أزمة كركوك هل تفجر الوضع في شمال العراق وتنشر الفوضى فيه؟

 شبكة النبأ: تحتدم الارادات وتتشابك الرؤى في قضية اساسية اخرى تتمثل في محافظة كركوك لم تكن غائبة عن ساحة الصراع منذ اولى السنوات التي اعقبت تغيير نظام البعث البائد في العراق والذي كان رائدا بزراعة هذه المشكلة كما يرى الاكراد بشكل اساس، وذلك لتوطينه العرب فيها وترحيل قسم كبير من الاكراد سكنتها الاصليين.

وفي استطلاع ضمّنته رويترز في تقريرها خلال لقاء بالمواطن عبد الله جاسم وهو من العرب الشيعة وغادر مدينة البصرة التي ولد بها في جنوب العراق بحثا عن حياة أفضل في مدينة كركوك المنتجة للنفط.

وافتتح جاسم ثلاثة أعمال وزوج ستاً من البنات ولدن في كركوك، غير أن جاسم وأسرته يعتبرون "وافدين" في أعين الكثيرين في هذه المدينة المضطربة في شمال العراق والواقعة في قلب نزاع عرقي يلوح في الافق.

وقال جاسم (67 عاما) بينما كان يتناول الشاي مع أصدقائه بعد ظهر أحد الايام مؤخرا "أغلب أفراد أسرتي لم يروا البصرة مطلقا."

وتابع "لم يجبرنا أحد على المجيء.. لكن في كل مرة يتقدم أبنائي وبناتي لوظيفة يقال لهم.. هذه الوظيفة ليست لكم.. انها من أجل أهل كركوك فقط."

ويتوقع أن يسوّي العراق الوضع النهائي لكركوك التي تسكنها أعراق متعددة عبر استفتاء محلي بحلول نهاية عام 2007.

وفي الوقت الذي تركز فيه الحكومة العراقية وواشنطن على انقاذ بغداد من الوقوع في براثن الحرب الاهلية حذرت مؤسسة بحثية الشهر الماضي من أن تجاهل كركوك قد يؤدي الى امتداد الصراع الى الشمال الذي يتمتع بسلام نسبي بل وحتى انتقاله عبر الحدود الى تركيا.

ويزعم كل من الأكراد والعرب والتركمان الذي يتحدثون التركية أحقيته بالسيطرة على كركوك وهي مدينة قديمة تقع على بعد 250 كيلومترا شمالي بغداد.

ويري محللون ان الاضطرابات في كركوك التي كانت يوما ما بوتقة ينصهر فيها الاكراد والعرب والاشوريون والتركمان والارمن وصفة للعنف إذا لم يتم التوصل الى حل سلمي.

وينظر الاكراد الى كركوك على أنها عاصمتهم التاريخية ويريدون ضمها الى منطقة كردستان التي تتمتع بحكم ذاتي، ويريدون اجراء الاستفتاء بنهاية العام الجاري وفق ما ينص عليه

الدستور، بينما يتهم العرب والتركمان الاكراد بطردهم من المدينة.

ووافقت حكومة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي التي تضم أحزابا كردية الشهر الماضي على منح كل أسرة عربية في كركوك 15000 دولار وقطعة أرض اذا عادوا طوعا الى بلداتهم الاصلية.

وكان صدام طرد الاف الاكراد والتركمان من كركوك ووطّن بدلا منهم عربا بموجب خطة للتعريب في السبعينات والثمانينات.

وقال العرب والتركمان الذي يعارضون اجراء استفتاء خشية أن يتحولوا الى مواطنين من الدرجة الثانية ان خطة اعادة التوطين مؤامرة لتغيير الخريطة السكانية للمدينة قبل الاستفتاء.

واعتبر محمد خليل وهو عضو عربي سني بمجلس بلدية كركوك أن الاستفتاء بشأن كركوك خط أحمر.

وقال ان الاكراد يحلمون اذا كانوا يريدون اجراء استفتاء وأنه اذا كان هناك استفتاء فينبغي السماح لكل العراقيين بالمشاركة فيه.

وحذر بعض الزعماء الاكراد المحليين من أنه اذا أرجيء الاستفتاء فقد ينسحب الاكراد من حكومة المالكي.

وقال محمد إحسان وزير "المناطق الكردستانية خارج إقليم كردستان" إنه ينبغي المضي في الاستفتاء وفق ما هو مخطط له.

وألقى إحسان باللوم على "البعثيين" في خلق عوائق بيروقراطية أخرت الاستعدادت لاجراء الاستفتاء مثل انجاز إحصاء رسمي للسكان في كركوك بحلول 31 يوليو تموز.

وأضاف في تصريح لرويترز إن العرب الذين أتوا إلى المدينة لن يطردوا منها وإنما لن يسمح لهم بالتصويت في الاستفتاء، وأردف يقول أن بامكان العرب العيش في سلام بكركوك عقب الاستفتاء.

كما أعرب وزير الخارجية العراقي هوشيار زيباري وهو كردي عن اعتقاده في أنه ينبغي اتباع ما نص عليه الدستور.

وقال زيباري لرويترز في مقابلة مؤخرا إنه يعتقد أنه ستكون هناك تسويات في نهاية المطاف.

وخلال المفاوضات التي جرت قبل دستور عام 2005 اتفق زعماء من الأغلبية الشيعية في العراق مع الأكراد على إدارج الاستفتاء بشأن مصير كركوك في مقابل إضافة نص بشأن الفدرالية من شأنه أن يسمح بتشكيل اقليم شيعي كبير في الجنوب، غير أن بعض الشيعة حاليا يرفضون التخلي عن كركوك.

وأعلنت الكتلة البرلمانية التابعة لرجل الدين الشيعي مقتدى الصدر عن حملة لارجاء الاستفتاء.

ولم تتحدث واشنطن - التي تجد نفسها متورطة في بغداد - في العلن بشأن القضية.

غير أنه مع اقتراب انتهاء المهلة يعمل القوميون الأكراد على إلهاب العواطف بشأن كركوك في خطب وعبر وسائل الاعلام الموالية للحكومة.

وقال جوست هيلترمان الخبير بالمجموعة الدولية لمعالجة الأزمات وهي مؤسسة بحثية "يشعر الأكراد بأنها فرصتهم للسيطرة على كركوك... إنهم يشعرون بأن بوش رئيس عاجز ولن يمارس عليهم ضغوطا لترك المهلة النهائية تمر."

وقال هيلترمان إن كركوك تهدد بمزيد من التآكل لأهداف الولايات المتحدة في العراق وفي المنطقة.

وتبادلت تركيا - التي تشعر بالقلق من أن القومية الكردية بالعراق قد تثير الأقلية الكردية لديها - التصريحات اللاذعة مع الزعيم الكردي العراقي مسعود البرزاني الشهر الماضي.

وألقى جينكيز مراد وهو تركماني باللوم في المشكلات الكبيرة بشأن كركوك على ثروتها النفطية.

وقال "إذا لم يكن هناك نفط بكركوك.. لما كان أحد قد أعار تلك المدينة انتباها."

اربيل وكركوك هل من علاقة؟

ومع تصاعد الجدل وارتفاع مستوى الصراع حول مدينة كركوك وعمليات التهجير واجراء الاستفتاء فان هناك خوف من انتقال عمليات التفجير الى المناطق الآمنة في شمال العراق.

فقد عبر أكراد العراق عن خشيتهم من أن شاحنة ملغمة قتلت 15 شخصا ربما تكون مقدمة حملة لنشر الفوضى التي تعصف ببقية العراق في منطقتهم.

وزعزع انفجار بعاصمة كردستان العراق الذي أعلنت مسؤوليتها عنه جماعة تابعة لتنظيم القاعدة الشعور بالامن في المنطقة التي تجنبت بدرجة كبيرة سفك الدماء منذ الغزو الامريكي عام 2003. حسب تقرير لرويترز.

وقال مسؤولون أكراد انهم تلقوا معلومات مخابرات تشير الى أن مسلحين من السنة العرب يعتزمون تهريب عربات مفخخة الى منطقتهم الجبلية التي تحظى بحكم ذات وتقع على الحدود مع تركيا وايران.

وأصيب أكثر من 100 شخص عندما انفجرت القنبلة زنة 800 كيلوجرام خارج مقر وزارة الداخلية التابعة للحكومة الكردية بوسط أربيل.

وصدم الاكراد الذين تعرضوا للاضطهاد تحت حكم صدام حسين لكنهم تمتعوا بالسلام والرخاء في منطقتهم المنتجة للنفط منذ الحرب لرؤية رجال الاطفاء يخرجون جثثا مخضبة بالدماء من تحت أكوام من الانقاض.

وباتت هذه الصورة أمرا معتادا في بغداد وفي مناطق أخرى من العراق الذي يمزقه عنف طائفي. لكن ليس في كردستان حيث الازهار على جانبي الطرق المؤدية الى مطارات بنيت حديثا وحيث ترتاد الاسر المتنزهات ويحصل قائدو السيارات على مخالفات لتجاهلهم الاشارة الحمراء.

وقالت بعض الصحف الكردية ان تفجير الاربعاء جرس انذار.

وقال ريباز اسماعيل وهو موظف بمكتبة عمره 21 عاما "أعتقد أن كردستان ستكون مستهدفة لان مصير كركوك سيتقرر في غضون فترة قصيرة" مشيرا الى المدينة التي يقطنها خليط عرقي خارج كردستان ويريد الاكراد طرح استفتاء على مصيرها رغم معارضة العرب.

وأعلنت جماعة دولة العراق الاسلامية التابعة لتنظيم القاعدة مسؤوليتها عن الهجوم وقالت انه للرد على مشاركة قوات البشمركة الكردية في حملة أمنية تدعمها الولايات المتحدة في بغداد.

والاكراد حلفاء في حكومة رئيس الوزراء الشيعي نوري المالكي التي تحارب مسلحين يقودهم سنّة عرب.

وينظر الى تطلعات الاكراد لمزيد من الحكم الذاتي لكردستان المنتجة للنفط بعين الشك من جانب السنة العرب الذين كانوا يهيمنون يوما على شؤون العراق ويخشون من أن تقسيم البلاد لن يكون في صالحهم.

وعلى النقيض من باقي أنحاء العراق حيث يكبح العنف جهود اعادة الاعمار تزدهر الاعمال في كردستان.

فالاسواق صاخبة والمعارض التجارية تجتذب رجال الاعمال من أوروبا وكندا ورافعات البناء منتشرة في أربيل حيث يعتزم الاكراد وشركة من دبي بناء "مدينة اعلامية" باستثمارات 400 مليون دولار.

ووقع المسؤولون الاكراد اتفاقات مع شركات نفط أجنبية أثارت انتقادات من القوميين الشيعة والسنة العرب في بغداد.

كما سافر الى الشمال الالاف من العرب العراقيين من أطباء الاسنان الى المهندسين الى البنائين واستقروا في كردستان سعيا الى حياة أكثر أمنا.

وبعد هجمات الاربعاء قال بعض العرب المقيمين في كردستان انهم يخشون من رد انتقامي.

وتساءلت بعض الصحف الكردية كيف أمكن جلب سيارات مفخخة الى كردستان دون أن تكتشف.

وقال بشار صابر وهو طالب كردي عمره 22 عاما انه يتشكك الان في العرب المنتقلين الى أربيل.

وقال "انهم لا يتعاونون مع السلطات في رصد عمليات الارهابيين وليسوا في نفس حرصنا على الحفاظ على الامن والاستقرار في هذه المدينة ومن ثم على الحكومة أن تتوقف عن السماح لمزيد من القادمين الجدد."

وقال خالد كمال وهو رجل أعمال عربي شاب من بغداد أتى الى أربيل قبل عام انه اطمأن لدى سماعه رئيس الوزراء الكردي نيشيروان برزاني يدعو الى التسامح.

وقال برزاني في كلمة "اذا كان مجيئهم الى كردستان يخفف معاناتهم فعلى المواطنين (الاكراد) الترحيب بهم كما فعلنا كل هذا الوقت."

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 14 آيار/2007 -25/ربيع الثاني/1428