بالحوار نتعايش

تهاني خليل علي النيسر

 حظي الحوار في عالمنا المعاصر بإهتمام منقطع النظير على كافة المستويات وكافة المجالات بمالم يحظى به أي موضوع آخر. الأمر الذي أدى لأن يصبح قضية ملحة يفرضه واقعنا الحالي بشكل أو بآخر.

ذلك لأننا نعيش في عصر تشابكت فيه المصالح وتعقدت فيه المشاكل على نحو لم يسبق له مثيل، وأصبح البحث عن الحلول لهذه المشاكل عن طريق الحوار أمراً ضرورياً بات علينا أن نتبه له.

 وقد يكون الحوار محليا أو إقليميا أو عالمياً حسب طبيعة المشاكل المثارة، وعلى جميع الأصعدة السياسية أو الاجتماعية أو غيرها.

ولايخفى على أحد ما للقضايا الدينية من أهمية كبيرة في معالجتها الواقعية والفعّالة لمشكلات عالمنا المعاصر والتغلب عليها، بل إنها تعد في كثير من الأحيان الخلفية لغيرها من المشكلات، وذلك لما للدين من تأثير عميق في نفوس الناس، فهكذا كان الحال في السابق ولايزال الحال كذلك حتى اليوم.

وقد أكد الإسلام أكثر من أي دين آخر على الحوارلكونه خاتمة الأديان والرسالات السماوية،ولأجل توعية الناس بحقائق وتعريفهم بمنهجه التكاملي للوصول به إلى حضارة أفضل، ولهذا كانت أكبر معجزة جاء بها خاتم الأنبياء والمرسلين محمد (ص) هي (الكلام = القراءة) لتعريف الناس بهذه الحقيقة الاسلامية في عصرالرسالة الخاتمة. ومن هنا فلقد تعدد الحوار بأشكاله المختلفة سواء ما يتعلق بالحوار في القرآن أو الحوار بين الحضارات أو الحوار بين الأديان أو غيره.

 ومن تلك النماذج الحوار في القرآن حيث يعتبر الحوار الأول عبر جميع الأزمنة والأمكنة وذلك بما أثر من قضايا مختلفة هامة سواء سياسية أو اجتماعية أو غيرها والتي كانت ولاتزال العلاج الناجع لمجتمعاتنا على اختلافها.

ومن يتصفح القرآن الكريم يرى عن كثب هذه الحقيقة واضحة، كيف لا وهو طريق الأنبياء والرسل عبر التاريخ من خلال رسالاتهم المختلفة للإنسان. ومن يقرأ في سير المسلمين الأوائل في الماضي يرى بأن سرعة تقدمهم وانتشارهم في مشارق الأرض ومغاربها إنما كان كذلك لأنهم عرفوا الحوار من خلال القرآن الكريم وسعوا لإطلاق العنان للعقل ليفكر ويحاور على أساس من الحجة و الدليل والبرهان وبذلك انفتح هؤلاء- أقصد المسلمين – على العالم وانطلقوا برسالاتهم يعرفونها الأمم  ويحارون من يحارونهم وبذلك انتشر الإسلام بشكل أذهل العالم. وماالرسول (ص) إلا نموذج حي وواقع لهذا الأمر فهو الذي أرسل سفرائه من شبه الجزيرة العربية إلى الإمبرطورايات  الكبيرة كالفرس والروم وغيرها يدعوهم إلى الاسلام بطريق الحوار.

لهذا الأمر وذاك بات علينا أن نؤمن بحقيقة الحوار كأسلوب خطير في  الساحة اليوم. لدرجة أن الفيلسوف سقراط قال :أن العلم لا يعٌلم ولا يدّون الكتب بل يكُتشف بطريق الحوار. وقول  الامام علي (ع): ( تكلموا تعرفوا فإن المرء مخبوء تحت لسانه).

إن الحوار اليوم بات أحد الأسلحة الفكرية الفّتاكة لمواجهة أعاصير العالم بل أنه يوازي تلك الأسلحة المادية التي تحشدها الدول للحروب،وماكان بهذه الخطورة إلا لتحرك تلك الموسوعات المتنقلة من العقليات البارزة في مختلف المجالات من العلماء والمفكرين والمربين والدعاة وغيرهم من مختلف بقاع الأرض بوقوفهم في مواجهة الفساد والشر والفتنة الذين أخذوا يجتاحون العالم دون حسيب منه أو رقيب. تماماً كما وقف الأنبياء والرسل في رسالاتهم السماوية بالقوتين المادية والمعنوية، وكل ذلك بطريق الحوار الهادف.

مما يؤكد حقيقة أن القرآن الكريم هو كتاب الحوار الأول بين سائر الثقافات والأمم.

إننا بحاجة اليوم – وأكثر من أي وقت مضى- لهذا النوع من الحوار الرسالي الإلهي  على الساحتين العربية والدولية بعد أن شرخ وجه العالم بمشكلات ومعضلات لا تحل لا بالعلم ولا بالتكنولوجيا لا وبالتقدم العلمي والصناعي  القافز فوق سطح الفضاء، وإنما بالرجوع لتلك الأساليب الحوارية الإلهية.

لذلك ترانا – وللأسف – نعود للقرآن الكريم بعد أن عشنا معه زمنا طويلا لكن دون وعي !! نعود لنتعلم من جديد من موقع تلك الأساليب الإلهية كيف نتحرك في حياتنا في مجالات مختلفة بمزج الفكر بالعمل وتطبيقه على الواقع المعاش دون زيف.

لهذا أدعوا من خلال هذاالمقال لإثارة موضوع الحوار بمختلف أشكاله وتفعيله عب الندوات والمحاضرات ووسائل الإعلام المسموعة منها أو المرئية، ومع مختلف الشعب بجميع أطيافه ومراتبه العلمية.

*مملكة البحرين

شبكة النبأ المعلوماتية-الاربعاء 4 نيسان/2007 -13/ربيع الاول/1428