مواكب المسئولين تستفز الشارع العربي

كاظم فنجان حسين الحمامي

مواكب متجبرة تجوب الشوارع وتخترق الأزقة بسرعات جنونية في كل الاتجاهات، ومفارز متشنجة مدججة بالسلاح تصوب فوهات بنادقها إلى صدور الناس..

سيارات حديثة مصفحة ومظللة بلا أرقام تقذف الغبار والحصى المتطاير في وجوه المارة، وصفارات مدوية تصم الآذان تعوي كالذئاب المسعورة تثير الرعب وتبعث على الاستياء.. وجوه مقنعة وأخرى مبرقعة تتربص بنا شرا، وأصوات تحذيرية مزمجرة وزاجرة تنطلق من مكبرات الصوت تنذر بوجوب إخلاء الطريق والتوقف الفوري عن الحركة والابتعاد عن الموكب.. مسلحون يلوحون بمسدساتهم بحركات بهلوانية استفزازية من نوافذ السيارات، ومخالفات وانتهاكات مرورية بالجملة..

 تسابق وتلاحق ومطاردات عشوائية سافرة بين سيارات الموكب المفتحة الأبواب.. ونظارات سوداء معتمة ممتلئة بالحقد، وملامح قاسية مروعة.. حراسات وحمايات شخصية مكثفة توحي إليك بأن الموكب متوجه إلى جبهة القتال لخوض معركة حربية مصيرية حاسمة، وسيادة مطلقة على الشارع تستبيح حقوق المواطنين وتستجمع كل صفات التكبر والتعالي والغطرسة والهيمنة والتهور.....

هذه مجرد لقطات موثقة لمشاهد يومية متكررة تعكس صورة الشارع العراقي والشارع العربي الذي بات خاضعا بالكامل لسيطرة عجلات مواكب المسئولين من المحيط إلى الخليج.

كنت احسب أن ظاهرة مواكب المسئولين مقتصرة على الشارع العراقي، وإنها وليدة ظروف فقدان الأمن والأمان، أو أنها ظاهرة عابرة سرعان ما تنحسر وتتلاشى، فالمساواة هي الأساس في التعامل بين المواطنين والمسئولين، وبين عامة الناس ورجال السلطة الحاكمة.  لكني فوجئت تماما عندما علمت بأن ظاهرة المواكب السلطانية المتهورة التي استحوذت على الشارع العراقي هي ظاهرة مستوردة من الشارع العربي.

فقد كتب الأستاذ أكرم القصاص مقالا نشرته الصحف المصرية، بعنوان (أنا "مواطن" إذن أنا "مجنون" )، جاء فيه: (( المواكب الرسمية للمسئولين انتهكت حقوق المواطن ملايين المرات، فالكرامة منتهكة في الشارع، و النفوذ السياسي مبرر للبعض ليدوسوا على القانون والدستور ومعهما المواطن. مثال قريب وخبر نشرته الصحف القومية الخميس الماضي بصيغة واحدة، "طالب" مختل" عقلياً... اعترض موكب د. فتحي سرور أمام مسكنه بجاردن سيتي"، ولنا أن نتخيل مصير مواطن يعترض على جبروت حرس المسئولين لنكتشف إلي أي مدى بلغ الاهتمام بحقوق الإنسان وكلنا نعرف ونتعرض لمواقف من حرس المسئولين الذين يعتبرون أنفسهم فوق القانون، وما بالنا بحرس مسئول يفترض انه حارس للتشريع ينوب عن المواطن المصري، في الحماية والتشريع، هذا المسئول المنتخب، يسير كغيره وسط جيش من السيارات المصفحة والمليئة برجال غلاظ شداد يشهرون أسلحتهم ويخترقون الشوارع بكل صلف ولا احد من حقه الاعتراض وألا دهسوه واتهموه بالإجرام والإرهاب، ولو كان حسن الحظ فسيكون مثل طالب الأسبوع الماضي الذي اعترض علي جبروت حراس رئيس البرلمان فكان مصيره مستشفي الأمراض العقلية، الخبر نشر كالتالي" طالب جامعي اعترض موكب رئيس مجلس الشعب.. بسيارته وعطل السير.. طلبوا منه إفساح الطريق قال: أنا واقف في شارع الحكومة.. فشلوا في إقناعه بالانصراف فألقوا القبض عليه وأحالوه إلي قسم شرطة قصر النيل.

 وتم التحقيق معه وإحالته إلي مستشفي الأمراض العقلية للكشف علي ( قواه العقلية )، صحيح إن رئيس البرلمان تدخل للإفراج عنه كما قيل لكن، لو كان في البلد قانون يحاكم الجميع ما كانت هناك حاجة لأن يتدخل، وكل من يعرف جبروت حراس المسئولين سوف يعرف ان هذه القصة لا علاقة لها بالواقع، فلا طلبوا منه ولا كانوا ودودين معه، لأنهم يتعاملون بوصفهم فوق القانون.

ومنذ حوالي أسبوع تعرض مواطن آخر لموقف مشابه كاد ينتهي بمصرعه، عندما كان موكب حراس وزير التعليم علي طريق القاهرة الإسكندرية يمر، وحاول الحرس إيقافه على اعتبار أن المواطن ليس من حقه أن يسير بجوار موكب وزير، المواطن حاول الهروب خوفا من أن يكونوا قطاع طرق، طارده الحرس وأوقفوه وكادوا يفتكون به. إما عن حرس وتحركات الرئيس مثلا فحدث ولا حرج، عندما يمر وقبلها يتم إخلاء الطرق من السيارات، والمارة واحتجازهم بالساعات، )).

وكتب الأستاذ عمرو الجندي مقالا مماثلا في الصحف المصرية بعنوان ( مواكب حراسات لحكومة سرية )، تناول فيها موضوع تسميم مواكب المسئولين للشوارع...

 ومن جريدة المساء نقرأ لمحمد فودة عن مواكب المسئولين والوزراء التي توقف حال الفقراء... نقرأ: ((سيء الحظ من يتصادف مروره بالسيارة في شارع القصر العيني خلال الفترة الصباحية.. وأسوأ منه من يسكن في المربع السكني المحيط بهذا الشارع ويضطر لعبوره بسيارته. إذا كان قدرك أن تمر بالشارع المذكور فلابد أن تضع في حسبانك ألا تحدد موعداً معيناً للوصول إلي جهة ما أو لمقابلة مسئول أو صديق أو الوصول إلي مقر عملك لأنك لن تستطيع أن تصل في هذا الموعد!! ضع في حسبانك أنك سوف تتعطل ما بين نصف ساعة علي الأقل إلي أكثر من ساعة أحيانا.. سوف يستمر موتور سيارتك أو التاكسي أو الأتوبيس في الدوران وهو محلك سر لا يتحرك أبداً.. وإذا قدر له أن يتحرك فسوف يكون لمسافة نصف متر أو متر ثم تقف من جديد!! وهنا لابد أن يصيبك التوتر والقلق.

 وإذا كان حظك سعيداً وكنت تستقل الأتوبيس فسوف تنزل منه وتفضل المشي علي القدمين أو إذا كنت تستقل "تاكسي" فسوف تدفع للسائق أجرته وتتركه.. أما إذا كنت تستقل سيارتك فهذا هو المأزق وتلك هي المأساة!! ما هو سبب كل ذلك ؟! لأن كبار المسئولين يمرون في هذه الفترة)).

ومن وحي مواكب المسئولين، كتب الشاعر الساخر أحمد فؤاد نجم قصيدة " دمها خفيف "، قال فيها:

 وسع يا ابني الموكب جي

موكب فل و مالهوش زي

جي و معاه تلاتين عربية

أصله قريب لرئيس الحي

وسع يا ابني الموكب جي

استنالك مليون ساعة

و ارمي مشاغلك ع الشماعة

و اسمع ميت نشرة في إذاعة

و انت وراك إيه يعني يا خي ؟؟!!

وسع يا ابني الموكب جي

وقّف من شباكك طل

زيك يا ابني زي الكل

موكب باشا زي الفل

و لا مسئول في وزارة الري

وسع يا ابني الموكب جي

ويبدو أن تجاوزات مواكب المسئولين لم تقتصر على انتهاك حقوق المواطنين وإنما امتدت لتضايق ضيوف الرحمان في المسالك المؤدية إلى البيت الحرام، الأمر الذي دفع الكثيرين باعتماد مبدأ المساواة بين جميع الحجاج فلا يشذ عن هذه القاعدة مواكب المسئولين، لأن هذا التمييز يؤدى لحدوث خلخلة في النظام خاصة مع الضغط الشديد الناتج عن الزحام في موسم الحج.

وفي اليمن السعيد طالبت النائبة رشيده القيلي بضرورة إلزام مواكب المسئولين والوجهاء الاجتماعيين والتجاريين والسياسيين باحترام قوانين المرور حرفيا، ومضاعفة الغرامات على مخالفات السيارات الفارهة وسيارات الجيش والأمن.

والآن وبعد أن علمنا بأن عنجهية وصلف مواكب المسئولين وانتهاكاتها اليومية لحقوق المواطنين تعد من الظواهر العربية التقليدية السائدة والمتسلطة على شوارع المدن العربية الكبرى، فقد أصبح لزاما علينا نحن المنكوبين أن نصطف على الرصيف على شكل مجاميع منتظمة ونؤدي فروض الطاعة والولاء والاحترام لمواكب أسيادنا المسئولين، ونضرب لهم تعظيم سلام، أو ننحني أمامهم على الطريقة اليابانية أو الطريقة الكونفوشيوسية، ونرفع شعار (على مايك مخليك ) لباشوات وسلاطين آخر الزمان.

ولا حول ولا قوة إلا بالله ألعلي العظيم.

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 13 آيار/2007 -24/ربيع الثاني/1428