ألمانيا تعاني الشيخوخة بسبب هجرة الادمغة الى الخارج

 شبكة النبأ: تعاني الدول الاوربية وبالخصوص المانيا من تزايد اقبال المثقفين واصحاب الكفاءات على الهجرة الى كندا والولايات المتحدة او جنوب افريقيا هربا من ضغوطات العمل ومشاكله الى فضاءات اوسع لمستقبل يقول بعض الالمان انه لم يعد مضمونا في بلدهم. وتتزايد المخاوف من اتساع الظاهرة بسبب ان المجتمع الالماني يعاني اصلا من اكبر معدلات للشيخوخة في دول اوربا.

ويقول تقرير لصحيفة نيويورك تايمز، يتذكر بينيديكت توما اللحظة التي بدأ يفكر فيها جديا في مغادرة ألمانيا. كان ذلك في عام 2004 خلال حفل استقبال أقيم في مدينة فرانكفورت المجاورة بمناسبة حلول رأس السنة الميلادية وكان ضيف الشرف، عبّر في الكلمة التي ألقاها عن أسفه الشديد لحقيقة أن آلاف الألمان المثقفين يغادرون سنوياً وطنهم.

يقول توما، وهو مهندس في الـ44 من عمره وكان يدير حينها شركة عائلته المتخصصة في المصاعد الكهربائية، "لقد صدمني ذلك كثيراً، وتساءلت: "لماذا علي أن أبقى هنا إذا كان المستقبل أكثر إشراقاً في مكان آخر؟".

وهكذا، استقال توما من عمله وشرع في التخطيط للهجرة إلى كندا بعد أن أصبح عمله مع الشركة لا يُطاق بسبب كثرة نزاعات العمل. واليوم، يأمل توما أن يجد في فضاءات كندا المفتوحة المستقبل الذي يقول إنه لم يعد مضموناً في ألمانيا.

وبمجرد ما يجد توما وظيفة، ينتظر أن تلتحق به زوجته، بيترا وابناهما، لينضموا جميعاً إلى صفوف المهاجرين الألمان في الخارج.

والواقع أنه كانت دائماً ثمة هجرة ألمانية إلى الخارج على مر السنين، لكنها أصبحت مؤخراً الموضوع الأول في بلاد تعاني أصلاً من أكبر معدلات الشيخوخة بين الدول الغربية،، حيث يحذر الساسة ورؤساء الشركات، في ظل ازدياد المؤشرات على أن أعداداً أكبر من المهنيين تغادر ألمانيا اليوم مقارنة مع السنوات الماضية، من فقدان كفاءات البلاد ومواهبها.

وفي هذا الإطار، يحظى برنامج يبثه التلفزيون الألماني اسمه "وداعاً ألمانيا!" بشعبية متزايدة في البلاد، وهو عبارة عن سلسلة من اثنتي عشرة حلقة ترصد حياة عدة عائلات ألمانية اختارت الهجرة إلى جنوب أفريقيا أو إسبانيا.

أما الدافع إلى موجة القلق التي تنتاب ألمانيا اليوم، فهو الإحصائيات التي أعلنتها الحكومة الألمانية الخريف الماضي وأظهرت بأن 144800 ألماني هاجروا عام 2005، مقارنة مع 109500 هاجروا عام 2001. وبموازاة مع ذلك، لم يعد إلى البلاد سوى 128100 ألماني، ما يمثل تراجعاً بحوالي 50000 عن السنة التي قبلها.

وبذلك أصبحت 2005 السنة الأولى منذ نحو أربعة عقود التي يفوق فيها عدد الألمان المغادرين عدد مواطنيهم العائدين.

خبراء الديمغرافيا يلفتون إلى أن طبيعة المهاجرين تتغير، فهؤلاء ليسوا مجرد عمال شبان يفتقرون إلى المهارات، مثل الأشخاص الذين كانوا يغادرون الجزء الشرقي من ألمانيا، والذي كان ضعيفاً اقتصادياً قبل توحيد البلاد عام 1990، إلى النمسا وسويسرا للعمل في المطاعم هناك. ذلك أن منهم الأطباء والمهندسين والعلماء– أي المهنيين الذين تلقوا تعليماً عالياً، والذين تحتاجهم ألمانيا لمنافسة اقتصاديات صاعدة كالصين والهند.

 وفي هذا الإطار، يقول رينار كلينغولز، مدير "معهد السكان والتنمية" في برلين، "إنها ليست مشكلة هجرة فحسب بقدر ما هي مشكلة هجرة أدمغة"، مضيفا "إن الشيء الذي نحن في أمس الحاجة إليه في المستقبل القريب هم أشخاص مؤهلون وموهوبون ليحلوا محل الأشخاص الذين يتقاعدون في غضون 15 إلى 20 عاماً".

بالمقابل، يرى خبراء آخرون أن ثمة تهويلاً ومبالغة على اعتبار أن ألمانيا طالما أرسلت علماءها ومهندسيها للعمل أو الدراسة في الخارج، على نحو كان فيه عدد العائدين يفوق عدد المغادرين، وأن الإحصائيات الأخيرة لا تعكس سوى ازدياد في وتيرة هذا التوجه في وقت مازالت تسعى فيه الأوساط الأكاديمية والصناعية الألمانية إلى التكيف مع اقتصاد معولم بشكل متزايد.

 وفي هذا السياق، تقول كلوديا ديل (عالمة الاجتماع بجامعة جوتينجن التي درست أنساق الهجرة)، "كلما أثير موضوع الهجرة، ينتاب الألمانَ التوتر"، مضيفة: "في البداية، كانوا يتوترون بسبب قدوم الأشخاص أما اليوم، فهم متوترون بسبب مغادرة الأشخاص". كما ترى ديل أيضاً أن الأرقام قد تهول حجم هجرة الأدمغة، لأنها لا تميز بين الألمان المولودين في ألمانيا والألمان المجنسين، سائقة مثال العمال الأتراك الذين يحصلون على الجنسية الألمانية ويعودون لاحقاً إلى تركيا، فيُصنفون في خانة المهاجرين الألمان.

والواقع أن ألمانيا ليست البلد الأوروبي الوحيد الذي يفقد سكانه، فقد حث نيكولا ساركوزي، المرشح المحافظ في انتخابات الرئاسة الفرنسية، في تجمع خطابي له في لندن، والتي تضم جالية فرنسية تقدر بنحو 300000 شخص، مواطنيه هناك على العودة إلى الوطن من أجل "المساهمة في جعل فرنسا دولة عظيمة".

ويُذكر هنا أن عدد المواطنين الفرنسيين الذين يعيشون في بريطانيا ارتفع بـ8.4 في المئة في 2005، حسب الإحصائيات الحكومية. غير أن إجمالي عدد الفرنسيين الذين يعيشون خارج البلاد لم يزدد سوى بنسبة 1.2 في المئة، أو 15300 شخص، وهو ما يعادل تقريباً خسارة ألمانيا الصافية والمقدرة بنحو 16700 شخص.

وثمة مؤشرات عديدة على أن ألمانيا أضحت أقل جاذبية بالنسبة للأشخاص العاملين في قطاعات من قبيل الطب والبحث الأكاديمي والهندسة. وفي هذا الإطار، يشير الأشخاص الذين اختاروا الهجرة من البلاد، إلى البطالة المزمنة وسوق العمل الصارمة والبيروقراطية الخانقة، وارتفاع الضرائب، وكساد الاقتصاد (والذي رغم تحسنه مؤخراً، فإنه مازال يقبع وراء اقتصاد الولايات المتحدة).

يقول توما إنه أصبح يعاني من ارتفاع ضغط الدم وأمراض أخرى بسبب كثرة النزاعات التي تستهلك قسطاً كبيراً من ساعات عمله الأسبوعية الثمانين. ونتيجة لذلك، أخبر أشقاءه بالإرهاق الذي يعانيه، وبأنه قرر الهجرة.

والواقع أنه نظراً إلى شهادة الهندسة التي في جعبته ونصيبه في رأسمال شركة العائلة، يمكن القول إنه لن يجد صعوبة في المغادرة.

وإذا كان الاتحاد الأوروبي قد منح الألمان خيارات كثيرة، إلا أن وجهاتهم المفضلة توجد خارج حدوده: سويسرا والولايات المتحدة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 26 آذار/2007 -6/ربيع الاول/1428