بسبب الفساد: مليارات النفط العراقية تذهب ادراج الرياح

شبكة النبأ: يتارجح قطاع النفط العراقي بين الفساد الاداري وعمليات التهريب الضخمة وبين قلة الامكانات التكنولوجية للسيطرة على انسيابية رقمية دقيقة للنفط الخام والمشتقات، اضافة الى عجز الدولة عن تقديم الحماية لحقول وانابيب التصدير وخصوصا في المنطقة الشمالية من العراق مما يؤدي الى ضياع يومي لثروات تقدر بملايين الدولارات يوميا ومنذ ما يقارب الاربع سنوات.

وقالت صحيفة نيويورك تايمز انه لم يعرف مصير انتاج أعلن عنه خلال السنوات الاربع المنصرمة من النفط العراقي قيمته مليارات الدولارات ومن المحتمل أن يكون جرى تحويله عن طريق التهريب أو الفساد.

وأضافت مستشهدة بمسودة تقرير أعده مكتب محاسبة الحكومة الامريكية ومحللو طاقة حكوميون والذي من المتوقع أن يصدر الاسبوع الحالي أن بين مئة ألف و300 ألف برميل من الانتاج العراقي اليومي البالغ نحو مليوني برميل مفقودون.

وأفاد التقرير بأن الفارق قدر بين خمسة ملايين و15 مليون دولار يوميا على أساس احتساب سعر البرميل 50 دولارا في المتوسط وهذا يقدر بمليارات الدولارات خلال السنوات الاربع منذ الغزو الذي قادته الولايات المتحدة ضد العراق في مارس اذار عام 2003 .

وحصلت الصحيفة على مسودة التقرير من مكتب حكومي منفصل تلقى نسخة لمراجعتها. وقالت الصحيفة ان مكتب محاسبة الحكومة رفض مناقشة مسودة التقرير.

ولم يتوصل التقرير لاستنتاج نهائي بشأن ما حدث للنفط المفقود وطرح تفسيرات بديلة اضافة الى الفساد أو التهريب بما في ذلك امكانية مبالغة العراق في حجم انتاجه.

وعرض مسؤول بوزارة الخارجية الامريكية الذي يعمل في شؤون الطاقة تفسيرات محتملة بينها تخريب في خطوط الانابيب أو تقرير غير دقيق عن الانتاج النفطي في جنوب العراق.

ونقلت الصحيفة عن مسؤول دون نشر اسمه قوله "يمكن أن تكون هناك سرقة" مشيرا باصابع الاتهام الى الميليشيات الشيعية بالجنوب. وتابع المسؤول "النفط الخام ليس مربحا في المنطقة مثل المنتجات المكررة ولكننا لا نستبعد ذلك (السرقة)."

واستطرد "ليست هناك قضية تمرد ولكن يمكن أن يكون يستخدم في تمويل الفصائل الشيعية."

ونقلت الصحيفة عن المسؤول قوله "سيسبب ذلك قلقا اذا كانوا يستخدمون المال المهرب في تفجير جنود أمريكيين أو قتل سنّة أو القيام بأي شيء يمكن أن يضر بوحدة البلاد."

ووصفت الصحيفة التقرير بأنه أشمل تقييم لما وصفته بالجهود الامريكية المتعثرة لاعادة بناء قطاعي النفط والكهرباء في العراق. وعين مكتب محاسبة الحكومة خبراء من ادارة معلومات الطاقة في وزارة الطاقة الامريكية لاعداد تحليله النفطي.

وقال ايريك كريل وهو خبير نفطي في الادارة اطلع على التحليل ان مراجعة أرقام صناعة النفط في شتى أنحاء العالم أشارت الى أن الارقام المتعلقة بالانتاج العراقي ليست منطقية.

وأضاف لصحيفة نيويورك تايمز "اما انه ينتج (العراق) أقل أو أنه ينتج ما ذكره والفارق غير معروف مصيره."

ونقلت الصحيفة عن محللين خارج الحكومة قولهم ان هذا الفارق الكبير يشير الى أنه اما كانت هناك عملية تهريب كبيرة أم أن العراق لا يقدم أرقاما دقيقة عن انتاجه.

نفط مفقود!!

ويشيرالتقرير إلى ان قيمة هذا النفط تتراوح بين خمسة و15 مليون دولار امريكي يوميا.

وتشير الصحيفة الى ان العراق والولايات المتحدة يخضعان لضغوط كبيرة لاظهار تقدم في رفع معدلات الانتاج النفطي العراقي. كما تشير الصحيفة الى ان السلطات العراقية قد تكون اعطت ارقاما حول كمية الانتاج تفوق الواقع.

وحاولت الصحيفة ان تسأل الوكالة الحكومية عن التقرير الا ان الناطق باسم مكتب المحاسبة الامريكي بول اندرسون قال انه "لن يناقش مسودة تقرير لم ينشر رسميا بعد".

وأشار مسؤول في الخارجية الأمريكية إلى احتمال وجود "عدة تفسيرات لضياع النفط من بينها ما تتعرض له انابيب النفط من تخريب، او الارقام غير الصحيحة عن مستوى الانتاج في جنوب العراق، إذ ربما أخطأ المهندسون في احتساب كمية النفط التي يتم ضخها عبرالأنابيب في هذه المنطقة من العراق".

ولم يستثن المسؤول عمليات السرقة ولكنه قال ان "النفط الخام ليس مربحا اذا سرق، ولكن لا يمكن استثناء هذا الامر".

يذكر ان مسؤولين عراقيين وامريكيين كانوا قد حذروا من ان سرقة المواد النفطية المصنعة تكلف العراق مليارات الدولارات سنويا.

وتؤكد نتائج الدراسة شكوكا قوية بأن المهربين، والمسلحين، ومسؤولي الحكومة المتورطين في الفساد يسيطرون على جزء كبير من صناعة النفط بالعراق.

وان العراق ووزارة الخارجية الأمريكية كانتا تحت ضغوط قوية لاحراز تقدم ملموس بالبلاد عن طريق رفع مستويات الانتاج التي شهدت انخفاضا كبيرا عن الرقم الذي استهدفت الولايات المتحدة تحقيقه في العراق، وهو 3 مليون برميل يوميا، علما بأن الاقتصاد العراقي يعتمد بصورة كلية على ايرادات النفط كمصدر للدخل القومي.

وأوضح مسؤول بوزارة الخارجية الأمريكية متخصص في قضايا الطاقة، ان هناك العديد من التفسيرات تتعلق بنسبة المفقود من النفط العراقي، ومنها العمليات التي تستهدف تخريب خطوط انابيب النفط، بالاضافة الى عدم دقة البيانات الخاصة بالإنتاج فى جنوب العراق.

وأضاف المسؤول، الذي لم تذكر الصحيفة اسمه، "قد يرجع الامر كله الى السرقة حيث تدور الشكوك بصورة رئيسية على الميليشيات الشيعية بجنوب البلاد"، مشيرا الى ان "النفط الخام لا يدر ربحا كبيرا في المنطقة مثل المشتقات التي يتم تكريرها، ولكننا لا نستبعد ذلك ايضا."

وكان المسؤولون العراقيون والأمريكيون ذكروا ان تهريب المنتجات التي يتم تكريرها مثل الجازولين والكيروسين يكلف العراق في واقع الامر مليارات الدولارات سنويا، كما ان الحكومة العراقية تتخوف من ناحية اخرى من عمليات التهريب تلك.. حيث يعتقد المسؤولون ان جزءا كبيرا من عائدات النفط يذهب للجماعات المسلحة.

وبصورة عامة فإنه من الصعب تهريب خام النفط حيث يجب أولا نقله لمعامل التكرير وتحويله الى منتجات ومشتقات مكررة ذات قيمة أكبر قبل ان يتم بيعه في الاسواق.

وتابع التقرير ان الولايات المتحدة – بإضافة التمويل المدني والعسكري – قد انفقت 5.1 مليار دولار من اجمالي 7.4 مليار دولار من اموال دافعي الضرائب الامريكيين لإعادة اعمار قطاعي النفط والكهرباء العراقيين، بالإضافة الى 3.8 مليار دولار من الاموال العراقية انفقتها الولايات المتحدة على هذين القطاعين ايضا.

واشار التقرير الى ان المفقود من النفط العراقي يعود بالذاكرة الى حد كبير الى الاحصاءات التي ظهرت عندما قام عدد من الخبراء من وزارة الطاقة الأمريكية بدراسة البنية التحتية للنفط العراقي عقب فضيحة برنامج النفط مقابل الغذاء ابان فترة حكم الرئيس العراقي السابق صدام حسين، حيث حقق صدام وعدد من المهربين الآخرين بتحقيق ارباحا طائلة من البرنامج الذي كانت ترعاه منظمة الأمم المتحدة.

وفى تقاريره للكونجرس الأمريكي قبل الغزو الذي اطاح بصدام في عام 2003، أكد مكتب المساءلة انه في اوائل عام 2002، على سبيل المثال، كان يتم تهريب ما يتراوح بين 325,000 و 480,000 برميل من النفط الخام يوميا خارج العراق ويذهب معظمها لسوريا عن طريق خطوط الانابيب بين الدولتين الجارتين.

قطاع النفط  بين التهريب وإعادة التأهيل

ولم يعط  التقرير المعني استنتاجاً نهائياً بشأن ما حدث بالنسبة لتلك الشريحة من إجمالي كمية الإنتاج النفطي العراقي، والذي يبلغ مليوني برميل يومياً، غير أن النتائج التي توصل إليها تعزز من الشكوك القائمة منذ فترة طويلة، والتي دارت حول فرضية مفادها أن المهربين والمتمردين والسياسيين الفاسدين يتحكمون في قطاعات مهمة من الصناعة النفطية في البلاد. يذكر أن حكومة العراق ووزارة الخارجية الأميركية التي أعدت التقرير المشار إليها كانتا تحت ضغط مستمر يحثهما على تحقيق تقدم في العراق من خلال رفع مستويات الإنتاج التي تراجعت كثيراً عن الهدف الذي كانت قد وضعته الولايات المتحدة، وهو تحقيق إنتاج يومي مقداره ثلاثة ملايين برميل من النفط الذي يعتبر عماد الاقتصاد العراقي.

ومسودة التقرير التي يتوقع أن يتم الإفراج عنها خلال الأسبوع القادم تم إعدادها بواسطة مكتب المحاسبة الحكومية للولايات المتحدة، بمساعدة من محللي الطاقة في البلاد وتم تقديمه إلى "نيويورك تايمز" بواسطة مكتب حكومي مستقل استلم نسخة للمراجعة، ولكن مكتب  المحاسبة الحكومية امتنع عن تقديم نسخة من المسودة الأصلية.

ويقول "إيريك كرايل" وهو خبير نفطي في إدارة المعلومات إن مراجعة أرقام صناعة النفط من حيث الإنتاج والصادرات لم تستطع أن تتوصل إلى الكيفية التي تختفي بها تلك الكميات من النفط العراقي، على رغم أن الإدارة قد أخذت في حسبانها مقدار النفط الخام، الذي يتم استهلاكه محلياً من أجل توفير الطاقة لمصانع إنتاج الكهرباء العراقية وتكريره إلى جازولين وغيره من المنتجات. وحتى عندما تم أخذ جميع تلك العناصر في الحسبان، فإن أرقام النفط المنتج لم تتطابق مع أسعار النفط المبيع.

وقد علق "كرايل" على ذلك بقوله: "إما أنهم ينتجون كميات أقل أو أنهم ينتجون الكميات التي يتحدثون عنها، وفي الحالة الثانية، فإن التفسير الوحيد هو أن هناك كميات لا يتم تسجيلها في الدفاتر والسجلات".

ويشير العديد من المحللين الأميركيين غير الحكوميين إلى أن الفروق تشير إما إلى حدوث عمليات تهريب كبيرة أو إلى عجز العراقيين عن الحساب الدقيق للكميات المنتجة والمبيعة والمصدرة.

ويقول "فيليب كيه فيرليجر جي. آر"، وهو خبير اقتصادي متخصص في صادرات النفط، إن الكمية التي تضيع من النفط العراقي يومياً هي كمية مذهلة بكل المقاييس، ولكن لو أخذنا في اعتبارنا ما يحدث في العراق، فإن ذلك ربما يخفف من تلك الدهشة.

ويضيف "فيرليجر" أنه "إذا ما كانت تلك الكميات تجد طريقها في النهاية إلى خارج العراق، فإنه يجب أن تكون هناك في مثل هذه الحالة أسواق مستعدة لاستقبالها". وهذه الأسواق في رأيه تتمثل في الدول التي توجد فيها مصافٍ لا تشرف عليها شركات النفط الغربية الكبرى مثل تلك المصافي الصغيرة الموجودة في الصين وبعض دول الكاريبي وبعض الدول الأوروبية الصغيرة.

ويضم التقرير تفصيلات دقيقة عن مليارات الدولارات التي أنفقتها الولايات المتحدة والعراق على إعادة تأهيل البنية الأساسية لقطاعي النفط والكهرباء في العراق، والتي لم تصل -عملية التأهيل- إلى الأهداف التي تم وضعها من قبل الأميركيين بل إنها تتأخر عن تلك الأهداف بشكل مستمر. ويشير التقرير إلى أن الولايات المتحدة قد أنفقت 5.1 مليار دولار من إجمالي 7.4 مليار دولار كان قد تم تخصيصها من أموال دافعي الضرائب الأميركيين لإعادة تأهيل قطاعي النفط والطاقة العراقيين. كما يشير ذلك التقرير أيضاً إلى أن الحكومة العراقية قد أنفقت 3.8 مليار دولار من دخلها على تأهيل هذين القطاعين.

وعلى رغم تلك الإنفاقات الهائلة، فإن أداء هذين القطاعين أقل كثيراً من الأهداف المحددة، بل إنه يتأخر كثيراً عن ذلك في بعض الحالات. فعلى سبيل المثال، فإن إجمالي الكميات المنتجة من الكهرباء من شبكة الكهرباء العراقية في عام 2006 بلغ 4.300 ميجاوات وهي نفس الكمية التي كانت تنتج تقريباً قبل عام 2003 حينما بدأ الغزو. وبحلول شهر فبراير الماضي، تضاءلت تلك الكمية لتصل إلى 3800 ميجا وات. وهذه الكميات تقل عن الكمية المستهدفة من قبل الولايات المتحدة وهي 6000 ميجا وات. ومما فاقم من إحباط العراقيين بالنسبة لأداء قطاع الكهرباء أن شبكة الكهرباء لم تستطع أن توفر التيار الكهربائي إلا لمدة 5.1 ساعة في المتوسط في بغداد و8.6 ساعة في باقي مناطق الدولة وهذه الأرقام تقل كثيراً عن أرقام العام الماضي. ونفس الشيء ينطبق على قطاع النفط حيث لم تصل كميات الإنتاج وكميات الصادرات إلى الأهداف الأميركية المحددة، بل إن كميات العام الماضي تقل عن كميات العام الذي سبقه.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14 آيار/2007 -25/ربيع الثاني/1428