ما هي الأسباب الداعية إلى تحرير التجارة العالمية؟

 شبكة النبأ: إن المبّررات الفكرية للتجارة الحرة معروفة جيدا لعلماء الاقتصاد. وبعبارة بسيطة، إن الدول تستفيد من التخصص في إنتاج البضائع والخدمات التي تبرع في إنتاجها بأقصى حد من الكفاءة، ثم مبادلتها أو مقايضتها بالبضائع والخدمات التي تنتجها دول أخرى بنوعية أفضل وكلفة أقل.

وفي مثل هذا الوضع، تستفيد الدول من الإنتاج الأكثر كفاءة ومن اتساع الخيارات المتاحة أمام المستهلك ومن الحصول على بضائع وخدمات أعلى جودة وأقل كلفة.

فإزالة العوائق الحكومية المفروضة على التجارة تتيح للأفراد الوصول إلى مخزن العالم الأكبر لشراء الطعام والملابس والسلع المصنعة الأخرى وشراء الخدمات التي تشكل البنية التحتية للاقتصاد الحديث، بدءاً بالخدمات المالية وتوفير الاتصالات مروراً بخدمات النقل وحتى التعليم.

كما أن المنافسة تحفز مؤسسات الأعمال على الابتكار، وعلى تطوير عمليات وتقنيات إنتاج جديدة لخدمة المستهلك بشكل أفضل، وعلى دفع عجلة المعرفة. فعلى سبيل المثال، نرى أن تطوير التقنيات المتقدمة في مجال الكومبيوتر واكتشاف العقاقير المنقذة للأرواح ازدهرا في السنوات القليلة الماضية في ظل ظروف من الأسواق المفتوحة وفرص التصدير المؤاتية للنمو الاقتصادي، وكانت مقترنة بتطبيق لقوانين متشددة في حماية حقوق التأليف والنشر وحقوق الاختراع.

وفي مقال لـ(كرستينا ر. سفيلا) نائبة الممثلية التجارية الامريكية للعلاقات والاتصالات الحكومية، في نشرة واشنطن، تناولت فيه الاسباب الداعية للعمل على تحرير التجارة العالمية، قالت فيه:

سيذهب حوالي نصف مجمل الفوائد العالمية التي ستنجم عن التجارة الأكثر تحرراً إلى مواطني الدول النامية، أمثال تجارة الفاكهة الأنغولية.

الدليل واضح جلي. إن الانفتاح تجارياً يخلق الثروات للمجتمعات مما يمكنها من تلبية احتياجاتها ويعزز تطورها الاقتصادي، أما إقامة الحواجز في وجه التجارة فيجعل وضع الناس والمجتمعات أسوأ إجمالاً مما كان عليه.

وقد تعلمت الولايات المتحدة الأميركية هذا الدرس بعد فرض قانون الرسوم الجمركية المؤذي،

المعروف بقانون سموت - هاولي، في العقد الثالث من القرن الماضي. ومنذ أن تخلت الولايات المتحدة الأميركية عن القانون المذكور، تصدرت العالم في فتح الأسواق الدولية مما غذى نمو الدول وتطورها وساعد في انتشال الملايين من الفقر.

إلا أنه ما زال هناك الكثير مما ينبغي القيام به لتحقيق الفوائد التي ستنجم عن تحقيق تجارة حرة إلى حد أكبر في المنتجات الزراعية، والبضائع المصنعة، والخدمات، وسواها من المجالات.

والدول النامية هي التي ستستفيد، بشكل خاص، إذا ما تم تحقيق الخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه المفاوضات التجارية متعددة الأطراف. فقد توصلت دراسات البنك الدولي إلى أنه يمكن انتشال عشرات الملايين من مستنقع الفقر عبر زيادة حجم التجارة العالمية.

"سوف نكافح في سبيل رفع عبء الفقر عن كاهل المجتمعات المنكوبة به- ليس فقط في الوقت الحاضر وإنما على الدوام. وزيادة حجم التجارة هو السبيل الأكيد لزيادة الثروة"

الرئيس جورج دبليو. بوش 14 أيلول/سبتمبر، 2005

وتضيف كريستينا، يواجه عالم القرن الواحد والعشرين تحديات هائلة. فأكثر من بليون من سكان هذا العالم يعيشون في حالة فقر، وهي حالة تدمر الأسر والمجتمعات والدول على حدّ سواء.

وتشترك الدول المتقدمة والدول النامية على حد سواء في أهداف تقليص الفقر في مختلف أرجاء هذا الكوكب، وتحقيق نمو اقتصادي أكبر ومستويات معيشة أرفع، وخلق وظائف جديدة وفرص جديدة لمواطنيها.

وفيما تسعى هذه الدول إلى سبيل للخروج من الطريق المسدود الذي وصلت إليه مفاوضات دورة الدوحة الحالية التابعة لمنظمة التجارة العالمية، من المفيد التذكير بأن التجربة الفعلية والنظرية الاقتصادية قد أثبتتا أن الأسواق المفتوحة وتحرير التجارة العالمية، بإزالة الحواجز الجمركية وغير الجمركية المقيدة للتجارة، يشكلان طريقة أثبتت نجاحها في خلق الثروة وتحقيق النمو. فالدول المنفتحة على حرية التجارة تملك عادة ثروة أكبر وسكاناً أفضل صحة ومعدلات تعليم أعلى ومعدلات أمية أكثر انخفاضاً ومعايير أفضل للبيئة وحقوق العمال وفرصاً أكثر للاستثمار.

أما القيود التجارية فعلى العكس من ذلك إذ إنها قد تحمي مصالح شريحة صغيرة من السكان من المنافسة، إلا أن نتيجتها النهائية هي وضع البلد بأجمعه في حالة أسوأ من الحالة التي كان فيها من حيث الأرباح التي فاته جنيها والنمو الأبطأ، مما يعني شحّاً في الموارد اللازمة لمواجهة الاحتياجات الاجتماعية الضاغطة.

النظرية والبرهان

لماذا تمارس الدول التجارة؟ إن المبّررات الفكرية للتجارة الحرة معروفة جيداً لعلماء الاقتصاد. وبعبارة بسيطة، إن الدول تستفيد من التخصص في إنتاج البضائع والخدمات التي تبرع في إنتاجها بأقصى حد من الكفاءة، ثم مبادلتها أو مقايضتها بالبضائع والخدمات التي تنتجها دول أخرى بنوعية أفضل وكلفة أقل. وفي مثل هذا الوضع، تستفيد الدول من الإنتاج الأكثر كفاءة ومن اتساع الخيارات المتاحة أمام المستهلك ومن الحصول على بضائع وخدمات أعلى جودة وأقل كلفة.

كما أن المنافسة تحفز مؤسسات الأعمال على الابتكار، وعلى تطوير عمليات وتقنيات إنتاج جديدة لخدمة المستهلك بشكل أفضل، وعلى دفع عجلة المعرفة. فعلى سبيل المثال، نرى أن تطوير التقنيات المتقدمة في مجال الكومبيوتر واكتشاف العقاقير المنقذة للأرواح ازدهرا في السنوات القليلة الماضية في ظل ظروف من الأسواق المفتوحة وفرص التصدير المؤاتية للنمو الاقتصادي، وكانت مقترنة بتطبيق لقوانين متشددة في حماية حقوق التأليف والنشر وحقوق الاختراع.

أما العوائق التي تقام في وجه المنافسة الحرة فتسفر عادة عن نقيض ذلك: صناعات محلية أقل كفاءة؛ وكلفة أعلى؛ ونوعية أدنى جودة؛ وخيارات أقل في السلع والبضائع والخدمات؛ وإبداع أقل؛ ونمو اقتصادي أبطأ.

ويقدم تاريخ القرن العشرين الاقتصادي لنا برهاناً مفحماً على الفوائد الهائلة التي عاد بها تحرير التجارة على مئات الملايين من البشر حول العالم. كما أن هذا التاريخ يقدم لنا، في الوقت نفسه، درساً قاسياً على الثمن الذي دفعه العالم نتيجة فرض الحواجز التجارية. ففي العام 1930، فرضت الولايات المتحدة الأميركية حواجز تجارية لم يسبق لها مثيل لاعتقادها خطأ بأنه لا يمكن للمنتجين الأميركيين أن ينجحوا في منافسة المنتجين الأجانب، نظرا لرخص أجور اليد العاملة وسائر تكاليف الإنتاج في البلدان الأجنبية.

وقد سن الكونغرس آنذاك قانون سموت - هاولي للتعريفة الجمركية الذي فرض حواجز جمركية مرتفعة بقصد حماية الأسواق الأميركية الداخلية من خطر المنافسة الخارجية. وكانت النتائج كارثية. فقد رد شركاء الولايات المتحدة التجاريون على هذه الإجراءات بإجراءات مماثلة هدفها حماية أسواقهم المحلية من المستوردات الأجنبية.

وهكذا، انخفض حجم التجارة العالمية بنسبة 70% في بداية الثلاثينات من القرن الماضي، الأمر الذي تسبب في تسريح عشرات الملايين من وظائفهم، وعمق أزمة الكساد العظيم الشهيرة، وأججّ التوترات السياسية التي ساعدت على اندلاع الحرب العالمية الثانية.

ومنذ ذلك الحين، قام رؤساء الولايات المتحدة الأميركية المتعاقبون، شأنهم في ذلك شأن سائر مجالس الكونغرس المتعاقبة، بوضع الأسس والتوصل إلى إجماع على التعاون الاقتصادي السلمي وتشاطر الازدهار من خلال الاتفاقية العامة للتعريفات والتجارة (اتفاقية الغات)، ثم من خلال المؤسسة التي خلفتها، منظمة التجارة العالمية. وقد توسعت منظمة التجارة العالمية التي بدأت بأعضاء اتفاقية غات الـ23 الذين أسسوها في عام 1947، حتى أصبحت تضم اليوم مئة وخمسين عضواً يمثلون جميع مستويات التطور الاقتصادي وجميع مناطق العالم، بالإضافة إلى أكثر من أربع وعشرين دولة أخرى تسعى حالياً للانضمام إلى عضويتها.

أما الهدف الرئيسي فقد ظل هو ذاته لم يتغير: تقليص العوائق التي تقف في طريق التجارة وحفز تدفق تجاري جديد بين الدول، مما يشرع الأبواب على مصراعيها لجني منافع التطور والنمو الاقتصادي إلى أوسع حد ممكن. كما أن القوانين التجارية تؤمن أيضا، في ما تؤمنه، الدقة والشفافية، والقدرة على توقع توجهات التجارة الدولية، وتساعد في ترسيخ حكم القانون، وتفسح المجال أمام الدول لحل نزاعاتها التجارية بالطرق السلمية.

التجارة تخلق الثروة

لقد أثبتت التجربة والاختبار أن توسيع نطاق التبادل التجاري العالمي ضرورة أساسية للنمو الاقتصادي وجني الثروة بالنسبة للدول المتقدمة والنامية على حد سواء. فالانفتاح الاقتصادي لأسواق الولايات المتحدة شكّل حجر الزاوية لقوة هذه البلاد وازدهارها.

وتملك الولايات المتحدة اليوم أضخم اقتصاد في العالم كما أنها أضخم مصدّر وأضخم مستورد في العالم. وقد ساعدت التجارة الأكثر تحرراً، منذ التسعينات من القرن الماضي، على زيادة إنتاج الاقتصاد القومي الأميركي بنسبة حوالى 47%، وأتاحت خلق تسعة عشر مليون فرصة عمل جديدة في نفس تلك الفترة. وتؤمن الصادرات المصنوعة اليوم أكثر من سُدس الوظائف الصناعية في الولايات المتحدة الأميركية، أي ما يقدر بحوالى 5.2 مليون وظيفة، يضاف إليها مليون فرصة عمل أخرى يؤمنها قطاع الصادرات الزراعية. وتعود الوظائف المرتبطة بالتصدير على العاملين فيها بأجور تزيد ما بين 13% و18% على معدل الأجور القومي.

هذا، وتستفيد الأسر في الولايات المتحدة الأميركية أيضا من حرية واسعة في اختيار مشترياتها من بين شتى السلع الواردة إليها من مختلف أنحاء العالم.

ويقدر ما تولده الاتفاقيتان التجاريتان الكبيرتان اللتان تم إبرامهما خلال التسعينات من القرن الماضي، وهما اتفاقية التجارة العالمية في دورة الأورغواي، واتفاقية التجارة الحرة لأميركا الشمالية (نافتا) المعقودة بين الولايات المتحدة الأميركية وكندا والمكسيك، من قدرة شرائية إضافية لكل أسرة أميركية مؤلفة من أربعة أشخاص بما بين 1300 و 2000 دولار أميركي سنويا.

أما بالنسبة للدول النامية، فإن فوائد الانفتاح التجاري المقترنة بإصلاحات داخلية تدعم السوق قد ثبتت هي أيضاً بالتجربة، وفرص تحقيق مزيد من النمو الاقتصادي وتقليص الفقر من خلال تحرير التجارة فرص لا يستهان بها.

فقد جاء في تقارير البنك الدولي أن الدخل الفردي الحقيقي نما في التسعينات من القرن الماضي في الدول النامية التي قلصت حواجزها التجارية بسرعة تزيد ثلاث مرات (إذ بلغ معدل نموه السنوي 5 بالمئة) على سرعة نموه في الدول النامية الأخرى (التي بلغت نسبة ارتفاع الدخل الفردي السنوي فيها 1,4 بالمئة فقط).

أما بالنسبة للفقر، فإن أستاذ علم الاقتصاد في جامعة كولومبيا، البروفسور خافيير سالا-إي- مارتين، يرى أن معدلات الفقر حول العالم قد انخفضت بشكل بارز خلال العقود الثلاثة الماضية. فهو يقدّر أن عدد الفقراء في العالم كان في العام 2000 أقل بما بين 250 مليون نسمة و500 مليون نسمة عما كان عليه في العام 1970، وأنه رافق ذلك انخفاض في حدة الفوارق في الدخل الفردي في العالم خلال الثمانينات والتسعينات من القرن المنصرم. فالصين مثلا، فتحت أسواقها بنشاط كبير ووسعت تجارتها العالمية، مما أدى إلى انتشال أكثر من 250 مليون صيني من الفقر.

أما تشيلي التي فتحت هي أيضاً أسواقها بنشاط أمام التجارة العالمية فقد نجحت هي الأخرى في تخفيض معدل الفقر فيها بأكثر من النصف، إذ انخفض معدل الفقر فيها من نسبة 46% في العام 1987 إلى نسبة تقارب 18% في العام 2004. ومن الجهة الأخرى، فإن دول المنطقة الواقعة جنوب الصحراء الإفريقية، وهي منطقة كانت أقل انفتاحاً بكثير على التجارة العالمية، شرعت الآن فقط بالبدء في فتح أسواقها وتوسعة تجارتها بشكل سيقلص الفقر الذي تفاقم فيها.

وتشير الدراسات التي قام بها البنك الدولي ومؤسسة بيترسون للاقتصاد الدولية، إلى أنه يمكن للتجارة العالمية الحرة أن تنتشل عشرات الملايين الآخرين من براثن الفقر، وأن تضخ 200 بليون (ألف مليون) دولار أميركيفي اقتصادات الدول النامية. إلا أنه يتعين، كي تتمكن الدول النامية من الاستفادة بشكل تام من فوائد تحرير التجارة، أن تكون هذه السياسة مقرونة بإصلاحات داخلية أخرى، مع توفير المساعدات وتعزيز القدرات الذاتية.

وفي ما يتعلق بتعزيز القدرات التجارية، جعلت الولايات المتحدة الأميركية في رأس سلم أولوياتها إمداد الدول النامية بالأدوات لتمكين هذه الدول من الاستفادة من نظام التجارة العالمية الراهن. فالولايات المتحدة الأميركية هي الدولة التي تقدم، كدولة منفردة، أضخم مساعدات تتعلق بالتجارة، وهي مساعدات تتضمن البنية التحتية المادية المتصلة بالتجارة. وقد بلغ مجموع ما قدمته الولايات المتحدة من هذه المساعدات في الفترة الممتدة من العام 2001 إلى العام 2006، 5.6 بليون دولار من المنح.

بعض البلدان التي بدأت تفتح أسواقها التجارية للبضائع المستوردة، كالهند، باتت توفر لمستهلكيها خيارات أكثر بكثير في مجال البقالة وغيرها من السلع.

تحرير التجارة والتنمية

تعتبر الدول النامية من الدول التي يرجح أن تستفيد إلى حد كبير من تحرير التجارة متعددة الأطراف في المنتجات الزراعية والسلع المصنوعة والخدمات إلى حد أكبر خلال دورة مفاوضات الدوحة التابعة لمنظمة التجارة العالمية.

الزراعة: يعيش أكثر من 70% من الفقراء في الدول النامية في الأرياف. وتتفق دراسات البنك الدولي مع دراسات منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، على أن أهم ما يمكن للدول الصناعية المتقدمة القيام به لمنفعة الدول النامية هو إجراء تخفيضات كبيرة في التعريفات الجمركية المفروضة على السلع الزراعية.

ومن شأن قيام الدول المتقدمة والنامية على السواء بإلغاء تشويهاتها لسوق المتاجرة بالسلع الزراعية، أن يعود بحوالى ثلثي (63%) الفوائد الناجمة عنه لمصلحة الدول النامية. وتشير دراسات البنك الدولي إلى أن نسبة 93% من المكاسب الإنعاشية المتأتية عن إزالة التشوهات في التجارة العالمية في المجال الزراعي سوف تتحقق من خلال تخفيض الرسوم الجمركية المفروضة على الواردات، في حين أن 2 بالمئة فقط من المكاسب سينجم عن تقليص المساعدات الحكومية الرسمية للصادرات و5 بالمئة سينجم عن تقليص الدعم المحلي.

والواقع هو أن جميع المكاسب الإنعاشية التي ستنجم عن إزالة التشوهات في التجارة العالمية في المنتجات الزراعية والتي ستحظى بها الدول النامية ستكون نتيجة لإلغاء التعريفات المفروضة على الواردات الزراعية.

البضائع: يقدر البنك الدولي، أن الدول النامية ستجني ثمار حوالي نصف الفوائد الاقتصادية الدولية الناتجة عن تحرير تجارة البضائع والسلع. فالزيادة السنوية المتوقعة في دخل الدول النامية بحلول العام 2015 تقدر بمبلغ 142 بليون دولار أميركي، أي 49% من المكاسب الإجمالية العالمية. ولدى أخذنا التحولات الديناميكية في اقتصادات الدول بالحسبان، ترتفع هذه الزيادة المقدرة إلى مبلغ 259 بليون دولار، أي ما يمثل نسبة 56% من مجمل المكاسب التجارية العالمية. والحواجز التجارية في الدول النامية هي أكثر منها في الدول المتقدمة. ويرى صندوق النقد الدولي أن القيود المفروضة على التجارة في الدول النامية تزيد بأربع مرات عما هي عليه في الدول الغنية.

ونظراً لكون 70% من الرسوم الجمركية المفروضة على البضائع التي تتاجر بها الدول النامية تدفع إلى دول نامية أخرى، يمكن للدول ذات الدخل المنخفض وذات الدخل المتوسط أن تستفيد من إلغاء حواجزها وأن تحفز تدفق مزيد من النشاط التجاري بين دول الجنوب.

الخدمات: تشكل الخدمات الآن، مصدر العمالة الرئيسي في اقتصاد البلدان النامية، وقد تصل نسبتها إلى 50% من الوظائف في أميركا اللاتينية وجزر البحر الكاريبي وشرق آسيا. والخدمات هي المستقبل للدول النامية، لأن قطاع الخدمات هو القطاع الأسرع نمواً بين مكوّنات الناتج الاقتصادي الإجمالي فيها، كما أنه أكبر مجال من مجالات الاستثمار الأجنبي المباشر (FDI). فقطاع الخدمات يستقطب نسبة 60% من الاستثمارات العالمية المباشرة، وقد ارتفع المبلغ المستثمر فيه من 870 بليون (ألف مليون) دولار أميركي في عام 1990 إلى 5.9 تريليون (مليون مليون) دولار في العام 2004.

ونظراً لكون القيود المفروضة على تجارة الخدمات كثيرة ومتشعبة، فإن الفائدة التي ستنجم عن تقليصها ستكون جمة. فعلى سبيل المثال، أشار تقرير أصدره البنك الدولي حديثاً أن الدول التي تملك قطاعاً حراً للخدمات المالية قد حققت نمواً أسرع بنسبة 1% من النمو الذي حققته الدول الأخرى. وتقدر دراسة صادرة عن جامعة مشيغان أن تحرير سوق الخدمات كفيل وحده بإنتاج أكثر من ثلثي المكاسب الاقتصادية العالمية التي ستنجم عن إلغاء الحواجز التجارية.

التجارة والبيئة

يمكن لتحرير التجارة دعم التنمية المستديمة، وينبغي أن يفعل ذلك. وبوجه عام، تميل الدول الغنية إلى تخصيص قدر أكبر من موارد المجتمع للمحافظة على بيئتها وصيانتها.

وفي منظمة التجارة العالمية، تبشر دورة مفاوضات الدوحة بإمكانية عظيمة للنجاح في التوصل إلى حالات يفوز فيها الجميع ولا يكون هناك أي خاسرين في ما يتعلق بالتجارة والبيئة، بحيث يكون لتحرير التجارة نتائج بيئية إيجابية.

وعلى سبيل المثال، إن الكثير من المنظمات البيئية غير الحكومية البارزة، مثل منظمة "أوشيانا" (Oceana) والصندوق العالمي للحياة البرية (WWF)، قد أيد جهود وزراء التجارة الرامية، كجزء من مفاوضات الدوحة، إلى وقف المساعدات الحكومية الرسمية المضرة بالأسماك، إذ تؤدي إلى الإفراط في صيد ثروات المحيطات واستنفاد المخزون من الأسماك. وعلاوة على ذلك يمكن لتحرير المتاجرة بالسلع والخدمات البيئية أن يدعم أهداف التنمية المستديمة من خلال زيادة إمكانية الحصول بكلفة أقل على تكنولوجيات بيئية أساسية في مجالات مثل إدارة مياه الصرف الصحي، وإدارة النفايات الصلبة والخطرة، وإعادة تأهيل التربة والمياه، وحماية الغلاف الجوي، وإنتاج الطاقة المتجددة.

الطريق الأرشد

إن الدول المتقدمة والنامية، على حدّ سواء، تقف الآن أمام خيارات في ما يتعلق بتوجه سياستها التجارية. وقد يقع صناع القرار، في خضم الاقتصاد العالمي سريع التقلُّب، فريسة لإغراء حماية أسواقهم القومية من المنافسة الخارجية وإقامة حواجز جديدة تفيد مجموعة ضئيلة نسبياً على حساب الأغلبية الساحقة من المنتجين والعمال والمستهلكين.

وتنصح النظريات الاقتصادية والأدلة الناجمة عن التجارب الفعلية باعتماد سبيل أكثر حكمة. فسياسة الانفتاح التجاري شكلت أساساً للنمو الاقتصادي والازدهار، ولرفع مستويات المعيشة، ولتحسين حياة ملايين لا تحصى من سكان مختلف الدول حول العالم.

والولايات المتحدة الأميركية على استعداد تام لإزالة ما تبقى من الحواجز الجمركية لدى قيام الأطراف الأخرى بالمثل وخلق تدفق تجاري سيعود بالفائدة على المؤسسات التجارية الكبيرة والصغيرة وعلى العمال والمزارعين والعائلات.

إن المكاسب التي سيتم تحقيقها لمئات الملايين الآخرين الذين ينشدون مزيداً من الحرية والفرص وسبيلاً يخرجهم من الفقر تعني أنه لا مناص من توسعة أسواق جديدة في الخارج.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 30 آيار/2007 -12/جمادي الأول/1428