النوارس العراقية تغرد خارج السرب

كاظم فنجان حسين الحمامي

  خضعت الموانئ العراقية منذ تأسيسها الى احكام (بيان سير السفن في المياه الداخلية لعام 1919) الذي اصدره (جورج فليجر ماكمان) آنذاك، ولم تطرأ أية تعديلات على هذا البيان من ذلك الحين وحتى عام 1995 عندما وافقت الحكومة العراقية على قانون الموانئ رقم (21) لعام 1995 ونشر بجريدة الوقائع العراقية بتأريخ 20/11/1995 بالعدد (3590)، وقد كان لي الدور الكبير في المطالبة بإلغاء بيان سير السفن وصياغة مسودة القانون الجديد.

ويعني ذلك ان الموانئ العراقية كانت عاجزة عن التعامل مع المتغيرات والتطورات التي طرأت على المجال البحري منذ عام 1919 وعلى مدى 76 عاما، وهذا مثال حي على تخلف العراق في مضمار التشريعات البحرية المحلية.

 أما التشريعات البحرية الدولية فقد كانت خارج نطاق اهتماماتنا، وفيما يلي ابرز النقاط السلبية المشخصة لهذه الحالة : ـ

-   تقييد صلاحيات الادارة العليا للموانئ وعدم وجود تشريعات واضحة تتيح لها حرية التصرف في حسم ومعالجة المشاكل الطارئة والآنية وتمنحها القدرة على تلبية الاحتياجات التي تفرضها ظروف العمل وتفاعلاتها وتسمح لها بالتحرك خارج حدود الأطر التقليدية اسوة بالموانئ العالمية.

-   حصر الوكالات البحرية بالشركة العامة للنقل المائي بموجب القانون (56  لسنة 1985) وبالتالي تضييق الخناق على القطاع الخاص وشركات خطوط الشحن البحري في مجال عمل الوكالات البحرية، حيث يقف قانون الوكالات الحصرية في العراق عائقا كبيرا في وجه تحسين الخدمات والتسهيلات البحرية التي يفترض تقديمها للسفن الوافدة، ويكاد يكون العراق الدولة الوحيدة في العالم التي مازالت تقف في وجه مبدأ تحرير الوكالات البحرية في حين يفترض فتح آفاق التعامل البحري الحر وضمان جودة الخدمات البحرية المقدمة للسفن الوافدة.

ـ عدم وجود قانون بحري عراقي متكامل ينظم النشاطات البحرية والمينائية ويتماشى مع الاتفاقيات والمعاهدات البحرية الدولية حتى هذه اللحظة.

ـ عدم ادخال أية تعديلات على قانون الخدمة البحرية المدنية منذ عام 1975.

ـ عدم ادخال أية تعديلات على قانون تسجيل السفن رقم (19) لسنة 1942.

ـ عدم مصادقة العراق على اهم المعاهدات والاتفاقيات البحرية الالزامية.

ـ عدم الانضمام للاتحادات والهيئات والمنظمات البحرية الدولية التي ورد ذكرها في هذه الدراسة بالفقرة (خامس عشر) من الفصل الثاني.

ـ عدم تطبيق احكام الاتفاقيات البحرية الدولية التي تمت المصادقة عليها.

ـ حاجة الموانئ الى ادخال التعديلات من وقت الى آخرعلى تشريعات ولوائح العوائد والاجور من اجل استقطاب المزيد من السفن الوافدة.

ـ عدم ادخال اية تعديلات على قانون هوية البحار رقم (90) لسنة 1986.

العراق خارج القائمة البحرية البيضاء

القائمة البيضاء، عبارة عن لائحة تصدرها من وقت لآخر لجنة السلامة البحرية MSC في المنظمة البحرية العالمية IMO، تدرج فيها الأقطار البحرية التي أتمت التطبيق الكامل للاتفاقية الدولية لمستويات التعليم والتدريب البحري ومنح الشهادات للعاملين في البحر STCW95.

 ويعتبر الانضمام إلى هذه القائمة إنجازا كبيراً تحققه الأقطار البحرية في إطار تنفيذها لسلسلة من الإجراءات والخطط الاستراتيجية تهدف إلى تنظيم وتطوير ومراقبة الكوادر البحرية لرفع مستويات السلامة في الأداء البشري الملاحي وفتح آفاق جديدة في التعليم والتدريب البحري وتحديث سياسات بناء قدرات العاملين في البحر بكافة مستوياتهم من خلال تطوير وتحديث كفاءتهم البحرية ضمن المتطلبات والمعايير الدولية البحرية.

ماذا يعني الانضمام إلى القائمة البيضاء

  إن إدراج أي دولة بحرية في القائمة البيضاء سيعزز من مكانة تلك الدولة ويضعها على الخارطة البحرية الدولية ويدعم خططها الرامية إلى تعزيز السلامة البحرية على سفنها وقبول المجتمع الدولي للسفن التي ترفع علمها ويعزز الاعتراف الدولي بشهادات الأهلية البحرية لكوادر وطواقم الدولة، مما سيؤدي إلى التسويق الدولي لحملة تلك الشهادات ويساهم في استمرار عملهم في السوق الدولية وعلى السفن التي تبحر في كافة مناطق العالم، مما سيساهم في توفير عائد اقتصادي كبير للدولة، ويفتح أمامها آفاق جديدة في التدريب والتعليم البحري والتوسع في عدد وأنواع مناهج الدورات والدراسات الأساسية البحرية مستقبلاً، وصولاً إلى تخريج أفواج من المهندسين والضباط البحريين، ويسمح بإصدار شهادات الأهلية البحرية لكافة مستويات الطواقم البحرية.

 وبناء عليه فأن إدراج الدولة بهذه القائمة يؤكد تطور الأداء البحري لتلك الدولة وقدرتها على فتح آفاق الاتصال الدولي وتنامي دورها في تعزيز السلامة البحرية والأمن البحري على سفنها، وتطبيقها للمعايير الدولية، وقبول المجتمع الدولي لطواقم الدولة ويعزز عملية الاعتراف بهم دولياً، ويفتح فرص العمل لهم للعمل على متن السفن المحلية والأجنبية.

 لم يرد اسم العراق رسمياً في آخر قائمة نشرتها لجنة السلامة البحرية في المنظمة البحرية العالمية في 20 / مايس / 2004 ـ ولغاية هذا التاريخ، فقد انضمت معظم الأقطار العربية باستثناء العراق وليبيا والسودان والصومال وموريتانيا.

 بينما احتلت مصر المرتبة الأولى في القائمة، ولمزيد من التفاصيل يمكن مراجعة مذكرة لجنة السلامة البحرية المرقمة MSC / Circ. 1121 على موقع المنظمة البحرية العالمية :-                imo. org www.  وان عدم إدراج العراق على هذه القائمة يعني فقدان العراق لموقعه البحري العالمي وخروجه رسمياُ من العائلة البحرية الدولية، وفقدانه اعتراف المنظمة البحرية العالمية.

الاستجابة العربية للمتطلبات العالمية

 من اجل تحقيق متطلبات السلامة الشاملة للعاملين على السفن العربية، أصدرت الأقطار العربية المدرجة على القائمة البيضاء مجموعة من الأنظمة تطبق أحكامها على أطقم مئات السفن التي ترفع علمها.

 وهذه الأنظمة تلزم جميع الشركات الملاحية والجهات الأخرى ذات العلاقة استيفاء جميع متطلبات اتفاقية (STCW 95) وتؤكد على عدم إصدار بطاقات البحارة الخاصة بالضباط والمهندسين العاملين على السفن الوطنية إلا بعد التأكد من مطابقة شهادة الأهلية الخاصة بهم لمتطلبات الاتفاقية ثم إصدار إقرار بالاعتراف بهذه الشهادات.

 وتتولى إدارات التفتيش البحري إعداد التقارير الخاصة بتطبيق الاتفاقية الدولية لمعايير التدريب وأعمال المناوبة ومنح الشهادات للملاحين والمعروفة باتفاقية (STCW 95) و إرسال التقارير للسكرتير العام للمنظمة البحرية الدولية للمراجعة والاعتماد وعلى ضوء نتائج هذه التقارير يتم إدراج اسم الدولة في القائمة البيضاء بعد المراجعة لتكون ضمن الدول التي تطبق قواعد هذه الاتفاقية على جميع أطقم السفن التجارية التي ترفع علم الدولة.

ويستثنى العاملون على السفن الآتية:

السفن البحرية، سفن الصيد، يخوت النزهة غير المستخدمة لأغراض تجارية، السفن الخشبية بدائية الصنع من تطبيق أحكام هذه الأنظمة.

  إلا أن هذه السفن ملزمة بتطبيق وثيقة التطقيم الآمن لأفراد الطاقم طبقا للقاعدة V ـ 13 ب سولاس وتعديلاتها، على أن يتقدم مالك السفينة بطلب يشمل البيانات آلاتية :

  نوع السفينة، وأبعادها، وحمولتها، وقوة الدفع، ودرجة التشغيل اتوماتيكيا، وطبيعة الرحلة، ومناطق الإبحار، والحد الأدنى من أفراد الطاقم الذي تنوي الشركة تشغيل السفينة بواسطتهم.

 وتتولى إدارة التفتيش البحري دراسة كل طلب على ضوء قرارات الجمعية العمومية للمنظمة البحرية الدولية رقم (أ ـ 890) وعندما تقتنع إدارة التفتيش بأن عدد أفراد الطاقم سوف يفي بمتطلبات التشغيل الآمن وحماية البيئة البحرية، تقوم بإصدار وثيقة التطقيم الآمن لأفراد الطاقم.

 ويحظر على السفينة القيام بالإبحار ما لم تكن حاصلة على وثيقة التطقيم الآمن لأفراد الطاقم ومزودة بالطاقم طبقا لما هو محدد في هذه الشهادة، ويجوز للشركة تعيين بحارة إضافيين علاوة على ما هو محدد في وثيقة التطقيم الآمن لأفراد الطاقم بشرط : توفر السكن المناسب لهم، توفر عدد كاف من معدات الإنقاذ، وحصول البحارة على تدريب للتعرف على إجراءات السلامة.

 وألزمت الأنظمة الشركات الملاحية باتخاذ سبعة تدابير لضمان تشغيل السفن التابعة لها بالمستوى المطلوب، حيث يجب على كل شركة اتخاذ ما يلزم من تدابير لضمان تشغيل السفن التابعة لها بالمستوى المطلوب وفقا للاتفاقيات البحرية الدولية والتأكد على وجه الخصوص أن السفينة صالحة للإبحار من كافة النواحي قبل بدء الرحلة، وانه قد تم تزويد السفن بمطبوعات حديثة فيما يتعلق بالتشغيل الآمن للسفن وبحماية البيئة البحرية.

  وأن السفينة مزودة بعدد أفراد الطاقم طبقا لما هو محدد بوثيقة التطقيم الآمن لأفراد الطاقم الصادرة للسفينة، وأن كل ملاح يعمل على سفينة مسجلة في الدولة لائق صحيا ويحمل اصل الشهادة الأهلية أو الإقرار أو أي مستند صادر بموجب الاتفاقية وذلك حسب الأحوال التي تخوله بالخدمة في السفينة وفقا للصفة المحددة في هذه الشهادة أو الإقرار أو المستند.

  وأن جميع شهادات الأهلية والقرارات والمستندات والمعلومات الخاصة بجميع الملاحين العاملين على السفن التابعة للشركة محتفظ بها على هذه السفينة ويمكن الوصول إليها بسهولة بما في ذلك شهادات الأهلية والقرارات والمعلومات والمستندات الخاصة بخبراتهم وتدريباتهم ولياقتهم الص ! حية وكفاءتهم في تنفيذ الأعمال المخصصة لهم.

 وأن يكون الملاحين عند توزيعهم على السفن على علم تام بمهامهم المحددة وبكافة ترتيبات وتركيبات ومعدات وإجراءات السفينة المرتبطة بأعمال مهامهم الروتينية والطارئة، وأن جميع العاملين على السفن قادرين على تنسيق أعمالهم بشكل فعال في حالات الطوارئ وإثناء القيام بالأعمال الحيوية والضرورية المتعلقة بالسلامة او بمنع حدوث التلوث او التخفيف من أثاره.

 كما حددت الأنظمة الأطر القانونية لتجديد صلاحية الشهادة الأهلية للملاحين وقالت انه يجب كل 5 سنوات تجديد الشهادة الأهلية والإقرار الصادر اعترافا بشهادة الأهلية التي منحت للربان أو الضابط أو مشغل الراديو لإثبات الكفاءة المهنية المستمرة طبقا لأحكام القسم (أ ـ 1 / 2) من المدونة، ولا يجوز تجديد الشهادة الأهلية البديلة بالربان أو الضابط صادرة طبقا لأحكام اللائحة (VII) من الاتفاقية بموجب خدمة بحرية معتمدة بالطريقة المشار إليها في القسم (أ ـ 1 / 11) الفقرة (1 ـ 1) من المدونة إلا إذا قدم حامل الشهادة البديلة مستند يثبت انه قد خدم في كل قسم محددة له في هذه الشهادة وظيفة لا تقل عن وظيفة ضابط مناوب لمدة ثلاث أشهر.

 وعلى جميع الحاصلين على شهادة أهلية صادرة قبل 1 فبراير 2002 أن يقدموا للإدارة ما يثبت إنجاز التدريب الإضافي المستحدث بموجب الاتفاقية عند تجديد صلاحية انتهاء شهادة الأهلية، على أن يتضمن التدريب الإضافي للربان أو ضابط السطح تدريب على تحديد موقع السفينة بواسطة الرادار واستخدام الراديو ضمن النظام العالمي للاستغاثة والسلامة البحرية والأجهزة الملاحية GMDSS.

 كما يجب أن يتضمن التدريب الإضافي للمهندس البحري تدريب في مجال الإسعافات الأولية والكفاءة في استخدام قوارب النجاة وقوارب الإنقاذ، أما بالنسبة لمشغل الراديو يجب أن ينجز التدريب الأساسي المطلوب.

 وهذا هو ملخص للإجراءات والقواعد المستمدة من الاتفاقيات البحرية الدولية التي سارعت الدول العربية إلى تطبيقها على سفنها وطواقمها.

خطوات تستدعي التطبيق

  مما لا شك فيه أن طريق الألف خطوة يبدأ بخطوة، وهذه الخطوة ينبغي أن تكون مدروسة بتعمق وتستدعي التسلح بالعلم والمعرفة، إضافة إلى عوامل أخرى يقف في مقدمتها القرار الجريء، والمساندة القوية التي يفترض أن تقدمها الوزارات والمؤسسات العراقية ذات العلاقة، وأكاد اجزم بأن هذه الخطوة التي تعتبر في غاية الأهمية تتجسد في تبني فكرة استحداث كيان بحري جديد وهو (الســـلطة البــحرية العراقية) وإصدار القانون التأسيسي لها لكي تباشر بعملها المنصب على تنفيذ جميع السياقات والتشريعات والإجراءات والأفكار التي لابد من قيام الدولة البحرية بتبنيها وتطبيقها والتي ينبغي على المؤسسات البحرية الالتزام بها سواء كانت هذه المؤسسات تابعة لوزارة النقل أو أية وزارة أخرى لها علاقة بالشأن البحري والملاحي.

  ومن اجل تهيئة البيئة المناسبة لإنشاء هذه السلطة البحرية ومن اجل توفير مستلزمات الاستعداد الكامل الذي يسمح بالتأهيل لهذا المستوى المطلوب.

ولكي نكون أكثر دقة في توضيح سمات وملامح تلك الخطوة ندرج في أدناه الخطوط العامة التي يفترض بنا المطالبة أولا بتحقيقها وتوفير القاعدة الصلبة اللازمة لإقرار خطتنا الرامية إلى تأسيس كيان السلطة البحرية العراقية.

المصادقة على جميع المعاهدات والاتفاقيات والبروتوكولات والقواعد البحرية والملاحية

من نافلة القول نذكر إن أول اتفاقية صادق عليها العراق هي اتفاقية الأصول الدولية للموانئ البحرية الموقعة في جنيف في 9 / 12 / 1923.

وقد صادق عليها العراق بالقانون رقم 44 لسنة 1928.

  ولم يصادق العراق بعد هذا التاريخ على أي معاهدة أو اتفاقية بحرية، و استمرت فترة السبات قرابة 37 عاما حتى عام 1965 عندما أصدر العراق القانون رقم 177 والذي صادق بموجبه على الاتفاقية الخاصة بالفحص الطبي للأحداث المتواجدين على السفن لسنة 1921، وهنا ينبغي الانتباه إلى ملاحظة في غاية الأهمية لأنها تعكس مدى الإهمال في تطبيق الاتفاقيات البحرية الدولية حيث تمت المصادقة على تلك الاتفاقية بعد مضي 44 عاما على صدورها.

  وبعد عام 1965 شرع العراق بالمصادقة على مجموعة لا باس بها من الاتفاقيات البحرية وقد انحصرت هذه المصادقات بيـن عامـي (1965) و (1990)، وبعد ذلك اقفل باب التعامل مع المنظمة البحرية العالمية لأسباب كثيرة تعزى إلى الحصار الذي فرض على العراق آنذاك، واستمر الحال على ما هو عليه حتى هذه اللحظة.

 ولكي نكون أكثر صدقاً في سرد التفاصيل التي نتناولها والتي أشرنا فيها إلى الإهمال والتخلف الذي كانت تعاني منه مؤسساتنا البحرية، نذكر إن الاتفاقية الدولية لسلامة الأرواح في البحار والتي صدرت في لندن في 1/11/1974 وبرغم أهميتها وبرغم كونها الأساس لمجموعة كبيرة من الاتفاقيات التي صدرت فيما بعد، لم يصادق عليها العراق إلا في عام 1990 بالقانون رقم 44 أي بعد مرور 16 عام على صدورها.

التطبيق العملي والفعلي للاتفاقيات البحرية

  وبسبب هذا التخلف الذي مر ذكره في الفقرة السابقة وضع العراق خارج القائمة البيضاء التي نظمتها المنظمة البحرية العالمية IMO.

 فالوصول إلى هذه القائمة يتم بعد تطبيق الاتفاقيات البحرية ومن بينها الالتزام باتفاقية STCW وهــي اتفاقـية ملــزمة لجميــع الدول، وعلى أساسها قامت المنظمة بإصدار القائمة البيضاء التي تحتوي على أسماء الدول التي تعترف المنظمة بها، إما العراق فلم يدرج ضمن هذه القائمة، وهذا يعني خروج العراق رسميا من قائمة الاعتراف الدولي البحري.

 وإن هذهِ الاتفاقيات تلزم جميع الأقطار البحرية سواء كانت تلك الأقطار مصادقة عليها أو لم تصادق عليها على المباشرة بتنفيذ بنود وفقرات الأحكام الواردة فيها لكون هذهِ الأقطار البحرية تتعامل مع السفن الأجنبية التي تعود إلى أقطار أخرى ملتزمة بالتنفيذ.

 أما على الصعيد العملي فواقع الحال يشير إلى تخلف معظم المؤسسات البحرية العراقية وجهلها التام بنصوص تلك الاتفاقيات، ولكي نكون أكثر دقة نذكر إن الشركة العامة لموانئ العراق كانت المؤسسة العراقية البحرية الوحيدة التي تحث الخطى باتجاه التجديد والتطوير وتسعى لمواكبة الركب البحري العالمي من خلال متابعتها الحثيثة لما يصدر عن المنظمة البحرية العالمية ومن خلال سعيها إلى تنفيذ الحد الأدنى من متطلبات الاتفاقيات البحرية العالمية.

  لأن هذه الشركة تتعامل يومياً ودون انقطاع مع جميع السفن العالمية، وكانت وما تزال تجد نفسها بحاجة إلى التسلح بالعلوم البحرية لكي تكون قادرة على الاستجابة لمتطلبات التعامل مع تلك السفن أثناء إرسائها على أرصفتها.

  وكانت دائرة المشاور القانوني في الشركة العامة لموانئ العراق هي الدائرة القانونية الوحيدة في القطر التي تمتلك الخبرة والكفاءة التي اكتسبتها من خلال تعاملها المباشر مع قضايا المنازعات البحرية وتحتفظ بجميع وثائق ونصوص الاتفاقيات والمعاهدات البحرية والملاحية العالمية.

 بينما كانت دائرة الشؤون البحرية وبجميع شعبها هي الجهة الوحيدة في العراق التي أثبتت جدارتها وقدرتها المتميزة على تحقيق النتائج الإيجابية الملموسة في التعامل مع تلك السفن على اختلاف أحجامها وأصنافها وجنسياتها وتهيئة مرشديها البحريين وربابنة المرفأ بالمستوى اللائق الذي ينسجم مع متطلبات استقبال السفن الأجنبية ولدائرة الشؤون البحرية في الشركة العامة لموانئ العراق الفضل الكبير في إنضاج فكرة تغيير بيان سير السفن لسنة 1919 وإعداد نصوص قانون الموانئ العراقية رقم (21) لسنة 1995 وتعليمات الموانئ والمرافئ رقم (1) لسنة 1998.

الانضمام إلى الهيئات البحرية الدولية

  وتشمل هذهِ الهيئات جميع الهيئات والمنظمات البحرية الدولية... وقبل أن ندرج أسماء ومختصرات هذهِ الهيئات لابد لنا إن نذكر إن العراق لم ينظم إلى أي منظمة أو اتحاد دولي بحري سوى المنظمة البحرية العالمية وان كانت سمة الغياب والتخلف عن حضور اجتماعات هذهِ المنظمة هي السمة الغالبة.

ومما لاشك فيه إن لكل منظمة أو هيئة أو اتحاد دولي بحري أهداف محددة ونشاطات واسعة يطول شرحها. أما فوائدها فلا تحصى.. وهكذا نجد إننا فقدنا فرص كثيرة لا تعوض من جراء تخلفنا عن الانضمام لهذهِ الهيئات البحرية.

عقد اتفاقيات التعاون والتنسيق البحري

  في الوقت الذي تسعى فيه الأقطار البحرية العالمية والإقليمية والعربية إلى كسب قصب السبق من خلال إبرام الاتفاقيات الثنائية للتعاون والتنسيق البحري مع أقطار بحرية أخرى لتحقيق المكاسب والمزايا والتسهيلات في كافة مجالات صناعة النقل البحري والخدمات المينائية والتجارة البحرية.. نجد إن العراق يكاد يكون القطر العربي الوحيد الذي لم ينجح في إبرام أي اتفاقية للتعاون في المجال البحري مع الأقطار العربية المجاورة.. وإذا كانت مثل هذهِ الاتفاقيات موجودة فإنها لم تخرج عن نطاق التوقيع على الأوراق الدبلوماسية.

أما على الصعيد العملي فلا شيء يذكر على الإطلاق وهذا هو واقع الحال.

 وهذا إن دل على شيء فإنما يدل على عدم وجود علاقات بحرية مع الأقطار العربية. وكذلك الحال مع الأقطار الأجنبية.

المشاركة في المؤتمرات والندوات البحرية العالمية

  ومثل هذهِ المؤتمرات والندوات تقام سنوياً من قبل الهيئات والاتحادات والمنظمات البحرية العالمية.

فإذا كنا لم ننضم إلى هذه الهيئات وليس لدينا أية فكرة عن مواعيد وأماكن انعقادها، ولا نمتلك المؤهل العلمي واللغوي الذي يؤهلنا للمشاركة.. فكيف سنشارك ؟.

  وهكذا كان الغياب الدائم هو حصتنا.. أما إذا لاحت لنا فرصة للمشاركة أو تلقينا دعوة لحضور مؤتمر ما فإننا تعودنا على ترشيح الذين لا علاقة لهم في الشأن البحري وهنالك حالات قليلة شارك فيها بعض الذين يحملون مؤهل بحري وكانت محصلتها إن قام هؤلاء بتحقيق بعض المنافع الشخصية والفردية الضيقة لأنفسهم على حساب المصلحة العامة.

الاسراع بتطبيق مفردات المدونة الدولية لسلامة وامن السفن والموانئ ISPS

 وحاجتنا الى قطع شوط كبير في هذا الجانب حيث ينبغي الاسراع بعقد دورات تدريبية لعدد من الضباط الأمنيين من قوة حماية الموانئ للتعامل مع هذه الشروط والمتطلبات ذات الطابع الدولي الفني. لأن هذه الشروط ليست اعتيادية مثل ما هو معمول به في أي مجال خدمي آخر، فمجال الموانئ مجال خدمي منفتح على العالم ويتعامل مع سفن أجنبية وشركات أجنبية ولا بد أن يكون الإيفاء بهذه المتطلبات على مستوى عالمي.

 لهذا يفترض ان نحرص على أن يكون الضباط الأمنيين الذين سيتم تأهيلهم أن يكونوا ملميين وعلى مستوى راقي من فهم هذه المتطلبات والتعامل معها بالمعايير الدولية المطلوبة إلى جانب استكمال تهيئة موانئنا للإيفاء بمتطلبات المدونة ورفع الجاهزية الأمنية في الموانئ، ولابد لنا ايضا من مواصلة السعي لتخفيض أقساط التأمين المفروضة على السفن القادمة الينا وبالاتجاه الذي يجعل موانئنا مماثلة للموانئ المجاورة حيث لا تدفع السفن أي أقساط تأمين في هذه الموانئ.. الحقيقة أن الموانئ العراقية ليست أقل أمناً ولا أنضباطاً من الموانئ الأخرى إن لم تكن أفضل منها بشهادة كثير من الجهات الأمنية المختصة في العالم التي اقرت بأن المستوى الأمني في الموانئ العراقية جيد جداً ولا يستحق استمرار فرض هذه الرسوم ولهذا أملنا كبير وعزيمتنا أكبر بأننا سنصل مع شركات التأمين إلى حل نهائي لهذه الإشكالية التي تحد إلى حد ما من نشاط الموانئ لأننا إذا أستطعنا أن نجعل أقساط التأمين صفر كما هي في الموانئ المجاورة فأن موانئنا ستكون مميزة بشكل أفضل وستتحول الى موانئ جاذبة.

اعادة النظر بنظام وقانون المنطقة الحرة

ونشير هنا الى ضرورة الاستعانة بالمراجع التالية من اجل صياغة مسودة قانون المنطقة الحرة :-

 العوامل الهامة في انجاح المناطق الحرة كهدف من اهداف الاستثمار - المركز الدولي للبحوث والاستشارات (كوميبصل) - الإسكندرية - سبتمبر 1988م0.

 القاعدة العالمية لاعمالكم - دليل الأعمال - المنطقة الحرة بجبل علي - دبي - مارس 1996م 0. المناطق الحرة العربية - المؤسسة العربية لضمان الاستثمار 1987 0. ندوة المناطق الحرة ودورها في تشجيع الاستثمار - البنك الإسلامي للتنمية واتحاد الغرف العربية الخليجية - 1988م (دور المناطق الحرة في تأسيس المشروعات المشتركة) 0. ندوة المناطق الحرة ودورها في تشجيع الاستثمار - البنك الإسلامي للتنمية واتحاد الغـــرف العربية الخليجية - 1998م - (الملامح الرئيسية لتجربة المناطق الحرة العربية. ندوة المناطق الحرة ودروها في تشجيع الاستثمار - البنك الإسلامي للتنمية - واتحاد الغرف العربية الخليجية - 1988م (التجربة الدولية للمناطق الحرة  FUJAIRAH FREE ZONE الفجيرة للمناطق الحرة.)

 الاسراع الى عقد اتفاقيات التعاون الثنائية مع موانئ مجلس التعاون الخليجي. وإبرام تحالفات استراتيجية مع عدد من الموانئ الخليجية والعربية والعالمية وذلك في إطار العمل على تطوير قطاع الموانئ وزيادة فعاليتها.

 بناء محطة حاويات بمواصفات عالمية تدار بواسطة افراد على قدر عال من الكفاءة والتدريب والقدرات التنظيمية. سواء تسند الادارة الى الشركة العامة لموانئ العراق او الى شركة عالمية كما في الموانئ الخليجية.

التوصيات و الخاتمة

  من خلال ما ورد في الدراسة نجد أنفسنا بحاجة الى بذل الجهود وحث الخطى باتجاه الارتقاء بمستوى قطاعنا البحري العام والخاص الى مصاف الأقطار الخليجية المجاورة ونورد التوصيات التالية

ـ الإسراع بتأسيس السلطة البحرية العراقية التي تعتبر الحجر الأساس لتطوير مؤسساتنا البحرية وسفنها وطواقمها من خلال التخطيط العلمي الصحيح، وتجهيزها بالسفن الحديثة وتأهيل وطواقمها إلى المستوى المطلوب لإدارة الأسطول بكفاءة عالية.

ـ الانتساب إلى الهيئات والاتحادات والمنظمات والمجالس البحرية العالمية، والمشاركة الفاعلة والجدية في هذه المؤسسات.

ـ المصادقة على الاتفاقيات والمعاهدات البحرية وعدم التباطؤ في إصدار هذه المصادقات كون معظم الاتفاقيات والمعاهدات ملزمة لجميع الدول والمباشرة بتوفير مستلزمات العمل بها على الوجه الأكمل.

ـ العمل على إقامة علاقات التعاون والتنسيق المشترك مع الأقطار البحرية الشقيقة و الصديقة لتحقيق المزيد من المكاسب والتسهيلات.

ـ تعزيز قدرات سفننا البحرية الحربية لحماية سواحلنا ومسطحاتنا المائية ومنع المتسللين والمهربين.

ـ شمول معاهد التدريب البحري في العراق بالرعاية التامة وفي مقدمتها أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية.

ـ المشاركة في المؤتمرات واللقاءان والزيارات والندوات خارج القطر و ترشيح عناصر مؤهلة علميا وبحريا للاستفادة القصوى منها.

  ان هذهِ التوصيات مجرد خطوط عامة توضح الخطوات الأساسية التي ينبغي تنفيذها على ارض الواقع... وبعدها سيكون بمقدورنا الانطلاق نحو تفعيل السلطة البحرية العراقية.

وتعتبر هذه الخطوات مقدمات لا يمكن التغافل عنها أو إهمالها.

  أما في المرحلة الراهنة فنجد إن شعبة التفتيش البحري ومن خلال ما مر ذكره هي الجهة المنفذة لمعظم إجراءات وواجبات السلطة البحرية.

ولما كانت هذهِ الشعبة تمثل النواة المثالية للسلطة البحرية العراقية وتمثل أيضا اللبنة الأساسية لبناء كيان السلطة البحرية، عليه ينبغي ضم هذه الشعبة الى السلطة البحرية و توسيع صلاحياتها على غرار صلاحيات مديريات التفتيش البحري في الأقطار الخليجية.

 وإذا ما عدنا الى موضوع إجراءات منح هوية البحار نجد إن جميع مديريات التفتيش البحري في الوطن العربي هي الجهات المسئولة عن هذا الموضوع لأنها تمثل نواة السلطة البحرية،، و لا علاقة لوزارة الداخلية في تلك الأقطار بهذا الشأن.

 وبناءً عليه يفترض بنا إصدار قانون جديد يسمح للسلطة البحرية العراقية إصدار هوية البحار أسوة بالأقطار البحرية وان لا تناط هذه المسؤولية بمديرية الجوازات، وهذا هو التغيير الصحيح... وهكذا بالنسبة لبقية الواجبات المعطلة وفي مقدمتها موضوع التواصل والانضمام لعضوية الهيئات البحرية و تنفيذ بنود الاتفاقيات الدولية.

 إن إنشاء السلطة البحرية العراقية ما هو إلا طموح مشروع ينبغي ان نوفر له الأرضية الصالحة. فالنهضة البحرية الشاملة هي الخطوة الصحيحة التي ينبغي أن نسارع إلى تبنيها ونهرع لتحقيقها وان نسخر كل طاقاتنا وإمكانياتنا ونوظفها في خدمة مؤسساتنا البحرية الستة وهي :

الشركة العامة لموانئ العراق. (وزارة النقل)

الشركة العامة للنقل المائي. (وزارة النقل)

الشركة العامة لناقلات النفط العراقية. (وزارة النفط)

قيادة القوة البحرية. (وزارة الدفاع)

أكاديمية الخليج العربي للدراسات البحرية. (وزارة النقل)

مركز علوم البحار. (جامعة البصرة)

آمرية خفر السواحل والمياه الداخلية. (وزارة الداخلية)

  كما ينبغي إن نبحث في موضوع إحياء الشركات البحرية العراقية الملغاة ونعيدها إلى الوجود بعد أن فقدت سفنها وأسطولها.

ونذكر منها:

الشركة العامة لناقلات المنتجات النفطية. (وزارة النفط)

الشركة العامة لصيد الأسماك. (وزارة الزراعة)

خلاصة القول إن فكرة السلطة البحرية العراقية تمثل مطلب ضروري وفي غاية الأهمية لكنها بحاجة إلى من يساندها.

  ولابد من خلق المناخ المناسب لتعزيز قدرات المؤسسات البحرية العراقية ودراسة العقبات التشريعية والإدارية التي تعوق انطلاق النشاط الاستثماري في مجال تملك وإدارة السفن. انه برغم الظروف الصعبة والقاهرة فقد وفقنا الله في تحقيق بعض التجارب الناجحة والإنجازات الموثقة.. وهي موجودة بالفعل رغم كل المعوقات والمشاكل التي تواجه مستقبلنا البحري.

وإذا كنا نطالب بحل هذه المشاكل والمباشرة بتأسيس السلطة البحرية فأن ذلك يعد دليلا على إننا ننظر إلى الأمام ونتطلع إلى النهوض والازدهار والتطوير والتجديد، خاصة إن هذه المشاكل نشأت نتيجة للظروف السابقة وفيما يأتي مسودة قانون السلطة البحرية المقترحة.

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 18 آيار/2007 -29/ربيع الثاني/1428