بين الشيعة والناصريين

دكتور أحمد راسم النفيس

 هل هناك تشابه ما بين التشيع والناصرية السياسية باعتبار أن التشيع هو انحياز للإمام علي بن أبي طالب والناصرية انحياز لفكر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر مع الفارق بالطبع بين الاثنين؟!.

الدافع لعقد هذه المقارنة المستحيلة هو ما يقوله البعض من أن الناصريين انتسبوا لعبد الناصر دون أن يطلب هو ذلك وأن الشيعة فعلوا نفس الشيء مع علي بن أبي طالب دون أن يلزمهم أحد بهذا الانتساب.

إنها رؤية تعتمد على ضعف المعرفة بتاريخ الأديان عامة وتاريخ الإسلام ذاته استنادا إلى (رواية رسمية) مليئة بالتناقضات ورغم ذلك قل من يجرؤ على التصدي لها بالنقض العلني خوفا من حزمة التهم التقليدية مثل سب الصحابة وتهمة التشيع التي كانت وربما ما زالت (جريمة أمن دولة)!!.

التصديق بالرواية الرسمية لتاريخ الإسلام أصبح جزءا من منظومة الإيمان لدى الورعين وسببا للصداع لدى المفكرين الأحرار يتعين عدم التعرض له إيثارا للسلامة والأمان!!.
تقول الرواية الرسمية لتاريخ الإسلام:

أن انتقال رسول الله صلى الله عليه وآله للرفيق الأعلى صحبه انتقال ديموقراطي سلمي هادئ للسلطة من الرسول لأبي بكر ثم عمر ثم عثمان ثم علي (الخلفاء الراشدون) وأن الأمور كلها كانت تسير على ما يرام لو لم تحدث بعض المشاكل الصغيرة التي سببها مثيرو الفتن والقلاقل وعملاء الصهيونية (من أمثال ابن سبأ) مما أدى إلى تحول نظام الحكم من النظام الشوروي الذي تأسس في سقيفة بني ساعدة إلى نظام استبدادي ورغم (بعض الحروب الصغيرة!) بقي الجميع (سلطة ومعارضة) في حالة انسجام وتوافق تام مما أدى إلى (تبلور وظهور) ما يلي:

1-    حضارة إسلامية شامخة وفتوحات واسعة امتدت شرقا وغربا.

2-    نظام سياسي يحكم بما أنزل الله رغم كونه نظاما استبداديا تسلطيا لا يعرف ما يسمى بكرامة الإنسان.

3-    مذاهب فقهية أربعة تبلور فيها صحيح أحكام الإسلام.

4-    مذاهب اعتقادية بلورها الأشعري والماتريدي وابن تيميه.

ورغم هذه الإنجازات الحضارية والفكرية والفقهية (؟!) فقد ظهرت فرق منحرفة مثل الشيعة والخوارج إلا أن هذا لم يؤثر في سلامة البناء المشار إليه والدليل على هذا هو أن الغالبية العظمى من المسلمين هم أهل سنة وجماعة.

إنه إذا دليل (الأغلبية) فحيثما سارت الأغلبية سار الحق معها!!.

الكثرة العددية ليست دليلا في حد ذاته على الحق والصواب ويكفي أن نقول أن المسلمين ليسوا الأكبر عددا بين أصحاب الديانات السماوية والوضعية في العالم بأسره.

النبوة والإمامة

رغم أن أهل السنة ينفون الإمامة بمعناها الجامع الذي يثبته الشيعة لأئمة أهل البيت إلا أنهم يثبتونها جملة ثم يقومون بتوزيع مهامها تفصيلا على عدة أئمة أقل حجما, فهناك أئمة الفقه وهناك أئمة السياسة وهناك أئمة الحديث وهناك أئمة العقيدة وهم يرون أن الإيمان بهؤلاء (الأئمة) مكمل للإيمان بالله ورسوله تماما كما يعتقد الشيعة أن الإيمان بأئمة أهل البيت مكمل للإيمان بالله ورسوله مع الفارق بالطبع بين أئمة أهل البيت وأئمة بني أمية وبني مروان.

خذ عندك ما رواه البخاري: عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من كره من أميره شيئاً فليصبر، فإنه من خرج من السلطان شبراً مات ميتة جاهلية).

ولا شك أن ميتة الجاهلية تعني أن الإيمان بطاعة السلطان جزء لا يتجزأ من الإيمان والمعتقد.

ثغرة هائلة في القراءة الرسمية!!.

تعاني نظرية تفكيك الإمامة ثم إعادة تركيبها سياسيا وعقائديا من فترات فراغ هائلة خاصة عندما نتحدث عن الإمامة الفقهية والعقائدية إذ كيف يمكن لنا أن نقبل ذلك التناقض المفزع بين الإيمان والتصديق ب(نظرية المذاهب الأربعة) رغم أن أول هذه المذاهب وهو مذهب مالك لم يظهر إلا مع بداية العهد العباسي وتحديدا في عهد أبي جعفر المنصور وهو نفسه الذي حاول إجبار أبي حنيفة النعمان المعروف بتشيعه لأهل البيت ومناصرته لثورة النفس الزكية على القبول بمنصب القضاء فلما رفض سجنه ثم مات الرجل (عليه رحمة الله مسموما) على يد الإمام السياسي للأمة الإسلامية وكيف يمكننا أن نفسر تلك الطريحة التي تلقاها مالك بن أنس على يد نفس الخليفة من أجل إقناعه بكتابة الموطأ ثم توالى ظهور المذاهب الأخرى وبقي منها ما بقي واندثر منها ما اندثر عمدا مع سبق الإصرار والترصد؟!.

أما المذاهب الاعتقادية فيكفي أن نقرأ قصة ظهور المذهب الأشعري حيث تقلب الرجل بين ثلاثة أحوال من الاعتزال إلى إثبات الصفات العقلية السبعة وهي الحياة والعلم والقدرة والإرادة والسمع والبصر والكلام وتأويل الخبرية كالوجه والقدم والساق ونحو ذلك وأخيرا استقر به المقام إلى إثبات ذلك كله من غير تكييف ولا تشبيه وهي طريقته في {الإبانة} التي صنفها أخيرًا.

أما إعلانه عن اكتشافاته العقائدية فجرى بطريقة دعائية كما يقول السبكي في طبقات الشافعية (أقام أبو الحسن على الاعتزال أربعين سنة حتى صار للمعتزلة إمامًا ثم غاب عن الناس في بيته والنقل عن ابن عساكر الدمشقي في كتابه (التبيين) ثم خرج إلى الجامع بالبصرة وصعد المنبر بعد صلاة الجمعة وقال (معاشر الناس إني إنما تغيبت عنكم في هذه المدة لأني نظرت فتكافأت عندي الأدلة ولم يترجح عندي حق على باطل ولا باطل على حق (!!) فاستهديت الله تبارك وتعالى فهداني إلى ما أودعته في كتبي هذه وانخلعت من جميع ما كنت أعتقده كما انخلعت من ثوبي هذا  وانخلع من ثوب كان عليه ورمى به (تماما كما فعل جده عندما خلع الإمام علي بن أبي طالب!!) ودفع الكتب إلى الناس فمنها كتاب (اللمع) وغيره من تواليفه، فلما قرأ تلك الكتب أهل الحديث والفقه من أهل السنة والجماعة أخذوا بما فيها وانتحلوه واعتقدوا تقدمه واتخذوه إمامًا حتى نسب مذهبهم إليه.

إنه مشهد سينمائي فالعقيدة الحقة هبطت وحيا على الأشعري الصغير (حفيد أبي موسى الأشعري) ولذا صارت عقيدة حقة لأهل السنة والجماعة (هكذا!!) الذين بقوا من دون عقيدة حقة حتى ولد إمام الدين عام 206 للهجرة وما بين مولده ومماته عام 324 بقي الرجل يتخبط بين الاعتزال وأهل الحديث أربعين عاما ثم مكث خمسة عشر في بيته يتأمل ويتفكر حتى هبط عليه الوحي فجأة ليخرج الناس من الظلمات إلى النور!!.

ورغم أن قضية الذات والصفات هي واحدة من أخطر وأهم شئون الدين والاعتقاد فقد أفضى القبول بمنطق التبلور والتطور فضلا عن إمكانية تجزئة الإمامة وتوزيعها بين القبائل عملا بقاعدة (منا أمير ومنكم أمير ومنهم أمير وكلما واجهنا فراغا جئنا بأمير) إلى هذا الشتات وهو القبول والإقرار بأن أمة محمد بقيت أكثر من قرن بلا مذهب فقهي وثلاثة قرون بلا مذهب عقائدي!!!.

ليس هناك في أمور الدين والاعتقاد مجال لقبول نظرية التبلور والتطور ومن باب أولى نظرية تجزئة الإمامة إلى إمامة فقهية وأخرى عقائدية بل هناك نظرية الامتداد القائمة على التسليم والتسلم.

عندما يجمع رسول الله آلاف المسلمين ويقول لهم (إني تارك فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي: كتاب الله حبل ممدود من السماء إلى الأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يفترقا حتى يردا على الحوض فانظروا كيف تخلفوني فيهما) فالأمر تسليم وتسلم وعندما يقول في نفس السياق (من كنت مولاه فعلي مولاه) فهو أيضا تسليم وتسلم ولا يمكن أن يكون بحال تبلور وتطور.

كيف يمكن لنا أن نصدق أن قضية الذات والصفات بقيت لغزا لمدة ثلاثة قرون حتى ظهر النابغة الأشعري فوجد لها حلا رغم أنها قضية بالغة الخطورة وهي نفس القضية التي شقت المسيحيين عندما اختلفوا حول شخص المسيح عيسى بن مريم عليه السلام وهل كان تجليا أو تجسيدا كاملا لصفة واحدة من صفات الذات الإلهية وهي صفة الكلمة ومن ثم فلا مجال للقبول والإقرار بنظرية التطور الأشعري العقائدية!!.

لو أننا تأملنا في ما قاله الإمام علي بن أبي طالب وارث علم رسول الله صلى الله عليه وآله في هذا الشأن (وَكَمَالُ الإخْلاصِ لَهُ نَفْيُ الصِّفَاتِ عَنْهُ لِشَهَادَةِ كُلِّ صِفَة أَنَّها غَيْرُ المَوْصُوفِ وَشَهَادَةِ كُلِّ مَوْصُوف أَنَّهُ غَيْرُ الصِّفَةِ فَمَنْ وَصَفَ اللهَ سُبْحَانَهُ فَقَدْ قَرَنَهُ، وَمَنْ قَرَنَهُ فَقَدْ ثَنَّاهُ،وَمَنْ ثَنَّاهُ فَقَد جَزَّأَهُ، وَمَنْ جَزَّأَهُ فَقَدْ جَهِلَهُ وَمَنْ جَهِلَهُ فَقَدْ أشَارَ إِلَيْهِ وَمَنْ أشَارَ إِلَيْهِ فَقَدْ حَدَّهُ، وَمَنْ حَدَّهُ فَقَدْ عَدَّهُ) وهو ما يعني التنزيه المطلق للذات الإلهية عن مشابهة المخلوقين أو الامتزاج معهم لأصابنا العجب وما هو أكثر من العجب من إعراض البعض عن هذا العلم وقبولهم بنظرية التطور العقائدي والفقهي التي لا تختلف كثيرا عن نظرية داورين ورؤيته عن أصل الإنسان!!.

ولأن أمانة الدين والحفاظ عليه تسليم وتسلم ولا يمكن أبدا أن تكون تبلور وتطور ولأن المسلمين الشيعة وحدهم هم من يعتقد بهذا ومعهم مئات وربما آلاف الأدلة الآتية من عهد النبوة مرورا بمراحل التاريخ الإسلامي كله يمكننا أن نعرف أي السياقين أصح وأصوب؟؟.

أيضا يمكننا القول بأن التشابه بين الناصرية والتشيع هو وهم كبير لا أساس له من العقل أو من تاريخ الإسلام.

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 6 نيسان/2007 -15/ربيع الاول/1428