تفعيل اللغة العربية في عصر العولمة بين الواقع والامل

كتب: عدنان عباس سلطان

 شبكة النبأ: في الحكاية الشهيرة ينادي الراعي قائلا: ان الذئب ينقض على الشياه،  فيصل المغيثون ولا يجدون الذئب، وبعد تكرار لعبة الاستغاثة، لا يبالون بالرجل الذي يفاجئه الذئب بالفعل، ولا يجد من ينقذه.

وتكاد لعبة التحذير هذه تتكرر مع اللغة العربية، التي انطلقت الصيحات لانقاذها في أكثر من عاصمة عربية.

استغاثات لفظية للأنقاذ من عدوان العولمة، لكن الكلام يتخذ منحى يكثر فيه توجيه الاتهامات، وتقل الاشارة الى برامج أو خطط تهدف الى حماية اللغة أو تطويرها، وتحديد نقطة الضعف في اللغة، أو في السياق العربي الذي لا ينتج ولا يساهم في اللحظة الحضارية الراهنة.

ان أصحاب الاساليب الكبرى،  ينهضون باللغة التي تسوء حالتها، في ظل التعليم المتردي،  وانتشار الأمية، إضافة الى حالة من الخلط في أمور، منها الازدواجية في كتابة الارقام.

اللغة عربية إحدى اللغات السامية، وهي أحدثها نشأة وتاريخا، لكن يعتقد البعض انها الاقرب الى المصدر، وذلك لاحتباس العرب في جزيرة العرب، فلم تتعرّض لما تعرَّضت له باقي اللغات السامية من اختلاط.

ولكن هذا الرأي ضعيف من وجهة نظر علم اللسانيات، حيث ان تغير اللغة هو عملية مستمرة عبر الزمن، والانعزال الجغرافي يزيد من حدة هذا التغير، حيث يبدأ نشوء أي لغة جديدة بنشوء لهجة جديدة في منطقة منعزلة جغرافياً.

ان بداية اللغة العربية لا زالت مجهولة، وذلك لجهلنا معالم تاريخ العرب القدامى، وأقدم نقوشهم الموجودة على قِلَّتِها يرقى الى القرن التاسع، او العاشر الميلادي.

وهنالك العديد من الاراء والروايات حول اصل العربية لدى قدامى اللغويون العرب، فيذهب البعض الى ان "يعرب" كان أول من أعرب في لسانه، وتكلم بهذا اللسان العربي، فسميت اللغة باسمه، أما البعض الاخر فيقول: ان تاريخها بدأ على لسان نبي الله اسماعيل ابن ابراهيم عليهما السلام، إذ انه أول من فُتق لسانه بالعربية المبينة، وهو ابن اربع عشرة سنة، ونَسِي لسان أبيه، اما البعض الاخر فيذهب الى القول ان العربية، هي لغة اهل الجنة، إلا انه لا وجود لبراهين علمية ترجح اي من تلك الادعاءات.

ولو اعتمدنا المنهج العلمي وعلى ما توصلت اليه علوم اللسانيات والاثار والتاريخ، فإن جل ما نعرفه أن هناك لغتين تفرعَّت عنهم سائر اللهجات العربية، هما لغة الجنوب ولغة الشمال.

وفي كتاب تاريخ مكة لأبي الوليد الأزرقي "اللغة العربية هي لغة من أصل ثمانين لغة ظهرت بعد طوفان نوح عليه السلام، وانحسار الماء عن الارض.

وقد ذكر في الحديث الشريف المروي عن عبدالله بن عباس عن النبي محمد صلى الله عليه واله وسلم: ان آدم عليه السلام اول من نطق بالعربية من بنو البشر، العبارتين التاليتين وهما: الحمدلله، وقوله: وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته، كما ورد في السيرة النبوية لإبن هشام وتاريخ الطبري وابن كثير وابن الأثير.

وكان يُنظر الى اللغة العربية قديمًا على انها عدة فروع مستقلة هي: القواعد النحوية، القراءة، التعبير بنوعيه الشفوي والتحريري، الإملاء، والقصة، الأدب، وعلوم البلاغة.

أما الآن اصبح يُنظر اليها على انها فنون أربعة هي: الاستماع، الحديث، القراءة، والكتابة. وتعليم اللغة يجب ان يتم في ضوء هذه الفنون الاربعة.

ومن هنا اتجهت المدرسة في مرحلة التعليم الاساسي، الى الاهتمام بتعليم فنون اللغة، ومن اهدافها المهمة تزويد التلاميذ بالمهارات الاساسية للغة، مع تنمية هذه المهارات بما يتناسب مع قدراتهم العقلية، بحيث يتمكن في نهاية هذه المرحلة من استخدام اللغة استخدامًا صحيحًا في الاتصال والدراسة، لأن مرحلة التعليم الاساسي 6ـ 15 سنة قد تكون مرحلة منتهية بالنسبة لعدد من التلاميذ، لذلك فهم بحاجة الى السيطرة على فنون اللغة الاربعة، حتى يستطيعوا التعامل مع مجتمعهم بكفاءة، ومن ثم يمكنهم تحقيق اكبر قدر ممكن من التنمية الذاتية.

اما الآخرون الذين سيواصلون تعليمهم، فاللغة في غاية الاهمية بالنسبة لهم، لأنها أساس المراحل التعليمية اللاحقة، بل ان نجاحهم في المراحل التالية يتوقف على نجاحهم في مرحلة التعليم الاساسي.

وهنا سؤال يطرح نفسه: هل نجحت مرحلة التعليم الاساسي فعلاً في تزويد تلاميذها بالمهارات الاساسية للغة؟ وهل هؤلاء التلاميذ يستخدمون اللغة استخدامًا صحيحًا؟ الواقع يجيب فيما يلي:

- ما سجله موجِّهو اللغة العربية في كثير من سجلات الزيارات بمدارس التعليم الاساسي من ضعف التلاميذ وتدنِّي مستواهم.

- في مقال كتبه الاستاذ أنيس منصور، مما جاء فيه ان الآباء غاضبون من ان اولادهم عاجزون عن كتابة خطاب واحد يطلبون فيه وظيفة.

- دراسة تناولت الاخطاء الشائعة في التعبير الكتابي لدى طلاب الصف الثالث الثانوي، جاءت النتائج مؤكدة ضعف وعجز تلاميذ المرحلة الثانوية عن توظيف ما يدرسون من قواعد نحوية في أحاديثهم وكتاباتهم، فشاع اللحن على ألسنتهم وكثرت الأخطاء فقام بعض الدارسين المهتمين بظاهرة ضعف التلاميذ وتدني مستواهم في اللغة العربية حديثًا وكتابة، بعدة لقاءات مفتوحة مع مجموعات متنوعة من معلمي اللغة العربية بمرحلة التعليم الاساسي، للوقوف على اهم أسباب هذا الضعف.

وأسفرت هذه المقابلات عن ان معلِّم اللغة العربية ضمن الأسباب الحيوية والمهمة لتفشي هذا الضعف، وقد أثار هؤلاء المعلمون العديد من الجوانب التي تدين أكثرهم بضعف المستوى العلمي واللغوي.

الطالب مشتت بين المواد التربوية والمواد الأكاديمية، فكثيرمن تلك المواد الدراسية والكتب التربوية والأكاديمية، لا يستفيد منها في وظيفته كمعلم إلا قليلاً.

التدريب العملي لهؤلاء الطلاب لا يحقق أهدافه المرجوة لعدة أسباب:

أ- يتم أحيانًا توزيع مجموعات كبيرة من الطلاب على مدارس محدودة الفصول لا تحتمل هذه الأعداد، مما يؤدى الى قصر عملية التدريس على القليل من هؤلاء الطلاب وحرمان الآخرين.

ب- حتى لو كان عدد المجموعات مناسبًا، فلا يمارس الطالب عملية التدريس سوى مرتين أو ثلاث على الأكثر طوال العام.

ج- بعض المدارس لا تسمح للمتدربين إلا بحصة أو حصتين فقط في يوم التدريب، وتعتبر يوم التدريب مضيعة للوقت، هذا بالاضافة الى ان المدرسين الأساسيين ينتقدون الطلاب المتدربين ويستهينون بهم أمام التلاميذ.

د- تهاون الكثير من المشرفين الفنيين على هؤلاء الطلاب في متابعتهم وتوجيههم وتقويم أدائهم.

ومن العوامل المؤثرة في مستوى المعلم أيضًا - كما يراها المعلمون أنفسهم - قلة الدخل الشهري لهم، خاصة مدرِّس اللغة العربية إذ انهم يتقاضون مرتبات أقل من زملائهم معلمي اللغات والرياضيات أو العلوم.

ان ترقية المعلمين تتم وفق الأقدمية لا وفق الكفاءة والتميز، مما يدفع الكثير منهم إلى عدم المبالاة وعدم الحماس لتنمية نفسه مهنيًّا وعلميًّا، واكتساب مهارات جديدة لمسايرة التطور التكنولوجي، والحق ان تعليم اللغة العربية في مدارسنا يعاني مشكلات عديدة نتاجها ما نراه من متخرجي الجامعات الذين يجهلون قواعد الإملاء، بل قواعد النحو وعلم الصرف.

فإن الاهمية الكبرى ينبغي ان توجه أولاً نحو: اعداد معلم اللغة العربية، لأنه في ظل مستوى المعلمين الذي نراه في مدارسنا يصبح انتظار مستوى جيد للطالب أملاً زائفًا لا مقدمات تؤدي اليه، لأن من زرع الحنظل لا يرتجي أن يجتني السكر من غرسه.

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 6 نيسان/2007 -15/ربيع الاول/1428