب القرار 1595 الصادر عن مجلس الامن الدولي. وتم التوقيع في 2006 على اتفاقية بين الامم المتحدة والحكومة اللبنانية. الا ان ابرامها في المؤسسات الدستورية اللبنانية تعذر بسبب ازمة سياسية حادة في لبنان.

واغتيل رفيق الحريري في شباط/فبراير 2005 مع 22 شخصا آخرين في عملية تفجير في بيروت التي كانت واقعة تحت النفوذ السوري.

وكان تقرير مرحلي للجنة التحقيق الدولية في اغتيال الحريري اشار الى وجود "ادلة متقاطعة" حول ضلوع مسؤولين امنيين سوريين كبار في الجريمة. لكن سوريا نفت على الدوام اي ضلوع لها في الجريمة.

واتى القرار في وقت يشهد فيه لبنان توترات كبيرة تضاف اليها المواجهة الجارية بين الجيش اللبناني وجماعة فتح الاسلام فضلا عن عمليات تفجير في عدد من المناطق لبنانية.

وقدم القرار برعاية الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وبلجيكا وسلوفاكيا وايطاليا وجاء بطلب من رئيس الوزراء اللبناني فؤاد السنيورة.

واتى كذلك بعدما رفع الامين العام للامم المتحدة بان كي مون تقريرا اكديه فشل المؤسسات الدستورية اللبنانية في اقرار الاتفاقية المبرمة بين الحكومة اللبنانية والامم المتحدة.

ونص القرار في احدى فقراته على احتمال استحالة التوصل الى اتفاق بين الامم المتحدة ولبنان ودولة تستضيف مقر المحكمة. وفي هذه الحالة قرر المجلس "ان يكون مقر المحكمة موضع اتفاق بين الامم المتحدة والدولة المضيفة بالتشاور مع حكومة لبنان". وقد تستضيف قبرص او ايطاليا او هولندا المحكمة.

ورحبت الدول الست الراعية للقرار باعتماده. وقال سفير الولايات المتحدة زلماي خليل زاد ان "مجلس الامن اظهر تمسكه بمبدأ عدم الافلات من العقاب (في الاغتيالات السياسة) لا في لبنان ولا في اي مكان اخر".

وقال السفير البريطاني امير جونز باري للصحافيين ان الهدف من القرار هو "توجيه الرسالة السياسية الصحيحة في لبنان بان لا افلات من العقاب وان الامم المتحدة تقف وراءالاشخاص الذين يريدون احقاق الحق". واعتبر ان القرار "حيوي للبنان وللمنطقة وللعدالة".

وقال جونز باري ان اقرار الاتفاقية داخليا في لبنان كان"الطريقة الفضلى" لكن مجلس الامن وامام استمرار الطريق المسدود كان بحاجة الى "تحمل مسؤولياته لاصدار قرار".

وقال وزير الخارجية اللبناني بالوكالة طارق متري ان اعتماد القرار "يعزز صدقية مجلس الامن".

ردود فعل عربية ودولية

لكن اصواتا اخرى مخالفة علت. فالسفير الروسي فيتالي تشوركين اعتبر القرار "مشكوكا فيه بموجب القانون الدولي" لانه يلتف على شروط واردة في الدستور اللبناني.

واعرب السفير القطري عبد العزيز النصر العضو العربي الوحيد في مجلس الامن من خشيته من ان القرار "لا يدعم الاستقرار في لبنان".

ورأى سفير الصين وانغ غوانغيا ان المجلس تجاهل ضرورة حصول توافق وطني لبناني بشأن المحكمة وان هذا "سيسبب مشاكل سياسية وقانونية".

وتحفظت روسيا حليفة سوريا وجنوب افريقيا وقطر على اجزاء في النص طلبت مزيدا من الوقت للتمكن الاطراف اللبنانية من ايجادل حل داخلي.

وفي محاولة لتليين موقف هذه الدول وافقت الدول الراعية للقرار تحديد العاشر من حزيران/يونيو موعدا لدخول اتفاقية المحكمة حيز التنفيذ لاعطاء الاطراف اللبنانية فرصة اخيرة للتوصل الى ارضية مشتركة.

وتنص الاتفاقية المبرمة بين الحكومة اللبنانية والامم المتحدة على انشاء محكمة مختلطة مؤلفة من غرفتين غرفة محاكمة تضم ثلاثة قضاة احدهم لبناني ومحكمة استئناف تضم خمسة قضاة بينهم لبنانيان.

واستبقت سوريا صدور القرار الدولي بالتأكيد ان موقفها لم يتغير من المحكمة. وقال مصدر اعلامي سوري مسؤول بحسب ما نقلت وكالة الانباء السورية الرسمية "سانا" ان "لا تغيير في الموقف السوري ازاء المحكمة الدولية الخاصة بلبنان".

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 1 حزيران/2007 -13/جمادي الأول/1428