البطالة قنبلة موقوتة تهدد المجتمع في فلسطين

غزة/ تقرير: رامي الغف

 أزمة بطالة

تعتبرمشكلة البطالة في الأراضي الفلسطينية من أكبر المشاكل التي تواجه الشعب الفلسطيني بسبب الممارسات التعسفية الإسرائيلية ضده، حيث الاغلاقات المتكررة للمعابر والحدود، والأطواق الأمنية الشاملة والجزئية ولفترات متفاوتة في الطول والقصر، ونشر العديد من الحواجز العسكرية على مداخل المدن والبلدات الفلسطينية وعلى طول الطرق الرئيسية، الأمر الذي حال دون تنقل المواطنين الفلسطينيين بين مدنهم وقراهم.

فالتدهور الحالي في الاقتصاد الفلسطيني يوضح بصورة قاطعة البطالة والزيادة في معدلات الفقر وانتشار الكساد وهذا كله ينبع بشكل رئيسي من التبعية الاقتصادية لهذا فإن قضايا الطبقة العاملة الفلسطينية في هذا الوضع تحتل مركزاً متقدماً  وخاصاً بعد ما بدأت مؤشرات البطالة ترتفع بشكل حاد، وبعد الأحداث الأخيرة التي مرت بها المنطقة بلغت نسبة البطالة أكثر من 60% مما كان له تأثيره المباشرة على شعبنا الفلسطيني عامة والطبقة العاملة بشكل خاص لاسيما أن الأيدي العاملة تعتبر الركيزة الأساسية والعماد الأساسي للاقتصاد الفلسطيني.

وبحسب خبراء اقتصاديين فان من أسباب ازدياد معدلات البطالة في وضعنا الراهن هو عدم تمكن أكثر من 120 ألف عامل من دخول الخط الأخضر نتيجة فرض الطوق الأمني. وتدمير البني الاقتصادية وبعض المشاريع والمصانع التي تستوعب أعدادا من العمال.ومنع دخول المواد الخام اللازمة للصناعة مما عرقل إدارة العملية الإنتاجية.والخسائر والأضرار التي تعرض لها القطاع الزراعي نتيجة الاقتلاع والتجريف والتخريب.والحصار المفروض على المعابر والمطار والمنفذ البحري. ومنع حرية التنقل عبر المناطق المختلفة مما عطل الكثير من الوصول إلى أماكن عملهم.

وعن الآثار المترتبة على مشكلة البطالة ذكر هؤلاء الخبراء أن البطالة تراجع التطور العام للاقتصاد الفلسطيني بالنسبة للموارد والتجارة أو التشغيل والأسواق وكذلك الأمر بالنسبة للعمالة.وتزايد حجم الشرائح الاجتماعية الفقيرة في المدن والقرى والمخيمات.والتراجع في تنفيذ مشاريع البنية التحتية وغيرها من المشاريع الاستثمارية بما يؤدي إلى ضياع الكثير من فرص العمل.وتراجع مساهمة الزراعة والصناعة في الناتج المحلي الإجمالي بسبب السياسات الإسرائيلية بما يؤدي إلى ارتفاع معدلات البطالة.و الهبوط المتدرج في دخل الفرد السنوي وانعكاساته على الأسرة الفلسطينية والعملية التنموية بشكل عام.

محددات رئيسية للبطالة

ووفق هؤلاء الخبراء فان هناك محددات رئيسية لمشكلة البطالة في الاقتصاد الفلسطيني ومنها، المحدد الإسرائيلي. فإسرائيل تلعب دورا مركزيا في تفشي مشكلة البطالة في الاقتصاد الفلسطيني عبر السياسات التي تتبعها مثل الإغلاق والحصار وتقطيع أوصال المناطق الجغرافية الواحدة وعرقلة حركة التصدير والاستيراد…الخ. إضافة إلى المحدد الفلسطيني: فالاقتصاد الفلسطيني اقتصاد في طور البناء وهو يفتقر لبنية تحتية اقتصادية تمكنه من الاعتماد على نفسه وأن يعمل بشكل مستقل بعيدا عن التبعية بعجلة الاقتصاد  الإسرائيلي وهو لا يملك القدرات التي تؤهله من استيعاب كافة القوى العاملة الفلسطينية التي تزيد عن 600.000 عامل. ولكنه تراجع خلال التسع شهور الماضية تراجعاً حاداً حيث تشكل التبعية الاقتصادية الإسرائيلية عاملاً هاماً في كونه غير مهيأ لعملية الانطلاق. كذلك إلى المحدد الخارجي: يتمثل في الدول المانحة والراعية للاتفاقات بين الجانبين الفلسطيني والإسرائيلي ونلاحظ تراجعاً هاماً في عملية التمويل وعدم رعاية أي من الدول المانحة لعملية تشغيل العاطلين عن العمل أو الضغط على الحكومة الإسرائيلية لتشغيلهم أو تعويضهم. وبالإضافة إلى المحدد العربي: غياب الدور العربي من المساهمة في تشغيل العاطلين عبر برامج معينة، فرغم وجود قرارات عدة للقمة العربية بتشكيل صناديق دعم للانتفاضة أو متضرريها، وقدرة الدول العربية على تبني مشاريع تستطيع من خلالها الحد من ظاهرة البطالة، إلا أنها لم تنفذ حتى الآن.

مفهوم البطالة

ووفق تعريف منظمة العمل الدولية فإن العاطل عن العمل هو كل إنسان قادر على العمل وراغب فيه ويبحث عنه ويقبله عند الأجر السائد ولكن دون جدوى"، وتعتبر البطالة أخطر مرض اجتماعي يواجهه المجتمع لما يترتب عليه من آثار اجتماعية سيئة تتمثل في أمراض وشرور اجتماعية ومشاكل عائلية  قد تؤدي إلى تفكك المجتمع الذي تنشر فيه وتستفحل ويؤدي إلى انقسام هذا المجتمع وتشوه القيم الأخلاقية والاجتماعية.

تصحيح البنيان الاقتصادي

وفي هذا السياق أكد الخبير التنموي تيسير محيسن من جمعية التنمية الزراعية أنه وبحسب الإحصائيات الموجودة فإن نسبة البطالة في المجتمع الفلسطيني قد بلغت مستويات غير معهودة من قبل وقد نتج عن ذلك سقوط فئات وشرائح جديدة في حفرة الفقر حيث أصبح أكثر من 65% من المجتمع الفلسطيني يقع تحت خط الفقر أي أقل من دولارين في اليوم للفرد، وتشير هذه الإحصائيات إلى أن فئة الشباب الذكور تشكل نسبة 45% من العاطلين عن العمل، فيما ترتفع هذه النسبة بين الشابات عن العمل لتصل إلى 93% أي نصف الشباب الذكور ومعظم الشابات الإناث هم خارج إطار العملية الإنتاجية، وأضاف محيسن أن خطورة البطالة تكمن في كونها تحد من القدرة على الاستفادة من القدرات والموارد البشرية في التنمية.

وأشار محيسن أن هناك سياسات وحلول إستراتيجية للحد من انتشار ظاهرة البطالة من خلال الاستثمار في مختلف قطاعات الاقتصاد الوطني وهذا يقتضي تصحيح البينان الاقتصادي والتنمية المتوازنة لقطاعاته واستقدام التكنولوجيا الملائمة وتعزيز القدرة الذاتية التمويلية للسلطة الوطنية من بين أشياء أخرى يمكن اعتماد إستراتيجية لارتفاع المخطط والتدريجي لمعدل الادخار المحلي، وأيضًا التوظيف الجيد للمساعدات الخارجية واعتماد وتنفيذ برنامج ملائم للتنمية متوسط وطويل المدى للارتقاء بمستويات التعليم والصحة والإسكان والرعاية الاجتماعية وهو ما شكل قاعدة للارتفاع بمستوى الإنتاجية والتي تشكل بدورها أحد المصادر الأساسية للنمو والتنمية وإعادة النظر الآن ومن حين لآخر في مكونات التعليم والتدريب حتى يكون هناك توافق بين مؤهلات العمالة التي تدخل سنويًا سوق العمل ومتطلبات هذه السوق.وتعزيز مبدأ التكافل والتعاون مع مختلف القطاعات وهذا يتطلب توفير التسهيلات القانونية والإدارية من قبل السلطة الوطنية الفلسطينية وممارسة التخطيط الاستراتيجي للتحرك صوب التنمية الإنسانية المستدامة.

ارتفاع نسبة البطالة

من ناحيته قال خالد عبد الغني من الاتحاد العام لعمال فلسطين:لقد وضعت الإجراءات الإسرائيلية ضد انتفاضة الأقصى الاقتصاد الفلسطيني على حافة الانهيار وأدت إلى تسارع انتشار البطالة والفقر وارتفاع حدته إلى درجات غير مسبوقة وقضت على فرص تحسن نوعية الحياة التي ظهرت في السنوات السابقة وأفرغتها من مضمونها حيث أدى الحصار الإسرائيلي الشامل وإغلاق المناطق وتدمير الكثير من المؤسسات الإنتاجية وإقامة الجدار الفاصل وتدمير المنازل والأبنية وغيرها من العمليات الإجرامية إلى فقدان عشرات الآلاف منت العمال لمواقع عملهم سواء في سوق العمل الإسرائيلي داخل الخط الأخضر أو في مناطق الفلسطينية مما أدى إلى ارتفاع نسبة البطالة وانخفاض حاد في مستوى المعيشة مما تسبب في فقدان الكثير من الأسر الفلسطينية إلى مصادر دخلها واستطاعت نسبة كبيرة من الأسر الفلسطينية مع تدني هذا الدخول عبر سياسة التقشت.

وأكد عبد الغنى أن المطلوب كحل عاجل مؤقت ومستدام لواقع البطالة: توفير شبكات الحماية المجتمعية ومنها إقرار التشريعات والقوانين واليات تنفيذها وتطوير وتعزيز قانون التأمينات الاجتماعية بالإضافة إلى تطوير صندوق التشغيل وتطوير برامج التشغيل المؤقتة وتحويل برامج المساعدات الطارئة من برامج اغاثية إلى إستراتيجية تنموية وتشجيع إقامة التعاونيات وتطوير الموجود منها باعتبارها حجر الأساس من اجل أي تنمية اقتصادية. كذلك إقامة المحاكم العمالية وتطبيق قانون العمل الفلسطيني وتوسيع وتسهيل المشاركة في سوق العمل سواء المحلي أو الخارجي.

وأضاف عبد الغني أن قضية البطالة والفقر قضية شمولية مرتبطة ارتباط كبير بالواقع الاقتصادي ككل لذلك فان الأمر يحتاج لخطة اقتصادية موضوعية وطنية شاملة تتداخل فيها وتتكاتف جميع الجهود والإمكانيات المتاحة والمؤسسات الرسمية والأهلية مع تحديد عملي واضح للأولويات.

خطة عمل لمواجهة المشكلة

ومن جهتها أشارت رشا الشرفا ممثلة منظمة العمل الدولية إلى وجوب بلورة حلول في إطار خطة عمل لمواجهة مشاكل البطالة المتزايدة والفقر الحاد في فلسطين من خلال توفير فرص عمل جديدة، مؤكدةً التزام منظمة العمل الدولية بالاستمرار في العمل مع السلطة الوطنية والشركاء الاجتماعيين من أجل إيجاد الحلول وتطبيقها على أرض الواقع، مبدية رغبة المنظمة واستعدادها التام للتعاون مع أطراف الإنتاج الثلاثة من أجل وضع الاستراتيجيات اللازمة للحد من الارتفاع المستمر لنسبة البطالة والفقر، والمضي قدماً من أجل إقامة الدولة الفلسطينية المستقلة.

ودعت الشرفا إلى إعداد سياسات نوعية وجديدة لتطوير التشغيل وخلق فرص عمل لمواكبة النمو الاقتصادي والاستثماري، وإيلاء الاهتمام لدعم التدريب المهني وتنمية الأعمال والتوجيه المهني الذي يستهدف بصورة خاصة الشباب والنساء والفئات المهشمة.

وقالت الشرفا: على الرغم من النمو الايجابي في الناتج المحلي في عام 2004 وبعد أربع سنوات من النمو السلبي في الاقتصاد الفلسطيني ازدادت معدلات البطالة، لكنها أكدت أن ما يميز أسواق العمل في الأراضي المحتلة هو الانخفاض الشديد في نسب القوى العاملة، فهناك أقل من نصف الرجال في سن العمل وأقل من 10% من النساء في سن العمل ممن يشغلون عملاً وما يتعلق بشكل خاص هو وضع الشباب حيث يبلغ معدل البطالة للفئة العمرية من (10 – 24 ) عاماً 40% أي بمقدار مرة ونصف من المعدل الإجمالي، وأضافت الشرفا أن ما يثير القلق أكثر من ذلك هو عدد الشباب الذين لا يعملون ولا يدرسون ويعانون من التعطل القسري مما يشاهدونه من الظروف الاستثنائية السائدة في الأراضي المحتلة.

نتائج اجتماعية ونفسية

ولقد كان للحصار الإسرائيلي نتائج نفسية واجتماعية على العامل الفلسطيني حيث يرى د. سمير قوته مدير دائرة البحث العلمي في برنامج غزة للصحة النفسية بأن الحصار الأخير المفروض على المناطق أثر على كافة نواحي الحياة الفلسطينية وأصاب قطاع العمل والعمال وكان له آثاره الاجتماعية والنفسية.

نظراً لأنه من أكثر أنواع الاغلاقات شدة وتعتبر هذه المرة الأولى التي تقوم فيها السلطات الإسرائيلية بفرض الحصار الداخلي على المدن والقرى والمخيمات الفلسطينية هذا بالإضافة إلى إغلاق المطار والمعابر والتي هي بمثابة الرئة التي يتنفس من خلالها الشعب الفلسطيني وخاصة الطبقة العمالية التي كانت تعمل داخل فلسطين المحتلة.

وأضاف يمكن القول بأن الحصار قد أثر على الكثير من الأسر التي لا يتمكن أفرادها من العمل داخل فلسطين المحتلة أو في المناطق الفلسطينية ويرجع ذلك لأن الكثير من المواد الخام تأتي من داخل الخط الأخضر، كما تعرض الكثير من المزارعين إلى الخسائر لعدم قدرتهم على تصدير إنتاجهم الزراعي مما سبب الكثير من الخسائر وارتفاع نسبة البطالة والتي لها مردود نفسي على السكان، ففي الوقت الذي يفقد رب الأسرة دخله فهو مطالب بتلبية وإشباع حاجات الأسرة المادية والتي في كثير من الأحيان يكون عاجزاً عنها مما يشعره بالقلق والاكتئاب النفسي.

وأضاف قوته: كما يعتبر الحصار والإغلاق من وسائل العقاب الجماعي التي تستخدمها سلطات الاحتلال الإسرائيلية لتركيع الشعب الفلسطيني وفرض الإملاءات الإسرائيلية عليه، ومن أجل تحقيق ما يتطلع إليه المجتمع الفلسطيني يجب عدم فقدان العمل وفي النهاية سوف تتحقق جميع أهدافنا الوطنية، وربما يعتبر هذا من أهم مصادر القوة التي تساعد الناس على التكيف فعندما يكون للناس هدف قوي يكون لنضالهم معنى ويكون لتضحياتهم مغزى.

وأشار قوته: ومما شك يشكل الحصار والإغلاق قدراً كبيراً من الإجهاد بالنسبة للعامل الفلسطيني وذلك على أكثر من صعيد حيث ترتب عليه فقد العامل لمصدر رزقه وبالتالي أصبح في الكثير من الأحوال غير قادر على توفير الحاجات الأساسية للعائلة كما أن ذلك يؤدي إلى زيادة نسبة البطالة والتي تضاعفت في ظل الحصار والإغلاق، وعدم قدرة العامل على إيجاد بديل محلي مما يجعله يعيش وضعاً صعباً يؤثر على حالته النفسية ويجعله عرضة للقلق والاكتئاب، للشعب الفلسطيني قدرة كبيرة على التكيف والتعامل مع هذه الظروف الصعبة، فكلنا نلاحظ سلوك العمال وهم يبحثون عن فرص عمل بديلة حتى ولو بسعر رمزي والبعض ينجح في إيجاد البديل والبعض يفشل إلا أن الكثير من العمال قد نجحوا في إيجاد بعض مصادر هذا البديل سيظل العامل مرتبطاً بالمساعدات الاجتماعية مما يجعله عرضة للتوتر في حالة عدم قدرته على إشباع حاجاته.

وقال قوته: وننصح هنا أن يحاول المجتمع الفلسطيني مساعدة تلك الفئة عن طريق إيجاد فرص عمل لهؤلاء العمال يضمن لهم العيش الكريم هذا بالإضافة إلى المؤسسات والمنظمات غير الحكومة في تقديم الدعم النفسي والاجتماعي. نتصور أن العامل وصل إلى درجة اليأس لأن الشعب الفلسطيني يتمتع بدرجة من الروح المعنوية وهو يؤمن بعدالة قضيته وربما هذا يعطيه نوعاً من القوة وسيكون له النصر في النهاية، والاعتقاد بعدالة القضية يخفف من الآثار النفسية والتوترات التي يعاني منها العامل الفلسطيني. وأخيراً فإن الحصار والإغلاق يؤدي إلى التوتر وعدم التواصل الاجتماعي بين العائلات وإن قوات الاحتلال قطعت التواصل بين الضفة الغربية والقطاع كذلك فإن بقاء الإنسان في منطقة ضيقة يجعله يشعر بالضجر عكس الإنسان عندما يعيش في بيئة واسعة فيها راحة نفسية.

حرب نفسية

من جانبه قال الدكتور نصر الوحيدي ماجستير علم نفس- بالدراسات الإنسانية رأيه وتشخيصه للنتائج النفسية والاجتماعية التي أصابت العامل الفلسطيني جراء الحصار حيث أكد أن سياسة الإغلاق والحصار كانت السبب الرئيسي للتراجع الاقتصادي منذ التوقيع على معاهدة إعلان المبادئ، ولقد أدت هذه السياسة إلى تدمير جزء كبير وهام من الاقتصاد الفلسطيني في الضفة الفلسطينية وقطاع غزة، وبلغت نسبة خسارة الدخل من العمل والتجارة خلال عام 2000 خمسون مليون دولار، إضافة إلى ما رافق ذلك من الإصابة المباشرة لعمالنا الفلسطينيين اقتصادياً ونفسياً واجتماعياً وأسرياً، وهذه السياسة هي أحد وسائل الحرب النفسية والمعنوية والاقتصادية والسياسية التي تشنها إسرائيل على شعبنا.

وأضاف الوحيدي لا شك أن أهم ما حكم حياة الناس ويولد سعادتهم هم نظرهم إلى الحياة والمفاهيم التي يملكونها، وهنا تطرح لدى الأفراد أسئلة أساسية في هذا المجال !!! لماذا وجد الإنسان ؟؟؟ ومن خلال الإجابة عن مثل هذه الأسئلة يتحدد سلوك الإنسان، وتبدو له الحياة اليومية جديرة بأن يحيياها غير أن الإنسان "العامل الفلسطيني" تكون إجابته على تلك الأسئلة مصدر قلقه واضطرابه، فالمفهوم الذي يحمله هذا العامل عن معترك الحياة اليومي هو الذي يحدد ما يهتم به والأهداف التي يسعى من أجلها ولتحقيقها حتى ولو أدى ذلك إلى الموت في سبيلها. إن عمالنا هم الذين يصنعون تاريخهم بأيديهم ولكن مع سياسة المحتل الصهيوني الغاشم من حصار وإغلاق تجعلهم لا يدرون أي تاريخ يصنعون، وبعد هذه السياسة العدوانية العنصرية أصبح عمالنا قدر الحيرة وما أشقاه من قدر، وللهروب من هذا يبحث عمالنا عن حريتهم وعن معنى حياتهم في تحقيق ذاتهم، فالبحث عن تحقيق الذات يقودهم إلى الإفراط في كل شيء، ويقود بالتالي إلى خيبة الأمل التي تؤدي إلى الانفجار والتمرد على شيء.

فهذا العامل أبو محمد يبلغ من العمر ثلاثين عاماً فقد عمله نتيجة سياسة الحصار والإغلاق وهو يعيل أسرته المكونة من زوجته وأبنائه الثلاثة وبناته الأربعة، يندفع مرغماً للبحث عن عمل أو عن مساعدة.

لاحظ في المدة الأخيرة أنه يصاب بغثيان قبل موعد تسلمه لراتبه المعتاد أيام عمله قبل الانقطاع، حينها يصاب بنوبة من الصداع الشديد والشعور العميق بالقدر المشئوم وأنه محكوم عليه بالإحباط والفشل والقصور مقدماً، ويحدث أن يتوجه إلى مراكز المساعدة مثل الوزارات والنقابات وغيرها ولكنه ما يلبث إلا قليلاً حتى عائداً إلى البيت متحججاً بالشكوى من الأنفلونزا شعوره بالخوف من الإحباط والفشل يجعله أكثر توتراً ويشعر بضيق النفس ولذلك فهو غير قادر على إدارة دفة الأمور في الأسرة، إنه ينام من 13-16 ساعة يومياً، ولديه قناعة بأنه مصاب بفقر الدم والربو وهو يكره علاقة الاعتماد على المساعدة الخارجية، تصاحب حالة القلق لديه حالة من التنفيس السريع والعرق والانفجار لأتفه الأسباب ويشكو دائماً م الصداع والغثيان.

وأشار الوحيدي: ودراسة لحالة عامل فلسطيني آخر فقد عمله نتيجة سياسة الحصار والإغلاق الإسرائيلي تبين لنا أنه لا يأبه بإحساس الآخرين وتصبح معاملته مع الآخرين فظة، وينحدر لديه الإحساس بالمعايير والقيم الاجتماعية السائدة وبالمسؤولية وبالقدرة على عقد الصداقات الدائمة حتى وإن كان باستطاعته البدء فيها، ولا يتحمل الإحباط ويسرع في اللجوء إلى العنف والعدوانية، ويميل إلى إلقاء اللوم على الآخرين وعلى إيجاد مسببات منطقية لسلوكه. فالعامل الفلسطيني الآن يعيش حالة من الضياع والتشتت والقلق والاضطراب نتيجة لسياسة الحصار والإغلاق الصهيوني على المناطق الفلسطينية، ويزيد من خطورة الأوضاع القائمة اشتداد وعي العامل لهذه الأوضاع وتزايد إدراكه لكل شيء من زاوية التشتت وعدم اليقين والعجز عن السيطرة، وبمعنى آخر يعشش في رأس العامل الخوف من الحاضر والمستقبل وبمقدار ما تقدم به الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين من حلول ومساعدات للعمال الفلسطينيين العاطلين عن العمل يسود لديه أكثر فأكثر الشعور بخيبة الأمل بخيبة الأمل والإحباط وبتلاشي الأنظمة، وبعدم استقرار الهيئات والمؤسسات، بعدما استقرار كيان المجتمع وتركيبته !

 على حال وهذه تولد لدى العامل الفوضى الهدامة والفاسدة وتعرض حياته الآنية والمستقبلية وأسرته لمخاطر كبيرة تؤدي لتهديم ذاتي وكلي.

وأضاف: لعل العامل الفلسطيني الذي يشكل جزءاً كبيراً من تركيبة المجتمع الفلسطيني من الناحية الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والكلية تدهوره يؤدي إلى فقدان المجتمع رافداً حيوياً وهاماً في بنائه وبناء البنية التحتية ويؤدي إلى تعطيل مسيرة الحياة الاجتماعية والأسرية بوجه عام، وهذه تترك تأثيراتها النفسية على الأسرة وعلى المجتمع بوجه عام ويفقد أبناؤنا كثيراً من متطلباتهم الضرورية والأساسية، ولقد أصيبوا بشعور فقدان الأمن والنظرة السوداوية للأمور ولقد تدهورت بعضاً من الروابط الأسرية بين الآباء والأبناء وأدى إلى انشغال ذاكرة الأبناء دون التطلع إلى هدف أو إلى المستقبل بعين الأمل نتيجة لفقدان رب الأسرة عمله، وهذه السياسة هي أحد وسائل الحرب النفسية والمعنوية والاقتصادية والاجتماعية التي تشنها إسرائيل على أبناء شعبنا الفلسطينيين للنيل من كرامته وحريته، وهكذا فالعامل الفلسطيني أمام هذا الواقع القلق يجد نفسه إلى حد ما غريباً لا تتبين نظامه ووحدته ومعناه، ويلقي ذاته وجهاً أمام واقع متأرجح مجزأ يتساءل فيه عن هويته ووجوده الخاص، وقد يقوده ذلك إلى حالة من الغضب نتيجة لعدم إشباع رغبة خاصة به وبأسرته، وكذلك يصاب عمالنا بحاجة من التشاؤم لما يتعرض له العمال من صدمات ومحن، وفي أحيان أخرى يقوده القلق والخوف إلى عدم الانفعال ويكتفي بأن يشاهد ذاته وكل شيء دون الالتزام بشيء.

وأشار: ولقد وجد العامل الفلسطيني نفسه أمام وضع مشتت ومبعثر وهذا كله زاد من عوامل القلق والاضطراب والإحباط والفوضى لفقد أخذ التمزق والانفصام والتشتت يفعل فعله، وأما حالة العنف التي تتولد نتيجة لسياسة الحصار والإغلاق تلبس ثوباً يصعب الحد منها وهكذا وجد العمال الفلسطينيون أنفسهم دون أي إرث سوى مساعدة الاتحاد العام لنقابات عمال فلسطين التي تخفف جزءاً من معاناتهم.ومما لا شكل فيه أن سياسة الحصار الإسرائيلي على العمال لها نتائج سياسية أثرت على المجتمع الفلسطيني بشكل عام وعلى الطبقة العمالية بشكل خاص.

يصنع الإرادة القوية

وبحسب خبراء بالصحة النفسية فان للعمل فوائد وهي إشباع الحاجات النفسية: حيث يسهم العمل في إشباع حاجات الإنسان النفسية كالحاجة إلى الاحترام والتقدير، وإلى إثبات الذات، والاستقرار الباطني، والاطمئنان النفسي، وغيرها من الحاجات النفسية والمعنوية. والعمل يقوي كيان الإنسان المعنوي، كما أنه يصفي الروح، ويصقل الضمير الإنساني، ويجلي المواهب الباطنية، ويهذب النفس الإنسانية، وينمي الروح الاجتماعية، ويصنع الإرادة القوية. والعمل يوفر المتطلبات المادية وهو الذي يجعل الإنسان قادراً على توفير حاجاته المادية، من أكل وشرب ومسكن وسيارة وغيرها من اللوازم الضرورية والثانوية في حياة الشباب، فالعمل ضرورة حياتية وشخصية، فلا حياة سعيدة لمن لا عمل له، إذ يفقد القدرة على توفير ما يحتاج إليه من لوازم وحاجات لا يمكن الاستغناء عنها لأي إنسان كان، ولذلك يسعى كل إنسان إلى تأمين عمل مناسب له كي يتمكن من إشباع حاجاته المادية والأساسية. والعمل ينشط الاقتصاد حيث إن توظيف الشباب يحقق تنشيطاً للاقتصاد، إذ أن الاقتصاد عبارة عن دورة مالية، أضف إلى ذلك أن لدى الشباب من القدرات والإمكانات والفاعلية والحماس والطموح والنشاط ما يساهم في تنمية الاقتصاد، وخلق روح جديدة فيه. ومن دون توظيف الشباب يتعذر دفع عجلة الاقتصاد، خصوصاً إذا علمنا أن أعلى نسبة في القوى العاملة هي تلك التي تضم شريحة الشباب. والعمل يحافظ على الأمن الاجتماعي حيث يؤدي توفير فرص وظيفية للشباب إلى خلق حالة من الأمن الاجتماعي، في حين أن البطالة وعدم قدرة الشباب في الحصول على الوظائف والأعمال المناسبة يساهم في انتشار الجرائم، وكثرة السرقات، مما يؤدي إلى الإخلال بالأمن الاجتماعي العام. وخلق المزيد من الوظائف لجيل الشباب يساهم كذلك في دفع عجلة الحياة الاجتماعية إلى الأمام، إذ أن كل فرد من أفراد المجتمع الإنساني عندما يعمل يشعر أنه عضو فعال في المجتمع، وأنه مساهم في التنمية الاجتماعية، وبالتالي يهمه الحفاظ على البيئة الاجتماعية، وعلى الأمن الاجتماعي، باعتباره الضمان للحياة الاجتماعية السعيدة. والعمل يعزز البناء الحضاري حيث إن البناء الحضاري يبدأ من بناء الشباب وإعدادهم إعداداً متكاملاً ومتوازناً كي يكونوا بمستوى البناء والتحدي الحضاري، والمنافسة الحضارية بين الأمم والشعوب.التقدم في مجال العمل والصناعة والاقتصاد من محاور البناء الحضاري، وهذا ما لا يمكن تحقيقه إلا عندما يتحول الشباب إلى قوة عاملة وفاعلة ومنتجة.

 إن توظيف عقول الشباب، واستثمار قدراتهم ومواهبهم، والاهتمام الخاص بالأذكياء والموهوبين، وتشجيع روح الإبداع والابتكار والاختراع والاكتشاف هي من الخطوات الرئيسية نحو بناء حضاري مشرق، ونهضة علمية زاهرة.

[email protected]

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 12 آذار/2007 -22/صفر/1428