القراءة ونكوص الرغبة المعرفية

تقرير: عدنان عباس

شبكة النبأ: نسبة الامية المطلقة في الوطن العربي تتفاوت وفقاً لبعض الاحصائيات بين 47 بالمائة الى 60 بالمائة، وهي نسبة تعكس تردي وضع القراءة في الوطن العربي.

فان متوسط القراءة لكل فرد في العالم العربي يساوي 6 دقائق في السنة، مقارنة بالنسبة للفرد الغربي، الذي يقرأ بمعدل 12 ألف دقيقة في السنة وهو ما يعكس حجم الهوة بين الإنسان في العالمين، ومن ضمن المفارقات بين العالم العربي والعالم الغربي، ان عالمنا يصدر حوالي 1650 كتاب سنوياً، أما في دول الغرب لاسيما أمريكا فانها تصدر ما يقارب 85 ألف كتاب سنوياً، وهذايؤكد ان القراءة مرتبطة بوعي الشعوب الى درجة كبيرة.

ومن المؤكد هناك مشكلة ويجب على المجتمع العربي ادراك أهمية القراءة ومحاولة حل المشكلات التي تواجه المواطن العربي وتحبيبه في القراءة بداية من مناهج التعليم بالمدارس بتكريس روح تعلم حب القراءة لدى الطلبة وهذه مسؤولية يجب أن يأخذها صانعوا القرار بعين الاعتبار... الى جانب تشجيع جمعيات النفع العام من خلال عقد ندوات توعية تهتم بهذا الجانب بالاضافة الى ان للمثقفين في العالم العربي دورا مهما في ذلك من خلال احتكاكهم مع الجمهور لإبراز أهمية القراءة وتشجيعهم عليها.

** طريقة مبتكرة **

والطريقة المسماة (مجموعات القراءة) التي تتبع في أوروبا، فان فيها شئ من الابتكار الجميل والعملي إذ تكمن فكرتها بأن يتم اختيار كتاب تتم قراءته قراءة سريعة من قبل مجموعة من الأصحاب، ثم يتفقون على ميعاد ليتم مناقشة الأفكار التي طرحت في الكتاب، حيث يسعى كل شخص منهم الى ايضاح الفكرة للآخر، لتكون الاستفادة من الكتاب بنسبة 90 بالمائة تقريباً في زمن قصير نسبياً.‏

**  مقهى نهر الفنون **

يستطيع الشباب ممن يسكنون قريبا من مقهى نهر الفنون من القراءة والاطلاع على شتى انواع المعارف الانسانية وذلك بعد قيام المواطن السوري سغاتيل باسيل بجعل مقهاه الواقع في مدينة حلب تحت تصرف زبائنه بعد تجهيز المقهى بمكتبة ضخمة لشتى انواع المطبوعات وصاحب المقهى قد قام بذلك بعد خسارته لنعمة البصر، يعلق باسيل قائلا"من أجمل الاشياء التي كنت استمتع بها عندما كنت أبصر هو فنجان قهوة بجانب كتاب أقرأه ولذا أردت لابناء مدينتي ان تتوفر لهم هذه المتعة."

يجلس باسيل الذي يعاني من داء السكري أمام طاولة صممها بنفسه تحتوي على عدد كبيرمن الكتب القديمة ليستمع لصوت تقليب الصفحات من قبل رواد المقهى الذين اصبح معظمهم أصدقاؤه.

وقال باسيل "عندما اصبت بالعمى في اثناء دراستي للعلوم السياسية حاولت ان افكر فيما قد استطيع فعله وأنا في هذه الحالة، لدي كتب ومعرفة ورغبة كبيرة في الاقتراب من الناس فكانت فكرة المقهى."

وصمم باسيل (29 عاما) الذي درس هندسة الديكور في العاصمة اللبنانية بيروت قبل أن يذهب الى أرمينيا لدراسة العلوم السياسية المقهى بنفسه، وتمتليء طاولاته الصغيرة يوم الخميس بطلاب الجامعات والمثقفين ممن يبحثون عن مساحات هادئة للاختلاء بكتاب والتعرف على من يقاسمهم هواية القراءة.

قال باسيل "بعد ان تردد الناس على المقهى وأحبوه وأصبح  مثل بيت ثان لهم، انهم بدأوا بوضع كتبهم في مكتبته لتصبح مكتبة زوار المقهى كما هي مكتبتي."

وقال فريدي يوسف (27 عاما) أحد رواد المقهى "آتي الى هنا تقريبا منذ افتتاحه انه يذكرني بالمقاهي التي كانت موجودة في شارع الحمراء في بيروت، مكان نستطيع فيه أن نلتقي بمحبي القراءة وبالمثقفين ونتعارف على أساس اهتماماتنا ونقاشاتنا."

وفي احصائية حديثة أشارت الى ان 30 % من الآباء لا يقرأون بانتظام لأبنائهم وهو ما يمثل فرصة كبيرة لتطور نمو الطفل، داعيا الى توفير وقت من مشاهدة التلفزيون ـ الذي يقدر يوميا بنحو 4 ساعات ـ للقراءة مع الأبناء خاصة مع بدء العام الوطني للقراءة فى 2008.

القراءة تساعد الأطفال على فهم انفسهم وبيئتهم، ويأتي هذا الفهم عبر شخصيات القصص وأفعالها، فيحقق الطفل من خلال التماهي معها نظرة اوسع واكثر شمولية لمحيطه، لاسيما ان الكتب تعزز الشعور بالانتماء سواء للأسرة أو للوطن.

الكتب أيضا تسهم في اكتساب وتعزيز القيم الصالحة، وعلى رأسها قيمة التسامح وتقبل الغير المختلف، ففي ما تقدمه الكتب وصف لتقاليد وعادات وتاريخ لمختلف الشعوب، مما يفتح أفقه على خيارات غير مؤطرة بما يعرفه وتعوّد عليه، وهناك علاقة كبيرة بين القدرة على القراءة ومتابعاتها والتحصيل الدراسي.

وهناك دراسات أثبتت ان تفوق الطالب في المواد الدراسية في المرحلة الثانوية يرتبط ارتباطاً وثيقاً بشغفه القرائي، لاسيما ان القراءة تمكن الأفراد من تحمل الصدمات والمشكلات الشخصية من دون تأثر امكانياتهم الأكاديمية اذ يستطيعون المتابعة بقليل من وقتهم وطاقاتهم، وعلى العكس فأن أي صدمة او ازمة كافية للقضاء على امكانيات الفرد قليل القراءة.

وأخيرا كان من الكلمات المؤثرة واللافتة تلك التي ألقاها الروائي السوداني الطيب صالح والتي قال فيها ان أمة الاسلام هي أمة "اقرأ" (وهي أول كلمة نزلت من القرآن الكريم) وان أول حملة في العالم لمحو الأمية كانت في عهد الرسول صلى الله عليه وآله سلم الذي أمر بأن يَفدي كلُ أسيرٍ من أسرى بدر نفسه بتعليم عشرة من الصحابة القراءة والكتابة.

وقال صالح ان تعليم القراءة والكتابة في تاريخ الاسلام يكاد يكون عملا مقدسا لما يحدثه من نور في وجوه المتعلمين ومتعة عقلية يستشعرون لذتها فور إزالة أميتهم، وخلص الى ان أمة إقرأ مدعوة لمحو أميّة أبنائها كما كان يفعل أجدادهم، وذلك خلال المؤتمر الذي انعقد برعاية اليونسكو بالدوحة.

رغم كثرة الحديث عن ان الاميّة في القرن الواحد والعشرين باتت أميّة من لا يعرفون استخدامات الحاسوب، فان حقائق الأرقام في العالم العربي تثبت وجود 66.4% من سكانه (58 مليون بالغ) أميّون بالمعنى التقليدي للكلمة أي أنهم لا يعرفون القراءة والكتابة.

فما هي التحديات التي تواجه عملية محو الأمية بالمنطقة العربية؟ وأين يكمن الخلل؟ هل في الإستراتيجيات والسياسات؟ أم في البرامج والإجراءات ونقص التمويل؟ وما دور وسائل الإعلام وتكنولوجيا المعلومات والاتصالات في ذلك؟

الاجابة عن هذه الاسئلة هي موضوع مؤتمر "تحديات محو الأمية في المنطقة العربية.. اقامة الشراكات وتعزيز المناهج الابداعية" الذي تنظمه اليونسكو بالتعاون مع مؤسسة قطر بالدوحة

وحضر المؤتمر الذي يعد واحدا من ستة مؤتمرات اقليمية تعتزم اليونسكو تنظيمها لمحو أمية 781 مليونا هم تعداد الأمييّن بالعالم حشد كبير من الشخصيات العامة والوزراء والمتخصصين في العملية التعليمية والتربوية داخل العالم العربي وخارجه.

واخيرا فان رعاية العقول قبل حماية الحقول  "58 مليون شخص في العالم العربي أميّون، ومتوسط ما ينفق على التعليم ومن بينه قضية محو الأمية من ميزانيات معظم الدول العربية لا يتعدى 5% فقط.

والقراءة في العالم العربي أصبحت عادة اقرب الى الانقراض ولا يجرؤ الكثيرون على ممارستها علناً وكأنها نوع من تعاطي المخدرات وذلك تخوفا من التعرض للسخرية بينما في اوروبا واميركا لا يمكن ان تجد شخصا في القطار او المطار او الباص إلا وهو يحمل كتابا ليستفيد منه بدلاً من التلصص على خصوصيات الآخرين.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 2 نيسان/2007 -11/ربيع الاول/1428