في الذكرى الرابعة: حيرة العراقيين مستمرة بين استمرار الاحتلال واستنزاف حياتهم

 شبكة النبأ: بين احساس بأن العراق كان ضحية لمصالح دولية واقليمية وأمل في تدخل دولي ايجابي يمكن ان يساعد في استتباب الامن والتخلص من الارهاب يراوح كثير من العراقيين بين التشاؤم والتمسك  بالامل في الذكرى الرابعة للحرب التي قادتها الولايات المتحدة ضد العراق في العام 2003 وأدت الى اسقاط الطاغية صدام.

وشنت القوات الامريكية التي قادت تحالفا دوليا حربا على العراق في مثل هذه الايام من العام 2003 اسفرت عن اسقاط نظام الحكم الذي كان يقوده صدام واقامة نظام حكم قالت الولايات المتحدة انه سيكون نموذجا للديمقراطية والحرية في المنطقة والشرق الاوسط.

ورغم محاولات امريكا تكوين نظام سياسي جديد يعتمد على الانتخابات الحرة الا ان العملية السياسية ادت الى ولادة تكتلات طائفية وعرقية القت بظلال كثيفة على المجتمع العراقي الذي اصبح منقسما على نفسه بسبب هذه التكتلات. وبات الوضع العراقي يعاني غيابا كاملا للامن اسفرت تداعياته عن بروز ظاهرة القتل والقتل الجماعي بشكل كبير.

وحسب (اصوات العراق)، قال صالح ابو مهدي (43 عاما) ويعمل حارسا امنيا في شركة امنية خاصة ولديه ستة اولاد ان "البلد ضاع ولا امل لدينا الان."

واضاف "قبل اربع سنوات اعتقدنا ان الامور ستتحسن وان البلد سيتطور ويصير بحالة افضل مما كان قبل الحرب .. لكن ماحدث هو العكس."

وقال ابو مهدي "لا افكر بالمستقبل.. كل ماافكر به الان هو كيف احمي اولادي من القتل وكيف اوفر لهم لقمة اليوم."

واضاف " اكثر العراقيين يقولون ان ايام صدام كانت احسن على الاقل بسبب الامن والهدوء .. لست من جماعة صدام ولم اكن بعثيا ولا اريد ان اكون جزء من الحكومة ومن الاحزاب الان... لست متشائما لكن لا اربع سنين ولا عشرا (قادمة) يمكن ان يتحسن بها البلد."

وقال جمال سري (40 عاما) انه رغم ماحدث في السنوات الاربع الاخيرة الا انه مازال يامل ان تفتح السنة القادمة بعضا من بوابات الامل وقال " نحن في السنة الخامسة واملنا بالله ان يفتح لنا باب فرج في تدخل عربي او اقليمي او دولي يمكن ان يساعدنا في تحسن احوالنا الحالية."

واضاف ان تحسن الخدمات مثل "الكهرباء وتوفر المشتقات النفطية التي ازدادت اسعارها بشكل كبير من قبل الحكومة والتي لم نعد فيها نقوى ان نستمر على هذا الحال." قد يكون بداية للامل في مستقبل افضل.

وقال نهاد باسل (31 عاما) لـ اصوات العراق خريج كلية الاداب ان "فرحتي بسقوط صدام لم تدم الا يوما واحدا ..لان كل المؤشرات بعد ذلك اليوم كانت تشير الى ان المستقبل سيكون أسوأ.. والان وبعد مرور اربع سنوات فانا اعتقد ان لاشيء قد يؤدي الى مستقبل افضل الا اذا كانت الحكومة جادة في سياستها التي اعلنت مؤخرا."

واضاف نهاد الذي ترك منزله في بغداد منذ اكثر من شهرين بسبب التهديدات الطائفية واصبح يعيش في مقر عمله في منطقة اخرى في بغداد ولا يغادره منذ ذلك الحين " اذا كانت الحكومة جادة في سياستها الاخيرة فهذا شيء يبشر بالخير.. لكن الخوف هو ان تكون هذه السياسة مجرد تكتيك مرحلي."

وقال نهاد "لا اعرف حقيقة مشاعري من المسقبل.. اخاف منه لكن مازال عندي امل فيه."

واعلنت الحكومة العراقية مؤخرا عن خطتها الامنية التي سمتها خطة فرض القانون وقالت الحكومة ان كل المجاميع المسلحة والميليشيات المسلحة لن تكون بمنأى عن هذه الخطة وتوعد رئيس الحكومة العراقية نوري المالكي بملاحقة كل الاطراف الخارجة عن القانون والتي تحمل السلاح.

وينظر الشارع البغدادي إلى القوات المتعددة الجنسيات، بعد أربع سنوات على دخولها بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية إلى العراق، على أن وجودها كان محبطا لهم... رغم الحلم الذي عاشوه بعد إسقاط النظام الذي وصفه بعضهم بـ "الدكتاتوري" ، بينما ينظر البعض الآخر إلى القوات الغازية على أنها "شر لا بد منه".

ويقول السيد حسين محيي الدين (54) عاما وهو محامي من اهالي بغداد الجديدة ان "هناك احباط كبير بالنسبة للشارع العراقي, بسبب وجود القوات الاجنبية في العراق, لان الشعارات التي جاءت بها الولايات المتحدة وسوقت بها حربها على العراق اثبتت انها مجرد خدعة كبيرة , وهذا الكلام يتجسد في الشارع الامريكي اكثر مما يتجسد في الشارع العراقي, حيث تنطلق التظاهرات الصاخبة في كبرى مدن وولايات امريكا منددة بسياسة الرئيس الامريكي جورج بوش في العراق وحربه ضده, لانهم يرون ان بلادهم زجت بمستنقع اشبه بمستنقع فيتنام."

ويضيف ان" من الواضح للشارع العراقي ان امريكا لم تبذل جهدا كبيرا في اعمار العراق واعادة الحياة الى مفاصله ومؤسساته التي دمرت بفعل الحرب."

ويضيف" ليس من المنطق ان تبقى هذه القوات جاثمة على ارض العراق, ولكن لابد من الاعتراف مسبقا بان انسحابها في الوقت الحاضر بدون وجود قوات مسلحة عراقية قوية ومدربة ومجهزة, سيترك فراغا امنيا واضحا قد يتسبب بكارثة, لذلك على هذه القوات ان تكون جادة بتدريب وتجهيز قوات الامن العراقية لتتمكن من فرض سيطرتها على كافة انحاء العراق, يضاف الى ذلك ان وجود عراق ضعيف وسط محيط اقليمي قوي سيشجع الاخرين على التدخل في السيادة الوطنية ."

يقول السيد عبد العظيم القيسي (50) عاما وهو موظف حكومي سابق من اهالي حي الاعظمية شمالي بغداد" كنا نتوقع ان الامريكان صادقون في وعودهم بانهم محررون للعراق, ودولة مثل امريكا في زمن احادي القطب، وهي دولة قادرة على ان تعلن وبصراحة انها عازمة على احتلال اي جزء من العالم بدون استأذان."

وقال"على الرغم من زعم الامريكان بانهم سلموا السيادة للعراقيين الا ان اي مواطن بسيط يعلم الان انهم هم اصحاب القرار في العراق وهم الذين يتحكمون بمصيره."

ويضيف القيسي (لأصوات العراق) ان"هذا التصرف جعل البغداديين يطالبون دائما برحيل هذه القوات, لانهم لم يحققوا شيئا للعراقيين غير مزيد من القتل والدمار والخراب, وانا شخصيا ارفض وجودهم في العرق جملة وتفصيلا."

فيما يقول السيد حيدر معن ( 33) عاما يعمل معلما من اهالي منطقة الشرطة الخامسة جنوبي غرب بغداد ان" غالبية المشاكل التي تحيط بالعراق اليوم سببها وجود هذه القوات الامريكية وكلما رأيت قطعاتها العسكرية تجوب شوارع العاصمة اشعر باني محتل ومسلوب الارادة , وينتابني شعود بعدم تصديق تصريحات المسؤولين العراقيين الذين يؤكدون ان العراق بلد ذو سيادة كاملة على ارضه."

يقول السيد سلام حميد (50) عاما من اهالي حي الحرية شمالي بغداد" مامن احد يريد وجود قوات اجنبية على ارضه, ولكن هذه القوات وجدت لنفسها مبررا لوجودها, حيث انها تذكر دائما انها لو خرجت من العراق ستنشب حربا اهلية, وان وجودها سيمنع هذه الحرب."

وعلى اية حال فان البغداديين لا يرون في حلم التغيير الذي جاءت به الولايات المتحدة غير سراب تبدد وراء العنف والقتل والدم، وذلك بعد اربع سنوات على وجود تلك القوات في العراق.

وبين دخول طلائع القوات البريطانية إلى البصرة في 20 آذار مارس عام 2003، وبين نفس التاريخ من العام الجاري(2007) مسافة عدها البصريون فاصلة تاريخية بين وعود بوطن مزدهر وآمن... وبين وطن صار نموذجا للخراب والدمار والفواجع المأساوية.

إنها أيام تعود بذاكرة أهل البصرة إلى أطفال كانوا يعتلون أسطح المنازل ويرحبون ببراءتهم بالدبابات الغازية، واليوم كبر هؤلاء الأطفال... وأصبحوا يرشقون ذات الدبابات بالحجارة وقنابل البنزين، بل زرع العبوات الناسفة في طريقها.

يعود الشاعر كريم البصري بذاكرته إلى الوراء ويقول"كم كنا واهمين ونحن نرقب بلهفة دخول القوات الاجنبية ونستعجل دخولها بل نخشى أن لاتفي هذه القوات بوعودها وتنكفأ في اللحظات الاخيرة."

واستأنف البصري تداعياته" كانت اياما غريبة ومحمومة دفعتنا الى أن ننسى أو نتناسى ثوابتنا ومارسخ في ذاكرتنا طوال عقود عن الاستعمار والامبريالية والتحرر الوطني."

وتساءل"هل يبرر بطش واستبداد النظام السابق اللجوء الى مثل هذا الخيار؟" ويجيب على سؤاله" ربما.. ولكن ها هي اربع سنوات تمضي والوطن منشطر بفعل محاصصات تجري بينها انهار من الدم وغابات من الرعب والخوف يزدهر فيها ربيع اسود لانهاية لمواسمه والوطن تحول الى أنقاض وكل ماحلمنا به تحول الى كابوس."

وبدأت العمليات البرية من قبل الجيش البريطاني بهجوم مباشر علي مدينة (ام قصر)، وكان يدافع عن أم قصر (لواء المشاة 45) العراقي وقد وصل اليها ودخلها قبل 72ساعة فقط.

يقول سعيد المظفر العميد في الجيش العراقي السابق لـ(أصوات العراق ) ان "مرور اربع سنوات على ذكرى الاحتلال تعيد الى الاذهان الاستراتيجيات الخاطئة التي اعتمدت بعد رحيل النظام السابق من قبل هذه القوات و التي خلفت وضعا امنيا مترديا مهد لبروز مبررات الصراع الطائفي والعرقي وانعدام الامن والتردي في أغلب مناحي الحياة."

واضاف ان "حل الجيش العراقي بكامله بدلا من الاعتماد على عناصر جديدة والاحتفاظ بالمؤسسات ذاتها وتغير قياداتها بانتقاء يتناسب مع طبيعة وحجم التغير السياسي الذي حصل كان هو الطامة الكبرى."

وقال المظفر ان"مصادرة كل مآثر الجيش العراقي وربطها بخطط وبرامج وحروب النظام السابق هي مسألة فيها تجني كبير على التأريخ الوطني للجيش العراقي وان تراجع الجيش العراقي امام قوات الاحتلال عام 2003 لم يكن تخاذلا او جبنا بل أن أغلب قطعات الجيش كانت مؤمنة بضرورة التغيير والرغبة بالخلاص."

ودعا المظفر الى" ضرورة بناء المؤسسة العسكرية وفق الرؤى الوطنية الخالصة بعيدا عن المحاصة والطائفية لسد الثغرات الامنية وقطع الطريق على البؤر الارهابية."

واضاف "كانت معركة أم قصر أطول معارك الحرب فقد دامت 17 يوما وقد اتضح ان هذا الهجوم الجبهوي نفذته وساندته قوات الجهد الرئيسي لمهاجمة منطقة البصرة الفرقة الثانية من مشاة البحرية الامريكية وقوة بريطانية واللواء المدرع البريطاني السابع واللواء المظلي البريطاني 16وفوج قوات خاصة بريطاني وفوج مشاة بحري بريطاني مع عملية انزال بحري للقوات البريطانية علي ميناء ام قصر وجري القتال العنيف فيها وكانت المقاومة العنيدة التي أبداها لواء المشاة 45 العراقي هذا خارج تصور كلا الطرفين العراقي والبريطاني."

وقال المحامي طارق البريسم" بعد ان كانت القوى الوطنية في العراق تراهن على تغير النظام من الداخل وعلى عكس توقعات هذه القوى جاء التغير من الخارج."

وأوضح البريسم" وقد القى الاحتلال على الوضع الوطني تعقيدا جديدا وظلت القوى السياسية تتطلع من جديد الى تحرير الارادة الوطنية، ومما زاد الوضع تعقيدا هو دخول القوى المعادية للديمقراطية الى معترك الصراع اضافة الى تخبط قوات الاحتلال وعدم قدرتها في رسم سياسات واضحة لاقرار الوضع الامني وتنفيذ وعود اعمار العراق التي أنتظرها العراقيون دون جدوى."

وقال" اتطلع الان الى جدولة الاحتلال بالتزامن مع بناء القدرات الامنية اضافة الى بذل جهود سياسية في العمل على المصالحة الوطنية يمكن ان تمهد لاستلام الملف الامني وتحرير الارادة العراقية."

وقال الخبير الاقتصادي الدكتورعبد الجبار الحلفي ان " الوضع الاقتصادي في العراق بعد اربع سنوات من الاحتلال هو في وضع اقرب الى الفوضى بسبب أنعدام الرؤيا الاستراتيجية الراسخة والموضوعية وقد خلف هذا مشاكل عديدة في هيكلية الاقتصاد العراقي."

وأوضح الحلفي ان " قوات الاحتلال لم تف بوعودها في إعادة إعمار العراق وكل ما قامت به في البصرة هي مشروعات صغيرة وخجولة مثل طلاء المدارس والمستشفيات لأغراض دعائية."

وأضاف أن" ما قامت به في بعض مشاريع الكهرباء لم يلمسه المواطن وأن المشاريع التي تقوم بها قوات الاحتلال فيها فساد أداري ومالي وهذا ما اعلن في الصحف البريطانية."

وتابع الحلفي " كما أن قوات الاحتلال لم تقم باي جهد لمعالجة البطالة متذرعة بالوضع الأمني والقوى التي تناقض المشروع السياسي."

وعن مستوى المعيشة قبل وبعد دخول قوات الاحتلال قال الحلفي " هناك فارق رقمي فقط، صحيح أن شريحة الموظفين تحسنت دخولها لكن هذا الارتفاع أنتج حالة من التضخم راحت تأكل من هذه الامتيازات كما أن القطاع الخاص يعاني من الركود الذي خلف الالاف من العاطلين في اوساط الشباب."

شبكة النبأ المعلوماتية-الخميس22 آذار/2007 -2/ربيع الاول/1428