النووي الإيراني بين المد والجذب

عقيل عبد الخالق ابراهيم اللواتي

عامان من التصعيد والمد والجذب في أزمة الملف النووي الإيراني ولا يبدو في الأفق أي احتمال لتراجع من جانب الطرفين، بل على العكس مزيد من التشدد والتصميم. كانت القضية النووية الإيرانية في مأزق ، ويبدو أنها ستبقى كذلك على مدى فترة طويلة. 

ويتوقع الكثير من المراقبين أن يستمر المد والجذب حول هذه القضية فترة ربما تمتد لسنين، لكن لا أحد يتوقع أن تتراجع إيران عن موقفها، كما لا يتوقع أحد أن تكتفي واشنطن بالعقوبات على إيران.

 فواشنطن لا تضمن التزام الكثير من الدول بهذه العقوبات، وخاصة الدول ذات المصالح الكبيرة مع إيران مثل روسيا والصين وألمانيا وإيطاليا وغيرها، ناهيك عن دول أخرى كثيرة أعلنت مسبقاً أنها لن تلتزم بأي عقوبات على إيران مثل فنزويلا وروسيا البيضاء وبوليفيا وكوبا وماليزيا وغيرها، والبقية تأتي في ظل اتساع قائمة الدول المارقة حسب وجهة النظر الأمريكية، وسبق لدول مثل روسيا وفرنسا وماليزيا أن خرقت العقوبات التي سبق أن فرضتها واشنطن على إيران بموجب قانون (داماتو) عام 1996 الذي كان يعاقب الشركات المتعاملة معها.

يعتقد الايرانيون ان الشروع في البرنامج النووي هو حق مشروع لهم وان القانون الدولي يسمح لهم بذلك ماداموا قد وقعوا معاهدة حظر انتشار الاسلحة النووية.

ومن الناحية العملية يعتقد الايرانيون بأن حسم المسائل في  الشرق الاوسط يستحيل أن يكون في غيابهم كلاعب اقليمي مهم لايمكن اسقاطه من حسابات الحاضر والمستقبل. والمنطقة الآن تعيش حالة من اللاتوازن.

 فالوجود الامريكي المكثف وإمتلاك إسرائيل للسلاح النووي وسياساتها المتعجرفة في المنطقة خلقت مناخا يشجع ايران على التمسك ببرنامجها النووي لاعادة التوازن الى المنطقة و رسم الخريطة بتفاصيل جديدة تساهم في تغيير هذه المعادلة الدولية التي تريد الولايات المتحدة ان تكون أحادية الجانب لتبقى الهيمنة الأمريكية - الصهيونية على مقدرات المنطقة وحراكها السياسي الثقافي الاجتماعي لفرض رؤية الحضارة الغربية.

وفي الطرف الاخر فان الولايات المتحدة الاميركية تنظر الى ايران على أنها تهديد مباشر لمنطقة الخليج العربي (خزانها النفطي) وهي منطقة لايمكن أن تقبل القسمة على اثنين. هذا طبعا بالاضافة الى ان المسألة برمتها على صلة مباشرة بأمن اسرائيل وان الأمن الاستراتيجي لاسرائيل مسألة فوق النقاش اصلا. فالولايات المتحدة كما هو واضح تضع المصلحة الصهيونية على سلم أولويات سياساتها فالدفع في الموضوع النووي الإيراني يتم بحركة الأصابع الصهيونية بشكل أساسي إلا ان الظروف التي يتم فيها إثارة هذا الموضوع والتهديد بالعقوبات او الضربة العسكرية يأتي في وقت تشهد جبهات أخرى تعثر أمريكي كما هو واضح الآن في العراق، وافغانستان ومن هنا ربما كانت احد أوجه قوة الموقف الإيراني.

وتختلف مواقف دول العالم المختلفة من الملف النووي الإيراني بين مؤيد ومعارض، ويأتي بينهما موقف (المتخوف) الذي يحاول أن يظهر في صورة المحايد. كما وتلعب المصالح الاقتصادية إلى جانب العلاقات السياسية للدول الخارجية مع إيران دورا كبيرا في تشكيل تأييد بعض الدول لحق إيران في امتلاك التكنولوجيا النووية، وهو الأمر الذي تعارضه الولايات المتحدة بشدة وترتعب منه إسرائيل.

ويرجع تخوف بعض الدول العربية من ايران في الجانب الأكبر كنتيجة لفكرة "تصدير الثورة" التي كانت طهران قد تبنتها في أعقاب ثورتها الإسلامية، وكانت تهدف من ورائها إلى دعم جماعات وتيارات إسلامية في الدول العربية من أجل تكرار تجربة الثورة الإيرانية.

ورغم تفهم هذه المخاوف الا ان ايران لم تعد سياستها في المنطقة تتسم بالمواجهة والاعتماد على مبادئ الثورة كما كانت في السابق. وهناك عدة عوامل أدت إلى التغيير والابتعاد عن هذه السياسة ومن أهمها دخول إيران مرحلة انتقالية تركز على إعادة البناء، وإدراكها لعجزها عن تغيير الخريطة السياسية في المنطقة وتحول النظرة المثالية تدريجيا إلى النظرة العملية، خصوصا بعد الدمار الذي تعرضت له البلاد اثناء حرب الخليج الاولى للبدء  في إعادة بناء الاقتصاد المدمر، مما يتطلب تحسين العلاقات مع دول الجوار وتوثيق الصداقات وتلافي العداوات وتجنب العزلة الإقليمية وتطوير علاقاتها التجارية و انتهاج سياسة خارجية قوية ومستقلة.

 انه ومع الإشارة إلى أن بعض الدول العربية دعمت غزو العراق لإيران في حرب استمرت 8 سنوات وبدعم من الولايات المتحدة الا ان البرنامج النووي الإيراني لا يمكن ان يكون موجها ضد العرب والمسلمين، فإيران تبقى رغم مصالحها الإقليمية دولة إسلامية ذات وزن مهم في المعادلة الدولية، وتشكل عامل مهم في إبطال مفعول الردع النووي الصهيوني الذي يلوح به دائما ضد العرب والمسلمين، ولهذا كان من المفترض أن يتم دعم الجهود الإيرانية في هذا الاتجاه والمطالبة بنزع أسلحة الكيان الصهيوني النووية قبل الحديث عن برنامج نووي إيراني لم يثبت احد انه أنتج قنبلة نووية.

*كاتب عماني

شبكة النبأ المعلوماتية- الاثنين 23 نيسان/2007 -6/ربيع الثاني/1428