الطائفية  وتراب الصف

   يحيى الشيخ زامل

   الحرب الطائفية من أتعس الحروب وألعنها لكون القاتل والمقتول من بلد واحد، يتكلمون نفس اللغة ويحملون نفس الهوية ويسكنون في بلدٍ واحد، أثارتهم الفتنة الطائفية وقهقرت عقولهم العقدة (القابيلية) منذ أن وضع الإنسان يده على حجرٍ وقال هذا لي..... !

    جمعني قبل أيام مجلساً مع أحد المثقفين والكتاب المهجرين بسبب أعمال العنف الطائفية المقيتة التي اجتاحت البلاد والعباد، وافترست أكثر مناطق بغداد فضلاً عن باقي المحافظات، فشكلت بؤراً للفساد يصعب علاجها والسيطرة عليها، لشروع الكثير ممن نشبت الكراهية في قلوبهم وأحالتهم إلى وحوشاً كاسرة أفرغتهم من أي رحمة  فراحوا يدسون معاول الهدم والتفتيت للنسيج الاجتماعي العراقي الذي لقى الأمرين من حكومات الاستبداد المتعاقبة على حكمه.

لم تكن غير الآهات والحسرات تخرج من قلبه الذي يتفطر حزناً على بلاده التي أنتهبت وسرقت في وضح النهار ثم ها هي الآن تقع ضحية لأجندات خارجية وتفقد شيئاً فشيئاً روابط وحدتها وعزتها وصفو حياتها الموزائيكية التي اعتادت عليها، لم يفرقهم دين أو مذهب أو معتقد أو رأي وأن اختلفوا ولكنهم لم يخالفوا ولم يزدلفوا عن الجادة الوسطى في العيش بسلام وآمان متجاورين في المدن ومتناسبين في الزيجات ومتشاركين في التجارة والأموال، لأن العيش لا يطيب في سماء تملئها صور القتل والخطف والاغتيال والمسامير التي تملأ فراغات الجسد الضحية، لذا يشد الناس الرحال الطيبون الرحال بعيداً للبحث عن وطن جديد خالياً من الحزن، بعيداً في العراء وفي أطراف المدن النائية وعند مفترق الطرق والمسافات التي بدأت تكبر وتكبر لتأكلنا الواحد تلوا الأخر.

 فقال لي والدمعة تكاد تفر من عينية وبصوت تخنقه العبرة  : تدرس ابنتي منذ سنين في مدرسة نموذجية في وسط بغداد وهي شاطرة جداً، وبعد تهجيرنا هي الآن جليسة الدار، وقبل أيام خابرتها أحدى صديقاتها ( مع العلم أنها من طائفة أخرى ) ووعدتها بأن ترسل لها بعض الهدايا....

 أتدري ماذا طلبت منها ابنتي....

 لم أقل نعم أو لا، وكنت محتاراً حينها ماذا أجيب....

 ولكنه أكمل حديثه : لقد طلبت من صديقتها قائلة : ( حين تكنسون الصف وتجمعون التراب أرجوا أن ترسلي لي هذا التراب....هذا هو هديتي )، التراب...... التراب كم يعشق العراقي تراب وطنه مع أنه من أكثر أسباب تعاسته وحزنه وموته.

  ما هو ذنب العراق والعراقيين ؟ وما هو سبب هذه الهجمة البربرية القادمة من أقاليم الأرض بكل ما يحملون من أمراض وعقد ؟ هل بسبب كون العراق أرض الحضارات والمقدسات، أرض الأنبياء والأوصياء والشرائع المقدسة والأمجاد الضاربة في عمق الأرض، أم بسبب كون أرضه تحمل ثروات يسيل لها لعاب المستعمرون..

لمن المؤسف حقاً..  أن يبقى العراقي لا يفقه شيئاً ولا يدري عما يدور حوله،ولا يدري بأي سبب يذهب أخوته فلا يعودون،ولا يدري بأي سبب يبيحون دمه مع أن دمه أحمر مثل كل  دماء الشعوب.

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 24 آيار/2007 -6/جمادي الأول/1428