ولكم في الصدريين اسوة حسنة

محمد حسن الموسوي*

 الخطوة التي اقدم عليها الصدريون والتي تمثلت بسحب وزرائهم من الحكومة المالكية، خطوة تستحق الثناء والاشادة، ولا يسع المرء المنصف الا ان ينحني  لها تقديرا واحتراما. هذه الخطوة الشجاعة تستحق الوقوف عندها لتحليلها، وسبر أغوارها، من اجل فهمها والخروج بدروس منها. وقبل هذا وذاك، لا استغرب شخصيا من قرار التيار الصدري الانسحاب، لانه تيار وطني جُل اعضاءه عراقيون اصلاء تهمهم اولاً واخيرا مصلحة العراق العليا، فهم لا يقدمون المصالح الحزبية الضيقة او الفئوية او الطائفية او القومية او حتى الشخصية على المصلحة الوطنية كما يفعل البعض الذي ينظر الى العراق على انه غنيمة ومثلما تفعل في العادة الاحزاب الشمولية التي تسعى لـ(اغتصاب الدولة)**، وتسعى لاحتكار السلطة والاستئثار بأمتيازات الحكم وهي بذلك تسيرعلى خطى الانظمة الديكتاتورية السابقة التي حكمت العراق وتعيد انتاج ذات السياسات التعسفية التي رفضها ويرفضها الشعب ولكن بأدوات مختلفة.

التيار الصدري ورغم ما تشوبه من عيوب ونواقص، ورغم الاخطاء السياسية _وجلَّ من لا يخطأ_ التي ارتكبها نتيجة افتقاره للخبرة السياسية الكافية احياناً، وبسبب الضغوط السياسية والعسكرية التي مورست وما تزال ضده وكردة فعل احيانا أخرى، يبقى الاقرب تمثيلا للشارع الشعبي العراقي، والاكثر صدقا من بين اقرانه الاسلاميين في التعبير عن رغبات ابناء الطبقات المستضعفة من الشغيلة والكادحين لانه _اي التيار_ تخرج من مدرسة المرجع الوطني محمد صادق الصدر والذي عرف بنصير الفقراء والمساكين والمهمشين من ابناء الشعب، والذي عاش واستشهد من اجلهم، حتى وُصفت مرجعيته حسداً وتسقيطاً لها بـ(مرجعية المعدان) وكأن المعدان ليسوا من صنف البشر، اوكأن الانتساب لهم عارٌ و شنارٌ ومنقصةٌ وخللٌ، كل ذلك لانها مرجعيةٌ وطنيةٌ ترابيةٌ شعبيةٌ ناضلت من اجل مصالح المستضعفين، وعكست طموحاتهم في تحركاتها وخطبها، ورفضت ان تتحول الى حالة ارستقراطية تدافع عن مصالح تجار البازار وعن مصالح الاقطاعيات التقليدية، فدفعت _اي مرجعية محمد صادق الصدر _ ثمن مواقفها الوطنية غاليا مثلما دفعت من قبل مرجعية محمد باقر الصدر، وتجرعت  كأس المرارة والغدر والتشفي بها.

ان اهم ما يلفت النظر في عملية الانسحاب هو تخويل زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر امر وزاراته الست التي حصل عليها التيار وفقا لمبدأ المحاصصة الطائفية والحزبية ووفقا لاستحقاقه الانتخابي الى رئيس الحكومة المنتخبة شرعيا السيد نوري المالكي، تاركاً له الامر في تعيين من يراهم مناسبين لشغل هذه الوزرات، وبهذه الطريقة يكون الصدريون قد ضربوا القدح المعلى في الخروج على مبدأ المحاصصة سئ الصيت، وبهذه الخطوة الشجاعة يكون لهم قدم السبق ايضا في رفض المحاصصة عمليا اي قولا وفعلا امتثالا لقوله تعالى (يا أيها الذين أمنوا لم تقولون ما لاتفعلون) وحتى لايكون خطابهم السياسي الرافض للمحاصصة (مقتا عند الله)  هذا اولاً.

 وسنوا سنة حسنة حينما طبقوا ما جاء في الحديث الشريف (رحم الله امرءاً عرف قدر نفسه) عندما قرروا تسليم وزاراتهم للكفوئين من التكنوقراط، وهو الامر الذي تفتقر اليه حكومة السيد المالكي، حيث تصر القوى السياسية الاخرى المشاركة في هذه الحكومة على عدم تنحية وزرائها رغم عدم كفائتهم ، اما الصدريون فقد قرروا الاعتراف بقدراتهم المتواضعة ورفضوا بكل شجاعة تحويل الشعب العراقي الى فئران للتجارب وعلى طريقة المثل الشعبي العراقي القائل ( يتعلم الحجامة براس اليتامى) وهو الامر الذي تمارسه اكثر القوى السياسية المشاركة في الحكومة المالكية وحجتهم في ذلك (ان صدام حكم العراق بعبد حمود وعلي كيمياوي وحسين كامل ونحن احسن من هؤلاء)  هذا ثانيا .

اما النقطة الثالثة التي تسجل للصدريين، هي رفضهم ممارسة النفاق السياسي والبقاء في حكومة لا يتماشى برنامجها وبرنامجهم السياسي المتمثل برفع مستوى الخدمات الاجتماعية للعراقيين عامة ولابناء المناطق المحرومة والطبقات المسحوقة خاصة، وبجدولة انسحاب القوات المتعددة الجنسيات، وبأنهاء المحاصصة الطائفية والقومية والحزبية في تشكيلة الحكومة، والتأكيد على اللحمة الوطنية. وبكلمة أخرى ان الصدريين ارادوا ان يوفقوا بين خطابهم السياسي وادائهم الوزاري والبرلماني من اجل التخلص مما يرونه نفاقا سياسيا يمارسه الاخرون الذين يعلنون للعراقيين من على شاشات التلفاز امراً ولكنهم يضمرون امراً اخرا، والذين ينتقدون المحاصصة ولكنهم يمارسونها يوميا بأبشع الصور وبدون حياء او مواربة. .

اخيرا ما قام به الصدريون من خلال ترفعهم عن المناصب الحكومية التي غرت البعض  وزهدهم بها بالاضافة الى كونه مؤشرا على مصداقية هذا التيار وسلامة خطه الوطني، فهو ايضا عين الممارسة الديمقراطية الصحيحة. ويذكرني انسحابهم من حكومة المالكي _وان كان التعبير الادق  ليس انسحابا بل تفويض الامر الى رئيس الحكومة_ اقول يذكرني  بما يحدث في  حكومات الديمقراطيات العريقة، ومثلما حدث هنا في بريطانيا حينما قرر وزير الخارجية السابق السيد روبن كوك الانسحاب من حكومة السيد توني بلير نتيجة لمواقفه الرافضة للحرب ضد نظام صدام والامر ذاته حدث مع السيدة كلير شورت وزيرة التنمية التي استقالت من حكومة العمال لان سياسة هذه الحكومة فيما يتعلق بالحرب لاتنسجم وقناعاتها الشخصية فقررت الانسحاب والاستقالة من الحكومة.

هذه هي الديمقراطية، ممارسة وسلوك قبل ان تكون شعارات وخطب، وما اكثر المولعين بالخطب الرنانة والشعارات الطنانة في حكومتنا وبرلماننا العتيدين وهم ابعد ما يكونون عن الديمقراطية وقوانينها وأدابها، وياليتهم يمتلكون شجاعة الصدريين ويتأسوا بهم فيُريحوا ويستريحوا، ولسان حال الشعب المسكين مع هؤلاء المتكرشين هو(ولكم في الصدريين اسوة حسنة يا اصحاب الكروش). والعاقبة للرشيقين سياسيا.

** ورد هذا التعبير في كتاب (الدولة المأزومة والعنف الثقافي)/ كريم عبد/ بيروت /دار الفرات 2002. 

*كاتب عراقي

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية- الاحد 22 نيسان/2007 -5/ربيع الثاني/1428