وضعت أحداث 11 سبتمبر معادلة غريبة على موازين حقوق الإنسان في
الإعلان العالمي 1948 وما تبعه من عشرات الإعلانات والاتفاقيات والعهود
والعديد من المؤتمرات المتعلقة بمختلف جوانب حقوق الإنسان حيث ظهر
التعارض واضح بين حماية الأمن الوطني من ناحية وحماية حقوق الإنسان من
ناحية أخرى في إضفاء المشروعية على عدد من التراجعات القانونية عن
المبادئ الدولية لحقوق الإنسان , حيث ظهر المساس بحقوق الإنسان جليا في
التشريعات الصادرة من عدد من دول أوربا وأمريكا بحجة مكافحة الإرهاب
ولكن هل هناك تعارض بين متطلبات الحماية ضد الإرهاب وبين تأمين احترام
حقوق الإنسان وفق المبادئ الدولية الثابتة وهنا لابد من طرح تساؤلات
أخرى مهمة قد تؤدي بنا إلى حلقة مفرغة!!
* هل توصلت الأمم المتحدة لتعريف جامع مانع لمعنى الإرهاب
الدولي؟فحينما يصبح تعريف الجريمة أمر محاط بالغموض تكون وسائل
مكافحتها غير محددة.
* ما هو مصير المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق المدنية
والسياسية التي أجازت للدول في حالة الطوارئ الاستثنائية أن تتخذ في
أضيق الحدود تدابير تتحرر بموجبها من التزاماتها الدولية باحترام بعض
حقوق الإنسان غير انه لإعمال هذه المادة لابد من توفر مجموعة من
الشروط في أن تكون الدولة أمام حالة طوارئ استثنائية تهدد حياتها وان
تكون هذه الحالة معلنة رسميا وان تكون التدابير المتخذة في أضيق الحدود
كذلك أن لا تتضمن هذه التدابير تمييزا بسبب العراق أو اللون أو الجنس
أو اللغة أو الدين أو الأصل الاجتماعي أيضا أن تكون تلك التدابير
مقبولة في إطار مفهوم المجتمع الديمقراطي الحر وان تكون إجراءات
وتدابير مؤقتة وتصدر بقانون ,.
وعموما وحتى ضمن أحكام المادة الرابعة من العهد الدولي للحقوق
المدنية والسياسية فلا يجوز المساس ببعض الحقوق ولو دخلت الدولة في
حرب معلنة مع دولة أخرى وهذه الحقوق تتمثل في حق الحياة وحق سلامة
الجسد ضد التعذيب ومنع الرق والاتجار به ومبدأ الشرعية في مجال
القانون الجنائي (لا جريمة ولا عقوبة إلا بنص) وضمان حرية الفكر
والضمير والدين والحق في محاكمة محايدة تقبل قراراتها الطعن أمام
المحاكم العليا .
وعموما فأن الإرهاب وجرائمه يمثلان اعتداء مباشر على مجموعة من حقوق
الإنسان التقليدية ويأتي في مقدمتها الحق في الحياة لما ينطوي عليه
الإرهاب من قتل عشوائي , والحق في سلامة الجسد وما ينطوي عليه الإرهاب
من إلحاق الضرر ببدن الإنسان , وأيضا حرية الرأي والتعبير معا بما
ينطوي عليه الإرهاب من إشاعة الخوف والرعب في مواجهة الجهر بالرأي
إضافة لمجمل الحقوق والحريات الأخرى التي يكتسحها الإرهاب كالحق في
التملك والتنقل والسكن والثقافة والتعليم وغيرها من الحقوق المدنية
والسياسية والاقتصادية والثقافية والاجتماعية وبالتالي فقد كان من
المتوقع في مواجهة الدول التي وقعت ضحية الإرهاب أن تكون مواجهة مقيدة
بالقانون والمبادئ الداخلية والدولية لحقوق الإنسان فلا يعني أن
الإرهاب كونه عمل متحرر من القيود القانونية والأخلاقية أن تكون
مواجهته مثله وإلا فنحن نعطي طابع المشروعية للظاهرة الإجرامية ,
فخرق القانون لا يبرر بخرق مماثل وأثار الجريمة مهما كانت لا تبرر
جريمة مماثلة وإلا فقدت الدولة معنى وجودها وتعرضت حياة وسلامة
المواطنين لتهديد الأخطار المختلفة .
إن وفاء الدولة بالتزاماتها الدولية إنما هو تعبير عن تمسكها
بالإطار الشرعي الذي يحكم سلوكها على المستوى الداخلي والدولي ومن هنا
ظهرت بوادر الحديث بأن التزام الدولة باحترام حقوق مواطنيها في داخلها
هو شأن دولي كما هو شان داخلي.
عموما فيمكن القول بأن الخلاصة في موضوع العلاقة بين الإرهاب وحقوق
الإنسان تكمن في:-
1-إن إيراد تعريف موحد ومتفق عليه ومنضبط بخصوص الإرهاب الدولي أو
الداخلي ممارسا من قبل الدولة أو مدعوما منها أو ممارسا من قبل
الجماعات أو الأفراد هو أمر ضروري وفي الوقت نفسه قد يبدو مثل هذا
التعريف أمر غير مرغوب فيه من قبل العديد من الدول لتضمن بقاء يدها
مطلقة في ممارسة إرهاب الدولة وقمع الشعوب وانتهاك حقوق الإنسان
بذريعة مكافحة الإرهاب
2- كون إن النشاط الإرهابي يمثل خطرا على حقوق الإنسان باعتباره محل
إدانة إنسانية شاملة فان مكافحة الإرهاب قد تمثل نفس الخطر لما قد
تعانيه هذه الحقوق من انتهاكات تحت ذريعة القضاء على الإرهاب.
3- حماية حقوق الإنسان والحفاظ عليها من الانتهاكات لابد أن لا يعد
ذريعة لتقييد الدول في مواجهة الإرهاب فلابد أن يكون للدولة
إجراءاتها الاستثنائية لمواجهته إلا إنها يجب أن تكون إجراءات مؤقتة
ومفروضة بقانون وان تطبق بإشراف القضاء المستقل وان لا تمس هذه
الإجراءات حقوق الإنسان غير القابلة للمساس .
4-رغم أن اتخاذ كل الإجراءات الأمنية والعسكرية ضرورية لمقاومة
الإرهاب أيا كان (في حدود القانون) فن القضاء على مصادر الإرهاب داخليا
ودوليا قد يقطع دابر الإرهاب ويقضي باحترام حقوق وحريات الأفراد
والشعوب . |