التاريخانية الجديدة / التحليل الثقافي
(New Historiesm / Cultural Analysis)
شبكة النبأ:
يعد هذا الاتجاه من الاتجاهات النقدية البارزة في الولايات المتحدة
الأمريكية وقد وصفه البعض في أواسط التسعينيات بالأكثر أهمية (أبرامز
1993م) وكان هذا الاتجاه قد أخذ في التنامي مع نهاية السبعينيات ومطلع
الثمانينيات (1970م – 1980م) على يد عدد من الدارسين في طليعتهم أستاذ
جامعة كاليفورنيا – بيركلي، ستيفن غرينبلات، وهو الذي أطلق مصطلح
(شعرية أو بيوطيقا الثقافة) غير أن مصطلح (التحليل الثقافي) فرض نفسه
كتسمية إجرائية ملائمة لهذا الاتجاه.
تعتبر التاريخانية الجديدة إحدى الإفرازات النقدية لمرحلة ما بعد
البنيوية، وفيها يجتمع العديد من العناصر التي هيمنت على اتجاهات نقدية
أخرى كالماركسية والتقويض، إضافة إلى ما توصلت إليه أبحاث
الأنثروبولوجيا الثقافية وغيرها.
تجتمع هذه العناصر لتدعم التاريخانية الجديدة في سعيها إلى قراءة
النص الأدبي في إطاره التاريخي والثقافي حيث تؤثر الأيديولوجيا وصراع
القوى الاجتماعية في تشكل النص، وحيث تتغير الدلالات وتتضارب حسب
المتغيرات التاريخية والثقافية، وهذا التضارب في الدلالات هو ما أخذته
التاريخانية من التقويض كما يلاحظ أبرامز.
يقول غرينبلات محدداً معالم اتجاهه هذا: (في النهاية لا بد للتحليل
الثقافي الكامل أن يذهب إلى ما هو أبعد من النص ليحدد الروابط بين النص
والقيم من جهة، والمؤسسات والممارسات الأخرى في الثقافة من جهة أخرى)
وفي رأيه أن هذا المنهج يسعى بالاتكاء على القراءة الفاحصة إلى استعادة
القيم الثقافية التي امتصها النص الأدبي، لأن ذلك النص، على عكس النصوص
الأخرى، قادر على أن يتضمن بداخله السياق الذي تم إنتاجه من خلاله،
وسيمكن نتيجة لهذا تكوين صورة للثقافة كتشكيل معقد أو شبكة.. من
المفاوضات لتبادل السلع والأفكار بل وتبادل البشر أيضاً من خلال مؤسسات
مثل الاسترقاق والتبني والزواج.
خطاب / تحليل الخطاب
Diseourse / Diseourse Analysis
تسير مدلولات هذا المصطلح في النقد الغربي المعاصر في خطين رئيسين
يتمثل أولهما في المبحث اللغوي الأسلوبي المعروف بـ(تحليل الخطاب)
والثاني ببعض الاستعمالات في النقد ما بعد البنيوي، خاصة في
التاريخانية الجديدة وما يعرف بالدراسات الثقافية.
على المستوى اللغوي البحت يشير مصطلح (خطاب) في معناه الأساسي إلى
كل كلام تجاوز الجملة الواحدة سواء كان مكتوباً أو ملفوظاً، غير أن
الاستعمال الاصطلاحي تجاوز ذلك إلى مدلول آخر أكثر تحديداً يتصل بما
لاحظه الفيلسوف هـ.ب. غرايس عام 1975م من أن للكلام دلالات غير ملفوظة
يدركها المتحدث والسامع دون علامة معلنة أو واضحة.
ومثال ذلك أن يقول شخص لآخر: "ألا تزورني؟) فلا يفهم السامع من
الجملة أنها سؤال، على الرغم من أن ذلك هو شكلها النحوي، وإنما يفهم
أنها دعوة للزيارة، وقد أتجه البحث فيما يعرف بتحليل الخطاب إلى
استنباط القواعد التي تحكم مثل هذه الاستدلالات أو التوقعات الدلالية،
وهو مما يصل هذا الحقل بحقل آخر يعرف بـ(نظرية القول الفعل) Speech Act
Theory وكذلك بالسيمياء أو علم العلامات من حيث هو أيضاً بحث في
القواعد أو الأعراف التي تحكم إنتاج الدلالة. ومما لا شك فيه أن لهذا
كله أهميته في الدراسات النقدية، فقد أفاد كثير من النقاد من تحليل
الخطاب، مثلاً، في دراسة الحوار الروائي خاصة الكيفية التي يتمكن بها
المتحاورون من الاستدلال إلى المعنى دون أن تكون هناك دلالة ظاهرة
عليه.
غير أن للخطاب مفهوماً آخر بما فاق المفهوم الألسني البحت في أهميته
النقدية، ذلك هو ما تبلور في كتابات بعض المفكرين المعاصرين وفي
طليعتهم الفرنسي ميشيل فوكو الذي أستطاع أن يحفر لهذا المفهوم سياقاً
دلالياً اصطلاحياً مميزاً عبر التنظير والاستعمال المكثف في العديد من
الدراسات التي تشمل: أركيولوجيا المعرفة (1972م) وأدب وعاقب (1975م)،
وكذلك في محاضرته (نظام الخطاب). في هذه الأعمال يحدد فوكو الخطاب بأنه
شبكة معقدة من العلاقات الاجتماعية والسياسية والثقافية التي تبرز فيها
الكيفية التي ينتج فيها الكلام كخطاب ينطوي على الهيمنة والمخاطر في
الوقت نفسه. يقول فوكو:
أفترض أن إنتاج الخطاب في مجتمع ما هو في الوقت نفسه إنتاج مراقب أو
منتقى ومنظم ومعاد توزيعه من خلال عدد من الإجراءات التي يكون دورها هو
الحد من سلطاته ومخاطره والتحكم في حدوثه المحتمل وإخفاء ماديته
الثقيلة والرهيبة. |