على حد تعبير فكاهة سيادته

لطيف القصاب

استطيع الادعاء جازما بانني تأملت مليا في فقرات مسودة مشروع قانون امتيازات السادة والسيدات اعضاء مجلس النواب العراقي المنشور في صحيفة المدى عدد 5-4-2007, ورغم ان بيانا مقتضبا صدر لاحقا من مكتب سيادة رئيس مجلس النواب نفى فيه تبني الرئيس وبعض النواب لبعض فقرات المشروع واصفا اياها بعدم الواقعية,الا ان ذلك لم يوقف استغراقي في التامل في معاني ودلالات فقرات المشروع المذكور وحتى في ذلك البعض الذي ربما وجد فيه سيادة الرئيس "اعداما  للواقعية"..

لا اخفي القاريء الكريم ان حالة الاستفزاز التي احسست بها وانا اقرأ مشروع القانون في بداية الامر وصلت بي الى خارج حدود المالوف ما جعلني اتلفظ لا شعوريا بكلمات ـ لا داعي وقد كفانا الله شر عدم وجود مستمعين في حينها الى ذكرها مجددا والتورط فيما لا تحمد عقباه مع اللجنة التي عكفت على كتابة المشروع ونشره في وسائل الاعلام المختلفة , سيما وان فسحة التامل في ثنايا تلك الفقرات قد خلفت في النفس انطباعا مغايرا لردة الفعل الاولى وتحولت قناعتي المضادة لطبيعة وحجم الحقوق والامتيازات الواردة في ذلك النص الى تفهم تدريجي وبالتالي الى قبول واضح ولكن ليس من غير تحفظ..

وقبل الخوض في ماهية ذلك التحفظ لابد من ذكر بعض التبريرات الخاصة بمشروعية ان يكون لاحد اعضاء مجلس النواب ـ على سبيل المثال لا الحصر ـ  امتيازات وتخصيصات مالية تساوي بالضبط ما يرصد لرئيس مجلس الوزراء بالتمام والكمال وعليه فقد اجتهدت ان احصر  ابرز التبريرات بعشرة نقاط وكالاتي:

اولا  النظام السياسي المطبق حاليا  في العراق هو نظام برلماني ولذا فان من الانصاف  ان ينظر النظام  بعين ملؤها الرعاية والحنان الى حجر الزاوية  في هذا النظام الا وهو السيد النائب او السيدة "النائبة".

ثانيا المبالغ المراد منحها لعضو البرلمان مهما بدت بصورة ارقام فلكية للوهلة الاولى فانها لا تشكل شرخا كبيرا في ثروات البلاد حتى هذه اللحظة الحاضرة...

ثالثا مساواة النائب برئيس مجلس الوزراء من الناحية المادية على الاقل سيعطيه نوعا من الندية في مواجهة بعض المسؤولين الذين جعلوا العراق يحتل المراكز الاولى في قائمة اعظم دول العالم سوءا وفسادا.

رابعا عدم امكانية الجمع بين وظيفتين بالنسبة للنائب ستحرمه من مداخيل وفيرة  بخاصة اذا كان النائب من فئة "التكنوقراط" كأن يكون استاذا جامعيا او طبيبا اخصائيا سيضطران حتما الى غلق مصادر رزقهما ما يقتضي تعويضا لائقا بغض النظر عما تجمع عليه  الاخبار المتواترة من كون الغالبية العظمى في مجلس النواب العراقي غير حاصلة على اكثر من شهادة الدراسة الاولية.

خامسا احتمال ان لا يتكرر انتخاب النائب مرة اخرى ابدا , فلابد للنائب مع هذا الاحتمال الرهيب اذن ان يضمن المستقبل  المالي المناسب له وللعائلة الكريمة ,وان كان قانون التقاعد قد تكفل بهذه المهمة على اكمل وجه  الا ان من اللازم الاحتياط لكل طاريء  فقد تكون  نسبة العشرين بالمائة المستقطعة  من مبلغ راتب ماقبل التقاعد  ستؤدي بالنائب المتقاعد الى شفير الاملاق لا قدر الله.

سادسا النائب يمثل الشعب العراقي كله او يمثل دائرته الانتخابية فقط وفي كلتا الحالتين فمن المتوقع ان يغدو سيادته عرضة لطلاب الحوائج واهل السبيل من ذوي الفاقة والحرمان ما يعني زيادة في  المصاريف تستوجب قطعا زيادة في المداخيل...

سابعا مراقبة الاداء الحكومي وتشريع القوانين مهمتان عسيرتان  تستدعيان استفراغ الجهد على الصعيدين الميداني والنظري وهذان الصعيدان بحاجة ماسة دائما الى "صعيد" التمويل كما هو معروف.

ثامنا الطموح السياسي  لعضو البرلمان هو طموح مشروع ينبغي ان لا يغفل من الحساب , فليس عجيبا بعد ذلك ان يفكر العضو العادي في البرلمان في حلم الوصول الى منصب ارفع مما هو عليه  ومن يخطب الحسناء لم يغله المهر بالعربي الفصيح , والعروس تريد فلوس بالعراقي الفصيح.

تاسعا  ليس بدعة ان يحظى النائب في البرلمان العراقي على مكافات خيالية خصوصا اذا تمت المقارنة بين البرلمان العراقي واحد برلمانات الخليج الملاصقة على سبيل المثال وكفى الله مجلسنا الموقر  شرور المقارنات مع برلمانات دول  اخرى....

عاشرا  ضمان مردود مالي ضخم سيمنع النائب على الارجح من تلقي الرشاوى او قبول  الهدايا من  ذوي المارب الخاصة والاهداف المريبة.

 اما بشان التحفظ فبالامكان اجماله بالنقاط الخمسة التالية:

اولا  ضرورة مناقشة كل مايهم الوطن والمواطن (جدول الاعمال) داخل قبة الرلمان لا خارجها والاستغناء الكامل عن مايسمى بالمطبخ السياسي وحتى المجلس السياسي للامن الوطني...

ثانيا ضرورة احتفاظ النائب بشخصية قوية كيما يكون  صوتا مؤثرا في خدمة مصالح الشعب لا مجرد صدى لاصوات بعض الشخصيات "القوية" كرؤساء الكتل مثلا وتبني العمل بالقاعدة الذهبية التي تسير في ضوئها برلمانات العالم الاكثر رقيا  والمقصود بها تشكيل التحالفات واعادتها.. بعيدا عن المحاصصات.

ثالثا  اشاعة مبدا الراي والراي الاخر من خلال الحوار الهادف البناء  وتحويل قاعة المجلس الى مدرسة في التثقيف السياسي والقانوني لعامة الشعب وليس الى ساحة للتنابز بالاجندات وبعث الرسائل الخاطئة  وتسجيل المواقف المتناقضة ودغدغة غرائز الغوغاء.

رابعا عدم تحويل الجلسات بمناسبة وبدونها الى جلسات سرية وقديما قالوا "ان المروؤة ان لا تفعل شيئا في السر تستحي منه في العلن "

خامسا السماح لاجهزة الاعلام بالتواجد الفعال في تفاصيل الحدث البرلماني وتزويدها بالمعلومة الدقيقة باسرع مايمكن لئلا يتم نقل المعلومات من جهات تعادي التجربة البرلمانية العراقية وتتربص بها الدوائر وتحوك لها الدسائس.

وختاما لابد من الدعوة الى تشريع قانون نقترح تسميته قانون انضباط اعضاء مجلس النواب وفقا لمبدأ الثواب والعقاب وبالنظر لكون البعض من ممثلي الشعب او الدائرة.., لايراه رئيس المجلس الا في يوم توزيع الرواتب فقط على حد تعبير فكاهة سيادته.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 8 نيسان/2007 -17/ربيع الاول/1428