قانون النفط العراقي  وتحقيق الوفاق الوطني

 شبكة النبأ: رغم أن ضغوطات أمريكية كبيرة مورست منذ ولاية السفير الأمريكي السابق خليلزاد على رؤساء الكتل السياسية من اجل الإسراع في تقديم مسودة قانون النفط الا ان هذا القانون لم  ير النور لحد الان بسبب السجالات بين الكتل البرلمانية التي تستند كل منها الى مصلحة خاصة وتشعر بعدم الثقة بالاخر.

فالاكراد من جانبهم لا يريدون سيطرة الحكومة المركزية على توقيع عقود الاستثمار النفطي ويرفضون ايضا ان تتولى شركة النفط العراقية توزيع حصص واردات النفط عن طريق وزارة المالية العراقية، بل يريدون الحرية في عقد صفقات التنقيب والاستخراج والبيع من قبل حكومة الاقليم فقط وان تبقى صلاحية المركز في نطاق الاشراف. وهم بهذا يضعون شروطا تعجيزية لم ولن توافق عليها الكتل البرلمانية الاخرى سنة ام شيعة.

اما السنّة فهم رغم توارد التقارير بشان اكتشاف كميات كبيرة من النفط في المنطقة الغربية من العراق الا انهم يخشون ان يسيطر الشيعة في الجنوب على حقول النفط الرئيسية وكذلك الاكراد في الشمال مما يضعهم(السنّة) تحت رحمة الاطراف الاخرى. وهم لذلك بحاجة الى بنود تطمئنهم وتضمن حقهم من الواردات.

وعلى هذا قال برهم صالح نائب رئيس الوزراء العراقي لرويترز، ان الأمل لازال يحدو العراق بالاتفاق على مسودة قانون النفط هذا الشهر بما يتيح للبرلمان تمريره قريبا.

وقال صالح على هامش أعمال المنتدى الاقتصادي العالمي في الاردن انه يفترض ان تبدأ المفاوضات قريبا في بغداد بغية مراجعة تفاصيل مرفقات القانون وطرق توزيع الايرادات.

وقال صالح ان الذين يطلبون إجراء محادثات يريدون ضمان ان القانون يشمل قيودا وتوازنات للتوزيع العادل للايرادات ويريدون مناقشة نطاق نشاط وسيطرة شركة النفط الوطنية العراقية.

وقال انهم يأملون الانتهاء من ذلك قبل نهاية الشهر مضيفا ان التوصل لاتفاق سيعني ان القانون سيحال الى البرلمان للموافقة عليه.

وقال صالح ان القانون سيحدد شكل اقتصاد البلاد لفترة طويلة واصفا إياه بأنه أهم تشريع يواجه العراق صياغته.

ويهدف القانون الى توزيع ثروة النفط العراقية بعدالة بين الشيعة والعرب السنة والاكراد. وترى واشنطن انه قانون مهم لضمان تحقق مصالحة وطنية في العراق.

يكمن السبب الرئيس وراء حاجة العراق إلى قانون جديد للنفط، كما صرح بذلك الرئيس الأميركي جورج بوش في "اقتسام عائدات النفط بين جميع مواطني العراق"- السُّنة والشيعة والأكراد- والسعي إلى توحيد البلاد، وهو الهدف الذي يحظى بتأييد واسع من قبل الكونجرس الأميركي و"مجموعة دراسة العراق" التي أكدت في تقريرها الصادر عام 2006 الحاجة الملحة إلى إقرار قانون للنفط "لإقامة إطار مالي وقانوني يستقطب الاستثمارات" في مجال الصناعة النفطية، لكن بوضع مسودة القانون في سياق معايير إحراز تقدم في العراق، بدأ يتكاثر الجدل حوله في كل من واشنطن وبغداد، وإلى غاية الآن ينصب إحباط الكونجرس الأميركي حول ما يعتبر تباطؤاً عراقياً لإقرار قانون النفط الذي ساهم المستشارون الأميركيون في صياغته، لكن النقاش بدأ يمتد إلى فحوى مشروع القانون نفسه وما ينص عليه من بنود خاصة ما إذا كان الهدف النهائي منه هو ضمان استفادة الشركات الدولية من استغلال حقول النفط العراقية الغنية، وباستعداد المشرعين الأميركيين، في مجلسي النواب والشيوخ، لصياغة قانون جديد يربط تمويل الحرب بتحقيق تقدم ملموس في العراق، بدأ القانون المقترح حول النفط يخضع للفحص والمناقشة.

وفي هذا السياق يقول النائب الجمهوري "جو سيستاك" ومستشار الدفاع السابق في إدارة الرئيس بيل كلينتون: إن "هناك تقارير تأتي من العراق، رغم صعوبة تأكيدها، تشير إلى إعطاء أفضلية غير عادلة لشركاتنا، كجزء من قانون النفط الجديد، وإذا صح ذلك فإنه أمر غير لائق"، مضيفاً القول "إن الهدف من وضع معايير لإحراز التقدم هو الدفع بمجمل العملية إلى الأمام، لكننا نحتاج إلى معايير تخدم العراقيين والأميركيين معاً، تخدم ليس فقط الاقتصاد، بل أيضاً المثل التي نؤمن بها"، ولعل ما يؤجج المقاومة ضد إدراج قانون النفط ضمن معايير إحراز التقدم في العراق، والتي يصر عليها الكونجرس الأميركي، هو ما تشير إليه التقارير الإخبارية من أن مشروع القانون لا يركز على مسألة تقاسم الثروة النفطية بين العراقيين بقدر ما يهتم باستحداث إطار للاستثمارات قد لا يكون في صالح العراق على المدى الطويل، لكن في المقابل تحتاج صناعة النفط العراقية فعلاً إلى استثمارات جديدة، وهو ما لن يحصل دون إطار قانوني يضمن احترام الحكومات العراقية المقبلة للعقود الموقعة مع الشركات.

وهكذا وجه النائب "الجمهوري" والمرشح الرئاسي "دينيس كوسينيتش" الذي يقود المعارضة ضد مسودة قانون النفط، رسالة إلى زملائه "الديمقراطيين" يعبر فيها عن رفضه للمسودة. وناشدت مجموعة من المنظمات التي تراقب شركات النفط، فضلاً عن نشطاء السلام، رئيسة مجلس النواب "نانسي بيلوسي" والسيناتور الديمقراطي "هاري ريد" لإسقاط قانون النفط المقترح من قائمة معايير التقدم التي يتشبث بها الكونجرس.

"ستيف كريتزمان"، المدير التنفيذي لإحدى المنظمات التي تراقب أنشطة شركات النفط، وأحد الذين شاركوا في توجيه الرسالة إلى الكونجرس، يقول:

"إذا ما ظهر الديمقراطيون وكأنهم يطالبون بالانسحاب من العراق فقط بعد التوقيع على قانون النفط، فإن ذلك سيثير مزيداً من الشكوك"، وقد عبر عن ذات الموقف "حسن جمعة عواد"، رئيس الفيدرالية العراقية لاتحادات النفط في رسالة مفتوحة وجهها إلى "الديمقراطيين" في الكونجرس يحثهم فيها على "عدم ربط انسحاب القوات من العراق بقانون النفط، لاسيما أن الولايات المتحدة زعمت أنها جاءت لتحرير العراق وليس للسيطرة على مقدراته".

لكن بالنسبة لأغلب المشرّعين الأميركيين يعبر التأخر في إقرار قانون النفط عن عجز القادة العراقيين عن اتخاذ القرارات السياسية الحازمة بشأن مستقبل البلاد، مثل كيفية توزيع الثورة النفطية بين العراقيين، وقد أشار إلى ذلك رئيس الأغلبية الديمقراطية في مجلس الشيوخ "هاري ريد" عبر تصريح أدلى به خلال نقاش حول الحرب في العراق قال فيه: "مازالت الحكومة العراقية تتخبط في أزمتها بدون قانون للنفط".

من جانبهم  يرى المشرعون العراقيون في بغداد، أن موضوع النفط ينطوي على تعقيدات هائلة ومن غير المناسب الاستعجال بشأنه، كما يتعين التعامل معه كآخر قضية يتعين حلها وليس باعتباره القضية الأولى، والأكثر من ذلك، ينوه العراقيون إلى أن مقترح قانون النفط الجديد لا يعالج القضايا التي يعتقد المشرعون الأميركيون أنه جاء لحلها، وفي هذا الصدد صرح وزير النفط العراقي السابق "عصام الجلبي" في مقابلة تلفونية أجريت معه من عمان قائلاً: "إن مسودة القانون الحالي لا تمت بصلة إلى مسألة اقتسام عائدات النفط"، فالهدف من القانون على حد قوله، هو إقامة إطار ملائم لاستثمار الشركات الأجنبية في القطاع النفطي العراقي بالاعتماد على اتفاقيات تقاسم الإنتاج التي يُلجأ إليها عادة لمكافأة الشركات المستعدة للمجازفة والاستثمار.

ويضيف وزير النفط العراقي السابق: "نحن نعرف أن النفط موجود في العراق، حيث أثبتت دراسات جيولوجية عديدة أجريت على تلك الحقول وجود النفط بكميات كبيرة، فلماذا إذن نسمح للشركات الأجنبية بالحصول على حصة من النفط؟ حينها سيقول العراقيون بأن هذا القانون هو دليل قاطع على أن الهدف من شن الحرب كان النفط من البداية".

وكانت الحكومة العراقية قد وافقت على مشروع قانون النفط الجديد في 26 فبراير الماضي، حيث كان يُفترض أن يتسلمه البرلمان في 15 مارس المنصرم، مرفقاً بأربعة ملاحق تضم مسودتي العقود وقانون اقتسام عائدات النفط، ورغم أن بوش كان يتطلع إلى أن يتم إقرار مشروع القانون من قبل البرلمان مع نهاية شهر مايو، إلا أنه مازال مشروع القانون في أدراج الحكومة، ولم يصل بعد إلى البرلمان، ويتساءل في هذا الإطار "محمد الدايني" ممثل الجبهة العراقية للحوار الوطني السُّنية في البرلمان: "لماذا تصر الولايات المتحدة على التدخل في هذا القانون بينما تتحدث عن السيادة العراقية"، ولشرح هذا الموقف، ذهب "الدايني" إلى واشنطن في محاولة لإقناع الكونجرس بوقف مشروع القانون، موضحاً أنه "حتى لو تم تمرير هذا القانون، وهو ما أشك فيه، فسيبقى مجرد حبر على ورق ولن يُطبق على أرض الواقع".

لكن مع ذلك يؤكد الخبير في الصناعة النفطية "فاضل غيث" من شركة "أوبنهايمر" في نيويورك، أن العراق الذي يتوفر على ثاني أكبر احتياطي نفطي بعد السعودية، يحتاج إلى استثمارات خارجية لتحديث صناعته النفطية التي ظلت مغلقة أمام التكنولوجيا المتطورة طيلة الخمس وعشرين سنة الأخيرة.

وبهذا الصدد فان حكومة إقليم كردستان العراق تسعى للحصول على امتيازات وصلاحيات اوسع قبل الموافقة على بنود وفقرات مشروع قانون النفط والغاز الجديد الذي تعترض على بعض فقراته، خصوصا تلك التي تحد من صلاحيات حكومة الاقليم في إبرام وتوقيع عقود التنقيب والاستكشاف التي ترغب الشركات الاجنبية بتنفيذها في مناطق الاقليم المختلفة، من دون الرجوع الى الحكومة المركزية في بغداد.

وأكد العضو البارز في البرلمان العراقي والممثل عن الكتلة الكردية الدكتور محمود عثمان، أن هناك جملة من نقاط الخلاف بين الأطراف حول قانون النفط والغاز العراقي الجديد والتي تحتاج إلى إجراء العديد من المباحثات بشأنها، غير أن الأميركيين يريدون الاستعجال في إقراره.

وبين عثمان في تصريح لـالشرق الأوسط أن ديك تشيني، نائب الرئيس الاميركي، خصص خلال زيارته الأخيرة لبغداد جزءا كبيرا من محادثاته لهذا الغرض، فضلا عن إنهاء أمور أخرى مثل قانون اجتثاث البعث وإعادة بعض التشكيلات ومشاركة أطراف أو توسيع المشاركة.

وأضاف عثمان «ان جهات عراقية كانت ترغب بطرح القانون على البرلمان للمصادقة عليه بشكل نهائي، لكني شخصيا لا اعتقد أن هذا سيكون ممكنا، لأنه قبل المصادقة عليه يجب أن يمر على مجلس الوزراء».

وعن أوجه الخلاف التي أثارها القانون بين بعض الجهات وبخاصة بين حكومة إقليم كردستان والحكومة المركزية، أكد عثمان «أن هنالك أمورا تتعلق بالقانون لم تنته بعد ولم يتم الاتفاق على صيغ توافقية بشأنها، ولهذا فمن المقرر أن يقوم رئيس الإقليم مسعود بارزاني ويرافقه عدد من المسؤولين والخبراء المعنيين، بزيارة إلى بغداد خلال اقرب فرصة للتباحث والتحاور مع المسؤولين في الحكومة المركزية وإنهاء كل المشاكل العالقة بهذا الشأن، والتوصل إلى خط أو صيغة ترضي جميع الأطراف». أما عن نقاط الخلاف، فقد أوضح عثمان «أن مشروع القانون تطرق إلى موضوع الواردات وكيفية تقسيمها بشكل مركزي، وهناك وجهات نظر غير مؤيده أو تريد وضع صيغ أخرى تراها أكثر واقعية وتحفظ حقوق الكل، كما أن هناك ثلاثة ملاحق بالقانون لم تحصل هي الأخرى على أي اتفاق لحد الآن، وبشكل عام أرى أن مثل هذا القانون يجب أن يأخذ وقتا كافيا قبل إقراره بشكل نهائي».

الى ذلك، أكد عاصم جهاد المتحدث الرسمي باسم وزارة النفط لـ«الشرق الاوسط» أن مباحثات ومناقشات مستفيضة وجدية ستجري بين حكومة إقليم كردستان والحكومية المركزية في بغداد حول نقاط موضع الخلاف التي وردت في بعض الملاحق النفطية الموجودة ضمن القانون النفطي الجديد، في محاولة للخروج بحلول تكون مقبولة لجميع الاطراف، وبالتالي المضي قدما في تطبيق بنود وفقرات هذا القانون بعد المصادقة عليه من قبل مجلس النواب العراقي.

 وقال «ان الوزارة تنتظر بفارغ الصبر المصادقة على القانون من قبل البرلمان للمضي في تطبيقه وفق الصلاحيات التي تخولها بذلك، لكي تكون الاتصالات مع الشركات العالمية التي تنتظر هي الأخرى إقرار القانون بشكل رسمي غير محصورة بالوزارة، وانما ستكون هناك أدوار كبيرة سيتم توزيعها على الجهات ذات العلاقة، إذ سيكون هناك دور كبير جدا للمجلس الاتحادي للنفط، ودور للوزارة في بغداد، ودور لشركة النفط الوطنية، ودور للأقاليم والمحافظات، بحيث لا يتجاوز أي طرف على الصلاحيات المخولة والمرسومة له ضمن هذا القانون، لتبدأ بعدها مرحلة إبرام العقود والمباشرة بعمليات الحفر والتنقيب عن النفط، وفق ما جاء في القانون النفطي».

وأوضح جهاد: أن وزارته «تضع المصلحة الوطنية العليا فوق كل اعتبار، من أجل تحقيق الادارة السليمة للثروة النفطية في البلاد بعيدا عن المصالح الضيقة والضغوط السياسية التي تمارسها بعض الأطراف في سبيل الحصول على منافع أكبر من هذه الثروة عبر هذا القانون»، مشيرا الى ان القانون يهدف الى ضمان حقوق جميع الأطراف العراقية بعيدا عن التأثيرات والضغوط السياسية التي يجب ألا يكون لها أي دور أو تأثير على هذا القانون، ومجلس النواب تقع على عاتقه مسؤولية كبيرة بذلك، فلا بد من إجراء دراسة مستفيضة للقانون وتحليله من جميع الجوانب ليخرج بنتيجة ترضي جميع الفئات».

وعن الملاحظات والنقاط موضع الخلاف التي وردت في بنود هذا القانون والتي تعترض عليها جهات مختلفة، قال «لكل قانون هفوات ونقاط خلافية، وبعض الأطراف لديها ملاحظات على بعض فقرات القانون، ووجود هذه النقاط العالقة لا يعني بالضرورة ان يكون القانون غير جيد.

وأثارت مسودة قانون النفط الجديد ردود أفعال متباينة من قبل الكتل السياسية المشتركة في الحكومة العراقية مستبعدة أن يتم اقرارها بالشكل الحالي الذي ينص على توزيع العائدات النفطية على الأقاليم وفقا للنسب السكانية وفتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية.  

وقال باسم شريف عضو مجلس النواب عن حزب الفضيلة لوكالة أنباء ( أصوات العراق): " لازال توزيع الثروات وصلاحيات الأقاليم بالنسبة لصادرات النفط يشكلان نقاطا خلافية تحول دون اقرار مسودة القانون."

وأوضح شريف أن " إنتاج العراق من النفط عام 2006 كان مماثلا لما كان عليه عام 2002 إبان تنفيذ برنامج النفط مقابل الغذاء التابع للأمم المتحدة في أعقاب حرب الخليج الأولى."

وأضاف " إلا أن البلاد تتكبد حاليا خسائر فادحة في هذا القطاع جراء عمليات التخريب وتهريب النفط وسرقته" مشيرا إلى أن "الإيرادات ستودع كما اتفق سابقا في حساب مركزي وتوزع وفقا لعدد السكان."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء 23 آيار/2007 -5/جمادي الأول/1428