رغم سلسلة الاصلاحات السياسية والاجتماعية التي جرت في البحرين منذ
تولي الملك حمد بن عيسى الحكم في هذه الجزيرة الخليجية التي لا يتجاوز
عدد سكانها 750 الف نسمة الا ان الشيعة الذين يشكلون الاغلبية لا
يزالون يعيشون تحت التمييز الاداري والاقتصادي والمذهبي وعدم فسح
المجال لهم للدخول في عالم الحكم والثروة، مع أنهم هم الأغلبية. ويقول
تقرير نشرته CNN مؤخرا انه رغم انفتاح نظام الحكم على الشيعة، مع تولي
الملك حمد بن عيسى الحكم، وإطلاق مشروعه الإصلاحي فإن ذلك لم يمنع من
وجود بعض أوجه التوتر بين الطرفين.
وتتميز البحرين عن دول مجلس التعاون الخليجي الأخرى بسمتين اثنتين:
الأولى، أن التركيب الطائفي فيها مخالف لما في هذه الدول، فأغلبية سكان
البحرين هم الشيعة، والسنة يمثلون الأقلية هناك.
أما السمة الثانية، فهي أن الحراك السياسي وتحرك المعارضة في
البحرين يعد الأقدم والأنشط بين تلك الدول. ومع أن التيارات الليبرالية
واليسارية شاركت في المعارضة، إلا أن الشيعة يمثلون مادة المعارضة
الرئيسية، ومحركها الأساسي وقد دخل الشيعة منذ عقود في صراع مع نظام
الحكم السُني، وانخرطوا في كثير من أعمال الاحتجاج الجماعي.
وقد أثَّر انتصار الثورة الإسلامية الإيرانية عام 1979، في شيعة
البحرين، إذ برز من بينهم تيار ثوري، أخذ يطالب بإطاحة النظام السُني
واستبداله بنظام جمهوري إسلامي على غرار النظام في إيران، وكان هذا
التيار ممثلاً بـ "الجبهة الإسلامية لتحرير البحرين".
إلا أن العلاقة بين القوى الشيعية والنظام الحاكم في البحرين شهدت
أسوأ مراحلها خلال التسعينيات، ووصل التوتر بين الطرفين ذروته في نهاية
العام 1994، إثر قيام حركة احتجاج شعبية شيعية مطالبة بالإصلاح
والمساواة في الحقوق والعودة إلى دستورعام 1973، وتخللها مواجهات مع
الحكومة، واستمرت حتى العام 1998.
ويضيف التقرير، رد فعل الحكومة كان قاسياً وعنيفاً.. إذ جرى احتجاز
الآلاف من المتظاهرين، والتنكيل بهم.. كما تم اعتقال عدد من قيادات
المعارضة، مثل الشيخ علي سلمان، وعبدالأمير الجمري، وحيدر الستري،
وعبدالوهاب حسين.
بيد أن تلك العلاقة شهدت تحولاً جذرياً مع تولي الشيخ حمد بن عيسى
آل خليفة الحكم في العام 1999، وإطلاق مشروعه الإصلاحي.
فأفرج عن جميع الموقوفين السياسيين، وسمح للمعارضين في الخارج
بالعودة إلى البلاد، وألغيت محكمة وقانون أمن الدولة، وأطلقت حرية
الرأي والتعبير، وسمح للجمعيات بالنشاط السياسي، وتم تضمين مبادئ
التغيير المؤسسي في ميثاق العمل الوطني، الذي صوت بالموافقة عليه 98 في
المائة من البحرينيين في استفتاء عام.
ورغم الانفتاح الذي شهدته العلاقة بين القوى الشيعية والنظام الحاكم
في مملكة البحرين، فإن ذلك لم يمنع من وجود بعض أوجه التوتر بين
المعارضة الشيعية والحكم السُني، نتيجة رفض الأولى (المعارضة الشيعية)
للتعديلات الدستورية التي تمت في العام 2002.
ويضيف التقرير، الظاهر أن القوى الشيعية أدركت أخيراً أنه لابد من
التعايش مع نظام حكم الأقلية. كما اقتنع النظام بأنه يجب توسيع نطاق
المشاركة الشيعية في الحياة السياسية، وفي مؤسسات الدولة. إلا أن ما
سيوجه العلاقة المستقبلية بينهما هو كيفية تعامل النظام مع مطالبة
الشيعة بنصيب أوفر في السلطة والثروة معاً كحق مواطنة كامل وغير منقوص.
الوضع الديمغرافي/ الديني
يشكل الشيعة أغلبية السكان وتتراوح التقديرات ما بين 60 و80 في
المائة من إجمالي السكان، (الذي يبلغ 725 ألف نسمة تقريباً).
أما تقرير "الحرية الدينية في العالم"، الصادر عن وزارة الخارجية
الأمريكية عام 2006، فيقدر نسبتهم بنحو 70 في المائة من عدد السكان
المواطنين، ومثله تقرير "التحدي الطائفي في البحرين"، الصادر عن
المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات (ICG) في بروكسل.
وشيعة البحرين، كإخوانهم شيعة المنطقة الشرقية بالسعودية فهم ينتمون
إلى الأصول نفسها، ويشتركون في التاريخ نفسه ويتبعون المذهب نفسه، وهو
الإمامية.
ويوجد في شيعة البحرين من هم من أصول فارسية، والذين يقدر عددهم ما
بين 25 و30 في المائة من إجمالي السكان، إلا أن الشيعة العرب يشكلون
أغلبية المجتمع الشيعي، ويقطن معظمهم القرى والمناطق الريفية.
ولا يوجد لشيعة البحرين مرجع تقليد مقيم، فهم يتبعون مرجعيات في
الخارج وأبرزهم: آية الله العظمى علي خامنئي في إيران، وآية الله
العظمى علي السيستاني في العراق، وآية الله محمد تقي الدين المدرسي في
كربلاء، وآية الله صادق الشيرازي في قم، وآية الله محمد حسين فضل الله
في لبنان.
وفي العام 2004 أسس مجموعة من العلماء الشيعة البارزين في البحرين
"المجلس الإسلامي العلمائي"، وهو بمنزلة مؤسسة دينية عليا للشيعة، غير
رسمية.
ويمارس الشيعة احتفالاتهم الدينية وشعائرهم بدون قيود، إذ أن
البحرين هي الوحيدة من دول الخليج التي تتخذ من يوم عاشوراء عطلة
وطنية.
ويتبع وزارة الشؤون الإسلامية "مجلس الأوقاف الجعفرية"، الذي يشرف
على الأوقاف التابعة للطائفة الشيعية.
كما يحتكم الشيعة في قضايا الأسرة والأحوال الشخصية أمام محاكم
جعفرية.
وفيما يتعلق بالتعليم، فتدرس المدارس الحكومية التربية الدينية على
المذهب السني (المالكي)، بينما ترفض (الحكومة) مطالبات الشيعة بتدريس
المذهب الجعفري أيضاً. ولكن في عام 2002 تم تأسيس أول مدرسة تدرس
المذهب الجعفري.
وتمول الحكومة وتشرف وتراقب كل المؤسسات الدينية الرسمية، السنية
والشيعية. وفي السنوات القليلة الماضية منعت وزارة الإعلام كتباً لرجال
دين سنة تنال من الشيعة.
ولا توجد قيود على عدد الشيعة الذين يريدون الحج إلى المزارات
الشيعية المقدسة في العراق أو سورية أو إيران، وإن كانت السلطات تراقب
هؤلاء الذين يقومون بمواصلة دراستهم الدينية في إيران، بحسب ما ورد في
بعض التقارير.
الواقع السياسي/ الاجتماعي
انعكست الإصلاحات السياسية على وضع الشيعة في البحرين، الذين ازداد
دورهم في الحياة السياسية، وبرزت العديد من الجمعيات السياسية المعبرة
عن توجهاتهم ومطالبهم، ولاسيما أن تكوين الأحزاب لم يسمح به فى البحرين
حتى الآن.
ومن أبرز هذه الجمعيات، جمعية "الوفاق الوطني الاسلامية"، التي
تأسست عام 2001، ويرأسها الشيخ علي سلمان، وهي كبرى جمعيات المعارضة
السياسية في البحرين، وتصنف بأنها معتدلة في مطالبها وأساليب عملها،
وتعد امتداداً لحركة "أحرار البحرين الإسلامية".
بالإضافة إلى جمعية "العمل الإسلامي" التي تأسست عام 2002، ويرأسها
الشيخ محمد علي المحفوظ، وتعد امتداداً "للجبهة الإسلامية لتحرير
البحرين"؛ وكذلك جمعية "الرابطة الإسلامية" التي تأسست عام 2001،
ويرأسها محمد علي الستري، الذي عين عام 2002 وزيراً لشؤون البلديات؛
فضلاً عن جمعية "الإخاء الوطنية" التي تمثل الطائفة الشيعية ذات الأصول
الفارسية، والتي تأسست عام 2004.
وقد حصل الشيعة في الانتخابات البلدية التي جرت عام 2002 على 23
مقعداً، في حين حصد السنة 27 مقعداً. وفي العام نفسه جرت أول انتخابات
تشريعية منذ إعادة العمل بالدستور، إلا أن جمعية الوفاق الوطني الشيعية
قاطعتها، بسبب تحفظها عن التعديلات الدستورية التي تعطي مجلس الشورى
(المعين) صلاحيات تفوق صلاحيات مجلس النواب (المنتخب).
واعتبر علي سلمان، مجلس الشورى بمنزلة أداة برلمانية تحد من تمثيل
الأغلبية الشيعة في البحرين تمثيلاً عادلاً في الحياة البرلمانية.
وشارك في هذه الانتخابات شيعة مستقلون، ومرشحون عن جمعية الرابطة
الإسلامية.
لكن جمعية الوفاق الوطني عادت وشاركت في الانتخابات التي جرت في
أواخر العام 2006، وحصلت على 17 مقعداً من إجمالي مقاعد البرلمان.
وفي الحكومة الأخيرة التي شكلت في ديسمبر/ كانون الأول 2006، مثِّل
الشيعة بأربعة مناصب وزارية؛ فنزار البحارنة، المقرب إلى جمعية الوفاق
الوطني، عين وزير الدولة للشؤون الخارجية، ومجيد العلوي وزير العمل،
وعبدالحسين ميرزا وزير شؤون النفط والغاز، وهو أول وزير بحريني من أصل
إيراني. ولأول مرة في تاريخ البحرين يشغل شيعي، هو جواد سالم العريض،
منصب نائب رئيس الوزراء.
ومع ذلك، يشير تقرير "الحرية الدينية في العالم" إلى أن الشيعة في
البحرين مازالوا يعانون من التمييز الحكومي ضدهم في مجالات معينة؛
فالأفضلية في المناصب الحكومية الحساسة تعطى للسنة، كما أن الوظائف
العليا، في بعض المواقع، حكر على السنة؛ مثل وزارة الداخلية والدفاع.
ويجمع المراقبون على أن قضية "التجنيس" تعتبر من أكثر القضايا التي
تثير توتراً بين الشيعة والسلطة.
فالشيعة يرون أن سياسة التجنيس العشوائي، المخالفة للوائح والمراسيم
الملكية التي تتبعها الحكومة، إنما هي "محاولة لتغيير التركيبة
الديمغرافية لمصلحة السنة."
فقد تم تجنيس 40 ألف شخص بالجنسية البحرينية من رعايا 45 دولة
استقروا في المملكة، بينهم 7300 شخص خلال عامي 2003 و2004. أما تقرير
المجموعة الدولية لمعالجة الأزمات، فيرفع رقم المجنسين إلى ما بين 50
ألفاً و60 ألف شخص.
وقد تحولت جلسة البرلمان البحريني في 25 مايو/ أيار 2004 إلى خلافات
واشتباكات بالأيدي، بين النواب السنة المدافعين عن التجنيس، والشيعة
المعارضون لعشوائيته وعدم شموله للكثيرين من البدون الشيعة المنحدرين
من أصول إيرانية، والمستقرين منذ سنوات في العاصمة المنامة، ومدينة
المحرق.
ورغم أن المشروع الإصلاحي الذي تسير فيه البحرين منذ تولي الملك حمد
مقاليد السلطة قد عزز من أجواء التعايش والسلم الأهلي في البلاد، فإن
بعض الترسبات الطائفية لازالت كامنة.
وقد أشار تقرير "الخليج في عام 2005-2006"، الذي يصدر عن مركز
الخليج للأبحاث في إمارة دبي، إلى بروز بعض النعرات الطائفية في الآونة
الأخيرة، كما حدث في احتفال الشيعة بيوم عاشوراء في مارس/آذار 2005،
إثر رفعهم صور زعماء دين من الخارج، بمن فيهم المرشد الأعلى في إيران
علي خامنئي، وكذلك رفع أعلام حزب الله اللبناني وإيران.
الحال الاقتصادي
يشعر الشيعة أنهم مهمشون من الناحية الاقتصادية والاجتماعية، وأن
مناطقهم وتجمعاتهم يغلب عليها الفقر وسوء الخدمات.
وقد كانت البطالة عاملاً رئيسياً في توليد التذمر لدى الأوساط
الشيعة. فنسبة البطالة، حسب الجهات الرسمية، تصل إلى نحو 15 في المائة،
إلا أن الرقم الفعلي هو أعلى من ذلك بكثير، وخاصة بين صفوف الشباب
الشيعة، بحسب تقارير دولية.
ولإدراك حجم مشكلة البطالة، ينبغي أن نشير إلى أن الدولة هي المشغل
الأكبر في البحرين. وثمة تقارير تشير إلى أن الشيعة يهيمنون على القوة
العاملة لبعض الوزارات، مثل الصحة والصناعة.
وفي القطاع الخاص يعمل الشيعة في مهن متدنية المهارة، ومنخفضة
الأجر، تقل عن 200 دينار بحريني في الشهر (حوالي 530 دولاراً
أمريكياً)، أي أقل من الحد الأدنى لأسرة مؤلفة من شخصين، والذي حددته
وزارة العمل، والبالغ 350 ديناراً.
أبرز الشخصيات الشيعية العامة
- الشيخ علي سلمان، أمين عام جمعية الوفاق الوطني الإسلامية
(الشيعية)، وكان من القيادات الشيعية التي اعتقلت في التسعينيات، وعاش
في المنفى (لندن) حتى العام 2001.
- والشيخ عيسى قاسم، أبرز العلماء الشيعة، ورئيس المجلس الإسلامي
العلمائي (الشيعي).
- والدكتور منصور الجمري، ابن المعارض الراحل الشيخ عبدالأمير
الجمري، وهو رئيس تحرير جريدة "الوسط" البحرينية. |