خطف المسؤول في وزارة الدفاع الإيرانية والحرس الثوري "محمد رضا
عسكري" قد لا يكون الأول من نوعه على الرغم من التأخر في الإعلان عنه
في إطار الحرب غير المعلنة بين الولايات المتحدة الأمريكية وإسرائيل من
جانب وبين إيران من جانب آخر.
وقد لا يكون يشكل أهمية في حد ذاته لولا الشكوك التي واكبت عملية
اختفائه، إذ تم اختفاؤه بحسب المصادر الإيرانية خلال وجوده في اسطنبول
قادماً من سوريا دون علم تركي مسبق بحضوره على الرغم من الأهمية التي
يحتلها في إيران على الصعيد العسكري والإستخباراتي.
وإذا كانت المعلومات التي تشير بأن شخصين غير معروفين كانا بانتظاره
في اسطنبول وقد حجزا له غرفة في أحد فنادقها قبل اختفائه صحيحة، فإن
فرضية التدبير وراء اختفائه تبدو أكثر احتمالاً. وسواء كان اختفاؤه
بإرادة منه أو لا فإن أثر هذا الاختفاء هو الأهم وهذا ما سنلقي عليه
الضوء.
الولايات المتحدة تصعد منذ قرابة
الشهر من حملتها على إيران
الولايات المتحدة الأمريكية ومنذ القرابة شهر تقريبا بدأت بخطتها
الأمنية في العراق كما أنها قالت بوضوح أنها سوف تستهدف اليد الإيرانية
في العراق حيث تعتبرها ضالعة في تعريض جنودها للقتل من قبل ميلشيات
مدعومة من إيران، وقد قال الرئيس الأمريكي جورج بوش في أول خطاب سنوي
له عن حالة الاتحاد الأمريكي أمام الكونجرس تحت سيطرة الديمقراطيين في
23-1-2007 وبالتزامن مع الإعلان عن نشر 20 ألف جندي أمريكي جديد في
العراق وقدوم بوارج حربية جديدة منطقة الخليج، هناك "خطر متصاعد" من
المتطرفين الشيعة يعادل خطر القاعدة على الولايات المتحدة. ثم أوضح
قائلاً:" في الآونة الأخيرة اتضح أيضا أننا نواجه خطرا متصاعدا من
المتطرفين الشيعة الذين يشبهونهم في العداء لأمريكا، وعازمون أيضا على
الهيمنة على الشرق الأوسط". مضيفا: "كثيرون معروف أنهم يسترشدون
بالنظام في إيران الذي يقوم بتمويل وتسليح الإرهابيين من أمثال حزب
الله".
هذا الكلام لجورج بوش ربما اظهر الإستراتجية الأمريكية الجدية مع
إيران، فقد تبعه بعد أيام تعرض الدبلوماسيين الإيرانيين في اربيل لخطف
من قبل الأمريكيين مبررين ذلك بأنهم متورطون في أعمال إرهابية في
العراق ثم اتهام إيران بالوقوف وراء الميلشيات الشيعية التي تقود فرق
الموت وان بعض فصائل المقاومة حصلت على أسلحة إيرانية جديدة ساعدتها في
إلحاق أكبر أذى ممكن بالقوات الأمريكية، ثم توقيف عمار الحكيم نجل عبد
العزيز الحكيم المعروف بقربه الشديد من إيران، فضلاً عن ظهور فرق شيعية
جديدة تتبنى عمليات نوعية ضد القوات الأمريكية، أبان أن الحرب المعلنة
بين الولايات المتحدة الأمريكية وإيران دخلت مرحلة جديدة.
فالتخبط الأمريكي في العراق إضافة إلى الملف النووي الإيراني الذي
يسبب إرباكا كبيرا للولايات المتحدة الأمريكية حيث أن كثير من التقارير
لوكالات المخابرات التابعة لها تشكو من قلة المعلومات حول البرنامج
النووي الإيراني، كما أن حديث المفتش النووي السابق هانس بليكس حول ما
إذا تعرضت إيران لضرب عسكرية فإن من شان ذلك أن يعزز ويسرع من تخصيب
اليورنيوم لدى إيران يرجح من فرضية علم الولايات المتحدة بأمر اختفاء
محمد رضا عسكري على الأقل إن لم يكن قد تم خطفه أو استثماره بتعاون
وتنسيق تام بين المخابرات الأمريكية والإسرائيلية وكذلك الجيش التركي
ولكل منهم أسابه.
فبالنسبة لتركيا فإنه ينبغي أن نفرق بين توجه الحكومة التركية التي
لا تفتأ تردد رفضها التورط في أي عمل عدائي ضد إيران وبين موقف الجيش
التركي صاحب الكلمة الأولى في تركيا والذي تربطه علاقات متينة جدا مع
إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية والذي يرى في حصول إيران على سلاح
نووي يشكل تهديدا استراتجيا لتركيا على المدى البعيد. وبالتالي فإن
إمكانية تورطه ممكنة.
أما بالنسبة لإسرائيل فإن الحصول على ما في جعبة رضا عسكري يعتبر
صيداً ثمينا لها على أكثر من ملف، فإسرائيل التي تعيش حتى الآن تحت
وطأة إخفاق حرب تموز، إضافة لرغبتها في الحصول على معلومات أكثر دقة
حول سلاح حزب الله نوعاً وعدداً وما هي المعابر التي يمر منها إلى
لبنان من سوريا، فضلاً عن جديتها في معلومات حول مصير الطيار والجنديين
الإسرائيليين على اعتبار أن رضا عسكري كان يقود كتائب الحرس الثوري
خلال التسعينات في لبنان ويشرف على تدريب عناصر حزب الله.
أما بالنسبة للولايات المتحدة فإن أي معلومة عن الملف النووي
الإيراني أو عن ضلوع إيران في الملف العراقي تعتبر جد مهمة لها في أي
إستراتجية تتبناها تجاه إيران حيث أن أي معلومة جديدة قد تفيد
الولايات المتحدة الأمريكية في إنجاح أي ضربة عسكرية لإيران قبل مغادرة
بوش للبيت الأبيض أو قد تستفيد منها في الضغط على إيران وسوريا خلال
مؤتمر بغداد القادم لمساعدتها في تهدئة الوضع الأمني المتردي أو
لتقديمها إلى مؤتمر القمة العربية دليلاً على تورط إيران في القتل
الطائفي والتهجير القسري الممنهج للسنة العراقيين وذلك لإقناع ما تبقى
من العرب بضرورة تشكيل جبهة عربية موحدة ضد إيران خلال القمة من شأنها
أن تساعد الولايات المتحدة في تقديم كل التسهيلات التي من الممكن أن
تحد من النفوذ الإيراني في المنطقة وخصوصا بعد المعلومات التي أفادت
عن وجود خلايا نائمة في الخليج تنتظر الإشارة من إيران لتستهدف المصالح
الأمريكية في المنطقة أو لتشعل صدام سني شيعي كما يرى سيمور هيرش.
أما عن سر تكتم إيران عن اختفاء الرجل حتى الآن وعدم علم تركيا
بزيارته وتردد إيران في كشف معلومات عنه لولا تسرب اختفائه للصحافة
فيبدو ان الرجل كان في مهمة عسكرية سرية إذا استبعدنا فرضية هروبه حيث
أن تركيا كانت قد كشفت خلال الفترة الماضية أشخاصا إيرانيين يحاولون
عقد صفقة مع شركات تركية في سبيل الحصول على قطع ومعدات عسكرية، فلعل
الرجل الذي دخل من خلال سوريا كان في إطار هكذا صفقة في ظل الحصار التي
تعيشه إيران.
وسواء ما رشحته إحدى الجرائد التركية من فرضية هربه من إيران بتنسيق
من قبل الس.آي.آي على اعتبار أن الرجل كان على خلاف مع المسئولين
الإيرانيين وانه رحّل عائلته من إيران قبيل سفره أو انه اختطف خلال
عملية رصد لتحركاته أثناء قيامه بعملية سرية لصالح التسلح الإيراني
فهذا يعني أن مرحلة جديدة من مراحل الصراع بين الولايات المتحدة
الأمريكية وإيران سوف نشهدها في المرحلة القادمة.
*كاتب ومحلل سياسي لبناني |