إسرائيليات بأقلام عربية |
الكتاب: إسرائيليات بأقلام عربية الكاتب: غادة السمان الناشر: دار الهادي/ بيروت/ ط1/ 2001م تقدم غادا السمان لكتابها الجديد (إسرائيليات بأقلام عربية)، بالقول (معهم بدأت، وضدهم... أعلن)، في إشارة نقدية واضحة تتجاوز الانبهار بالمادة المقروءة، وتعقب الحروف، وللقراءة أمزجة تختلف بين كتاب وآخر، كالالحاح، والنفور، والحاجة والاشباع، والإسقاط، والتأويل عبر كتب قرأتها السمان بأزمنة متفاوتة ومتباعدة لم يمحها فعل التراكم، ولم يسقطها عامل التقادم، ولاحقاً في تجاوز القراءة، الىأعمال النقد، وحتى العداونية في التصدي لما تعتبره يفتقد إلى الحقيقة رأيا بعد رأي. في المدخل تسأل السمان عن ماهية المنشأ الاشكالي الذي حدا بالشاعرة فدوى طوقان للوقوع فريسة القراءة التي لا تهادن في سيرتها الذاتية، الرحلة الاصعب، أهو القدر الواسع من حنكتها الضارية، أو الكم الأوسع من سذاجتها الفطرية؟، وهل جحيم دايان كان مألوفاً للحد من جعل طوقان قرباناً لاستدراجاته لتنحو هذا المنحى من البوح الذي لا يغترف من الجرأة بقدر ما يستبحر من الغرور. هذه الارهاصات من (الكشف والاكتشافات)، هي أيضاً عنوان المقدمة التي وضعها سميح القاسم للجزء الأول من السيرة الذاتية (رحلة جبلية، رحلة صعبة)، والتي يدخل فيها الأخير الدائرة التبشيرية بأهواء متضاربة أربكت قناعاته لمراحل طوال، والتي غالباً ما تدفعه لتكبد الحالة، والتواطؤ معها مدفوعاً بمبررات جسام، لا بقناعات مجدية، والخلاصة اتهام السمان لسميح القاسم، وفدوى طوقان بكتابة (الجذب) للراي العام الصهيوني، وتطرح أسئلة كثيرة ذهنية حول حقائق تعتبرها (بمنتهى التدليس، والمداهنة، وربما أكثر...). تساجل السمان رجاء النقاش في كلمته التي جاءت على ظهر الغلاف الأخير من الكتاب السيرة، والتي يرى فيها أن (فدوى التي تبوح بكل شيء قد جعلت من مذكراتها وثيقة اجتماعية من الدرجة الأولى، وقصة هذا الجيل كله، وقصة همومه المختلفة). تطرح السمان سؤالاً فيه بعض المغالاة على الأقل في ملاءمة الجغرافيا، والمكان، والزمن الفلسطيني الذي امتد على أكثر من نصف قرن من الاحتلال الاسرائيلي، ومما يعني ذلك من تداعيات فتسأل: (ترى لو لم يكن العرب، ليس عرب الأرض المحتلة فقط بل عرب العروبة اجمعين، على هذا القدر من الطيبة والاتكالية، والسذاجة، لأحكموا على قضبان مصح للعلاج أو للحجر، كان عساه أن يوقف دايان ذاك، عن هواجسه الخطيرة تلك...). تستعيد السمان قول الناقد عبد العزيز المقالح بأن الكتابة الجادة المغيرة ليست سجادة يسترخي عليها الكاتب وينام... لتتحدث عن فهرسة فدوى طوقان حول المستجدات على الساحة الفلسطينية بتنيسق دمث وتعابير خجولة... فيما تعتبره السمان تحول ادبي ثوري إلى مجال واسع للانتحال، والاقتباس والمهاترة، أكثر من ذلك تتحدث عن دعاية إعلامية وعن بروباغندا تسويقية لتكريس أسماء شعراء كطوقان، وقاسم شعراء الثورة، والنضال القومي. واضح أن السمان لا تحمل نيات حسنة، إذ نقرأ سيرة قاسم وطوقان سيرة ثورية مثالية، بينما هي سيرة من لحم، ودم، وفي جغرافيا مختلفة تماماً عن حقول الصيد النقدية الايديولوجية، وتحمل الشعر عبء القداسة والطهارة، والرسولية، في حين أنه ابن ذاته العدمية، ونموذج نفسه، وليس بالضرورة نموذج الكل، ثم أن مسافة الصيد النقدي لأشكال من السيرة المتواربة تمتد إلى الماضي، وهذا لا يعني أن الشاعر ليس أكثر الناس جروحاً في الذاكرة، ولكل من يمكن أن يمس الذاكرة، وإن لمجرد الاطلاع. تبدو السمان من دعاة المنفى للشاعر الفلسطيني، بديلاً عن هوية الأرض المحتلة، والنضال المتشبث بالأرض تحت لواء المستعمرة، وهذه مسألة سياسية أكثر منها أدبية، وقد حسمتها المعطيات الجيوسياسية الأخيرة، التي أوضحت أن أهمية أمتلاك العرب للأرض فعل مقاومة حقيقية أهم من السلاح، ومن كل مدونات الخطب العربية في الخارج التي تمتد من الفرات إلى النيل، وأي حال هذه مسألة إشكالية بين الأخذ والرد في مساحة وعرة شديدة المطبات، مستباحة للتحليل السياسي الحر، والديمقراطي، لكنها مقيدة للشاعر المعني بحد ذاته، وسينقسم الجمهور العربي الشعبوي الواسع بين مدافع عنها، ومعارض، وتتعثر الشهادة فيها إذا ما اختلطت الطبخة الايديولوجية بالطبخة الشعرية، في مسافة جديدة يومية معاشة لم يعد فيها فاصل كبير بين وجه ابن الأرض المقاوم ووجه المحتل، وبكافة الصيغ التي أصبحت سيرة المواطن العربي، وهويته، وشهادته. تريد السمان أن تشرح لفدوى طوقان الصورة الحقيقية لمعنى اليهودية المتجذرة، والمستجدة في أفرادها وعناصرها، في الموحى الخطابي المباشر، والواعظ، والهادي، والمرشد، والكاشف لمساعي الأخيرة الديبلوماسية، ورهاناتها الخاطئة، محللة الكثير من الكتابات التي تعتبرها تطبيعية مع شخصيات من الكيان المحتل، وهذه وجهة نظرها. في الفصل الثاني تتحدث السمان عن النظرية الدرويشية، والمعادل الثوري, الظاهرة بين ما قيل وما يمكن أن يقال، داعية إلى استقراء المرحلة، التي شكلت الظاهرة استقراء موضوعياً، عقلانياً، تحليلياً، في سطور لا تمر بسلام بدورها (لكن الزيتون لم يعد بوسعه أن يضاهي الكافيار... وبدائل الليمون، والبرتقال)، فيما يفسر لاحقاً تحول الظاهرة إلى البادرة، وأيديولوجية الاحتفاء والاحتوائية الدرويشية، ومحو الذاكرة في إعادة تأليف الماضي، والطواعية القسرية، والطيبة، والشك الذي يدور في اللغة ذاتها، وفي الظرف التاريخي الذي يشبه ذاته، فيما يشبه استنكار درويش اليوم، الذي يزاحم درويش الأمس، فيما يناقض الرأي الشعري الناقد الذي لا يحب في درويش شعر القضية، ولا يعتبرها المكانة الجمالية الأميز في شعره السجال النقدي ينتهي عند صيد سمين محوره رواية (ذاكرة الجسد) عند الكاتبة أحلام مستغانمي، والشبهة المسندة إليها... |