في نهاية العقد السبعيني من القرن الماضي وبداية عقد الثمانينات
أنشأ الجسر السابع على نهر دجلة في بغداد الذي يربط منطقة باب المعظم
من جهة الرصافة وشارع حيفا من جهة الكرخ خرجت إحدى الصحف العراقية
آنذاك وبمانشيت عريض (كذبة الاسطورة) وكانت على خلفية الرواية
التاريخية التي تنبأت (بحدوث حرب مدمرة وخراب وتدمير وازهاق الأرواح
اذا بني الجسر السابع في بغداد).
وماهي الا اشهر قليلة حتى نشبت الحرب العراقية الإيرانية التي راح
ضحيتها مئات الآلاف من الارواح البشرية ناهيك عن أعداد كثيرة من
الأرامل واليتامى والثكالى ومعوقين ومفقودين إضافة إلى الدمار واستنزاف
الخزينة العراقية.
وهنا تبادر إلى ذهني وأنا أرى الدمار والخراب وسيل الدماء التي لو
جمعت لإضافة إلى العراق نهراً ثالثاً ولكن بلون احمر قان وذلك بسبب
الانفجارات وهدم الأبنية والدور على رؤوس ساكنيها ووصل الأمر إلى هدم
الجسور وأماكن العمل والمعالم التاريخية وكل شيء ينذر الى خراب هذه
المدينة فتذكرت الرواية التاريخية التي تنبأت كذلك (ان يأتي زمن يمر
أناس على إطلال وبيوت خربة وارض جرداء سوداء ليس فيها بشر ولاحياة
فيقول احدهم ما هذه الاثار المهدمة والبيوت الخربة هل أصابها زلزال
مدمر ام سيول وإعصار..؟ وترى هل كانت فيها حياة وبشر ام هي مجرد
أطلال..؟ فيجيبه احد الحكماء : هنا كانت مدينة تنعم بالخير والنعم ودار
العلم والحضارة وقبلة الناس.. هنا كانت مدينة الزوراء..)
انا لست بصدد الغوص في علم الغيب ولست من الباحثين في التاريخ ولكن
الذي أراه من دمار وتخريب يوثق تلك الرواية وإن الزمن الذي تتحدث عنه
النبوءة هو هذا الزمن فما يمر يوم الا ونسمع اصوات الانفجارات من سيارة
مفخخة وحزام ناسف وعبوة انفجارية او وقوع هاون او صاروخ وهذا من غير
قصف الطائرات والدبابات من قبل قوات الاحتلال حتى بات المواطنين
يتساءلون اذا لم يسمعوا صوت انفجار (اليوم شكو ما سمعنه انفجار) وما ان
ترمق اعينهم شاشات التلفزة حتى يروا ما كانوا متعجبين انهم لم يسمعوا :
انفجار سيارة مفخخة في منطقة... انفجار عبوة في ساحة... ارهابي يفجر
نفسه بحزام وسط.. قصفت قوات الاحتلال مدينة.. وهكذا و (الحبل على
الجرار) ومن دون شك تتبع هذه النشرة التفجيرية وعود الحكومة والمسؤولين
على معاقبة الجناة.. وسوف نضرب بيد من حديد.. سنلاحق المجرمين (لا اعلم
كيف سيلاحقون ويعاقبون من فجر نفسه وذهب ليتناول الغذاء الدسم).
ان نظرة واحدة على قناة فضائية واحدة في ساعة واحدة على (سبتايتل)
واحد تعرف مدى الدمار والخراب الذي يلحق بعاصمتنا الحبيبة اما اعداد
الضحايا فتعجز اكبر الحاسبات من احصائها مثلما يصدم المواطن من اعداد
الارهابيين والمجرمين اللذين يلقى القبض عليهم حسب المصادر الحكومية
وبياناتها لو تم احصاء عدد اللذين القي القبض عليهم كما توردها مصادر
الداخلية والدفاع لأصبح نفوس العراق يقارب عدد نفوس الصين.
الزوراء كانت هنا اصبحت قاب قوسين او ادنى فمن خلال جولة صغيرة تقوم
بها في بعض احياء بغداد تعلم ان زمن النبوءة التاريخية ستتحقق في بحر
اسبوع او اقل حيث البنايات مهدمة وروائح الجثث تزكم انوفنا والخراب في
كل مكان والسواد يلف اغلب نسائنا وقطع التعازي غطت كل الجدران حتى
تساءلت مع نفسي اين سيضع المرشحون المساكين يافطات دعاياتهم الانتخابية
في الانتخابات المقبلة (ان بقينا وبقيت بغداد) وتبدلت لون الشوارع
الاسفلتية الى اللون الاحمر من كثرة الضحايا (وهذا ما دفع المسؤولون
بسد اغلب الشوارع حفاظا على لونها الاسود القيري) اما الهدم وآثار
الدمار فحدث ولا حرج.
اما مسئولو الدولة والحكومة فمن ايثارهم اسكنوا عوائلهم خارج العراق
ليضحوا بأنفسهم ويقبعوا في المنطقة الخضراء من اجل زيادة حساباتهم
المصرفية في البنوك وسعادة عوائلهم وكذلك من اجل تحقيق الرواية
التاريخية يسعون بكل جهد وتفاني عظيمين لكي لا تحض النبوءة التي اصبحت
واقع حال وفعلاً اتى اليوم الذي يقال فيه (كانت هنا الزوراء) فالذي لم
يمت او يقتل او يعوق او يهجر او يعتقل او يهدد هرب بجلده الى خارج
بغداد كما نلاحظ العوائل وسيارات الحمل تنقل ما تبقى من الاثاث والمواد
المنزلية هربا من الجيحم وما عقد المؤتمرات الدولية والاجتماعات التي
تخص المهجرين واللاجئين العراقيين الا دليل على ما نقول..
فسلاما على بغداد الخراب.. سلاما على بغداد الدمار.. سلاما على
مدينة الحرب والقتل والضياع.. سلاما على (الزوراء كانت هنا). |