كثر الحديث والجدل حول وجود المادة (41) في الدستور العراقي النافذ
وانقسم الرأي جولها الى فريقين، اذ يرى البعض إن النص عليها كمادة في
صلب الدستور ضروري للحفاظ على حقوق بعض فئات الشعب العراقي التي حرمت
منها في السنوات السابقة.
تنص تلك المادة على ان (العراقيون أحرار في الالتزام بأحوالهم
الشخصية، حسب دياناتهم أو مذاهبهم أو معتقداتهم أو اختياراتهم، وينظم
ذلك بقانون) والبعض الآخر يرى فيها تفريق لوحدة الصف والرجوع عن
المكاسب التي تحققت للمرأة في ظل قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188
لسنة 1959 المعدل.
ومن يقرأ تلك المادة يجد فيها إن المشرع العراقي وواضعي الدستور لم
يأتوا بشيء جديد يتعلق بقضايا الأحوال الشخصية سوى إنهم ذكروا إن
العراقيين أحرار في إتباع مذاهبهم في قضايا الأحوال الشخصية وينظم ذلك
بقانون، بمعنى إن كل فرد له الحق في تنظيم علاقاته الأسرية وقضايا
الزواج والطلاق والإنفاق على وفق مذهبه الذي يدين به، واعتبر هذا الحق
من الأمور الدستورية التي لا يجب الخروج عنها أو مخالفتها، و إلا طعن
بدستورية بأي النص المخالف، وهذه هي نقطة التطير التي أفزعت الكثير من
المنظمات النسوية التي ترى في القانون النافذ ضمانة لحقوق المرأة اكبر
من سواه، لكن ولغرض وضوح الصورة لابد وأن ننظر إلى أحكام قانون الأحوال
الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 ونرى هل فيه ما يخالف نص المادة 41
من الدستور آم انه ينسجم معها، فاننا سنجد ان أهم الأحكام التي ينظمها
قانون الأحوال الشخصية هي :-
1(. الزواج 2. الطلاق 3. التفريق 4. النفقة 5. الوصية 6. الميراث)
ولغرض توضيح الصورة بشكل أدق سأعرض لكل حالة مما ذكر في أعلاه وكما
يلي :-
1. الزواج
إن أحكام الزواج قد نظمتها أحكام المواد ( الثالثة – الحادية عشر )
في الباب الأول من القانون، وكل من يطلع عليها لا يجد فيها ما يخالف
حكم الشريعة حيث إن أحكام الزواج من الأمور التي اتفقت عليها جميع
المذاهب سوى حالة الأشهاد أثناء عقد الزواج فبعضهم يوجبها حيث نرى
فقهاء الحنفية والشوافع وباقي المذاهب الاسلامية بان عقد الزواج
لايتم (إلا بتحقق أركانه من الايجاب والقبول، وبشرط الاشهاد. وبهذا يتم
العقد الذي يفيد حل استمتاع كل من الزوجين بالاخر على الوجه الذي شرعه
الله)، والآخرون لا يقروها كالأمامية، وفي كلا الحالتين لم تكن في هذه
الأحكام ما يضر او يتعرض لأي من حقوق المرأة او الرجل، كما إنها لم
تكن نقطة خلافية جوهرية إلا فيما يتعلق ببعض الملاحظات حول القيود التي
وضعتها السلطات السابقة في تقييد تسجيل عقد الزواج وليس في انعقاده أو
شروط صحته وسأعرض لها فيما بعد.
2. الطلاق والذي افرد له القانون إحكام الباب الرابع وفيه بيان
للأحكام القانونية التي تنظم حالات الطلاق والآثار المترتبة عليه، وبما
إن الشريعة الإسلامية هي مصدر الأحكام المتعلقة بالطلاق فان جميع
المذاهب متفقة على إيقاع الطلاق من قبل الرجل واختلفت بشروط صحته
واتمامه، فبعضهم يرى إن الطلاق واقع حين تلفظ الرجل بكلمة الطلاق
والبعض الآخر يرى فيه التغليط بان يكون هناك شهود في محل الطلاق وان
تكون المرأة في حالة طهر عند ايقاعه وهو ما موجود عند الامامية على
خلاف المذاهب الأخرى لا يصح الطلاق إلا بحضور شاهدين حيث أن بقية
المذاهب لا تشترط ذلك الأمر لصحة الطلاق (ولا بد من حضور شاهدين،
يسمعان الإنشاء سواء قال : لهما إشهدا أو لم يقل. وسماعهما التلفظ، شرط
في صحة الطلاق. حتى لو تجرد عن الشهادة، لم يقع، ولو كملت شروطه الآخر.
وكذا لا يقع بشاهد واحد ولو كان عدلا، ولا بشهادة فاسقين بل لابد من
حضور شاهدين ظاهرهما العدالة) والخلاف الاخر المتعلق بطهر الزوجة
الغير موطوءة فيه وقت ايقاع الطلاق وهذا يدخل في باب التغليظ من اجل
منع التساهل في تداوله كونه يتعلق بمصير اسرة وانه ابغض الحلال عند
الله (إذ يستوجب بعض فقهاء المذاهب الإسلامية ومنهم الامامية أن تكون
المرأة وقت الطلاق في غير حالة الحيض أو النفاس من بعد الولادة وان لا
تكون موطوءة بين حيضتين ويعتبر هذا في المدخول بها، الحائل والحاضر
زوجها، لا الغائب عنها مدة يعلم انتقالها من القرء الذي وطأها فيه إلى
آخر. فلو طلقها وهما في بلد واحد، أو غائبا دون المدة المعتبرة، وكانت
حائضا أو نفساء كان الطلاق باطلا، علم بذلك أو لم يعلم. أما لو انقضى
من غيبته، ما يعلم انتقالها فيه، من طهر إلى آخر ثم طلق صح، ولو اتفق
في الحيض أما الغير مدخول بها فيصح الطلاق وان كانت حائض).
فهذه هي أهم نقاط الخلاف أما فيما يتعلق ببعض الفقرات التي أضيفت
إلى نص القانون والتي تحتاج إلى إعادة نظر وسأذكرها فيما بعد.
3. احكام التفريق سواء القضائي والرضائي فانها جميعاً مستمدة من
احكام الشريعة الاسلامية كونها المصدر الرئيسي لاحكام التفريق والطلاق
ولتعلق التفريق والطلاق والزواج بالحلال والحرام فان المرجع هو الشريعة
الاسلامية وهي محل مراعاة ونظر عند كل من يتصدى لتلك الامور، والمذاهب
قد اتفقت جميعا على احكام التفريق بان تكون بوجود زواج صحيح وان ولي
الامر هو الذي يقضي بالتفريق وليس احد سواه الا ان هناك بعض الفروق
البسيطة المتعلقة في الطلاق الخلعي اذ نرى ان جميع المذاهب تعتبر
الطلاق الخلعي طلاق بائن لايحق للطرفين الرجوع الى بعضهما الا بمهر
وعقد جديدين عدا الامامية فان الطلاق الخلعي عندهم من الممكن أن ينقلب
إلى طلاق رجعي إذا رجعت المرأة عن بذلها بمعنى انها رجعت عن تنازلها عن
حقوقها وتمسكت بالمطالبة بها او طلبت اعادت ما افتدت به نفسها ويحق
للزوج ان يرجع بزوجته اثناء العدة الشرعية (لو رجعت الزوجة عن بذلها في
عدة الخلع والمباراة جاز للزوج أيضا ان يرجع إليها، فينقلب الطلاق
البائن رجعيا).
4. قضايا النفقة والحضانة والرضاع فانها مستمدة من احكام الشريعة
الاسلامية الا ان القانون اخذ بمراعاة تغير الاحوال والظروف متأثراً
ببعض المبادئ والافكار التي سادت حين اصدار القانون او فيما بعد الا
انها بمجملها لم تكن تتقاطع مع الثوابت الاسلامية وانما وجد المشرع لها
مجالاً للاجتهاد فاعطى حكمه فيها الا انه ترك تقدير تلك الاحوال الى
سلطة القضاء.
5. فيما يتعلق باحكام الميراث فان المشرع حدد بعض الحالات على سبيل
الوجوب وان كانت تختلف عن مذهب المتوفي وهي حالة ميراث البنت فجعلها
كالولد تحجب الاخرين بينما ترى بعض المذاهب إن البنت ترث نصف التركة في
حال انفرادها بالميراث. والمشرع العراقي حينما أورد هذا المبدأ لم يكن
من خارج نطاق اجتهاد الفقه الاسلامية اذ انها فكرة قد تبنتها بعض
المذاهب الاسلامية وانها لا تتقاطع مع ثوابت القرآن والشريعة الاسلامية
ومنها الامامية اذ عندهم في الميراث (حكم الاناث إذا لم يكن معهن ذكور،
فسهم البنت الواحدة النصف، وسهم البنتين أو البنات الثلثان، والباقي
يرد عليها إن كانت وحدها). اما بقية احكام الميراث فانها تخضع على وفق
احكام مذهب المتوفى من حيث الاستحقاق والتوارث والحجب والحرمان، علماً
ان هذا الجدل والخلاف لا يتعلق باصحاب الفروض الذين اقر لهم نصيبهم
القران الكريم، بل في حالة ذوي الأرحام التي خضعت لاجتهاد فقهاء
الشريعة الإسلامية.
لذلك ومن خلال ما تقدم نجد ان القانون النافذ لم نجد فيه ما يخالف
نص المادة (41) من الدستور اذ ترك الناس يعملون على وفق مذهبهم فيما
يتعلق بالعلاقات المنظمة لشؤون الاسرة من زواج وطلاق وميراث وفي
تطبيقات القضاء يجد المطلع على ان القضاء يراعي مذهب كل شخص عند التصدي
لواقعة معينة وهذا ما استقر عليه العمل القضائي منذ تأسيس الدولة
العراقية وحتى الآن وهذا قد حافظ على مبدأ ان يكون الناس احرار في
اتباع أحكام مذاهبهم.
الملاحظات حول القانون النافذ
إن قانون الأحوال الشخصية النافذ رقم 188 لسنة 1959 المعدل لا يخلو
من ان بعض الأحكام الواردة فيه ستكون محلاً للنقد والملاحظة وما أراه
فيه اعرضه كما يلي :-
1. ان الشريعة الاسلامية سمحت وبكل مذاهبها الى تسهيل مهمة
الزواج حتى تتحقق غاية الخالق في خلقه في المودة والرحمة والتناسل
ودوام الحياة واستمرارها، لكن ما ورد في بعض احكام الزواج في القانون
سارت على خلاف ذلك وبدأت بتغليظ الشروط وعرقلتها وهذه الشروط لم تكن
سبب في بطلان عقد الزواج اذا ما تم على خلاقها وانما يرتب جزاءات نص
عليها القانون ومنها اشتراطه لان يسجل العقد في المحاكم حصراً ومن
يتزوج خارجها ويسعى لتوثيقه يتعرض الى المسائلة القانونية على وفق
احكام المادة 10/5 احوال شخصية علماً ان الذي يتزوج خارج المحكمة لا
يؤثر ذلك في صحة عقده ويعتبر العقد صحيحاً ومرتباً لأثاره الشرعية
والقانونية من حيث النسب والتوارث والنفقة.
2. كذلك اشتراط إذن القاضي في حال سعي الرجل الى الزواج
بامرأة ثانية او ثالثة ويترتب جزاء قانوني على من يفعل ذلك بعقوبة
شديدة تصل الى حد السجن لمد خمسة سنوات تقريباً علماً ان زواج الرجل
من امرأة ثانية او ثالثة او رابعة دون اذن القاضي لا يؤثر في صحة عقد
الزواج اطلاقا بل ويرتب اثره الشرعي والقانوني من حيث النسب والتوارث
والانفاق، الا ان القانون ورد فيه استثناء بجواز الزواج من ارملة
كامرأة ثانية دون اذن القاضي على وفق احكام الفقرة (7) من المادة
الثالثة من القانون ولا احد يعلم سبب هذا الاستثناء وقصره على الأرملة
دون المطلقة إلا ما سرب من أخبار وتبريرات في حينه لمعالجة حالة
الأرامل التي تعاظمت من جراء الحرب العراقية الإيرانية.
3. في بعض أحكام الطلاق أجد ان المشرع كان موفقاً عندما شرع
القانون في حينه، الا ان بعض التعديلات التي أدخلت عليه أرى ان يعاد
النظر فيها ومنها عدم قبول الوكالة في الطلاق المشار اليه في الفقرة
(ثانيا) من المادة (الرابعة والثلاثين) وهذا لا يتفق مع منطق العقل
وفقه الشريعة اذ تطور الحياة وانتقال الناس في البلدان يوجب بعد
الإقامة عن وطن احد الزوجين ولا يستطيع ان يحضر أحيانا إلى بلد الزوجة
لإيقاع الطلاق فكان الأجدر أن تقبل الوكالة على أن تكون مختصة بإيقاع
الطلاق مع ذكر تفاصيلها مثلما تتم الوكالة بالزواج.
4. وكذلك ما جاء في الفقرة (3) من (المادة التاسعة والثلاثين)
حول التعويض عن الطلاق التعسفي التي ارى انها لا تنسجم وحكم الشريعة
الإسلامية وإنما يمكن إدخالها في باب التعويض عن الضرر على وفق تحقق
احكام المسؤولية المدنية واحكام القضاء الاعتيادي ولاسباب اخرى كثيرة
ارى فيها ذلك الامر.
اذن بعد ان توضح لدينا ان احكام القانون النافذ لا تبتعد كثيراً عن
نص المادة 41 من الدستور العراقي الا فيما يتعلق بالملاحظات التي
ذكرتها والتي استقرأتها من الدستور العراقي ومن خلال العمل في محكمة
الاحوال الشخصية كمحام وكقاضي ولمدة طويلة، وما يمكن ان يثير التخوف لا
وجود له وان بقاء النص الحالي بعد تعديل البعض القليل من مواده سيكون
منسجماً ومتفقاً ومتطابقاً مع نص المادة 41 من الدستور النافذ.
وكذلك بالنسبة للذين يعارضون وجود نص المادة 41 من الدستور فان
خوفهم وتوجسهم لا مبرر له حيث ترك النص السلطة التقديرية الى الهيئة
التشريعية لتنظيم ذلك بقانون أي ان الامر سوف لن يترك سائب مثلما يتصور
البعض او يسعى لتصويره، وانما يصدر ويشرع قانون جديد يحل محل القانون
السائد والنافذ بمعنى إن الأمر سوف يكون خاضع لآليات إصدار القوانين عن
طريق البرلمان.
وحتى لو ألغيت المادة (41) وعلى سبيل الفرض، إلا يستطيع البرلمان
الحالي من تعديل نصوص القانون النافذ وإفراغه من محتواه وإيراد أحكام
قانونية جديدة تنسجم وافكار اغلبية البرلمانية ؟ الجواب انه يستطيع لان
القانون قابل للتغيير والالغاء بموجب قانون له نفس قوة القانون النافذ.
وفي خلاصة القول أجد إن الأمر منسجم ومتفق بين المادة (41) وأحكام
القانون النافذ ولا يوجد أي تقاطع او ما يثير التوجس تجاه ما موجود من
احكام لان القضاء في الوقت الحاضر وعلى وفق احكام القانون النافذ يراعي
اختلاف المذاهب بالنسبة للنقاط الخلافية وانه يحقق غرض وهدف نص المادة
(41) من الدستور ولا ارى حاجة لالغاء نص المادة (41) او تغير القانون
رقم 188 لسنة 1959 المعدل بمجمله الا من خلال ازالة بعض القيود التي
وضعها المشرع في الفترات الماضية والتي لا تؤثر في صحة الأحكام الشرعية
وأرفق طي هذه الورقة بعض الآراء التي سبق وان نشرت في الصحف ذات الصلة
بما تقدم.
.......................................................
الهوامش
1. فقه السنة - الشيخ سيد سابق ج 2 ص 9
2. شرائع الإسلام - المحقق الحلي ج 3 ص 588
3. نفس المصدر السابق
4. - المسائل المنتخبة- السيد علي السيستاني ص 432 :
5. - المراسم العلوية- سلار بن عبد العزيز ص 223 :
6. المادة العاشرة الفقرة 5 تنص على ما يلي ( يعاقب بالحبس
لمدة لاتقل عن ستة اشهر، ولا تزيد على الف دينار، كل رجل عقد زواجه
خارج المحكمة، وتكون العقوبة الحبس مدة لاتقل عن ثلاث سنوات، ولاتزيد
على خمس سنوات، اذا عقد خارج المحكمة زواجا آخر مع قيام الزوجية )
واضيفت هذه الققرة بموجب التعديل الثاني بالقانون رقم 21 لسنة 1987
7. تنص الفقرة (4) من المادة الثالثة من قانون الاحوال
الشخصية رقم 188 لسنة 1959 المعدل على ما يلي ( لا يجوز الزواج باكثر
من واحدة الا باذن القاضي ويشترط لاعطاء الاذن تحقق الشرطين الناليين :
1ـ ان تكون للزوج كفاية مالية لاعالة اكثر من زوجة واحدة. ب ـ ان تكون
هناك مصلحة مشروعة.)
8. اضيفت الفقرة (7) الى القانون بموجب قانون التعديل
السادس رقم 189 لسنة 1980 والتي تنص على مايلي ( استثناء من احكام
المادتين (4) و (5) من هذه المادة يجوز الزواج باكثر من واحدة اذا كان
المراد الزواج بها ارملة )
9. تنص الفقرة ( ثانيا من المادة ( الرابعة والثلاثين) من
قانون الأحوال الشخصية رقم 188 لسنة 1959 على ما يلي( لا يعتد بالوكالة
بالطلاق في إجراءات البحث الاجتماعي والتحكيم وفي إيقاع الطلاق) ونسخ
النص المذكور النص المنسوخ بموجب قانون التعديل الخامس رقم 156 لسنة
1980
10. تنص الفقرة (3) من المادة ( التاسعة والثلاثين ) على
مايلي ( اذا طلق الزوج زوجته وتبين للمحكمة ان الزوج متعسف في طلاقها
وان الزوجة اصابها ضرر من جراء ذلك، تحكم المحكمة بطلب منها على مطلقها
بتعويض يتناسب وحالته المادية ودرجة تعسفه، يقدر جملة، على ان لا
يتجاوز نفقتها لمدة سنتين علاوة على حقوقها الثابتة الاخرى ) اضيفت تلك
الفقرة بموجب قانون التعديل التاسع رقم 51 لسنة 1995
SALM1956@MAKTOOB.COM |