اوجبت الظروف الامنية على الحكومة العراقية، ومنذ استلامها للسلطة
قبل عام تقريبا. العمل الجاد والدؤؤب للخروج من المأزق الخانق الذي تمر
به البلاد، وخصوصا الموضوع الامني.
والامن هنا وفي القياسات كافة هو مسألة نسبية لا يمكن تحديد اطار
معين لها، لذلك ارتأت الحكومة العراقية تطبيق خطة تكاملية شاملة مكثفة
في عموم بغداد وضواحيها، واختارت لها تسمية (فرض القانون)، وهو اختيار
موفق باعتماد القانون معيارا لقياس مدى التقدم الذي ستحققه الخطة على
الصعيد الامني.
لكن الخطة ليست اجراءات عسكرية بحتة بل تستلزم خططا تنموية مرافقة
ولجان شعبية ساندة، وهذا ما كان مفترضا لطريقة تعاملها مع مجمل الموضوع
الداخلي العراقي.
والآن، السؤال الذي يطرح نفسه ! بعد مضي اشهر على تطبيق الخطة
الامنية، هل حققت الامل المنشود في توفير الامن للمواطن ؟ واذا لم يكن
كذلك فما هي المعوقات التي تحول دون تحقيق الهدف ؟ وكيف السبيل للوصول
الى الامن والاستقرار وتحسين الخدمات في العراق في ظل الظرف الحالي ؟.
في الاشهر الماضية، شهدت بغداد تحسنا طفيفا مع انطلاق خطة (فرض
القانون) في مجال انخفاض العمليات الارهابية التي تستهدف المواطنين
الابرياء، ولكن سرعان ما عادت المفخخات والجثث المجهولة الهوية لتطغى
على واجهة الاحداث في المدينة، وذلك على الرغم من استمرار الخطة
الامنية. ويمكن ارجاع السبب في ذلك الى الكثير من المعوقات وعلى اكثر
من صعيد، ويمكن استعراضها بالشكل الذي يجعلها معوق وحل في نفس الوقت،
اذا تم تلافيه بالشكل الصحيح وبأسلوب المعالجة الذكية وبما يعزز
استمرار الخطة ويزيد من فرص نجاحها.
الجانب الامني
(المعوقات العملياتية والميدانية)
1. تقوم الية تطبيق الخطة على عنصرين اساسيين تم الانحراف
اثناء استمرارها عن محتواهما مما افقد العملية برمتها الى اجزاء مهمة
من مستلزمات نجاحها، وهما:
· الجانب الاستخباري:
في البداية الخطة كانت تقوم على اعتماد الجانب المعلوماتي في تحليل
عملية اختيار الهدف وتقدير اهميته، واداء المهام القتالية اللازمة
للقضاء عليه. ولكن بمرور اشهر الخطة تحولت المهام الى مجرد عمليات
عسكرية روتينية تفتقد الى المعلومات الدقيقة حول الهدف وطبيعته.
· عنصر المفاجأة والمباغتة:
حققت الخطة نجاحات كبيرة في الايام الاولى، في اطار استلام زمام
المبادرة واستغلال عنصر المفاجأة والمباغتة، وذلك باعتماد التوقيتات
الدقيقة وفي مناطق منتقاة من بغداد دون التركيز على منطقة بذاتها لضرب
فلول الارهاب والارهابيين، على اعتبار مهم وهو احباط العمليات
الارهابية قبل وقوعها ومشاغلة وملاحقة كل الارهابيين في عموم بغداد
بأقل قوة ممكنة. لكن، الان اصبح التحرك العسكري يقوم على اساس رد الفعل
للعمل الارهابي، مما افقد القائمين على الخطة تكتيكات ضرورية في
المناورة، التحشيد والتعبئة اللازمة للقطعات في مجال توقع الخرق الامني
ومعالجته، ذلك ان القوات الامنية الحالية لا يمكنها ان تغطي بغداد
بأكملها ناهيك عن باقي المحافظات خصوصا ديالى والانبار. مما احدث فجوة
ستراتيجية في الاداء القتالي انعكست سلبا على النتائج المرجوة، وايجابا
على تحركات الارهاب.
2. ان اداء الاعمال العسكرية الروتينية الذي يرافقه الاستخدام
المفرط للقوة العسكرية يستلزم وقتا محددا لكي نتقي الاثار السلبية
والاعراض والانزلاقات الجانبية التي تبرز اثناء الاستمرارية في التطبيق
والمواجهة التي تقوم بها القوات الامنية من طرف واحد طبقا للخطط
والتوجيهات المقررة من قبل قيادات واركان حرب الخطة.
ان موضوعة استخدام العنف والمواجهة المباشرة في معالجة كافة الاهداف
بلا تمييز او خصوصية لهدف دون غيره ضمن آلية وطغيان البيروقراطية
العسكرية ولد انزلاقات خطيرة في مدن آمنة مثل الناصرية والديوانية
وسيمتد بتأثيراته السلبية الى كل مكان في العراق، ان لم تتم معالجته
بأساليب اخرى غير القوة و "لان العنف لا يولد الا العنف".
3. ان أي خطة عسكرية تستلزم وقتا لاتمام اهدافها ضمن سقف زمني
محدد حتى وان كان غير معلن حفاظا على السرية المطلوبة، وتحديد الوقت مع
تعيين للاهداف يعتبر بمثابة تقييم موضوعي لقادة الخطة والقطعات
المشتركة في تنفيذها ولمجمل الاهداف في نفس الوقت. لكن خطة فرض القانون
افتقرت الى هذين الركنين، وهما:
· الوقت المفتوح:
وهذا ما جعل الخطة تفتقر الى التطور والمرحلية اللازمة للانتقال الى
اساليب جديدة في التكتيك والتنفيذ والابتعاد عن النمطية المكشوفة في
اساليب المواجهة. والنمطية بدأت ترافق اداء القوات الامنية وذلك من
خلال النقاط الثابتة التي تجعل منهم محط رصد للارهابيين ومرتكز تلقي
الهجمات مما يؤثر على نفسية ومعنوية المقاتل التي هي بحاجة دائمة الى
التعبئة والتحشيد والحركة والمناورة. اضافة الى ان هذه النقاط الثابتة
اصبحت تعيق حركة السير من خلال التوزيع غير الدقيق في الساحات الرئيسية
والمناطق ذات الكثافة والحركة الدائمة مما بدأ يولد ردود فعل سلبية لدى
المواطنين تجاه الخطة الامنية وجدواها.
· تعدد الاهداف:
الخطة قامت بالاساس على مواجهة الارهاب، لكن التطبيق يعكس صورا
مختلفة، فمثلا قصف الاحياء السكنية الآمنة (مدينة الصدر مثلا)
بالطائرات واعتبارها هدفا اثناء التنفيذ ليس من اولويات الخطة ان لم
يكن انحرافا عن اهدافها. ان تعدد الاهداف يفقد الخطة الحشد والدعم
الشعبي اللازمين لنجاحها كما يفقدها قدرة التركيز والضغط على الهدف
وصولا لاتمام القضاء عليه.
الجانب السياسي
(المسؤولية الجماعية)
ان مسؤولية الخطة تنفيذها، نجاحها هي مسؤولية جماعية تقع على عاتق
كل الحركات والاحزاب المنضوية تحت لواء الحكومة والمجلس النيابي
ومنظمات المجتمع المدني والعشائر واللجان الداعمة والساندة وكل
الفعاليات الرسمية وغير الرسمية. وبالتالي استهداف مكون من مكونات
الحكومة داعم ومشارك في الخطة، يفقدها جزء مهم من محتواها. او محاولة
اثارة المعرقلات اثناء الخطة من قبل احد الاطراف المشاركة في الحكومة،
هو بمثابة الطعن من الخلف.
ان العملية برمتها تشاركية على اساس ان الجميع ضمن مستوى قيادي في
تحمل مسؤولية تنفيذ الخطة، والمفروض ان يتم ذلك عن طريق التشاور
والتعاون والتنسيق المستمر للوقوف على النتائج بما يخدم الاهداف
الوطنية العليا ضمن اطار من المشاركة السياسية الفعالة، وبما يبعد
تأثير العسكرتارية النمطية وصولا لتحقيق الاهداف في القضاء على الارهاب
الذي يستهدف المواطن العراقي البريء في معيشته وحياته.
بالاضافة الى ذلك، ان الجانب السياسي يتضمن قصور في اداء الاركان
الرئيسية المتممة للخطة الامنية، وهي:
· التعهدات الدولية:
من المطلوب ان يكون المجتمع الدولي بكامل امكاناته وقدراته على
اصطفاف مع الحكومة والشعب العراقي في المواجهة مع الارهاب والمشاكل
والمعرقلات التي تعترض مسيرة الحياة السياسية والخطط التنموية. ولكن
الذي يحدث ان جميع التعهدات الدولية لم تأخذ نصيبها من التنفيذ، بدءا
من تخصيصات الدول المانحة وصولا الى التنصل من اطفاء كامل الدين
العراقي المترتب من الحقبة السابقة.
وعلى العكس من ذلك نجد ان المنظمات الدولية تشكل عامل ضغط على
الحكومة العراقية في هذه الظروف الصعبة لتنفيذ التزامات غير متوافقة مع
الواقع والظرف الحالي، ومنها الضغوط التي يمارسها البنك الدولي لتنفيذ
اتفاقية SBA التي تشترط رفع اسعار الخدمات الاساسية ومنها المحروقات،
مما يضيف ثقلا على المواطن ويؤثر سلبا على مجمل الخطط الامنية
والتنموية على المدى القريب في الظرف الاستثائي الحالي. ولم تجدي كل
المحاولات نفعا لثني البنك الدولي عن ضغوطه ولو مؤقتا، بما في ذلك
مؤتمر العهد الدولي الاخير الذي عقد في شرم الشيخ.
ان تنفيذ تلك الالتزامات في المرحلة الراهنة، سيؤثر على الاداء
السياسي لمختلف الاحزاب والحركات المنضوية تحت قبة البرلمان وعلى
تأثيرها ومصداقيتها في صفوف الجماهير، اضافة الى الحكومة ذاتها، ونظرة
المواطن اليها والتي ستنعكس سلبا على مدى التفاعل المطلوب بينه وبين
اجهزة الدولة والحكم، وبشكل لا يحقق نتائج ايجابية على المدى القريب
ولا حتى البعيد.
· السياسة الخارجية:
تعاني السياسة الخارجية العراقية من قصور واضح في الاداء
الدبلوماسي، وتتجلى السلبية الملازمة للوزارة في عدة جوانب فشلت في
احتواء آثارها الجانبية طيلة فترة الاربع سنوات الماضية من عمر هذه
الوزارة، واهم تلك المشاكل هي موضوعة تدخل دول الجوار والعلاقات
العراقية - العربية.
بالنسبة للاولى لم تستطع السياسة الخارجية العراقية، ان تنأى بنفسها
عن المشاكل القائمة بين الولايات المتحدة الامريكية وسوريا وايران، بل
نراها تنغمس في الصراع القائم تارة بدور الوسيط وتارة اخرى بدور
الشريك، والمحصلة انها لم تستطع ان تجنب الارض العراقية موضوعة تحويلها
الى ساحة لصراع الارادات بين هذه الدول، والتي يدفع ضريبتها دم، وبلا
انقطاع المواطن العراقي.
اما الموضوع الثاني، والذي يعتبر على جانب كبير من الاهمية والتأثير
على الساحة العراقية، هو ما يتعلق بالعلاقات العراقية – العربية والتي
تشهد في الوقت الحالي فتورا ملحوظا يؤشر وبما لا يقبل الشك عجز
الخارجية العراقية عن مواكبة مستجدات وتطورات المرحلة الراهنة، والتي
تستلزم تعزيز العلاقات السياسية والتجارية مع كافة الدول العربية. وبما
يقوي فرص الحكومة الحالية في الانغماس مع محيطها العربي والاقليمي
ويخفف من حدة التوترات والتجاذبات مع هذه الدول خدمة للخطط الحكومية
الراهنة والمستقبلية.
· المصالحة الوطنية:
تفعيل اليات المصالحة، والخروج من حالة الجمود المرافقة لهذه
العملية وبما يوسع اطر المشاركة في العمل السياسي لكل من يؤمن به ولم
تتطلخ يديه بدماء الشعب العراقي هو غاية المطلب الذي اقره السيد رئيس
الوزراء نوري المالكي.
ان استلهام روح وعبق الماضي للاستنارة بهديه في تيسير حل الخلافات
وازالة الغموض عن المتعلقات بين مختلف الطوائف العراقية، هو مسؤولية
ينبغي النهوض بكاهل ادارتها من قبل الشخصيات الدينية والوطنية. ولنا في
القرآن الكريم خير دليل وانارة هدي ينبغي توضيحها، وهي كما ورد في سورة
قريش:
بسم الله الرحمن الرحيم
" لايلاف قريش * ايلافهم رحلة الشتاء والصيف * فليعبدوا رب هذا
البيت * الذي اطعمهم من جوع وامنهم من خوف "
صدق الله العلي العظيم
الايلاف، هو العقد الذي اخذه لقريش هاشم بن عبد مناف حينما اشرك في
تجارته رؤساء القبائل من العرب وملوك اليمن وبعضا من اهل الحبشة وملوك
الشام، فكفاهم مؤنة السفر على ان يكفوه مؤنة صد الاعداء في الحل
والترحال. فنجح بذلك في تحقيق جانبين، هما:
الجانب الاول: الامن الغذائي.
الجانب الثاني:الامن الاجتماعي، او ما يعبر عنه بالسلم الاهلي.
واليوم نحن بأمس الحاجة الى اقرارالسلم الاهلي القائم على اعلاء روح
المواطنة النبيلة وتغليب المصلحة العامة على المصالح الفردية والفئوية
والحزبية، وتدعيم المشاريع الوطنية في التصالح والتعاضد ونبذ الفرقة
والتفرق، والتي منها الصحوة والثورة العشائرية الفريدة التي تجتاح
المحافظات العراقية في مواجهة الفكر التكفيري والارهاب الاعمى.
الجانب الخدمي
(التكامل المطلوب)
شهدت فترة تطبيق الخطة الامنية تركزا في الاداء والتحرك العسكري ضمن
مناطق واحياء بغداد المختلفة، وانعكس هذا الاجراء سلبا على مستوى
الخدمات الاساسية المقدمة للمواطن وعلى كافة الاصعدة، وشهدت الايام
الاخيرة من الخطة بروز ظاهرة مهمة ومؤثرة في مجمل الحياة المعيشية
والاجتماعية لكافة طبقات الشعب العراقي، وهي ظاهرة الجدران الكونكريتية
العازلة الهجينة والغريبة عن النسيج العرفي والاجتماعي العراقي، والتي
بدأت مع الاسواق الرئيسية فأدت الى شلل شبه تام في مرافقها التجارية
والى ابعاد خطيرة في مجال تغيير خريطة توزيع المناطق التجارية المهمة
في بغداد.
واليوم تمتد هذه الظاهرة الى الاحياء السكنية بما تحمله من سلبيات
آنية ومخاطر مستقبلية تتعلق بطبيعة الاختلاط والتعايش والنسيج
الاجتماعي الذي فطر العراق عليه منذ فجر التأريخ.
وحتى لا نبتعد عن الموضوع، فأن التكامل في الخدمات وتدوير عجلة
الحياة الاقتصادية بما يؤدي الى احداث فارق مطلوب وضروري في حياة
المواطن البسيط يترافق مع مراحل الخطة وبشكل تصاعدي لتحقيق الدعم
المطلوب في مجال الحشد الشعبي والجماهيري، وتفعيل لجان الحشد الساندة
للخطة والمعطلة في الوقت الحاضر بكامل امكاناتها، مع العمل على رفع
مستوى الحالة الخدمية المقدمة للمواطن، في سبيل تحقيق الفارق على كافة
المستويات لتكون القياسات في الايجابيات على اساس ما قبل الخطة وما
بعدها في كافة المجالات وصولا الى التكاملية المطلوبة.
الجانب الاعلامي
(الرؤية الاحادية)
افساح المجال امام البوابة الاعلامية للولوج في تحليل سلبيات الخطة،
وبما يحقق المنفعة المرجوة من التحليل الاعلامي البناء في تشخيص الخلل
والسعي لمعالجته حتى لا يتطور ويمتد في تأثيراته السلبية على السياقات
العمومية لاليات التطبيق. ان الابتعاد عن الرؤية الاحادية في مجال
التشخيص الايجابي التي يعالج بها الاعلام الرسمي، من جانب، موضوعة
الخطة والذي هو ضروري في الوقت الراهن للحفاظ على مصداقيته وبما يخدم
الخطة الامنية ويحقق الاهداف في تواصل وتفاعل المواطن العراقي مع
الحدث.
اما الجانب الاخر فيتمثل في الخطاب العسكري البحت للخطة التي يمثلها
الزي، التصريح الاعلامي اليومي المتكرر الذي يعود بنا الى اجواء الحرب،
التي نحن بأمس الحاجة لنسيان مآسيها واعلاء خطاب السلام والاعمار.
اضافة الى ان الخطاب الاعلامي للخطة يحتاج الى اكثر من ناطق عسكري
واحد، بل يحتاج الى هيئة متكاملة تتألف من ناطق عسكري وناطق مختص بشؤؤن
الخدمات وناطق بأسم حقوق الانسان...، حتى نستطيع شمول جميع جوانب الخطة
بالشكل والمستوى الذي يحقق الالتحام والمصداقية مع المواطن ويوفر الدعم
والاسناد الشعبي والاعلامي المطلوب لنجاحها.
*الناطق الرسمي لمنظمة العمل الاسلامي
info@iao-iraq.org |