قانون المسائلة والعدالة الذي يعطي الحقوق للبعثيين.. هل ينصف المظلومين؟

 شبكة النبأ: يعد قانون اجتثاث البعث احد اهم القوانين واكثرها حساسية من ضمن التي سنّت في عهد الحاكم المدني بول بريمر رئيس ادارة الحكم المدني في العراق بداية دخول القوات متعددة الجنسية الى البلد.

وكان اصدار وتبني هذا القانون من قبل العراقيين في البرلمان المنتخب ضروري جدا لتلافي حصول الكوارث الاجتماعية اذا ما وجد البعثيين حينها متنفساً للسلطة في مكان او موقف معين، حيث سيصب الشعب جام غضبه عليهم ويثقل القتل والتنكيل بهم، لأنه حينها تنفس الحرية لأول مرة منذ عشرات السنين ولن يسمح لهم بالصعود على الاكتاف مرة اخرى بعد الويلات التي شهدها العراق والعراقيين جراء السياسات المتغطرسة والمتراكمة الاخطاء التي انتهجها نظام البعث الديكتاتوري وادّت الى ان يصبح العراق مشروع حروب اقليمية متتالية اضافة الى فقر مدقع وقيود من الحديد والنار للشعب اذا ما رفع صوته بالمعارضة.

من الضروري جدا من ناحية اخرى ان يستمر العمل لخلق اصطفاف بالمعنى الاجتماعي والحقوقي، يضم القوى الاجتماعية بكافة شرائحها والقوى السياسية المعنية بالالتفاف حول برنامج يرمي الى الاصلاح والتصويب عبر الدفاع عن حقوق الفئات الاجتماعية كلها دون تمييز.

وبهدف صياغة الابعاد الديمقراطية على قاعدة احترام الرأي والرأي الآخر وتعزيز ثقافة التسامح وادارة الاختلاف بصورة عصرية وحضارية، ومن اجل محاربة الفئوية وترسيخ معايير وأسس سيادة القانون وبناء جهاز القضاء العادل وتعميق قيم المواطنة الحرة المتساوية والمتكافئة، لابد ان يكون التعامل في اصدار القانون الجديد لاجتثاث البعث حذرا جدا من جانبين، اولهما ان لايتم التفريط بارادة الشعب الذي أبعد البعث عن السلطة من خلال قرارات تبناها مجلس النواب العراقي المنتخب لهذا الغرض مع عدم الرضوخ لضغوط أو رؤى اقليمية أو دولية للتسامح مع هذا الفكر المدمر.

والجانب الثاني ان يتم التعامل مع البعثيين وفق منهج واضح يتبنى مسائلة المذنب ومعاقبته، والتسامح مع غير المذنب من خلال ضمان مصدر معيشة معين بعيدا عن المناصب المهمة او العليا التي كانوا يتمتعون بها، لكي لا يستغل هؤلاء لتنفيذ المآرب الارهابية الدنيئة بحجة عزلهم عن المجتمع او حاجتهم المادية.

وتم مؤخرا إحالة مشروع قانون المسائلة والعدالة كبديل لقانون اجتثاث البعث الى مجلس النواب للبت فيه، وهناك العديد من الملاحظات التي يجب اعتبارها ومناقشتها بخصوص هذا القانون الجديد:

1- يشير مشروع القانون في فقرته الاولى التي تحيل على التقاعد كل من كان بدرجة عضو قيادة فرع فما فوق دون أي اعتبار ان كانت له خدمة في الدولة العراقية أم لا، وبذلك سيتم منح مكرمة لأعضاء الفروع في الحزب البائد باحالتهم على التقاعد والحصول على الحقوق التقاعدية ومساواتهم بمن خدم الدولة العراقية وأحيل لأي سبب آخر على التقاعد دون وجه حق، وبذلك يحقق لهم مركزا قانونيا،  حيث يفترض هنا ان يلحق الاقتراح عبارة "ان كانت له خدمة قانونية مجزية"، لأن مجرد كونه كان عضوا لقيادة الفرع لايعطيه حقا على الخزينة العراقية، وأن يتم احالة من لم تكن له خدمة مجزية  وبلغ السن القانوني الى قانون الرعاية الاجتماعية ان لم يكن له عمل أو ليس بمقدوره العمل.

2- الفقرة الثالثة تشير الى اتهام كل من كان له رتبة عليا من عقيد امن فما فوق في الاجهزة الامنيّة للنظام البائد بارتكاب الجرائم، بينما يفترض ان ارتكاب الجرائم في الاجهزة الامنية ابان العهد البائد كان على يد الضباط الصغار والمراتب في اغلب الاحيان، فمن كان يمارس التعذيب والقتل وأيذاء العراقيين لم يكن بالضرورة من ذوي الرتب العليا، والنص في المشروع يغطي على الجرائم المرتكبة من العناصر الدنيا في الأجهزة الأمنية، وهذا خرق خطير لا يمكن التغاضي عنه.

3- ان استثناء العاملين في جهازي المخابرات والاستخبارات العسكرية لعدم ارتباط طبيعة عملهم بحياة المواطنين العادية كما يقول المشروع فيه تجني على الواقع، اذ ان جهازي المخابرات والاستخبارات تحولتا من اجهزة امنية وطنية الى اجهزة قمعية مارست عملها في ايذاء العراقيين وقتلهم، واستثنائهم لايجد له مبرر بالمرة.

4- اهمية الغاء جميع الحقوق التي ترتبت لهذه المجموعات الحزبية والتي قررتها الأنظمة والتعليمات والأوامر الصادرة في الزمن الصدامي البائد، حيث ان مجرد الغاء الأنواط والأوسمة لايلغي الحقوق والمكاسب التي ترتبت لهذه المجموعات بسبب ما تم ارتكابه بحق العراقيين، ولذا يتم الاقتراح بأصدار قانون يلغي تلك الحقوق.

5- ورد في فقرات المشروع انه لا يصرف الراتب التقاعدي او المنحة لكل من كان منتميا "للبعث المنحل" وقت سقوط النظام وقام بتقديم طلب اللجوء السياسي خارج الوطن.

والمعروف ان دوائر التقاعد هي التي تصرف الراتب التقاعدي اما شخصيا لصاحب العلاقة أو لوكيله بناء على توكيل خاص، ولن يتسنى لها ان تفرز من كان خارج العراق متجنسا أو مقيما أو لاجئا، وعليه فان الاقتراح ان تقوم دائرة التقاعد بايقاف الراتب التقاعدي بناء على اشعار من وزارة المالية بعد التدقيق من وضعية الشخص المعني بالتعاون مع وزارة الخارجية ووزارة الهجرة والمهجرين.

6- في الفقرة الثامنة من المشروع تسقط كافة الإستثناءات والحقوق ويفصل من الخدمة بتهمة الإخلال بالشرف! كل من استفاد من هذا القانون وثبت لاحقا تقديم معلومات كاذبة او عودته الى احدى التشكيلات المحظورة قانونا, أو تقديم العون لها، ويطالب قضائيا بتسديد ما استحصله من حقوق وأموال، ويمكن اختزال النص بمعاقبة من يثبت انه اعطى معلومات كاذبة باجراءات قانونية وفق عقوبة مقررة مع استرداد ما استحصل عليه بناء على تلك المعلومات الكاذبة، حيث ان مسألة الاخلال بالشرف كلمة لها معاني عريضة وبعيدة عن التحديد والتوصيف القانوني المطلوب.

لابد من التنويه الى الحذر في التعامل مع فقرة "التسامح" التي يحويها القانون ووجوب ان ترافق بانشاء هيئة او منظمة رسمية تسعى لتحصين الاجيال القادمة في البلد وتحذيرهم من السقوط في ظلمات ديكتاتورية جديدة او مشابهة لأنظمة الحكم في بعض دول المنطقة.

وكذلك ان تكون هذه المنظمة ساعية لبث روح الاخوة وقيم التعايش السلمي على اساس الاحترام المتبادل واعتبار الراي والراي الاخر فرصة للمنافسة والنجاح لا حجّة للصراع والاقتتال.

واخيرا نقول، من حق اغلبية الشعب العراقي التساءل:

هل تم اعادة حقوق المظلومين والمنكوبين؟

هل تم انصاف السجناء السياسيين والمعدومين؟

هل تم اعادة رفات مئات الالاف من المدفونين بمقابر جماعية؟

هل تم اعاده الاعتبار لأغلبية الشعب العراقي التي سحقت عشرات السنين؟

هل تمت اعادة حقوق المصادرة املاكهم واموالهم وبيوتهم وعاشوا طويلا محرومين منها؟

عند تحقيق كل هذه المطالب المشروعة لأبناء العراق فمن حق اي جهة بعد ذلك ان تطالب بتحقيق العدالة لعناصر البعث البائد ذو الفكر المدمر للحضارة والشعوب.

اما ان يتم تجاوز هذه الحقوق واعتبار العراق خاليا من المشاكل الا مشكلة عناصر البعث فهذا تجاوز على مشاعر العراقيين ولا اعتقد ان الحكومة العراقيه ومجلس النواب وبالخصوص نواب الائتلاف العراقي الموحد لا يعلمون نبض الشارع العراقى وماالذي يقبله وما لا يقبله.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 3 نيسان/2007 -12/ربيع الاول/1428