العراق الجديد واستحالة العودة الى المعادلة الظالمة

علي حسين علي

 في التاسع من نيسان عام 2003 سقط النظام الديكتاتوري المستبد.. ومع سقوطه تهاوت كل الركائز التي كانت اساس حكمه الظالم، فالشمولية التي اتسم بها نظام الطاغية قد طويت، بل احرقت ورقتها، وحكم الفرد قد انتهى الى غير رجعة، وتسلط الاجهزة الامنية القمعية قد تبخر هو الآخر، وتهميش المواطنين لم يعد له اثر، والتمييز بين ابناء الوطن الواحد على اعتبارات عنصرية او طائفية صار في خبر كان.

فالعراق بعد سقوط الطاغية صدام وانزياح اكثر من ثلاثة عقود من الاستبداد والظلم والقهر والعذاب، صار عراقاً اخر، ديمقراطي فيدرالي تعددي لكل مواطنيه حقوقاً متساوية، ولم تعد الدبابة هي من يوصل الحاكم الى سدة الزعامة او القيادة، بل صار صندوق الاقتراع هو صاحب القول الفصل في تولي هذا او ذاك هذا المنصب او ذاك.

العراق الجديد الذي بنته واقامت صرحه دماء وعذابات ابنائه طوال عقود طويلة وثقيلة ماضية، ليس بالامكان العودة به الى الوراء كما يسعى البعض ان كانوا في الداخل او من هم في الخارج الى الاستدارة به الى ما قبل نيسان عام 2003.

واننا هنا لنؤكد بان العودة الى المربع الاول حيث كان النظام البائد او ما يشبهه بات من رابع المستحيلات، ان لم نقل من اولها، وحين يتوهم البعض ممن يتحركون باتجاه هذا الهدف الشرير بانهم قادرون على الاتيان بنظام مستبد اخر، الا ان هؤلاء انما يركضون وراء سراب خادع، واذا ما كان بعض من هم في الداخل يظنون ان بالامكان العودة الى المعادلة الظالمة السابقة، فان هؤلاء كنظرائهم في الخارج لن يجنوا الا الخيبة والخسران.

العراق الجديد، لم يكن وليد اسقاط نظام الطاغية على يد القوة الكبرى، بل انه وليد مخاض طويل ومؤلم لاكثر من خمسة وثلاثين سنة مضين، كابد فيها العراقيون العذاب والاحزان والتهجير والقتل وكل ما لا يتصوره عقل من ظلم استبداد.. مع اننا نقر بان القوات الاجنبية قد اسقطته فنياً، ولكنه قبل وصولها كان ميتاً سريرياً.

وعلى الذين يتربصون بالعراق واهله في الخارج من غير ابنائه ان يستفيدوا من تجربة العراق المشرق في الديمقراطية واحترام حقوق الانسان والعدل بين الناس.. لعلهم بذلك يقدمون لشعوبهم ما تستحق ان كانوا يحترمونها فعلاً.

وختاماً، لا يمكن اخذ حالة الاستثناء التي يعيشها العراقيون اليوم وكأنها حالة نهائية، فالشعوب، معظم شعوب الارض، مرت باوضاع مماثلة عند اسقاط انظمتها الدكتاتورية وما بعدها.. ولن يغيّر او يقلل من قيمة المعدن النفيس ان يضمه التراب حيناً من الزمن.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 21 آيار/2007 -3/جمادي الأول/1428