الشورى من مستلزمات الفطرة، ومن سنن استقرار المجتمع، وهي ليست
هدفًا في حد ذاتها بل شُرعت في الإسلام كوسيلة لتحقيق العدل، وتنفيذ
مقاصد الشريعة. لذا فهي فرع من فروع الشريعة وتابعة لها وخاضعة
لمبادئها، وهو ما يميزها عن الديمقراطية كنظام والتي تنبني على
الاجتهاد البشري مطلقاً دون هدي من وحي أو فترة تاريخية مرجعية.
وتعد الشورى في الرؤية الإٍسلامية مبدأً إنسانيًا واجتماعيًا
وأخلاقيًا، بجانب كونها قاعدة لنظام الحكم، وهي في المجال السياسي حق
الجماعة في الاختيار وتحمل مسئولية قراراتها في شئونها العامة.
ولهذا أراد الإسلام أن يرتفع بالشورى عن مصاف الوضع القانوني
الجامد، لتصبح سلوكاً أخلاقياً حياً، وعرفاً شائعاً فاعلاً في المجتمع،
يعضد القانون ويكون سنداً شعبياً له، يشارك فيه جميع أفراد الأمة.
وقد بدأ الإسلام بالفرد، فأوحى إليه تلك الأقوال على لسان نبيه
محمد(ص): ( لا ظهير كالمشاورة ) وأن ( من شاور ذوي الألباب دُلّ على
الرشاد ) وأنه ( ما ضل من استشار )، وقول الإمام علي (ع): ( من أعجب
برأيه ضل، ومن استغنى بعقله زل )، و ( من استبد برأيه هلك، ومن شاور
الرجال شاركها في عقولها ).
وإذا خطونا مع الإسلام نحو عالم الأسرة المسلمة، نجد أن الشورى من
الأدبيات الأخلاقية الأساسية في نظام الأسرة وحماية حقوق أفرادها.
قال تعالى (وَالْوَالِدَاتُ يُرْضِعْنَ أَوْلاَدَهُنَّ حَوْلَيْنِ
كَامِلَيْنِ لِمَنْ أَرَادَ أَن يُتِمَّ الرَّضَاعَةَ وَعَلى
الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنّ َبِالْمَعْرُوفِ لا
تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا لا تُضَآرَّ وَالِدَةٌ بِوَلَدِهَا
وَلاَ مَوْلُودٌ لَهُ بِوَلَدِهِ وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ
فَإِنْ أَرَادَا فِصَالاً عَن تَرَاضٍ مِنْهُمَا وَتَشَاوُرٍ فَلا
جُنَاحَ عَلَيْهِمَا وَإِنْ أَرَدْتُّمْ أَن تَسْتَرْضِعُوا
أَوْلاَدَكُمْ فَلا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِذَا سَلَّمْتُمْ مَآ
آتَيْتُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَاتَّقُواْ اللَّهَ وَاعْلَمُواْ أَنَّ
اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ ).
لقد أوردنا آية الرضاع كاملة ليتبين القارئ جمال وكمال وشفافية نظام
الأسرة بشكل عام في الإسلام، ونظام إرضاع الطفل كما بناه القرآن الكريم
وأرسته تعاليم النبوة، وكيف جاء نظام الشورى في الأسرة ضمن هذا النظام
الشامل، ليزيد النظام الأسري جمالاً وكمالاً وشفافية واتساقاً.
• الرضاعة الطبيعية التامة للمولود حولين كاملين، يتحمل
خلالهما كل طرف من أطراف الأسرة مسؤولياته الواضحة كاملة وبعدالة تامة.
• فلا يحق لأي من الطرفين وحده أن يوقف الرضاعة قبل تمام
الحولين، فإذا ما طرأت ظروف أو برزت أسباب تستدعي الفطام ( الفصال )
وإيقاف عملية الإرضاع، فلا يجوز أن يتم ذلك إلا بعد تشاور وتراض
الطرفين - الوالدة والمولود له - أو الوارث في حالة غياب أحدهما، وذلك
حفاظاً على حقوق الطفل من جهة، ولإشاعة روح الشورى على أكبر وأوسع نطاق
في المجتمع الإسلامي من جهة أخرى، فإذا انطلقنا من الأسرة إلى نظام
الحكم فسنجد أن الدستور الإلهي قد تعرض للشورى في آيتين واضحتين من
آيات القرآن الكريم ترسخان المفهوم العام الأساسي لنظام الشورى وترسمان
آفاقه وأبعاده
ويعرض القرآن الكريم أيضاً دليلاً آخر هام وواضح على الشورى عند
النساء ومدى تفاعل تلك المرأة العظيمة مع الموقف وهي بلقيس ملكة سبأ إذ
جاءها كتاب النبي سليمان (ع).
( قالت يا أيها الملأ أفتوني في أمري، ما كنت قاطعة أمراً حتى
تشهدون ).
والملأ هم: أشراف القوم الذين يملئون العيون أبهة والصدر هيبة،
والملأ كذلك هم الأشياع والأعوان. وهم هنا بشكل عام حاشية الحاكم
وأعوانه ومستشاريه. و( أفتوني ) تؤدي دونما أي تقصير معنى أشيروا عليّ.
وواضح أنها كانت استشارة ملزمة للملكة، بما ألزمت به نفسها من قولها
لهؤلاء الملأ: ( ما كنت قاطعة أمراً حتى تشهدون ).
ويظهر من هذا المثال أن الشورى كانت نظاماً متبعاً وسلوكاً شائعاً
في المجتمع السبئي ونظامه الحاكم.
وعلى مستوى الخليج العربي نجد تجربة الشورى البحرينية تمثل دليلاً
واضحاً وواقع ملموس على ما سبق ذكره.
فلقد أعجتبني تلك الكثرة من النسوة والتي لم يسبق لها مثيل في
تواجدهن اللطيف اليوم في مجلس الشورى وذلك في مركز حساس وهام لماله من
أثر على الفرد والمجتمع على حد سواء في الخليج عموماً والبحرين خصوصاً.
كيف لا وقد بلغت تلك النسوة في المجلس- اللهم لا حسد- عشر نساء، وهن
يشاركن الرجل اليوم جنباً لجنب في جميع مجالات الحياة وأصعدتها.
وهذا ما دفعني لكتابة هذا المقال عنهن لأقدّم لهن كلماتي البسيطة
وهي:
يا نساء الشورى أيه المستقبل الواعد على اختلاف مراتبكن العلمية في
المجتمع البحريني:
أحُيي فيكن هذه الروح الأبية والنفس الشامخة بدخولكن هذا المعترك
السياسي الهام , وأشٌد على أيديكن لبناء هذه المملكة بكل ما أعطاكن
الله من عطاء وصبر ووفاء وتضحية , لأنكن تمثّلن اليوم صورة المرأة
البحرينية خاصةً والمرأة العربية عامةً بكل ما تحمل من قضايا وهموم في
هذا العالم. فتمسكن بمبادئكن أياً كانت. وثقن بالله أولاً وآخراً.
وتذكرنّ دوماً أن ( المرأة في الإسلام ملكة متوجة على نساء العالم كله
)، وذلك لما حفظ لها الإسلام جميع الحقوق والواجبات حتى أن كثير من
الغربيات الناشطات دخلن الإسلام أثر انبهارهن بهذا التشريع العظيم ورحن
يناضلن من أجل نشر هذه المبادئ السامية في الغرب , وكفى عزيزات فخرا
ًلكن تشريف القرآن الكريم بسورة النساء تكريماً للمرأة المسلمة.
وأعلمن أن مسئوليتكن اليوم كبيرة وكثيرة تتطلب تقديم تنازلات وعطاء
وإيمان لا محدود من أجل نهضة المجتمع وتطويره نحو الأفضل.
فتجربة النساء اليوم في مجلس الشورى لهي تجربة رائعة وفريدة ,
وحريٌ بنا أن نقف عليها من خلال الصحافة ووسائل الإعلام المختلفة
لتسليط الضوء عليها بين الحين والآخر. فيا نساء الشورى انطلقن نحو أفُق
الحياة.
*مملكة البحرين |