الطاغية والبعث: الدولة السرية التي تتغذى من جوعها بمزيد من السلطة

 منذ التاسع من ابريل نيسان 2003 وبعد أن اجتاحت الدبابات الامريكية بغداد وأنهت حكم البعث استسهل كثيرون توجيه اللعنات الى حزب البعث والرئيس العراقي السابق صدام حسين ولو من باب ابراء الذمة بادعاء بطولة في غير أوانها.

لكن الكاتب العراقي زهير الجزائري يوضح أن الحزب كان مشلولا فبدلا من قيامه بدوره الطبيعي في قيادة البلاد كان تابعا لجهاز المخابرات. بحسب رويترز.

ويذهب في كتابه (المستبد.. صناعة قائد صناعة شعب) الى ما هو أبعد من صدام.. الى السياق التاريخي الذي يشبه أرضا صالحة كي ينبت فيها طغاة وأمراء عنف طائفيون وهو ما أسفر عن نفسه في ظل الاحتلال الامريكي للبلاد الذي يدخل يوم الثلاثاء عامه الخامس.

ويشير الكتاب الذي صدر عن معهد الدراسات الاستراتيجية بالعراق ويقع في 341 صفحة متوسطة القطع الى أن البيئة كانت مناسبة لظهور طاغية فلو لم يكن صدام لقام اخر بانتهاز الفرصة اذ بدأت مع مطلع عام 1970 تصفية تدريجية سريعة لكل من هو موضع شك في ولائه للبعث.

ويقول المؤلف ان مؤسس حزب البعث ميشيل عفلق (1910-1989) كان يميل الى التجريد "ولم يؤلف كتابا يشرح فيه أفكاره" وان البعث حين وصل الى السلطة عام 1968 "لم يجد أمامه تصورا واضحا للحكم لا في كلاسيكيات العقيدة ولا في المواقف العملية للقادة العقائدين... عرف البعثيون العراقيون أن هذه السلطة هي فرصتهم الاخيرة التي لن تتكرر لا كمأساة ولا كمهزلة."

ويضيف أن النظرية الامنية للحزب كانت تنطلق من افتراض وجود نية للتامر لدى عناصر وتجمعات متذمرة أو متضررة من حكم البعث بل من داخل الحزب نفسه وكان يطلق على تلك المجموعات "احتياطات الثورة المضادة" التي كان يتم التخلص منها عن طريق هجوم وقائي.

ويشير الى أن الجهاز الامني كان "يختار أعداءه حسب تقديرات مسبقة ويفبرك مؤامرة ليدخلهم فيها" مستندا في هذا التفسير الى كتاب (محاولات اغتيال الرئيس صدام حسين) الذي صدر عام 1979 لبرزان التكريتي الاخ غير الشقيق لصدام الذي تولى منصب رئيس جهاز المخابرات.

ونفذت الحكومة المدعومة أمريكيا حكم الاعدام في صدام يوم 30 ديسمبر كانون الاول 2006 فجر عيد الاضحى وهو يردد "أشهد أن لا اله الا الله وأشهد أن محمد رسول الله" بعد ادانته بارتكاب جرائم ضد الانسانية في نهاية مثيرة لزعيم حكم العراق بقبضة حديدية على مدى نحو ثلاثة عقود قبل أن يطيح بنظامه الغزو الامريكي عام 2003.

كما نفذ حكم الاعدام في برزان في القضية نفسها في منتصف فبراير شباط الماضي.

ويرجح الجزائري أن يكون الدكتاتور السوفيتي جوزيف ستالين حاضرا في ذهن صدام الذي كان يرى أن العراق يحتاج الى "الرمز أكثر مما تحتاجه موسكو."

ويضيف أن الاجهزة الامنية كانت توسع مناطق نشاطها وحدود صلاحياتها باختلاق أعداء ومخاطر خارجية وداخلية حيث سعت "لترويض شعب وصفه (الرئيس الاسبق) أحمد حسن البكر مرة بأنه لا يؤمن حتى بالله" بوسائل منها دفع المواطنين الى أن يظلوا في حالة دفاع دائمة عن النفس "وشملت تدخلات الاجهزة أبسط تصرفات المواطنين فكانت تعاقب الشبان بحلاقة شعرهم والشابات بصبغ سيقانهن بالبويا في الشارع وبطريقة تشهيرية بسبب مخالفتهم لقانون التخنث والتزلف."

وأصدر الفريق صالح مهدي عماش وزير الداخلية عام 1971 قانون (منع التخنث والتزلف).

ويقول المؤلف ان مناصري الحزب وكوادره عاشوا في حالة استنفار دائم حتى "أصبح الحزب الذي يفترض به أن يقود الدولة ويراقبها تابعا لواحد من أجهزتها هو جهاز المخابرات."

ويصف بلاده بالدولة السرية التي تتغذى من جوعها بمزيد من السلطة ممثلة في شبكة الاجهزة الامنية التي تحكم بأسلوب المنظمات السرية "الارهابية" فلا يتم اعتقال أحد وانما يختطف "من الشارع حيث لا يترك المعتقل أي أثر يدل عليه... وقد فاخر صدام في أحد لقاءاته مع الشباب بالحديث عن طفل وشى بأبيه الى الجهات الامنية لانه تلفظ بكلمات نابية عند ظهور صدام في التلفزيون. صدام قال.. لا خوف على ثورة لديها أبناء كهؤلاء."

ويشير الى أن صدام كان يبدي زهدا في المناصب الرسمية في وجود البكر الذي عرف بموقعه العسكري أكثر من الحزبي.

ويضيف أن صدام في تلك المرحلة كان يفضل العمل الحزبي "الخلفي في الاجهزة الموازية" بعيدا عن الواجهة وأنه اعتمد "في صعوده الكاسح هذا على قيادته لاجهزة الامن في دولة اعتبرت الامن هاجسها الاول" وفيها تم تهميش المؤسسات الرسمية حيث أصبح مكتب العلاقات يقابل الامن والمخابرات والمكتب العسكري يقابل وزارة الدفاع ومكتب الثقافة والاعلام يقابل وزارة الثقافة والاعلام ولجنة شؤون النفط مقابل وزارة النفط.

في ذلك السياق الذي تكون الغلبة فيه للاجهزة السرية يفسر المؤلف كيف أصبح صدام "الذي لم يخدم يوما واحد في الجيش" نائبا لرئيس مجلس الثورة في نوفمبر تشرين الثاني 1969 وهو منصب يشغله عادة عسكري أو عسكري بعثي ليصبح صعود صدام الى منصب الرئاسة عام 1979 "قدرا لا بد منه... كان صعوده تحصيل حاصل لصعوده في أجهزة الارهاب الخلفية".

وظل صدام حريصا على ارتداء الزي العسكري في كثير من المناسبات حتى سقوط نظامه.

ويقول الجزائري ان صدام بدا منذ السبعينيات في أذهان الناس كمستبد عادل تسهم زياراته الميدانية في حل مشكلات عجزت أجهزة الدولة عن حلها مشيرا الى أن الاجهزة الرسمية وزعت رقما خاصا "بالسيد النائب" يستطيع المواطنون الاتصال به في حالة وجود مشكلات.

ويضيف أن صعود صدام تزامن خارجيا مع زيارة الرئيس المصري السابق أنور السادات للقدس عام 1977 واتفاقية كامب ديفيد بين مصر واسرائيل وكانت بغداد "المكان العباسي الباذخ" الذي استضاف القمة العربية التي قررت اخراج مصر من جامعة الدول العربية "وكان خروج مصر بالنسبة الى البعث الفرصة الذهبية لكي يأخذ مكان الناصرية وللعراق لكي يأخذ مكان مصر القيادي وصدام حسين مكان (الرئيس الاسبق جمال) عبد الناصر."

ويتساءل المؤلف عن عبادة القائد وعما اذا كانت تتغذى من رغبة في داخله لاعلاء ذاته عن الاخرين أم أنها استجابة لحاجة الجمهور الى مخلص.. لكنه يراها خليطا ونتاجا لظروف مركبة لتكريس أسطورة القائد الضرورة مضيفا أنه "من الخطأ القول ان تقاليد عبادة القائد هي صناعة بعثية خالصة" بل تستمد جذورها من تقاليد حزبية وقبلية.. ودينية أيضا.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 10 نيسان/2007 -19/ربيع الاول/1428