الهفتي عملية مضاربة ام ظاهرة خطيرة تؤدي الى الارهاب التجاري

شبكة النبأ: يعاني الاقتصاد العراقي من وطئة الاستهلاك المتصاعدة دون ادنى مجالات استثمار انتاجية من الداخل او الخارج تحقق نوعا من الانتعاش البسيط لطبقة المجتمع المتوسطة التي تحمل على كاهلها تبعات التضخم وازدياد الاسعار مثلما هي الطبقة الفاعلة في النشاط التجاري اليومي، وهذا بدوره يلقي ضلالا قاتمة على معاملات المواطن اليومية من بيع وشراء او وساطة ورهن وما الى ذلك.

ان ضعف الاقتصاد العراقي الى درجة التلاشي لولا نعمة تصدير النفط الذي بدوره يعاني التعثر والتخريب والانظمة القياسية القديمة الغير فعالة، افرز هذا الضعف طرقا قديمة جديدة في التعاملات المادية بين افراد المجتمع هي اقرب ما تكون الى عمليات مقامرة دون ضمانات محددة يضمن البائع من خلالها مستحقاته سوى وعود مغرية بتقديم اضعاف ما يستحق، ولكنها بالمقابل تحسب على نشاط العمليات التجارية الساعي الى انعاش السوق الراكد وتحريكه.

وانتشرت في الاونة الاخيرة في مختلف مدن وقرى محافظة واسط ظاهرة جديدة للتعاملات التجارية تعرف باسم " الهفتي" ، غير أن العديد من الخبراء والمختصين حذروا من العواقب الوخيمة للتعامل بهذه الظاهرة.

والهفتي هو عنوان لتعاملات تجارية من نوع خاص بدأت في الظهور في أغلب مدن محافظة واسط خصوصا المدن الواقعة في الناحية الشمالية الغربية للمحافظة بعد أن شاع هذا التعامل في المناطق المجاورة لتلك الحدود، أي في المناطق التي تقع الى الجنوب وجنوب شرق محافظة بابل.

وعن هذه الظاهرة قال أبو سمية من بلدة الزبيدية شمال غربي الكوت لوكالة ( أصوات العراق)"سمعنا منذ مدة لا تزيد عن عام أن هناك طريقة تعامل تجارية جديدة ظهرت في المدن المجاورة أطلق عليها اسم الهفتي وتتضمن شراء الاشياء بمبالغ تتراوح ما بين ثلاثة الى ستة أضعاف ثمنها الحقيقي على أن يدفع المشتري هذا الثمن بعد مرور بعض الوقت قد يصل إلى أربعة أو خمسة أو ستة أشهر أو تزيد."

وأضاف " هذه الظاهرة وجدت قبولا كبيراً خصوصاً عند أصحاب معارض بيع وشراء السيارات ثم انتقلت الى التعاملات التجارية الاخرى ووجدت رواجا في الريف والمدن على حد سواء."

وأشار إلى أن " بيع المواشي والحبوب والمحاصيل الزراعية يتم بطريقة الهفتي، ثم انسحب الامر على بيع قطع الاراضي السكنية والزراعية والبيوت والمواد الانشائية وحتى المقاولات."

وقال أبو سمية " كانت بدايتي مع هذه الطريقة في التعاملات عندما قمت ببيع سيارة ثمنها خمسة ملايين وأربعمائة الف دينار وتم الاتفاق مع المشتري الذي وعدني بدفع مبلغ 16 مليون دينار على أن اتسلم المبلغ بعد مرور ثلاثة أشهر."

وأضاف"الامر كان بيني وبين المشتري دون معرفة أي طرف آخر وكان مجرد كلام دون  وجود أي ضمانات غير معرفتنا ببعضنا الاخر."

وأشار الى انه تسلم المبلغ بالتمام والكمال في الموعد المحدد.

وقال إن"هذه الطريقة شجعتني للتعامل بها وكررت الحالة مع شخص آخر لكنني هذه المرة طلبت منه أن يحرر لي شيكاً وفعل ذلك كما انه أوفى ما عليه حسب الاتفاق."

وذكر أبو سمية أنه لا يعرف الكيفية التي يحصل بها المشتري على فارق السعر لكن المهم " إنني حصلت على حقوقي كاملة."

وفي الاطار نفسه قال محمد (مزارع من ناحية الشحيمية التي تتبع اداريا الى قضاء الصويرة شمال غربي الكوت بحوالي 130 كم وطلب عدم الكشف عن اسمه كاملا) " تعاملت بطريقة الهفتي مضطرا حيث قمت ببيع محصول القمح قبل نضجه وعلى مساحة عشرة دونمات وبسعر مضاعف على أن اتسلم المبلغ في نهاية شهر تموز يوليو المقبل."

وأوضح أن البيع بهذه الطريقة تم على "وفق تقديرات الانتاج التي اتفقت عليها مع المشتري وهو من تجار الحبوب في المدينة."

ولم يخف محمد تخوفه من هذا التعامل لكنه قال إن " المشتري اعطاني شيكا بالمبلغ الذي اتفقنا عليه ما يجعل ذلك ضمانا لي."

غير أن طريقة الهفتى بدا أن لها أيضا ضحايا حيث قال السيد ( ر. ك )، مهندس، إن " لي قصة مؤلمة مع الهفتي."

وأضاف" وقعت في شباك المشتري بعد أن بعت له سيارة تسمى محلياً ( بطّة) كان سعرها الحقيقي( 90 ورقة ) كما هو شائع في التسمية المحلية أي بمبلغ تسعة آلاف دولار."

وقال" اتفقنا على أن يعطيني ( 200 ورقة ) أي عشرون ألف دولار بعد مرور ثلاثة أشهر."

وأضاف أنه" من الاشخاص المعروفين ورغب في أن يحرر لي شيكا بالمبلغ."

وقال "لم يف المشتري بوعده ومضى على الوقت المحدد شهر ولم استلم المبلغ منه."

واضاف أن " الموضوع أخذ طابعا عشائريا وما زال المشتري يماطل وانه عرض أن يعطيني دفترا واحدا أي ( عشرة آلاف دولار) وتأجيل المبلغ المتبقي لمدة شهر ونصف ولكنى رفضت ذلك واريد المبلغ كاملا منه وهو حقي."

وأشار إلى أنه " لا فائده من الشكوى وتقديم الشيك للمحكمة لسبب أن القانون ضعيف أولا وحتى لو تم حبسه فعلى ماذا احصل ما دام هو في السجن."

أما صلاح حميد وهو موظف حكومي قال " كنا نسمع بظاهرة الهفتي أو البيع بالهفتي وما تحققه من ايرادات مالية للبائع الذي يحصل على ثمن مضاعف عدة مرات عن ثمن الحاجة التي يبيعها لكن الى الان لا نعرف كيف يتم ذلك."

وأضاف " الذين يتعاملون بالهفتي كانو قبل نحو عدة شهور يعملون في الخفاء لكنهم اليوم صاروا يعملون بوضوح وأمام الجميع."

وأشار إلى أنه" في أي مكان نجد تجار الهفتي، فهم من الاشخاص الذين نعرفهم معرفة تامة في مناطقنا وغالبيتهم نثق بهم وهم يجلسون في المقهى أو في هذا المحل التجاري أو في معرض لبيع السيارات يتحاورون فيما بينهم ولا يتنافسون على شراء سلعة مهما كانت، لا يمتلكون غير دفتر صغير يدونون فيه عمليات البيع والشراء وبعضهم يحمل الشيكات معهم والبعض الاخر لا يحملها."

وقال إن " غالبية عمليات البيع تتم عبر التفاهم بين البائع والمشتري حتى دون حاجة لوجود الشهود والامور حتى الان تسير على نحو جيد ولم نسمع بوجود مشاكل حصلت وأن التسديدات منتظمة كما نسمع."

إلا أن حميد أبدى تخوفه من اتساع هذه الظاهرة وقال إنه " من المرجح أن تكون لها نتائج كارثية اذا لم يتم استئصالها من قبل الدولة."

وقال حميد إن " ظاهرة الهفتي هي مثل (الارهاب التجاري) الذي بات يستهدف الشعب ولكن بثوب جديد."

ومن جانبه قال السيد مثنى حسن مهدي وهو باحث اجتماعي ومؤرخ " لم نجد أثرا أو دلالة لمعنى كلمة الهفتي في كل القواميس لا في مختار الصحاح أومنجد اللغة أوالعلوم والاداب."

وأضاف " قد يكون معناها أنه جاء من القول الدارج أن فلانا هفت المال وهرب أي أخذه وهرب مستغلا غفلة صاحبه أو جهله."

وأضاف " كنا نسمع من اجدادنا مرارا وهم يرددون الهفتي وهي تدل عندهم على أن الشخص لا يمتلك شيء ولا عنده أو يكذب أو يبالغ بالكذب في أنه يمتلك كذا وكذا."

وحذر في الوقت نفسه " من التعامل وفق هذا الاسلوب الجديد."

وفي الاطار نفسه انتقد استاذ جامعي وهو خبير اقتصادي ،فضل عدم ذكر اسمه، التعامل بالهفتي وقال إن " هذه الظاهرة من اخطر الظواهر التي باتت تهدد الاقتصاد العراقي في الوقت الحاضر."

وأضاف "لابد أن يكون للظاهرة دعما من أطراف مختلفة تريد تحطيم ما تبقى من اقتصاد البلد أو انها تريد خلق الاقتتال في المناطق الامنة بين المتعاملين بهذه الظاهرة."

وقال إن " ثمة مشاكل تحصل لا محالة بين البائع والمشتري ، فكيف يعقل شراء حاجة بخمسة أو ستة أضعاف ثمنها حتى وان كان التسديد بعد مضي مدة من الزمن."

وشدد على أهمية أن تتخذ الحكومة اجراءات سريعة للقضاء على هذه التعاملات المريبة وقال إنه " على الاشخاص الذين يتعاملون بالهفتي إيقاف تعاملاتهم فورا به والا فإن مصيرهم الهلاك."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14 آيار/2007 -25/ربيع الثاني/1428