القات (وهم السعادة) التي تنخر جيوب اليمنيين وتخرّب اقتصادهم

 شبكة النبأ: معلوكة القات وسويعات من الخدر المحبب في رواق البيت، او مع الاصدقاء، وكلام عن السياسة، او النهش في خلائق الله، هو المتوفر الوحيد لغالبية اهل اليمن، هذه العادة اليومية التي تشبه الطقوس، والتي تدعى هناك (بالتخزين)، أي بمعنى تخزين المادة الفعالة لأوراق القات في تجويف الفم، وامتصاص موادها باستمرار، والذي قد يستمر لساعات حتى حلول سلطة النوم، فتهدأ النفوس قريرة بانتظار يوم آخر.

وله وجبته المعتادة من تلك الاوراق التي لا غنى عنها بالنسبة للمدنيين، وليس هناك اهمية لما يسببه نبات القات من آثار صحية او اقتصادية، وتخلف زراعة محاصيل فعالة مثل الحبوب، او منتجات غذائية توازن الحياة الاقتصادية وتقلل من الاتّكاء على الاستيراد.

وقت الغداء في صنعاء، تبدأ جميع المكاتب في إغلاق أبوابها، وتختفي التجمعات من الأسواق القديمة، وتعجل المطاعم بالتخلص من آخر زبائنها.. لقد جاء القات، وبوصول شاحنة تحمل نبات القات من الريف ينتهي يوم العمل، ويشرع اليمنيون في مضغ أوراقه لفترات تصل أحيانا لأربع أو ست ساعات، بل أحيانا عشر ساعات، وبعد ظهر أي يوم يمكن للزائر أن يرى عددا كبيرا من الرجال وهم يمضغون القات، وقد انتفخت إحدى وجنتيهم بحجم كرة التنس سواء كانوا جالسين أو سائرين أو يقودون سياراتهم ويبدو له للوهلة الأولى انهم يحتاجون لطبيب أسنان.

وينتقي السائق زايد الريحاني (28 عاما) بعض الأوراق ليحشو بها وجنتيه المنتفختين بالفعل ويعدد فوائد القات. بحسب رويترز.

فبعد خمس ساعات من بداية الرحلة من ميناء عدن في الجنوب الى العاصمة في الشمال وهي رحلة تستسغرق ثماني ساعات بالسيارة يقول "يبقيني القات مستيقظا 24 ساعة، اذا كنت أعمل في دورة مسائية فانه يساعدني في ان اكون متيقظا، بدأت مضغه وأنا في الخامسة عشرة تقريبا... نزرعه في قريتنا."

ويشيع استخدام القات في اليمن حيث يعيش 19 مليون نسمة ولكن عددا كبيرا من الخبراء يقولون انه يدمر اقتصاد البلاد الضعيف ويستنفد ثروات المياه الثمينة.

والطلب على القات كبير واليمنيون مستعدون لانفاق جزء كبير من دخلهم الضعيف عليه حتى ان المزارعين يقتلعون الفواكه والخضروات والبن لزراعة النبات الذي يدر مكاسب على مدار العام.

وتفيد أرقام رسمية ان انتاج القات نما بما يزيد عن 41 في المئة الى 147444 طنا في عشر سنوات حتى 2006.

بذلك يصبح القات أكبر المحاصيل التي تُدِر دخلا بفارق كبير عن القطن أقرب منافسيه والذي بلغ انتاجه 22002 طن في العام الماضي.

وينتشر القات على منحدرات الكثير من الجبال بشمال اليمن وبدأ يزحف الآن صوب السهول الى الجنوب.

وقال دبلوماسي غربي: ان القات سبب مشاكل اليمن ولكنه في الواقع أحد الأعراض.. مثل إدمان المخدرات في المناطق الفقيرة داخل المدن، ويعاني السكان هنا من عوز شديد والقات يؤدي لتفاقم الوضع."

وتابع "ينبغي مضغه لفترة طويلة حتى يحدث تأثيره لذا فانهم يغلقون أعمالهم في الواحدة والنصف بعد الظهر ويتأخرون في الوصول لأعمالهم في اليوم التالي، يتناقص الماء في صنعاء ويستورد اليمن كميات كبيرة من المواد الغذائية لان معظم المزارعين يزرعون القات."

ويشتهر اليمن بجباله الخصبة وسط صحراء شبه الجزيرة العربية ولكنه يعاني نقصا في المياه لأسباب منها زراعة القات ويتوقع ان تسوء الاوضاع مع نمو السكان بما يزيد عن ثلاثة بالمئة سنويا.

وقال مسؤول بوزارة الزراعة والري ان منطقة صنعاء ستعاني من الجفاف بحلول عام 2015 نظرا لان النبات يستنفد نحو 70 في المئة من الموارد المائية في اليمن.

ويعتمد اليمن على الآبار للحصول على المياه العذبة ولكن المزارعين والمسؤولين يقولون ان مستوى المياه نقص كثيرا حتى انهم يضطرون للحفر بعمق مئات الامتار للوصول للمياه بعدما كان يحفرون لعمق 50 مترا فقط في السابق.

ويقول عبد الكريم الارحبي وزير التخطيط ونائب رئيس الوزراء للشؤون الاقتصادية "القات مشكلة بكل تأكيد.. ما من شك في ذلك."

وتابع انه ليس بمخدر كما يعتقد كثيرون ولكن آثاره الضارة كثيرة بصفة خاصة حين يستنفد جزءا كبيرا من دخل الاسرة على حساب المأكل والتعليم.

واليمن من أفقر الدول العربية ويرى مواطنوه في مضغ القات مهربا من الحياة الصعبة وفي تجارته مورد دخل هم في اشد الحاجة اليه.

وتعترف وزارة الزراعة والري بانها تجاهلت المشكلة طويلا ولكنها بدأت في الآونة الاخيرة توزيع محاصيل بديلة مجانا ودعم عمليات الري، كما تسعى لحظر زراعة القات في بعض المناطق الملائمة لزراعة الحبوب.

إلا ان القات أصبح جزءا من النسيج الاجتماعي لليمن على نحو يصعب معه اقتلاعه.

ويشيع استخدامه بين المزراعين الذين ينفقون نصف دخلهم عليه وبين الساسة ورجال الاعمال الذين يقولون ان القات يسهم في ابرام الصفقات كما هو الحال مع رياضة الجولف في الغرب.

ويمضي اليمنيون وقتا طويلا في الدفاع عن القات مثلما يهدرون في مضغه وهم يصرون على نفي انه نوع من المخدر. ويقولون انه يساعد على التنبيه والتفكير بشكل سليم وتهوين مشاكل الحياة.

ويطلق اليمنيون على مضغ القات "التخزين" اذ تمضغ الاوراق ويبلع السائل الفعال مع الاحتفاظ بالاوراق الممضوغة في احد جانبي الفم للمساعدة على امتصاصه في الدم.

ويجتمع الناس أثناء جلسات "التخزين" للاستماع للموسيقى ومناقشة كل شيء من السياسة الى العمل الى الفلسفة.

ومنذ فترة ليست ببعيدة لم يكن مضغ المرأة القات مقبولا اجتماعيا ولكن كثيرات الآن يعقدن جلسات خاصة بهن رغم ان أسواق القات المزدحمة لاتزال الى حد كبير حكرا على الرجال.

ويبدأ العمل في أسواق القات -وهي الاكثر ازدحاما في اليمن- في الحادية عشرة صباحا وتغلق في حوالي الثانية مع مغادرة آخر عميل يحمل كيسا من البلاستيك يحتوي على النبات الاخضر.

وتُباع أنواع من القات بما يناسب كل الدخول ويتراوح السعر من دولار واحد لأكثر من مئة دولار لأفضل الانواع.

ولا توجد حانات أو حتى دار سينما واحدة في صنعاء ووسائل التسلية قليلة والمنزل هو محور الحياة الى حد كبير مما يزيد من انتشار عادة تخزين القات على حد قول بعض اليمينيين.

ويقول رفيق علي بائع القات "الطلب على القات أكثر منه على السلع الأخرى وانتشاره أوسع من اي شيء آخر. لم احاول حتى ان ابيع سلعة اخرى."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 30 آيار/2007 -12/جمادي الأول/1428