شبكة النبأ: اعلنت المفوضية العليا
للاجئين التابعة للامم المتحدة الثلاثاء في جنيف ان 730 الف عراقي
نزحوا من منازلهم منذ بداية 2006 وانهم يواجهون صعوبات متزايدة داخل
بلادهم. وقال المتحدث باسم مفوضية اللاجئين رون ادموند ان معظم الاشخاص
النازحين عالقون الآن في مناطق عراقية تشهد نزاعات. واضاف "ان الحصول
على مساعدة او ملجأ في الدول المجاورة بات مستحيلا". وقال ان "كثيرين
من الذين فروا الى مناطق اخرى في العراق باتوا من دون مورد وعلى
المجتمعات التي تستقبلهم ان تجهد من اجل استيعاب العدد المتزايد
للاشخاص النازحين".
وتقول المفوضية العليا للاجئين ان اكثر من خمسين الف عراقي يغادرون
منازلهم كل شهر. ويعيش اربعة ملايين عراقي من المساعدات الغذائية
المقدمة لهم بينما يعاني 23% من سوء التغذية بحسب المفوضية.
والالم الاكبر ان يكون المواطن مهجر داخل وطنه وليس بعيدا عن بيته
يرمقه بحسرة، سائلا مؤسسات الدولة المتعبة المساعدة، فقد وقف ( أبو
محمد) أمام فرع وزارة المهجرين في مدينة السماوة بين جمع من النازحين
الذين يراجعون الدائرة للحصول على بعض المساعدات الإنسانية .. وتساءل
بحزن " أنحن منفيون في بلدنا."
يقول أبو محمد لـ ( أصوات العراق ) " لقد أصبحنا ، كما المهاجرين
إلى خارج العراق ، لا نتحرك بلا بطاقاتنا الأمنية ونتنقل من دائرة إلى
مؤسسة .. إلى غيرها ، نطلب المساعدات العاجلة."
وتعد ظاهرة التهجير القسري إحدى أبرز الظواهر التي شهدها العراق بعد
اجتياحه من قبل القوات الأمريكية قبل أربع سنوات وتحديدا خلال العام
الأخير وذلك بعد تزايد أعمال العنف الطائفي.
ويعاني النازحون من عدم توفير المأوى لعوائلهم ، إضافة إلى صعوبات
الحياة من حيث عدم وجود أعمال لهم في المناطق التي انتقلوا إليها أو
العثور على الاستقرار الذي ينشده.
وكانت آخر إحصائية لوزارة المهجرين والمهاجرين العراقية في 14 شباط
فبراير الماضي عن عدد المرحلين قسرا بلغت (19828) عائلة ، وقال بيان
للوزارة حينها "يشير هذا الرقم إلى مدى خطورة هذه الظاهرة التي تعتبر
في تزايد مضطرد."
وفي محافظة المثنى بلغ عدد المهجرين بحسب فرع وزارة المهجرين
والمهاجرين في المحافظة ، أكثر من (2000) عائلة هجرت قسرا من مساكنها
واستوطنت كافة الأقضية والنواحي والمناطق الريفية في محافظة المثنى ،
وتوزعت على عدة أنواع من المساكن التي أشغلتها بترخيص من السلطات أو
بدونه ، وجميعها نزحت إلى المثنى خلال العام الماضي وتحديدا بعد تفجير
قبتي الإمامين في سامراء قبل أكثر من عام.
وقال احمد التميمي وهو أحد المهجرين " قامت المجموعات (الإرهابية) ،
وبسبب تأخرنا في تنفيذ مطالبهم ومغادرة بيوتنا،بإحراق مسكننا في
اللطيفية ومنازل أخرى كثيرة ، كما أحرقوا حقولا زراعية تخص العوائل
التي طالبوها بالرحيل، وقتلوا المواشي وأحرقوا العديد من المحال
التجارية واختطفوا أو قتلوا أفرادا من العوائل ناهيك عن المضايقات
المستمرة كإطلاق النيران العشوائية على الدور."
وأضاف " لقد وجهت إلي أكثر من ثلاثة رسائل التهديد المكتوبة،خلال
حزيران يونيو وتموز يوليو من العام الماضي، تطالبني وعائلتي بالرحيل من
اللطيفية (ببغداد) وكانت تلك الرسائل تلقى على منزلي واحتوت أوامر
بالرحيل وعبارات التهديد والوعيد بالتصفية لي ولعائلتي أن لم أرضخ
وأرحل."
وقال نازح آخر ،طلب عدم ذكر اسمه، " كان منزلي في ( أبو غريب) غربي
بغداد يتعرض باستمرار إلى إطلاق نار مباشر باتجاهه من مسلحين عند
مرورهم بشارعنا ،وفي أحد أيام شهر تموز يوليو الماضي طرق الباب ستة
مسلحين وكان لديهم عرضا واضحا لنا وهو التخيير بين الرحيل أو البقاء
وملاقاة الموت."
وأضاف " في اليوم التالي خرجت وعائلتي من منزلنا مرغمين .. ومنذ ذلك
اليوم لم نعد إليه."
وتعيش معظم العوائل المهجرة أوضاعا اجتماعية صعبة ، من أبرزها عدم
توفر مأوى أو دخل ثابتين فبعض العوائل استأجرت بيوتا ،ومنها من حلت
ضيوفا على عوائل أخرى تربطها بها صلة رحم أو قرابة ،ومنها من لجأت إلى
السكن في بنايات الدوائر الحكومية المتروكة.
قاسم علي،أحد أولئك الذين سكنوا بيوت الطين في الأرياف شمال مدينة
السماوة، قال"بعدما أتيت وعائلتي مهجرين من مدينة الإسكندرية ولعدم
استطاعتي تأمين مليونا ونصف المليون دينار،وهو أقل بدل إيجار سنوي حصلت
عليه لاستئجار منزل لنا، اتجهت إلى أحد أقاربي والذي ساعدني كثيرا في
تأمين بناء بيت طيني مكون من غرفتين في بستان له قرب ناحية الهلال."
وأضاف عليأنه "منذ ستة أشهر نسكن أنا وزوجتي وأطفالنا الثلاثة في
بيتنا الطيني المؤقت على أمل العودة قريبا إلى سكننا في
الإسكندرية،لكننا نواجه بعض الصعوبات في حياتنا هنا ، فبالإضافة إلى
رداءة المسكن فنحن ننقل الماء الذي نحتاجه يوميا إليه بأنفسنا باستخدام
العبوات البلاستيكية من مسافة 400 متر تقريبا."
واضطر النازحون ، بسبب تدهور أوضاعهم المعاشية ،إلى العمل بمهن عدة
لإعالة عوائلهم ، بينما اضطرت بعض العوائل النازحة التي لا معيل لها
إلى التسول.
أم كاظم،عراقية في العقد الرابع من العمر، نزحت وأطفالها الأربعة
إلى مدينة الناصرية من مدينة اللطيفية بعد أن قتل مسلحون زوجها
وطالبوها وأطفالها بترك منزلهم.. تسافر أم كاظم يوميا من الناصرية إلى
مدينة السماوة وتتخذ من أحد الأرصفة في مركز المدينة مقرا تقضي فيه
معظم النهار ملتمسة إحسان المحسنين.
وقالت أم كاظم " أسكن في إحدى البنايات الحكومية المهجورة في
الناصرية وآتي يوميا إلى السماوة ،بعد أن أوصي جيراني، في تلك البناية
الحكومية ، وهم من العوائل النازحة أيضا ، للعناية بأطفالي لحين
عودتي."
وأضافت"حصلت على بعض الدعم المادي والعيني من دائرة المهجرين ومن
بعض المنظمات والمكاتب الدينية كما ساعدني الكثير من الخيرين من أبناء
الناصرية والسماوة ،لكن ذلك لم يكف لإعالة أطفالي ،وطلب المساعدة من
الناس أمر أتحمله على مضض ، ولكن ما باليد حيله فأنا مضطرة إلى ذلك حتى
يفرج الله لي ولأطفالي."
أما قاسم علي فقال "مشكلة الدخل أكبر ما نعانيه هنا ، لاسيما مع
ارتفاع الاسعار ،فقد صرفنا مدخراتنا كلها ، وأنا حاليا أعمل كعامل بناء
بأجرة يومية تبلغ (12) ألف دينار( 8 دولارات) وهي لا تكفي لشراء ما
احتاجه من السوق."
محمد هو أحد أصحاب التاكسي النازحين إلى مدينة السماوة، والذي
استطاع التنافس مع أبناء المدينة في مهنة تتطلب معرفة ودراية بكل أنحاء
وأحياء وشوارع المدينة ، قال إن السبب الذي دفعه لهذه المهنة دون غيرها
هو إن "التاكسي هو العمل الذي يعرفه جميع العراقيين ولا يحتاج إلى
احتراف أو موافقة رسمية كما لا يحتاج السائق إلى إجازة رخصة قيادة لأن
إصدارها متوقف منذ سقوط النظام ."
من جانبه ، قال حيدر عبد الصاحب،أمين عام منظمة حقوق الإنسان فرع
المثنى لـ إن "أداء المؤسسات الإنسانية في تقديم المعونات الإنسانية في
العراق عموما ضعيف."
وأضاف إن "بقاء الأمور على ما هو عليه من استمرار للنزوح دون تدخل
دولي يعرض حياة المواطنين للخطر بسبب الإهمال الشديد الذي يتعرضون له
من عدم توفر سكن آمن وخدمات وفرص عمل ذات دخل ثابت."
واشار عبد الصاحب الى ان" المنظمة الدولية مدعوة لتحمل مسؤولياتها
الإنسانية والقانونية للعمل على دعم الحكومة العراقية بالخبرات
الإحصائية والقانونية ودعم القدرات السياسية والأمنية للمؤسسات
العراقية لكي تقوم بواجباتها تجاه الشعب العراقي وفرض سلطة القانون
وحماية مواطنيها وتقديم المجرمين المتورطين بجريمة التطهير العرقي
والمؤسسات الحزبية والعشائرية التي تقف ورائهم إلى العدالة لينالوا
جزاءهم."
ورغم الدعم المعنوي والمادي الذي أعلنت الحكومة عن تقديمه للعوائل
النازحة التي تعود إلى مساكنها التي هجرت منها، فإن معظم العراقيين
النازحين مازالوا لا يجرؤون على العودة إلى مناطقهم، بل إن مخاوفهم
تمنعهم حتى من مجرد التفكير بزيارة مناطقهم السابقة وبيوتهم التي نشأوا
وترعرعوا فيها.
وقال أبو محمد" أشتاق إلى منزلي في اللطيفية الذي هجرت منه رغما عني
،رغم أنه بيت قديم متعب،قبل تسعة أشهر ، لكني لم أفكر حتى بزيارته خوفا
من المسلحين الذين يسيطرون على بيوت جميع العوائل النازحة من المدينة.
ومع كل هذا لازلت أؤمن أنني سأعود يوما ما إلى ذلك البيت العتيق الذي
ترعرعت وتزوجت ونشأ أولادي فيه."
وفي بغداد ووسط ساحة واسعة كانت تابعة لاحد النوادي العسكرية في عهد
النظام السابق، شيدت عائلات معدمة منازل من القصب والورق المقوى المغطى
بعضها بالنايلون لتحميهم من المطر.
ويزداد عدد العائلات المشردة التي تنضم الى هذا المجمع السكني قرب
المسرح الوطني في بغداد، اذ بات يؤوي اكثر من ستين عائلة بعد ان كان لا
يتجاوز عددها الاربعين قبل عامين حسب الـ فرانس برس.
ويقول رغيد حمزة علي (45 عاما) ان عدد العائلات التي تقصد هذه
الساحة للسكن يزداد مع ان المكان يفتقر الى ابسط مقومات العيش.
ويضيف تم ارغامي قبل اكثر من ثلاث سنوات على مغادرة مكان سكني مع
اولادي السبعة وزوجتي نظرا لعدم قدرتي على تسديد تكاليف ايجاره (...)
فوصلت الى هذا المكان.
ويؤكد حمزة ان غالبية السكان ليسوا قادرين على دفع الايجارات
الباهظة هنا او في الضواحي (...) والكل يبحث عن فرص للعمل وسط العاصمة.
ولا يقل ايجار الشقة المكونة من ثلاث غرف نوم في وسط بغداد عن 400
دولار شهريا بينما تتراوح الاسعار بين حي واخر لتبلغ 800 دولار في بعض
الاحيان.
ويتابع علي بحسرة لا توجد فرص عمل لنؤمن مستلزمات الاطفال ونعتاش
مما اقوم ببيعه على الرصيف.
بدوره، يقول عادل فاضل سلطاني (56 عاما) ان بيع الوقود والمشتقات
النفطية على الرصيف سبيلي الوحيد لاعيل عائلتي.
واضاف فاضل الذي امضى مدة طويلة من العمر في الجيش السابق توقعت
عودتي الى عملي السابق لتعيش اسرتي بشكل لائق لكن رغبتي اصطدمت بحواجز
مالية.طلب مني احدهم مبلغا معينا لكي احصل على فرصة اعادتي الى الجيش
مجددا.
وتابع لا اعرف الان كيف اوفر الطعام لاطفالي.انهم يواجهون مستقبلا
غامضا بلا ماوى وبدون مستلزمات عيش متواضعة.
وبدت علامات الضعف والهزال على فاطمة وزينة وعلي الذين تتراوح
اعمارهم بين سنة وثلاث سنوات.
ويقضي اطفال المجمع وقتهم باللعب بسبب عدم وجود مدارس قريبة يلتحقون
بها وعدم امتلاك العائلات امكانيات لارسالهم الى مدارس اخرى.
ويؤكد ابو حسن (48 عاما) ان الحالة تزداد سوءا (...) ليس هناك عمل
والاسعار ترتفع كل فترة ولا من رقيب او حسيب.ويضيف الرجل ردا على سؤال
احاول العثور على عمل لكن الامر ليس بهذه السهولة.
من جهته، يقول ابو عمار (74 عاما) نواجه مشاكل عدة ابرزها التعليم
وغياب الرعاية الصحية.منذ اكثر من سنتين لم نر اي بعثة من الهلال
الاحمر او جهة ما تقدم لنا مساعدات.
ويضيف ابو عمار الذي فقد احد ابنائه في عملية تفجير في ينايرالماضي
كنا نأمل ان تقدم لنا جهات معينة الاغطية والاغذية وتوقعت ان تقدم لي
الحكومة تعويضا ماليا بعد ان فقدت احد ابنائي لكن يبدو اننا في واد
والجهات المعنية في واد اخر.
اما قيصر طالب (30 عاما) فيقول ان الاوضاع المعيشية الصعبة دفعت
الاطفال الى الوقوف عند اشارات المرور يستعطفون الاخرين المساعدة
وتقديم المال.
ويضيف ان النساء ايضا وجدن في التسول والحصول على طعام من بعض
المنازل فرصة للعيش.
ويؤكد طالب اعتاش في فصل الصيف من بيع الثلج وفي الشتاء من بيع
الوجبات التي يجد فيها العمال ضالتهم.
وكانت الامم المتحدة اشارت في دراسة اعدتها بالتعاون مع وزارة
التخطيط والانماء ان ثلث الشعب العراقي البالغ تعداده 27 مليونا يعيش
في حالة فقر.
وقالت الدراسة استنادا للدخل الاقتصادي المتوسط في السبعينات
والثمانينات، يعيش ثلث الشعب اليوم في فقر بينما يعيش %5 منهم في فقر
مدقع.
وهناك مليونا عراقي لجأوا الى الدول المجاورة بينهم عدد كبير فر من
العراق خلال عهد الرئيس السابق صدام حسين. بينما يوجد حوالى 1,9 مليون
عراقي نازحين داخل بلادهم.
وتنظم المفوضية العليا للاجئين في 17 و18 نيسان/ابريل مؤتمرا دوليا
للبحث في وسائل مواجهة نزوح السكان من العراق وهي عملية النزوح الاكبر
في الشرق الاوسط منذ 1948. |