لعل اهم مقتربات الفاشية هي نظام مؤسساتي قائم على الفكر الشمولي
وحصر السلطات التشريعية والتنفذية والقضائية بيد القائد الاعلى الاخ
الكبير او القائد الضرورة الى غيره من المسميات التي تختلف بها البلدان
وانما قلت مؤسساتي لانه نظام ممنهج قائم على ايدلوجية فاشية ولعل
المختصين في الدراسات الفاشية يرجعون اصل اللفظ الى الكلمة الايطالية.
اصطلاح الفاشية "fascism" مشتق من الكلمة الإيطالية fasces، وهي
تعني حزمة من الصولجانات كانت تُحمَل أمام الحكام في روما القديمة
دليلاً على سلطاتهم.
وفي تسعينيات القرن التاسع عشر بدأت كلمة فاشيا "fascia" تستخدم في
إيطاليا لتشير إلى جماعة أو رابطة سياسية عادة ما تتكون من اشتراكيين
ثوريين. وكان توظيف موسوليني لوصف الجماعة البرلمانية المسلحة التي
شكّلها في أثناء الحرب العالمية الأولى وبعدها أول موسوليني في زيه
الفاشي مؤشرا على أن اصطلاح "fascisma" قد حظي بمعان أيديولوجية واضحة،
وعلى الرغم من ذلك فعادة ما يفتقر توظيف اصطلاحي "الفاشية" "fascism"
و"الفاشي" "fascist" إلى الدقة، فكثيرًا ما تستخدم كاصطلاحات تهدف إلى
الإساءة السياسية للخصوم السياسيين والاتهام لهم بالدكتاتورية ومعاداة
الديمقراطية.
مرتكزات الفاشية
ترتكز الفاشية على جملة من المبادئ التي يتم بموجبها اعتبار النظام
السياسي فاشيا:
اولها: استنادها الى الفكر القومي الشوفيني العنصري:
فالفاشية تستمد من قوتها من الافكار العنصرية التي تروج لها ويتم
الغاء الهوية الوطنية ومحاربة كل القوميات الصغيرة واجبارها على تبني
القومية كفكر اصيل ويتم النضال من اجل الانصهار في القومية التي تتحول
الى النمط العسكري.
ولايمكن ان نرى فكرا فاشيا لايستحث الفكر القومي له نموذجا فقد
ارتكز صدام الى فكر شوفيني عنصري يعتقد ان القومية العربية هي فوق كل
القوميات الاخرى حتى انه لم يعترف باي قومية اخرى، وفي الدستور البعثي
العراق مكون من قوميتين رئيستين هما القومية العربية والقومية الكردية،
وتم الغاء القوميات الاخرى بل وصل الامر به الى الغاء القومية الكوردية
كما حدث في كركوك واجبر التركمان على ان يختاروا احدى هذه القوميتين
وقد سعى البعث الى خلق عداء ضد اي قومية اخرى غير القومية العربية
مستندا الى تزوير التاريخ وخلق حالة من الانفصام التاريخي بين الاجيال.
النظام السياسي للفاشية
كان نظام الفاشية هو النموذج الديكتاتوري المتمثل في خضوع الفرد
التام للدولة، وجذبت الدولة الفاشيين بشدة حيث إنهم رأوا فيها أداة
للتحديث، ولم تسمح الفاشية بوجود مجتمع مدني ولا ديني ولا وجود لاحزاب
سياسية ولا تعددية برلمانية وتختفي الصحافة الحرة والاعلام الحر
والمؤسسات النقابية تصبح كلها اداة طيعة في خدمة الفاشية وبوقا لها،
وتسحق المعارضة سحقًا، وعرف نظامها الداخلي قبضة بوليسية حديدية.
عسكرة المجتمع الفاشي
يتميز النظام الفاشي على اعتماد المنظومة العسكرية والاعلاء من
شانها حتى يتم تحويل الصناعات المدنية الى صناعات عسكرية ويتم تحويل
ميزانية الدولة في خدمة الانتاج الحربي على حساب الخدمات الاخرى ويتم
اعتماد منظومة عسكرية تبدء من مراحل مبكرة في حياة الدولة الفاشية
وصولا الى عسكرة المجتمع بصورة كاملة ونهائيا ويظهر الزعيم في زيه
العسكري الذي يصبح جزءا مكملا لحياة الدولة الفاشية وتصبح الكليات
والمعاهد العلمية وسيلة لعسكرة المجتمع.
وتنتشر الثقافة العسكرية في كل مفاصل الدولة ويكون شعار الوطن -
القائد هو الشعار المحبب للفاشية وصولا الى المرحلة الاعلى اندماج
الوطن وصيرورته في القائد وتنتشر مظاهر الميليشيا بشكل غير مسبوق
وتتعدد الجيوش والوحدات العسكرية تحت مسميات مختلفة وكلها في خدمة
القائد.
هذه التجربة في النظام البعثي ابتدءت في الثمنيانيات حينما تم عسكرة
المجتمع العراقي وبرزت الفصائل المسلحة ميليشيات الحزب الجيش الشعبي
فدائيو صدام قوات الحرس الجمهوري قوات الطوارئ سرايا الدفاع الى غيره
وانتشرت عسكرة المجتمع العراقي بشكلها الكبير من رياض الاطفال الى
التجنيد الاجباري للطلبة وتم تحويل الاقتصاد العراقي كله في خدمة
الصناعة الحربية واصبح القلم والبندقية فوهة واحدة؟ وتحولت الصناعات
المدنية الى وزارة التصنيع العسكري وتوقفت كل اشكال الحياة المدنية في
عهد النظام البائد.
التراكم المالي للفاشية
ومن المرتكزات التي تستند اليها الفاشية هو التراكم المالي الذي
تتحصل عليه فلا يمكن ان نرى فاشية دون ان تحقق القدر الازم لنموها
الاقتصادي وهذا ماحدث للفاشية الالمانية ابان صعودها الصناعي وفي
العراق استطاعت الفاشية تحقق فائضا في الموارد المادية من خلال ارتفاع
اسعار النفط عقب حرب 1973 فقد تشكلت ثروة طائلة بيد السلطة القائمة
انذاك تم توضيفها فيما للسيطرة على المجتمع العراقي.
الابادة الجماعية والحروب الخارجية:
من المميزات الواضحة للفكر الفاشي خلق الاعداء خلق منظومة من
العداوات الخارجية والاعتماد على نظرية المجال الحيوي وانتهاج سياسة
الابادة الجماعية التي تجد لها تبريرات ضمن الفكر الفاشي فلايمكن
للنظام الفاشي الا ان يرى في الحروب وسيلته الوحيدة للقضاء على كل
اعداءه فالحرب العراقية الايرانية وغزو الكويت هما نموذج صارخ لفاشية
البعث واستخدامه الاسلحة الكيمياوية لابادة الكورد في حلبجة وقمعه
للانتفاضة الجنوب كلها مقاربات الفكر الفاشي الذي وصل اوجه في العراق
في عهد صدام.
ويربط المفكر "زيجموند باومان" بين الإبادة العنصرية التي هي من
ملامح الفاشية وبين الحداثة، فهو لا يرى أن الإبادة مناقضة للحداثة بل
هي نتاج لها، فالحداثة بما تكرسه من فردية تخلق مساحة اجتماعية بين
الأفراد وتحول المجتمع من مجتمع عضوي إلى تجمع من أفراد يقوم على
المصلحة المشتركة، وبذلك تمهد الحداثة لطاعة الدولة وللمسافة النفسية
بين الإنسان وأخيه الإنسان؛ مما يعد الشرط السوسيولوجي للإبادة-
ومثالها الإبادة النازية لليهود في نظره، وهو اقتراب نظري مختلف من
الإبادة والفاشية، باعتبارها الوجه الآخر القبيح للاستنارة، ونتيجة
وثمنًا مفزعًا وواقعًا لها، وهو اقتراب يستحق النظر خاصة مع تكرار
الإبادة في ظل نسق قيم قومي عرقي عنصري في البوسنة وكوسوفا.
ومن المقاربات لفاشية صدام هو ذلك السقوط المريع على يد قوات
التحالف تماما كما سقطت فاشية هتلر. |