قضية كركوك من الحرب الكلامية الى التهديدات المعلنة

 شبكة النبأ: لعل من اكبر القضايا التي تواجه الحكومة الحالية هي قضية كركوك، كذلك الرؤية الامريكية في هذا الموضوع الشائك، لإتصاله بعدة جهات دولية واقليمية ومحلية.

فالجهة الدولية تتمثل بتركيا والاتحاد الاوربي وأمريكا، ووفق هذا المثلث، فان كركوك بالنسبة لتركيا تعتبر الحفرة العميقة التي ترى تجنبها، لكونها تحتوي مشكلة سياسية داخلية وخارجية كحزب العمال المعارض والجوار الكردي المتطلع للاستقلال في العراق، ويخشى الجانب التركي من انفصال الاكراد العراقيون، لان امر كهذا يشجع الاكراد الاتراك الى الحذو بما يؤول اليه الاكراد في كردستان العراق.

الاتحاد الاوربي يعدّ الاكراد التركمان المتمثلين بحزب العمال من القوى الانفصالية الارهابية.

اما بالنسبة الى الجانب الامريكي فالمسألة تسير على اطارين.

الاول، ينطلق من النقطة الاساس وهي تواجدها في العراق، وهذا الوجود يفرض عليها المداراة كونها تعتمد على الكردستانيين لانهاء مهمتها في العراق بسلام، والثاني، ان امريكا لاتود في الوقت الحالي على الاقل اعلان موقفها المتوافق مع الجانب التركي، وهي تلجأ الى العمل وفق سياسة المهادنة، واللعب على كل الحبال، لأطول فترة ممكنة، فان نال الاكراد استقلالهم وانفصلوا فهي تظل مكتسبة لقوة صديقة على المدى البعيد، والمقصود بالصداقة انما صداقة المصالح والستراتيجيات القريبة منها والبعيدة.

اما الحكومة العراقية، فان مكونها السياسي مختلف تماما، وهناك خلافات جمة في هذا المضمار، وهي مضطرة الى تاجيل موضوع كركوك رغم اطلاقه دستوريا، فيما يلح الاكراد الى الاستمرار بتنفيذ المادة 140 خلال هذا العام.

وامام هذا الالحاح، انطلقت التصريحات التركية بمعارضة ان يكون للاكراد الامكانية النفطية الهائلة المتمثلة بكركوك، مما حدا بالبارزاني ان يهدد بالتدخل واسناد حزب العمال التركي.

ونتيجة لهذ التصريح، فقد استشاط الاتراك غضبا وهم يردون على الجانب الكردي والحكومة العراقية.

وإنتقد المتحدث باسم الخارجية الأميركية شون ماكورماك بحسب ما نقلته بي بي سي رئيس إقليم كردستان مسعود البارزاني لما وصفه بالتهديدات التي أطلقها الاخير حول دعم مقاتلي حزب العمال الكردستاني ضد حكومة أنقرة.

وقال ماكورماك إن الإدارة الاميركية تعتقد ان هذا النوع من التصريحات لا يفيد الهدف المنشود من التعاون بين الحكومتين العراقية والتركية، وإن على القادة العراقيين التركيز حول كيفية العمل مع الحكومة التركية لتعزيز المصالح المشتركة بين البلدين لرؤية عراق آمن ومستقر.

واكد ماكورماك بحسب ما نقلته رويترز أن وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس قد تحدثت مع نظيرها التركي عبد الله غول في نهاية الاسبوع، إثر التصريحات التي أطلقها البارزاني، وأثارت إنزعاج أنقرة الشديد.

وكان مسعود البارزاني قد هدد في مقابلة صحفية بالتدخل في الشأن الداخلي التركي إذا ما واصلت أنقرة معارضتها للمطالب الكردية في مدينة كركوك.

وقد رد رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان بعنف على البارزاني قائلا "إن أي عمل عدائي من جانب أكراد العراق نحو بلده سيكلفهم  ثمنا غاليا جدا".

وقال أردوغان إن هناك شمالا عراقيا محاذيا لتركيا يرتكب خطأ جسيما في طريقة تصرفه وهذا قد يرتب عليه ثمنا باهظا.

وقال رئيس الوزراء التركي "إن البارزاني تخطى الحدود" مضيفا أنه "ينصح الأكراد بألا يتفوهوا بكلام لا يستطيعون تحمل عواقبه وبأن يدركوا حجمهم لأنهم قد يسحقون جراء هذا الكلام".

وحسب ماكورماك فان رايس هدأت وزير الخارجية التركي وشكرته على جهود حكومته لعقد مؤتمر أقليمي يشارك فيه وزراء من دول الجوار وشخصيات عالمية لمناقشة الملف العراقي الشهر القادم.

وكان البرزاني قد قال في مقابلة تلفزيونية مطلع الأسبوع الجاري إنه "إذا تدخلت تركيا في شمال العراق الذي تقطنه أغلبية كردية فأن الأكراد العراقيين سيدخلون في مدن في جنوب شرق تركيا الذي تقطنه أغلبية كردية".

وقال رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان للصحفيين في تصريحات اذيعت تلفزيونيا "يجب أن يكون الأكراد العراقيون حريصين للغاية في انتقائهم للكلمات... وإلا ستسحقهم هذه الكلمات...

وفي وقت لاحق قال مساعد للبرزاني إن تعليقات زعيم الأكراد لم يكن يقصد بها توجيه أي تهديد.

وفي واشنطن وصف شون مكورماك المتحدث باسم وزارة الخارجية الأمريكية تصريحات البرزاني بأنها غير مفيدة على اطار تحقيق تعاون أكبر بين تركيا والعراق في موضوعات ذات اهتمام مشترك مثل قتال حزب العمال الكردستاني الذي تحظره تركيا.

ويساور أنقرة قلق بالغ بشأن ما تعتبره خطوات أكراد العراق لبناء دولة مستقلة في شمال العراق خشية أن يؤدي هذا إلى اشعال النزعة الانفصالية مجددا بين السكان الأكراد في جنوب شرق تركيا.

وقال كمال سيسيك المتحدث باسم الحكومة التركية إن لدى أنقرة اهتماما مشروعا بالتطورات في شمال العراق لأن متمردي الأكراد الأتراك يستخدمون المنطقة كقاعدة لانطلاق الهجمات على أهداف عسكرية ومدنية داخل تركيا.

وأبلغ سيسيك مؤتمرا صحفيا بعد اجتماع لمجلس الوزراء هيمنت تعليقات البرزاني على مناقشاته، أن شمال العراق هو مصدر الارهاب العرقي الذي نعاني منه في تركيا.

وتحمل تركيا حزب العمال الكردستاني مسؤولية مقتل أكثر من 30 ألف شخص منذ بدء حملته المسلحة من أجل اقامة وطن للأكراد في جنوب شرق تركيا عام 1984.

وقال سيسيك إن أنقرة سلمت مذكرة احتجاج رسمية لحكومة بغداد بخصوص تصريحات البرزاني.

وتخشى تركيا على وجه الخصوص ان يسيطر أكراد العراق على مدينة كركوك الغنية بالنفط والتي تضم مزيجا عرقيا بعد اجراء استفتاء على وضع المدينة مقرر في نهاية عام 2007 ويحولوها إلى عاصمة لدولة جديدة.

وفي المقابلة التي أجريت مطلع الأسبوع مع البرزاني وهو رئيس المنطقة الكردية المتمتعة بالحكم الذاتي في شمال العراق قال إنه لن يسمح لتركيا بالتدخل في كركوك وأكد على الهوية الكردية للمدينة.

وقال البرزاني لقناة العربية لا يحق لتركيا أن تتدخل في موضوع كركوك. إذا سمحت لنفسها أن تتدخل في موضوع كركوك فسوف نتدخل في موضوع ديار بكر وغيرها من المدن الأخرى.

وديار بكر هي كبرى المدن في المنطقة التي تقطنها أغلبية كردية في جنوب شرق تركيا.

وقال أردوغان شمال العراق يرتكب أخطاء بالغة الخطورة بمثل هذه الخطوات.

وعندما سئل فؤاد حسين وهو من مساعدي البرزاني ورئيس مكتبه الرئاسي عن تصريحات أردوغان نفى أن يكون زعيم أكراد العراق قد وجه تهديدا لأنقرة.

وقال لرويترز ان مسعود البرزاني لم يشأ تهديد تركيا ولكنه كان يريد التأكيد على مبدأ أساسي وسياسة ثابتة لزعيم الأكراد تدعو إلى عدم التدخل في شؤون الآخرين بشرط عدم التدخل في شؤوننا.

وحثت أنقرة بغداد والقوات الأمريكية المتمركزة في العراق مرارا على اتخاذ اجراءات مشددة ضد مقاتلي حزب العمال الكردستاني المختبئين في جبال شمال العراق والذين تقدر عددهم بأربعة آلاف ولكنهما لم يتخذا أي اجراءات.

وذكرت الـ بي بي سي بأن رايس قد عيّنت الجنرال الاميركي المتقاعد جوزيف رالستون، كمبعوث خاص، للعمل على تخفيف التوتر بين حكومة أنقرة والقادة الاكراد في العراق.

وفي سياق متصل قال رئيس إقليم كردستان العراق مسعود البارزاني إن الاقليم سيبقى جزءا من العراق طالما التزمت الحكومة العراقية بالدستور الدائم.

واتهم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، الذي يرأسه الرئيس العراقي جلال الطالباني، رئيس الوزراء نوري المالكي بأنه يحاول مرة اخرى تأجيل تنفيذ المادة 140 من الدستور الدائم والخاصة بقضية كركوك.

ونسب موقع الاتحاد على شبكة الإنترنت لبرهم صالح نائب رئيس الوزراء قوله إن قرار الأمانة العامة لرئاسة مجلس الوزراء مرفوض كلياً من قبلنا معربا عن أمله في أن لا يكون هذا القرار مقصوداً، واعتبر أن أية محاولة لتأخير أو تأجيل تنيفذ المادة 140 مرفوضة جملة وتفصيلاً، ودعا إلى الإسراع في تصحيح هذا الخطأ وإعادة النظر في القرار المذكور بحسب تعبيره.

من جانبه، أكد فؤاد معصوم رئيس كتلة التحالف الكردستاني في مجلس النواب على رفض قرار الإحالة مؤكداً أن قرارات تنفيذ المادة 140 لا تتطلب موافقة مجلس النواب لأن هذه المادة مادة دستورية وأن إحالة القرارات الى مجلس النواب بهدف المصادقة عليها ستؤدي الى تأجيل تنفيذ المادة 140 موضحاً في تصريح صحافي أن اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140 لها صلاحيات وهي صاحبة القرار في هذا المجال.

وقال النائب عن الائتلاف العراقي الموحد حميد رشيد معلّة أن الحكومة لم تكن متباطئة في تطبيق المادة 140 من الدستور الجديد.

ورأى النائب معلّة وهو قيادي بارز في المجلس الأعلى للثورة الإسلامية، أن ملابسات تنفيذ هذه المادة لن تؤثر على التحالف القائم بين الائتلاف الموحد والتحالف الكردستاني معربا عن أمله في أن يتفهم الأكراد مواقف الآخرين.

واكد برهم صالح ان تطبيق المادة الدستورية التي تنص على اجراء استفتاء حول كركوك هو "الشرط الاساسي" لاستمرار المشاركة في العملية السياسية.

وقال نائب رئيس الوزراء برهم صالح للصحافيين "على الجميع ان يعلم ان تنفيذ قرارات المادة 140 ورفع الظلم التاريخي الحاصل على كركوك والمناطق الاخرى هو الشرط الاساسي لمشاركتنا كتحالف كردستاني (53 نائبا) بالعملية السياسية وتشكيل الحكومة".

وتنص المادة 140 من الدستور على "تطبيع الاوضاع واجراء احصاء سكاني واستفتاء في كركوك واراض اخرى متنازع عليها لتحديد ما يريده سكانها وذلك قبل 31 كانون الاول/ديسمبر 2007".

وتابع ان "قرارات لجنة تنفيذ المادة 140 هي التزام قانوني ودستوري للحكومة العراقية وتاجيلها او وضع العراقيل امام تنفيذها غير مقبول باي شكل من الاشكال" موضحا ان "تنفيذ هذا الالتزام سيكون مقياسنا الرئيسي لتقييم المسائل".

من جهتها ذكرت نرمين عثمان وزير البيئة في الحكومة ان "المالكي قرر احالة قرارات لجنة تنفيذ المادة 140 الى مجلس الرئاسة ومجلس النواب للمصادقة عليها قبل يومين".

وكانت اللجنة العليا المعنية بتطبيق المادة 140 من الدستور قررت اواخر كانون الثاني/يناير الماضي ضرورة "اعادة العرب الوافدين الى كركوك الى مناطقهم الاصلية في وسط وجنوب العراق مع منحهم تعويضات مالية مناسبة".

ووصفت عثمان وهي نائبة رئيس اللجنة العليا لتنفيذ المادة 140 احالة قرارات اللجنة الى البرلمان للمصادقة عليها بانها "عرقلة ومشكلة جديدة امام تطبيق هذه المادة الدستورية".

وكان مجلس الوزراء صادق بالغالبية اثر نقاشات مكثفة استغرقت يومين في 29 اذار/مارس الماضي على قرارات اللجنة.

يشار الى ان الاكراد يطالبون بالحاق كركوك المدينة الغنية بالنفط باقليم كردستان. ويعارض التركمان والعرب ذلك.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 11 نيسان/2007 -20/ربيع الاول/1428