السبيل الى مكافة الفساد وتجربة هونغ كونغ

 شبكة النبأ: لاشك بان تجارب الدول التي تصدت للفساد كثيرة وهي دروس قيمة يمكن الاستفادة منها واستيعابها، وهو امر يجب ان يضعه المسؤولين في اي مكان نصب اعينهم وهم يخوضون غمار التصدي للفساد بكل اشكاله وخصوصا ماله تماس مع المواطن في دوائر الدولة وما لاجهزة الامن من فاعلية في مساره سواء كان سلبا او ايجابا، أي بمعنى قد يكون للشرطة الاجرائية دور في دفع الفساد وتعضيده او مكافحته.

ولعل الفساد المؤسساتي هو اخطر انواع الفساد او ما يعرف بـ(فساد التعاضد) وهو جمع من الموظفين او الشرطة يتكاتفون بما يشبه المافيا وبشكل تكاملي وشراكة قوية غير قابلة للاختراق او افشاء السر.

يقول روبرت كليتجارو مؤلف كتاب (السيطرة على الفساد) متسائلا:

خلال العقدين الماضيين اخذت اعداد متزايدة من الدول النامية باقامة مؤسسات جديدة ذات مهمة خاصة واحدة هي اجتثاث جذور الفساد والسؤال هو: في ظل أي ظروف يمكن ان يكون انشاء هذه المؤسسات؟

وما هي الضمانات التي ينبغي توافرها لمنع سوء استخدام السلطة الممنوحة لها؟

وكيف يمكن اقامة مثل هذه المؤسسات؟

وما الذي تستطيع عمله للسيطرة على الفساد في الحكومة؟.

والموضوع يتعرض لأكثر هذه المؤسسات شهرة واكبرها قوة في دول العالم النامي، ألا وهي (اللجنة المستقلة لمحاربة الفساد في هونغ كونغ) كمثال يمكن احتذائه، وسننظر في اسباب اقامتها وكيف استطاعت النجاح في تطهير الفساد من قوة الشرطة.

اصبحت اليوم شرطة هونغ كونغ مشهودا لها على نطاق واسع من اكثر دوائر الشرطة في آسيا كفاءة واقلها فسادا، ولكنها لم تكن كذلك فيما سبق من تاريخها فلقد كان الفساد مستشريا الى درجاته القصوى منذ الستينات والسبعينات.

ترويج المخدرات: منذ القرن التاسع عشر وهونغ كونغ تكتسب شهرة كمركز لتصنيع واعادة تصدير المخدرات وكانت تدخل اليها من المثلث الذهبي الواقع بين الحدود مع بورما ولاوس وتايلاند بما يقدر بخمسين طنا من الافيون وعشرة اطنان من المورفين كل عام، وكان فيها اكثر من 80 الفا من مدمني المخدرات وان المورفين الخام يباع بـ 10 آلاف دولار للباوند الواحد والهيروين درجة ثانية بالفي دولار.

كانت تجارة رائجة وغالبا ما كان تعاون الشرطة يشترى مقابل نصيب من الارباح الطائلة وكانت المؤسسات السرّية الستة تدير امبراطورية المخدرات، وعلى سبيل المثال كانت احدى تلك المافيات تدفع للشرطة في بعض المناطق بما قدره( 10 آلاف دولار) مقابل سكوتهم او انذارهم استباقيا عن الغارات التي تعدها الدولة، حيث كان للشرطة مؤسستهم الخاصة بهم في المقاطعة الغربية، تجمع الاموال من اوكار المخدرات والقمار عن طريق ضباط الشرطة وقد جرى تقسيم الاموال السوداء وايداع الانصبة في ستة بنوك، وادت الارتباطات مع ضباط الشرطة الى تمكين مؤسسات القمار من الحصول على انذارات مبكرة عن قيام الشرطة بغاراتها.

هذا عرض مقتضب عن الحالة في هونغ كونغ، وللنظر الى ما فعله السيد جاك كيتر في تجربته في محاربة الفساد من خلال اللجنة المستقلة التي تراسها نرى الاتي:

في عام 1971 اصدرت الحكومة قانونا محليا هاما لمنع الرشوة ووسعت نطاق من يشملهم القانون حتى بالنسبة للمشتبه بهم والذين تزيد ثروتهم الشخصية على مداخيلهم المعتادة، وكان لزاما على هؤلاء اثبات برائتهم وتبرير الثروات التي يتمتعون بها.

واصبح الغنى الذي لا يمكن تفسيره جريمة بحد ذاته، وانشئ مكتب مكافحة الفساد برئاسة جاك كيتر الذي استطاع ان يحيل خلال عام واحد 295 من الشرطة اثنان منهم من المديرين و26 من المفتشين واحالتهم على التقاعد.

وجاك كيتر شخصية ذات جوانب هامة ويتصف ببياض اليد والعفة، وقد منحته الحكومة سلطة شاملة وهو بدوره خوّل ضباط التفتيش والقاء القبض بمجرد الظن بان هناك مفسد تعززه بعض اخباريات المواطنين.

وعمد كيتر ان يضمن ثقة الجمهور واستقامة اللجنة امامه وليس بحالة خوف كما لو كانت لجنة جديدة خلفت اللجنة السابقة وسارت على مسارها، فقد شكّل لجان استشارية من المواطنين ضمت بين صفوفها منتقدي الحكومة، كما اصطفى للجنة رجال من المملكة المتحدة من ذوي الخبرة والنزاهة.

وعمل على تنظيم اللجنة لضمان عدم قابليتها للفساد وكانت المكافئات والجزاءات عالية جدا كما سعى الى نظام العقود مع العاملين في اللجنة وهي تتراوح بين عام ونصف الى عامين، إضافة الى سلطة طرد أي فرد في اية لحظة يظهر فيها تهاونه في العمل بعد ظهور درجة معقولة من الشك وغير ملزم بتقديم اسباب للطرد.

وكان من الممكن وضع افراد الشرطة تحت المراقبة.

وضع كيتر ثلاث مفاهيم:

ـ زيادة المخاطر في القبض على المتلبسين

ـ اعادة بناء الادارات الحكومية للحد من فرص الفساد

ـ تغيير مفاهيم واتجاهات الناس بالنسبة للفساد

وبالتالي فقد قام بتنظيم اللجنة في ثلاث اقسام ذات علاقة بالمفاهيم الثلاث السابقة وكما يلي:

قسم الوقاية من الفساد:

وقد كان هذا القسم جديدا وهو يتحرى ويحدد مكامن الفساد أي ان يتماس مع الحركة الادارية ويؤشر عن الدوائر التي يحتمل ان يكون فيها الفساد.

قسم العلاقات بالمجتمع:

ومهمته جمع التأييد والمعلومات وتغيير ميول واتجاهات الجمهور إزاء الفساد.

قسم العمليات:

وهو إقامة رادع حقيقي بصورة سريعة أي تكوين قوة قادرة على بث الخوف في قلوب الافراد الفاسدين، وكان لقسم العمليات فرعان، مهمة الفرع الاول الاهداف العامة في ملاحقة والتحري في جميع المجالات والمستويات كما كان يتابع شكاوى الجمهور عن طريق الهواتف الساخنة.

اما الفرع الثاني فهو فرع الاشخاص المستهدفين حيث يجري تحري احوالهم المالية من الذين كانوا يعيشون في مستوى يفوق امكانياتهم.

وقد استطاعت اللجنة بفضل جهودها المتميزة من مقاضاة كثير من الموظفين وتحري الاجهزة الحكومية واحالة اشخاص في الإطفاء والاسكان والهجرة والعمل والبحرية والطب والادارة والاراضي والبريد والسجون والاشغال العامة والنقل وخدمات المدن وكذلك القطاع الخاص فقد ادانت الحكومة عام 1975 مقاول مباني معروف بتهمة رشوة موظفي وزارة الاشغال كذلك تغريم واحدة من اكبر الشركات مبلغ 90 الف دولار.

لقد حققت اللجنة الشئ الكثير في الوقاية من الفساد والعلاقات مع المجتمع فقد حظي هذان المجالان بصورة خاصة باهتمام متزايد ومع نهاية عام1980 كان قسم الوقاية من الفساد قام بتنفيذ ما يقرب من 500 دراسة عن مختلف السياسات والممارسات في الاجهزة الحكومية واجرت اللجنة متابعة للكثير من هذه الدراسات مع تقارير مراقبة شاملة حول كيفية تطبيق التوصيات بصورة جيدة وقد حضر ندواتها التدريبية حول الوقاية من الفساد ما يزيد على 10 آلاف موظف.

ومع حلول عام 1981 كان قسم العلاقة مع المجتمع قد اقام عشرة مكاتب وتلقى 10 آلاف تقرير عن نشاطات فاسدة وعقد ما يزيد على 19 الف مناسبة خاصة من ندوات ومعسكرات ومعارض ومسابقات وانتج من الحقائب المدرسية كميات كبيرة وزعت على الطلاب وهي تحمل عبارة ـ من عمل اللجنة المستقلة للقضاء على الفساد ومحو آثامه ـ.

كما حظيت اللجنة بنجاح كبير كمؤسسة فقد نمت ميزانيتها من مليوني دولار امريكي في عام 74 الى 14 مليون دولار.

وترك السيد جاك كيتر عمله في اللجنة ليصبح السكرتير العام لحكومة هونغ كونغ 1978

ثم منحته ملكة بريطانا لقب فارس وهو مظهر من مظاهر التكريم الرفيعة اعترافا بجهده المتميز في محاربة الفساد.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاربعاء  16 آيار/2007 -27/ربيع الثاني/1428