القلق والتحلل الصيني يبعثان كونفوشيوس من جديد

شبكة النبأ: الابتذال والنكوص سمة من سماة العصرنة الجديدة سيما وان العلاقات الاقتصادية لها اليد الطولى في التاثير على كثير من المفاهيم الاصيلة التي كان المجتمع سائرا عليها بل انها تصل الى جزء كبير من الثقافة الطبيعية سواء كانت تحصلات ارثية او رسالات اصلاحية تفاعلت في حقب تاريخية معينة كالاديان والمعتقدات، لكن المنطق الاقتصادي ودورة الربح قد خلفت وهي مستمرة تصدعات وشروخ عميقة في الجسد الثقافي للمجتمعات.

كما حيدت الجانب التكاملي بين الافراد وكأن الانسان معزولا بحكم الهيمنة المالية ودورة الربح البغيضة بحيث انه يعيش معاناة بقدر سعة جهده الشخصي ولا تعني له العلاقات الاجتماعية الا كونها نافلة قد يركن اليها في ساعة من الوجد الذاتي في لحظة ما وليست حاجة ضرورية ينبغي ادامتها ضمن علاقة حميمة ترى الاخرون مرآة تعكس شخصية الفرد وتقيمه بقدر تفاعله ومقدار حيوية هذا التفاعل.

لكن ورغم هذا النزول فان اشخاصا ممن يشعرون بفداحة هذا الامر بدأوا يفتحون نوافذ باتجاه الشمس ويضيئون مصابيحهم الانسانية على دروب الآخرين من خلال احياء رسائل المصلحين وهدي الهادين من الحكماء ورجال الارشاد.

ومن هؤلاء الاستاذة بجامعة بكين الطبيعية حيث اصدرت مذكرات عن اطلاعها على افكار كونفوشيه وتعاليمه القديمة بالاخلاق والمواعظ والارشاد.

وحقق كتاب (مذكرات الاطلاع على المقتطفات الادبية) Notes on reading the Analects من تأليف يو دان الاستاذة بجامعة بكين الطبيعية أفضل مبيعات في الصين في الاونة الاخيرة في تحد لمنتقدي الكتاب الذي يتهمونه بتحويل افكار كونفوشية كي الى تجارة في العصر الحديث. كما نقلت رويترز.

وتقول المحاسبة تشو جوان (60 عاما) عن الكتاب الذي بيعت منه أكثر من ثلاثة ملايين نسخة في أربعة أشهر "طرح هذه التعاليم القديمة عمل طيب لان الانانية تفشت هذه الايام."

وتابعت وهي تتصفح الكتاب في متجر لبيع الكتب "بعد الاصلاحات الاقتصادية لا يهتم الجميع الا بجمع الاموال."

وبدأت شهرة يو في اكتوبر تشرين الاول حين ظهرت على شاشة تلفزيون الدولة لتلقي محاضرة عن المقتطفات الادبية وهي مخطوطات تتضمن مناقشات الحكيم الصيني كونفوشيوس (من 551-479 قبل الميلاد) وتلاميذه، وأستند الكتاب لنص المحاضرة التلفزيونية.

ويقول محللون إن الاقبال الكبير يشير الى قلق عميق ازاء الاخلاق والمعتقدات في مجتمع شهد تحولا محيرا في العقود الاخيرة.

وتقول المعلمة تيان نا (25 عاما) التي اشترت الكتاب عن طريق الانترنت "درسنا الماركسية واللينينية في المدارس، ولكن حين استقللنا بحياتنا ودخلنا الجامعة رأينا الاساتذه يقبلون الرشى وشعرنا ان الشعارات القديمة مثل (خدمة الناس) اضحت بلا مغزى."

ويلقي الكتاب رواجا بين اجيال متعددة رغم الاختلاف الكبير بين تجربة تيان التي عايشت حقبة الاصلاح في الثمانيات والتسيعنات والجيل الاكبر سنا الذي عاصر فترة حكم ماو تسي تونج شديدة الاضطراب.

وعقب تولي الحزب الشيوعي السلطة في عام 1949 سقطت البلاد في براثن الفوضى نتيجة سلسلة من الحركات السياسية المتطرفة كادت ان تصل بها لحد الافلاس الاقتصادي وبلغت الازمة اوجها ابان الثورة الثقافية.

ويري كثيرون ان حالة الفوضي قادت لعدم الثقة بين المواطنين وانهيار القيم التقليدية ومن بينها تعاليم كونفوشيوس التي وصفت بانها "رجعية" فيما حاول الحزب محو ماضي البلاد.

واعتنق اباطرة الصين الفلسفة الكونفوشية التي تؤكد على الاخلاق الرفيعة وتسلسل هرمي صارم للعلاقات الاجتماعية على مدى الفي عام ولا يزال لتعاليمه تاثير هائل في دول اخرى في جنوب شرق اسيا.

واليوم حققت اصلاحات السوق التي بدات في الصين في اواخر السبعينات نموا مذهلا وتحسنت الظروف المعيشية كثيرا ولكنها قادت ايضا لفجوة كبيرة في الثروات وتوترات اجتماعية.

وقال تشو داك الاستاذ والناقد الثقافي في جامعة تونجي في شنغهاي "فجأة وجدت دولة اعتادت ان تضع الاخلاق جانبا وتنشيء نفسها بلا اي معيار اخلاقي، يقود ذلك لحالة من القلق لا مفر منها."

وتقدم يو رسالتها ببساطة اثارت اعجاب القراء ولكنها اثارت النقاد المتخصصين في الاعمال الكلاسيكية.

وكتبت يو "جوهر المقتطفات الادبية ان تدلنا كيف نحيا حياة سعيدة وهو ما نتوق له لا تفترض ان نرقى لمستواها .. ولكنها بكل بساطة تحدد توجهك في الحياة العصرية الحديثة."

ويقول منتقدو الكتاب ان يو لا تقدم سوى مزيجا من تعاليم قديمة مشوهة وروايات تهدف لتعليم القراء كيفية التعامل مع التوتر والعلاقات.

واضافوا: ان يو استغلت الجهل العام بالادب الكلاسيكي وان نجاحها احد الاعراض وليس علاجا لجنون التجارة والتراجع الاخلاقي الذي تشهده الصين في هذه الايام.

وقال تشو "ربما تكون نصائحها الاخلاقية مفيدة لاعادة بناء المزيد من العلاقات الاجتماعية بشكل سليم بعدما اضحت تركز حاليا على المال ولكن ليس لديها الشجاعة او الدافع لدراسة المعنى الحقيقي للحياة."

ويقول الكاتب تشا جيان يينج ان كتاب يو وجد جمهورا متحمسا نتيجة الفراغ العقائدي عقب انهيار الشيوعية "كدين للدولة" البالغ تعداد سكانها 1.3 مليار نسمة.

ويمضي قائلا "سواء كانت البوذية او المسيحية أو عرض يو للكونفوشية سيرحب به الناس. كثير من المجروحين ومن لا حول لهم في أمس الحاجة لما يؤمنون به او يتشبثون به بعد هذه التغييرات الهائلة."

شبكة النبأ المعلوماتية- الجمعة 18 آيار/2007 -29/ربيع الثاني/1428