يؤسفني جدا هذا التخبّط الاعلامي الذي تقع فيه الحكومة العراقية
والذي يجب أن تتلافاه بقدرة عالية واستغلال الجانب الاعلامي في
التقليل من شدّة التخبطّات في المجالات الاخرى، وفعلا أشعر بالحزن
الشديد لهذا التخبط الاعلامي في بلد له عراقة الاعلام ومن الاساتذة
الكبار، ولكن قد يكون التشتت أو تمكن شخصيات لا تتمتع بالخبرة
الاعلامية العاملين الرئيسين لحالة التخبط هذه والا كيف تُخطيء
الحكومة العراقية والوزارات في التفريق بين وظيفة المستشار الاعلامي
والمتحدث الاعلامي (او الرّسمي كما يسمى)؟
ونحن نرى كيف أن ذاك يأخذ دور هذا وهذا يأخذ دور ذاك وعلى الملأ
وأمام شاشات الفضائيات العراقية والعربية والاجنبية وما من اعلامي واحد
يتطرق الى هذه الحالة أو حتى ينبّه الحكومة العراقية على ذلك لتلافي
الخطأ وتصحيحه لا سيّما أن تحديد صفة المستشار الاعلامي والمتحدث
الاعلامي ( الرّسمي ) يفيد في أداء الحكومة او الوزارة، فما هو الفرق
بين المستشار الاعلامي والمتحدث الاعلامي ( الرّسمي) ياترى؟
جاءت تجربة وجود المستشار الاعلامي والمتحدث الاعلامي لتسهيل مهمة
الصحافي في الحصول على المعلومات من مصادرها وخاصة ما يتعلق بالارقام
والاحصائيات مع مراعاة طبيعة العمل الصحفي الذي يتطلب السرعة والدقة،
ولكن تطبيق هذه التجربة خلق صعوبات أخرى وهي رفض موظفين بسطاء الحديث
الى وسائل الاعلام حتى المقروءة منها الا باذن المتحدث الرّسمي وهذا
قد يؤدي الى بطء العمل الصحفي وقلّة الحصول على المعلومات الاّ عند
ظهور المتحدث الرّسمي على الشاشات أو أن يحظى أيُّ صحافي بدقائقَ معه
لينشرَ السَّبقَ الصحفي.
في الحقيقة هناك أبعاد سياسية وجدوى اقتصادية من استحداث هذين
المنصبين ( المستشار الاعلامي، والمتحدث الاعلامي –الرسمي ) وهما لم
تُستحدثا في الدول المتقدمة عبثا وانما لمقاصد وابعاد كثيرة أهمّها
سياسية، ولكن تلك الدول تجيد اللعب بهاتين الوظيفتين وأن هاتين
الوظيفتين تعملان بشكل مميّز وقادر عى انجاز الادوار على اكمل وجه
ويؤديان أدوارهما بالشكل الصحيح والمطلوب دون تعدي أو تزاحم وظيفة مع
أخرى كما يحصل عندنا بالعراق.
وللأسف فأن وظيفتي المستشار الاعلامي والمتحدث الاعلامي ( الرّسمي
) يبدوان لدول أخرى وكأنهما للمظاهر الخارجية فقط، بل وأضيف هنا أنهما
في أحيان كثيرة يجلبان سلبيات تؤثر على الاوضاع نتيجة تداخل وتبادل
الادوار والمهام دون علم شاغليهم أو حتى الحكومة وللأسف.
بكل بساطة المستشار الاعلامي هو ذلك الموظف الذي يراجع السياسات
الاعلامية لشخصية حكومية ( كالرئيس أو الملك مثلا أو وزارة ما) ويساهم
في وضعها (السياسات الاعلامية ) الى جانب رسم الانشطة التفصيلية كما
يقوم بتقديم خبراته في اعداد المواد الاعلامية الخاصة بالوزارة او
الهيئة، ومن مهام المستشار الاعلامي قد يقوم أيضا بكتابة الكلمات
الافتتاحية لكبار المسؤولين في الوزارة خاصة في المناسبات الوطنية
والاحتفالات والندوات والمؤتمرات الداخلية والخارجية بالاضافة الى
اشرافه على عمليات التنظيم لهذه الاحتفالات والندوات... هذه ببساطة أهم
واجبات المستشار الاعلامي.
أما المتحدث الاعلامي او قد يسمى أحيانا المتحدث الرّسمي فوظيفته
مختلفة تماما عن وظيفة المستشار الاعلامي، فالمتحدث الاعلامي هو
المسؤول الوحيد المكلّف بالحديث عن أنشطة الحكومة او الوزارة والرّد
على أسئلة الاعلاميين والصحافيين ومن واجباته ايضا تلخيص نتائج
الاجتماعات المغلقة ونقلها الى الصحافيين الذين سيلجأون اليه ( لا
للمستشار الاعلامي كما يحصل الآن وللأسف) بعد انقضاء الاجتماع للحصول
على ما جرى داخل القاعة والى أهم القرارات والنقاط التي أتُخذت في هذا
الاجتماع ويبدأ المتحدث الاعلامي ( الرّسمي) بسرد ما جرى داخل الاجتماع
وينقل لهم صورة كاملة مع التفسيرات التي سوف يطرحها نتيجة الاسئلة التي
سوف يتلقاها من الاعلاميين، وعلى سبيل المثال ( هل تعتقد أن هذا
القرار سيضّر بالسياسة الخارجية للعراق....؟) وهنا يبدأ المتحدث
بالتفسير فهو يملك كلَّ الحق في الرّد على هذه الاسئلة وكذلك يقوم بنفي
الشائعات والاكاذيب وغيرها من الامور.
أما المستشار الاعلامي فيجب أن لا يتقرّب أبدا الى هذه الامور ومن
المؤسف نرى مستشارين لوزارات يظهرون على شاشات الفضائيات وهم يتكلّمون
نيابة عن الوزير أو يفسرون خطة الوزارة وهذا ينافي تماما وظيفتهم
فأمامهم أمران امّا أن يغيروا وظيفتهم اي من المستشار الاعلامي الى
المتحدث الاعلامي او الرّسمي أو إن شاء أن يبُقى على وظيفته (كمستشار
اعلامي) لكن دون ان يتقرّب الى هذه الامور... وأرجو أن لا أكون قد أثرت
غضب بعض المستشارين لأن القصد من وراء ما قلت هذا هو مصلحتهم المهنية.
بالاضافة الى الفروق أعلاه فأن المتحدث الاعلامي (الرّسمي) يجب أن
يكون متفرّغا لهذه المهنة وهي عمله الاول والاخير ويتقاضى عنها راتبا
محددا ولا يجوز له امتهان عمل آخر له، أمّا المستشار الاعلامي فله الحق
في ممارسة عمله الاصلي ( كأن يكون اعلاميا او صحافيا أو أية مهنة أخرى
في هذا المجال أو أن يكون محالا على التقاعد مثلا ) بالاضافة الى ذلك
فأنه يمارس وظيفة المستشار لأيام او ساعات معينة حسب احتياجات الوزارة
او أية جهة رسمية وبالتالي يستحق مكافآت عن الساعات التي عمل بها
كمستشار اعلامي أي أن المستشار الاعلامي يحق له الجمع بين عمله الاصله
وبين وظيفته كمستشار اعلامي.
وبهذا نرى الفرق الواضح بين الوظيفتين والواجبات الملقاة على كلِّ
وظيفة بالاضافة الى ذلك فأن البعدَ السياسي لوظيفة المتحدث الاعلامي
الذي يُعتبر المُعبِّر الرّسمي عن سياسة وزارة ما أو مؤسسة ما أو شخصية
ما، ونحن نرى أن تعيين متحدثٍ رسمي في الوزارات يعتبر نوعا من الاتصال
السياسي الذي يحقق مبدأ التواصل مع المواطنين وهو دعم لمبدأ الشفافية
والثقة بين المواطن والمؤسسة، ولهذا على المتحدث الرسمي أن يتمتع
بدراية كاملة بكافة أنشطة الوزارة التي يتحدث عنها رسميا خصوصا الخدمية
والتي هي اقرب الوزارات الى المواطنين وأن تتوافر فيه سمات شخصية
مقبولة جماهيريا بالاضافة الى قدراته الاعلامية التي تنفعه في الاوقات
الصعبة.
ان تجربة المتحدث الاعلامي ( الرّسمي) جيدة جدا وكي تنجح فهي بحاجة
الى بعض المعايير ومن اهمها أن يقتنع المسئول ( الوزير مثلا ) بدور
المتحدث الاعلامي وان وجوده لا يلغي أبدا شخصية أو وجود المسئول بل هو
اضافة له وتخفيف للضغوط الاعلامية الواقعة عليه وبهذا سيكسب المسئول
الوقت الكافي لادارة مؤسسته وأن لا يضيعه مع الاعلام، ومن طرف آخر فان
اقتناع الاعلاميين بدور المتحدث الرّسمي مطلوب لأن الصحافي يقيس نجاحه
بمدى قدرته على الاتصال بالمسئول مباشرة، وهنا نحن ننصح بوجود المتحدث
الرّسمي باسم رئاسة الجمهورية والمتحدث الرّسمي باسم رئاسة الوزراء
وكذلك على مستوى الوزارات ولكن ليس شرطا أن يكون متوفرا في كل
الوزارات.
ومن المشكلات التي تبرز في وظيفة المستشار الاعلامي هي اعتماد
الوزير على المستشار الاعلامي لتلميعه أمام الرأي العام وهذه كارثة يجب
الانتباه لها من قبل الحكومة العراقية حيث يقوم المستشار الاعلامي
وأمام الكاميرات بتلميع الوزير واعطاء صورة مكبّرة عن حجم الانجازات
التي قام بها الوزير لذا يجب أن تكون هناك حدود مقننة للمستشار
الاعلامي لا أن يظهر وكأنه مساعد للوزير !
وهنا أقول على الوزير ومستشاره الاعلامي أن يعلموا جيدا بأن الاداء
هو الذي يلّمع الشخصية... لا التصريحات....
وهنا دعوني أوضح أيضا أن المستشار الإعلامي مطلوب لإدارة العمل
الإعلامي داخل الوزارات وتنظيم القوى البشرية وقياس اتجاهات الرأي
العام نحو الوزارة ومن خلال عمليات التحليل والرّصد والمتابعة للصورة
الذهنية يضع الخطط للعرض الجيد لصورة الوزارة، بينما المتحدث الإعلامي
مطلوب للهيئات الكبرى والسيادية ولا يشترط تواجده في كل الوزارات
ووجوده لا يعني أنه بوابة المعلومات الوحيدة وإنما هو مُسهِّل ومنسِّق
ومنظّم للتدفق الإعلامي ولا يُغني عن اللقاء المباشر بين الوزير وممثلي
وسائل الإعلام للتعرّف على رؤية الوزير وللإجابة على استفسارات
الإعلاميين...
ومن الخطأ اعتبار ما يقدّمه المتحدث الإعلامي كلَّ شيء بل أن ما
يقدّمه المكتب الإعلامي ما هو إلا بداية خيط يجب أن يعمل بها الصحافي
لاستكمال جوانب موضوعه من خلال بذل جهد حقيقي وليس مجرد الاكتفاء بنقل
البيانات والتصريحات الإعلامية التي حصل عليها من المتحدث الرّسمي !..
أرجو أن أكون قد وضّحت الفرقَ بين المستشار الاعلامي والمتحدث
الاعلامي ( الرّسمي)... وأرجو أن تتدارك الحكومة الخطأ الحاصل الآن بعد
أن بيّنت هذا الفرق....وتُذهبَ عنّي... حزني الشديد !
*اعلامي – لندن
mudhaffartv@yahoo.com |