الدكتور عمارة وسب الشيعة

دكتور أحمد راسم النفيس

 في مقاله المنشور بموقع المصريون بتاريخ 30-4-2007 والذي (شرفت) جريدة القاهرة بنشره بتاريخ 1-5-2007 واصل الدكتور محمد عمارة هجومه الشرس على الشيعة والتشيع لأهل البيت حيث زعم الرجل أن (تاريخ الشيعة لم يعرف انخراطهم في الثورات ضد الحكام الظلمة وضد الاحتلال الأجنبي إلا في القرن العشرين) متسائلا (ما الذي عند الشيعة ليغري إنسانا بالتحول من السنة إلى الشيعة؟! قد يقول البعض إنه حب الشيعة لآل البيت ..وهنا نريد أن ننبه الذين لا يعلمون أن مصطلح أهل البيت قد ورد في القرآن الكريم مرة واحدة يراد به نساء النبي صلى الله عليه وسلم وليس أبناء فاطمة من علي بن أبي طالب كما يدعى الشيعة!!.. يَا نِسَاء النَّبِيِّ لَسْتُنَّ كَأَحَدٍ مِّنَ النِّسَاء).

كنا نتمنى على الدكتور عمارة أن يصرف جهده في الدعوة إلى توحيد الأمة وجمع الكلمة بدلا من العمل على توسيع رقعة الخلاف والدعوة إلى حفر المزيد من الخنادق الطائفية.

لا نفهم حتى هذه اللحظة كيف خرج البعض باستنتاج من انتصار حزب الله على إسرائيل في حرب الصيف الماضي مفاده اعتماد سياسة تعلية أسوار الفصل الطائفي بين المسلمين بدلا من السعي لإزالتها وتغليب لغة الحوار والتقارب ولن نقول لغة الوحدة والتحالف باعتبار أن الحديث عن خطر صهيوني أصبح من مخلفات الماضي الكريه الذي يريد هؤلاء السادة محوه من ذاكرتهم.

ما يقوم به السيد عمارة بالتعاون مع آلاف التكفيريين المنتشرين في شتى بقاع مصر لا يعدو كونه تعلية لجدار من نار لا يمكن مقارنته بحواجز الأعظمية الخرسانية المؤقتة التي أشعلت غضب أدعياء الحضارة والإنسانية!!.

الدكتور عمارة والعقل الموسوعي

اللهجة التي يتحدث بها الدكتور عمارة توهم القارئ أن الرجل صاحب عقل موسوعي وأنه اطلع على أغلب ملفات التاريخ فلم يجد للشيعة فيها صفحة بيضاء تشير إلى جهادهم ضد من أسماهم بالحكام الظلمة أو ضد أعداء الإسلام باستثناء تلك الطفرة التي حدثت في القرن العشرين كما أن الرجل صاحب عقل موسوعي قرآني ودليله على ذلك أن كلمة أهل البيت لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة في سورة الأحزاب!!.

وإذا كان البعض قد ألغى عقله ويرفض قراءة الواقع قراءة صحيحة ويصر على اعتبار ما حصل في حرب تموز تمثيلية متفق عليها بين الشيعة والصهاينة تماما مثلما روج هؤلاء لتمثيلية الحادي عشر من سبتمبر المجيد وتمثيلية إعدام صدام فكيف يمكن لنا أن نأتمن هؤلاء على قراءة التاريخ؟!.

من أين جاء الدكتور عمارة بمقولته عن تاريخ الشيعة؟!.

هل يمكن أن يكون هذا كلام رجل قرأ التاريخ الإسلامي ولو لمرة واحدة؟!.

أذكر قبل عدة سنوات أن طلع علينا أحد (المؤرخين) ومن إعلامنا الرسمي بمقولة أن ثورة الإمام الحسين ضد الظلم الأموي هي التي بذرت بذور الإرهاب في التاريخ الإسلامي فكان أن اضطررت للرد عليه في كتاب من جزئين هو (الشيعة والثورة) يحكي تاريخ الثورات الشيعية ضد الظلم الأموي والعباسي وكان الهدف من وراء ذلك هو التفرقة بين الإرهاب الذي يقتل عشوائيا ولا يميز بين البر والفاجر والظالم والمظلوم وبين مقارعة الظلم بالمفهوم الشيعي الذي لا يقتل لمجرد القتل بل من أجل كف الظالمين عن إيذاء المستضعفين سواء كانوا من الشيعة أم من غيرهم.

هل حقا كان التحرك الحسيني الثوري ومن بعده ثورة المختار وثورة التوابين بل وحتى ثورة زيد الشهيد وثورة محمد بن عبد الله بن الحسن (النفس الزكية) وثورة أبي السرايا من بين تحولات القرن العشرين كما يزعم الدكتور عمارة؟!.

ولن نخوض في التمييز بين التشيع الزيدي والتشيع الإمامي أو تلك المقاربة الموهومة بين الزيدية وأهل السنة لأن خصوم الشيعة القدامى والمعاصرين لا يميزون بين أنواع التشيع ويكفي أن نطلع على ما يجري الآن في اليمن لنرى بأم أعيننا أن التشيع لأهل البيت هو أمر لا يطيقه البعض حتى ولو كان هذا التشيع زيديا وليس إماميا!!.

أما ما قاله الدكتور عمارة من أن كلمة أهل البيت وردت في القرآن مرة واحدة فهو كلام غير صحيح على الإطلاق إذ أنها وردت مرتين, الأولى في سورة هود آية 73 (رحمة الله وبركاته عليكم أهل البيت إنه حميد مجيد) والثانية في سورة الأحزاب (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا).

هذه واحدة والثانية أن الدكتور عمارة يفسر القرآن وفقا لرأيه وهو أمر مرفوض جملة وتفصيلا وما كان له أن يرفع صوته فوق صوت النبي وقد وردت الأخبار الصحيحة التي رواها العديد من الصحابة ومن بينهم أَنَس بْن مَالِك وأَبِي الْحَمْرَاء ووَاثِلَة بْن الْأَسْقَع وأُمّ سَلَمَة وأَبِي هُرَيْرَة وأم المؤمنين عَائِشَة وأَبِي سَعِيد الخدري وسَعْد بن أبي وقاص وزَيْد بْن أَرْقَم ناهيك عمن روى عن هؤلاء من التابعين عن رسول الله صلى الله عليه وآله أن أهل البيت المعنيين بهذه الآية ليسوا أزواج النبي ونص الرواية عن ابن جرير الطبري عَنْ أَبِي سَعِيد الخدري رَضِيَ اللَّه عَنْهُ قَالَ: قَالَ رَسُول اللَّه صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَة فِي خَمْسَة فِيَّ وَفِي عَلِيّ وَحَسَن وَحُسَيْن وَفَاطِمَة "إِنَّمَا يُرِيد اللَّه لِيُذْهِب عَنْكُمْ الرِّجْس أَهْل الْبَيْت وَيُطَهِّركُمْ تَطْهِيرًا". 

أما سبب ذكرنا لطرق الرواية فهو أن القوم إذا أعجبهم أمر أذاعوا به في الدنيا بأسرها بل وجعلوه أصلا من أصول الدين حتى ولو جاء الخبر نقلا عن شخص واحد وربما كان هذا الشخص أو رواة الخبر من المتهمين في أمانتهم في النقل وهناك الكثير مما يمكن أن يقال في هذا المجال.

سقيفة بني ساعدة وسقيفة بني هاشم!!

لنفترض أن الشيعة القدامى قد عقدوا اجتماعا مقابلا لاجتماع سقيفة بني ساعدة وقرروا اختيار علي بن أبي طالب أو أحد أبنائه إماما أو خليفة للمسلمين..

فما هي الجريمة في هذا؟!.

القوم يرفضون حتى هذه اللحظة إدانة أي ممن قاتل الإمام علي بن أبي طالب ويرون أنهم اجتهدوا فأخطئوا ولهم أجر واحد على اجتهادهم (المشكور)!!.

فلنعتبر أن الشيعة اجتهدوا أيضا وأخطئوا وهم لا يريدون أجرا بل يريدون أن يكف الدكتور عمارة وإخوانه الوهابيين عن اتهامهم بما ليس فيهم ووصفهم بالخيانة والعمالة للتتار والفرنج والصهاينة والأمريكان وحسابهم على الله (وَإِن يَكُ كَاذِباً فَعَلَيْهِ كَذِبُهُ وَإِن يَكُ صَادِقاً يُصِبْكُم بَعْضُ الَّذِي يَعِدُكُمْ) فهل هذا كثير؟!.  

سيرد عليك القوم بذكر بعض الأدلة وفتاوى بعض الشيوخ والأئمة وسنرد نحن بتفنيد هذه الأدلة وذكر أدلة مقابلة والواقع يقول أن خلافا من هذا النوع يملك فيه كل طرف ما يستدل به من الأدلة والبراهين لا يجوز بحال من الأحوال التعامل معه بهذه الطريقة التكفيرية الاستهزائية ومحاولات التحقير المتواصلة التي يصر هؤلاء السادة على استخدامها.

السؤال الذي نود أن نوجهه للدكتور عمارة وأصحاب نظرية المؤامرة الشيعية الصهيونية هو: هل سمع الرجل أحدا يصف أهل السنة عشوائيا بهذه الصفات التي استمرءوا وصف الشيعة بها؟!.

الأمر ليس تفضلا من أحد لأن الله تبارك وتعالى يقول (ولا تزر وازرة وزر أخرى) ولأن الخائن والفاسد لا يمثل إلا نفسه ولا يقع وزره إلا على عاتقه!!.

نصيحتي للدكتور عمارة من أخ أصغر: ارْضَ مِنَ النَّاسِ بِمَا تَرْضَاهُ لَهُمْ مِنْ نَفْسِكَ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تَعْلَمُ وَإِنْ قَلَّ مَا تعْلَمُ، وَلاَ تَقُلْ مَا لاَ تُحِبُّ أَنْ يُقَالَ لَكَ.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الخميس 17 آيار/2007 -28/ربيع الثاني/1428