شبكة النبأ: تمر علينا في مثل هذه
الايام الذكرى الرابعة لتحرير العراق من الديكتاتورية والاستبداد
وسقوطه في براثن الاحتلال والارهاب.
انهما نقيضان قلما شهد التاريخ ان يلتقيا، فنحن في العراق لم نذق
يوما طعم الحرية والديمقراطية طيلة تسلط البعث البائد على بلدنا، ومنذ
اول انقلاب قام به العفالقة على حكومة عبد الكريم قاسم في خمسينات
القرن الماضي وحتى السقوط الذليل والمخزي للبعث والبعثيين في اذار 2003
كان التسلط والحكم الشمولي هو الدستور الدائم والحاكم في العراق وكل من
يرفع صوته بالمعارضة والاحتجاج ولو حتى بالكلام المجرد كان يلقى اشد
العذاب والتنكيل والنفي والتشرد في اصقاع الارض حتى وصلت موجات
المشردين والمصادرة اموالهم وحقوقهم من العراق الى اغلب دول العالم.
ولم يبق في العراق بيتاً الا وبه وشاح من السواد جراء الظلم والحروب
المتتابعة التي انتهجها النظام المقبور في حربه الاولى مع ايران
والثانية في احتلاله الجارة الكويت والثالثة في تحديه السافر للمجتمع
الدولي واصراره على امتلاك ترسانة الاسلحة الكيمياوية التي قام
باستعمالها على المسلمين في ايران ومن ثم سحق بها الالاف من الاكراد
الابرياء العزل في كردستان شمال العراق ودمر المئات من قراهم، وسط
تعتيم اعلامي عربي وعالمي على الجريمة النكراء ومرتكبيها.
نحن في العراق نرى ان دخول قوات التحالف واسقاط النظام الديكتاتوري
كان بحد ذاته نعمة وليس بنقمة، لأن مجريات الامورالتي تبعت ذلك من
عملية سياسية جرت وفق معايير دولية غير موجودة اطلاقا في المنطقة
العربية وضمن خارطة انجازات انتهت بالانتخابات الحرة النزيهة، وانبثاق
حكومة وحدة وطنية، وكتابة دستور دائم للبلاد يحفظ حقوق الجميع من
اقليات واكثرية، كانت نتيجة طبيعية للجهد الكبير الذي بذله شعبنا من
اجل تحقيقها.
وبغض النظر عن جميع الهفوات والاخطاء التي رافقت عملية التحول
الشاقة تعتبر هذه انجازات عظيمة في فترة قياسية واجواء استثنائية قام
بها الشعب العراقي متحديا الارهاب وفلول البعثيين والتكفيريين الذين لم
يألوا جهدا في استخدام ابشع وسائل القتل والتدمير بحق الابرياء في
الاسواق والاماكن العامة لغرض اشاعة الرعب والفوضى في البلد من اجل خلق
اجواء شعور لدى المواطن بعدم قدرة الحكومة على حمايته وتوفير الامن
والامان. وهم لا يعلمون انهم بهذا التعدي والاعتداء السافر يبتعدون
اكثر فاكثر عن العراق والعراقيين ويصبح اليوم الذي سيشهد نهايتهم اقرب
من ما مضى.
ان التحدي الحقيقي في الوقت الحاضر يكمن في الخلل والتلكؤ وعدم
التجانس الذي تعاني منه الطبقة السياسية، تلك الممثلة للشعب في
البرلمان والاخرى الحكومية التي تمثل السلطة التنفيذية، وهذا نتيجة
طبيعية ومتوقعة بسبب تبني اسلوب المحاصصة المقيت الذي يقيد الصلاحيات
ويعزز المحاباة واسلوب الصفقات في مابين الكتل الحاكمة على حساب مصالح
الشعب وتطلاعاته وحقوقه.
ان التشتت وضعف التركيز الذي تعاني منه مؤسسات الدولة التشريعية
والتنفيذية وعدم الاتفاق على نهج وطني موحد شجع الامريكان على انتهاج
موقف متذبذب في دعم جهود الحكومة لاحلال الامن والشروع بالاعمار،
فتراهم يقدمون الدعم للحكومة المنتخبة باعتبارها الممثل الشرعي الوحيد
للعراق والعراقيين ومن ثم يقيدونها على الارض في صلاحيات محدودة جدا لا
يمكن من خلالها فرض الامن وممارسة الواجبات في القيادة والتوجيه، وهم
بهذا يعبرون عن استمرار عدم ثقتهم بالجهاز الحكومي، اضافة الى التوجس
من تغلغل جهات تحمل افكارا متشددة وتعمل لتحقيق اجندات اقليمية لا يمكن
باي حال قبولها او التغاضي عنها.
رغم ان تجربتنا الديمقراطية الرائدة من نوعها في المنطقة والعالم
العربي تعاني من التعثرات والاخطاء الجسيمة الا اننا نعلم جيدا انه لا
تحول من الديكتاتورية الى الحرية دون ثمن باهض ندفعه من دمائنا وارواح
الابرياء منّا لاجل تحقيق الهدف المنشود في اقامة دولة المؤسسات
والحرية والتعددية والانتخابات الحرة النزيهة.
بل على العكس فاننا نشعر الان اكثر من اي وقت بضرورة ان تمارس شعوب
المنطقة حقها الطبيعي في الاختيار و"الانتخاب الكامل وليس المنقوص" لمن
يمثل ارادتهم ويعمل على صيانة حقوقهم وحمايتهم، لأن الشعوب العربية
والاسلامية لاتزال باغلبيتها العظمى تعاني من التسلط والديكتاتورية
وحكم الفرد الشمولي الذي ما انزل الله به من سلطان. |