سقط نظام صدام حسين"غير مأسوف عليه" في التاسع من نيسان أبريل عام
2003، في نفس اليوم الذي نُفذ فيه إعدام المرجع الديني والمفكر
والفيلسوف آية الله العظمى سيد محمد باقر الصدر وشقيقته الكاتبة
الاسلامية آمنة" بنت الهدى" في العام 1980، ربما للتذكير بعدالة
السماء وأن الله يمهل ولايهمل.
في السابع من نفس الشهر، نيسان أبريل من العام 1947 أُعلن عن تأسيس
حزب البعث العربي الاشتراكي، وهو الحزب الذي تحول في العراق منذ انقلاب
17-30 تموز يوليو 1968 الى منظمة سرية تقتل وتبطش، على غرار ما كان
الحرس القومي يقوم به في العام 1963 خصوصا في الثامن من شباط فبراير
عندما شارك الحزب في الانقلاب على الزعيم عبد الكريم قاسم.
وأصبح حزب البعث " الحزب " الواحد في العراق، بعد أن بطش بالجبهة
الوطنية وفككها، وبعد أن رفع زورا وبهتانا شعار"الحزب القائد"، وصار
مؤسسة عشائرية تخدم رأس النظام السابق واسرته والمخلصين له من عشيرته
،برغم سياسة التبعيث التي مورست على نطاق واسع ليصبح معها عدد البعثيين
سبعة ملايين مابين عضو ونصير ومؤيد، شارك معظمهم في إعداد التقارير ضد
معارضي النظام،أو من اكتفى بعدم الانتماء للحزب الواحد،بل وساهمت أعداد
كبيرة منهم في الزج بالكثير من أبناء وبنات العراق، في محرقة الموت، في
السجنون والمعتقلات وفي المقابر الجماعية.
حزب البعث العراقي،.هذا الحزب اختفت كل تشكيلاته العسكرية ومنظماته
الحزبية في التاسع من نيسان أبريل العام 2003، وسلّم الكثير من أعضائه
الكبار والصغار بمصيرهم الجديد بعد سقوط نظام صدام، حتى أنهم أخذوا
يتوسلون بهذا وذاك لكي يتم الصفح عنهم معتذرين بانهم كانوا قطيعا في
حظيرة الرئيس! الاأن صوتهم أخذ يعلو عندما شاهدوا "استرخاء" العهد
العراقي الجديد"،وضعف أداء مجلس الحكم والحكومات المؤقتة والانتقالية،
والدائمة، وتسلل البعثيين الى السلطة الجديدة ومفاصلها ، عبر سياسات
الاقصاء والتهميش الخاطئة للحاكم المدني الأمريكي السابق بول بريمر ومن
التف حوله من رجالات العهد الجديد والتي طالت ضحايا النظام السابق بدلا
من المجرمين،وقد مثلت الذُروة في طريقة تطبيق قانون "اجتثاث البعث" حيث
أُبقي على الجلاد ، وعوقب الضحية!.
ورغم ذلك فان حزب البعث العراقي انحسر دوره كثيرا في العراق الجديد،
خصوصا حين يفاخر في قيادته لمايسميها مقاومة، ويزعم أن شرارتها انطلقت
في الثامن والعشرين من نيسان أبريل في عام الاحتلال،أي في نفس اليوم
الذي ولد فيه صدام،وبعد أن انفرط عقد تحالف أعضائه المتشرذمين، مع
تنظيمات اسلامية متطرفةأبرزها القاعدة.
ويمكن القول وبعد أربع سنوات من سقوط نظام صدام، إن حزب البعث يتحمل
الكثير من نتائج مايشهده العراق الجديد،فهو الذي زرع من خلال سياسة
التبعيث، ازدواجية الموقف، وكرّس معها حالة النفاق السياسي، والبحث عن
المصلحة الشخصية التي تؤطر عمل العديد من السياسيين الجدد، وفيهم عدد
كبير جدا من البعثيين السابقين، وهم يُصنفون اليوم - ظلما وعدوانا-
في خانة السياسيين الوطنيين، والمعارضين لنظام صدام السابق.
حزب البعث يتعرض اليوم لانشقاق،ٍقادهُ محمد يونس الأحمد العضو في
القيادة القطرية،والذي فتح حوارا مع الأمريكيين منذ وقت ليس بالقصير،
وهو يرفض التحالف مع التنظيمات الاسلامية عكس ما يعتقد به غريمه أمين
سر القطر عزت الدوري. وقد عمد هذا الى إصدار قرار بفصل محمد يونس
الاحمد في معركة تبادل فيها الجنابان اصدرار قرارات الفصل، وذلك بعد
اجتماع لفريق من البعثيين في سوريا لانتخاب الدوري" إن كان لايزال على
قيد الحياة" خلفا لصدام.
الطريف أن الانشقاق حصل بعد إعدام صدام، وهذا يعكس أن كبار البعثيين
المنتشرين في أقطار الأرض خصوصا سوريا واليمن ومصر ودول الخليج العربية
عدا الكويت، لم يكن ليجرؤ أحد منهم على الحديث عن انتخاب قيادة جديدة
للحزب حتى وإن كان صدام في السجن!.
ومع الأخذ بنظر الاعتبار أن قانون "اجتثاث البعث" لم يتم تطبيقه
كماينبغي لمعاقبة البعثيين الذين كان لهم دور في ممارسة القمع ضد الشعب
العراقي، وفي استمراره من خلال "تكثير السواد"، وتعزيز قمع السلطة
السابقة، الا أن هناك محاولات أهمها ما يمكن وصفها بـ"تجميل الاجتثاث"،
و يبذلها الرئيس الحالي جلال الطالباني، ورئيس الوزراء نوري المالكي،
بضغط أو برغبة أمركية مدعومة من دول اقليمية تربط بين بقاء البعث،
وسلطة السنّة،وهي تصطدم بالطبع مع رفض واسع، من ضحايا البعث والبعثيين
في عراق ...صدام حسين.
إذن شهر نيسان وربيعه الفضي الجميل، لايمكن أن يلتقي بأوراقه
العاطرة بوقائع حملها هذا الشهر في الكشف عن مئات المقابر الجماعية في
أيامه بعد سقوط صدام، وبالحرب الظالمة التي شنتها القوات الأمريكية
والحكومية العراقية على النجف في السنة التالية من الاحتلال،وارتبطت
روزنامته على أي حال بأيام لايحمل لها العراقيون ودا،حتى في الاحتلال
البغيض!.أليس كذلك؟! |