التناغم السعودي الايراني: اخماد للطائفية ام تقاسم للنفوذ ام مجرد مظاهر دبلوماسية؟

شبكة النبأ: اختتم العاهل السعودي الملك عبدالله والرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد مؤتمر القمة غير العادي بينهما بوعد بإعادة الدفء الى علاقات بلديهما اللذين يشكلان قوتين اقليميتين، الا انهما لم يحددا أية خطط ملموسة لمعالجة الأزمات السياسية والطائفية المتصاعدة في منطقة الشرق الأوسط. ومن الملاحظ حسب نيويورك تايمز ان زيارة نجاد للسعودية أحيطت بلا ريب بمظاهر عامة تنم عن الدفء والصداقة بين الزعيمين اللذين تعانقا وأمسكا بأيدي بعضهما في مؤشر عربي للصداقة الوثيقة التي تربطهما، كما ابتسما امام كاميرات الصحافة.

بيد ان المحللين انقسموا في نظراتهم الى ما يمكن ان يتمخض عن القمة. فبينما يرى بعضهم ان هذه القمة، التي عقدت بناء على رغبة ايرانية، تعهدت بوقف دورة التأرجح على حافة الهاوية في المنطقة، حيث ركز البلدان على حلول بناءة لإنهاء خلافاتهم، يقول المشككون ان غياب أية حلول معينة ملموسة، وعدم وجود مبادرات، اضافة لاستمرار أحمدي نجاد في أقواله المتبجحة، يشير الى ان اللقاء بين الجانبين لم يكن سوى هجوم في مجال العلاقات العامة الغاية منه مساعدة ايران على تحسين صورتها في الداخل وفي العالم العربي في وقت تتصاعد فيه احتمالات المواجهة مع الولايات المتحدة.

ومعروف ان العلاقة بين ايران والمملكة العربية السعودية اتسمت بالتعقيد منذ وقت بعيد وتميزت بتباين المصالح في الشرق الأوسط، وبالسعي المشترك لإرساء الاستقرار بالمنطقة.

ففي الوقت الذي تعتبر فيه المملكة العربية السعودية حليفا قويا للولايات المتحدة، تبرز ايران كعدو رئيسي لأمريكا كما تنافست ايران والسعودية لتصبح كل منهما قوة اقليمية مهيمنة في الشرق الأوسط ترفع راية الاسلام.

كما ترى كل منهما نفسها مدافعة عن الطائفة التي تنتمي اليها في منطقة تغيرت الحسابات فيها بشكل دراماتيكي بعد غزو أمريكا للعراق، وسقوط صدام حسين، فيما بعد.

وفي هذا السياق دعا الامير تركي الفيصل السفير السعودي السابق في الولايات المتحدة الاربعاء الى اقامة "هلال خصيب" يمتد من العراق الى لبنان وتكون "لسوريا صدارة فيه" بدلا من "الهلال الشيعي" مؤكدا ان السعودية وايران اتفقتا على "اخماد نار الطائفية". حسب تقرير نقلته وكالة فرانس برس.

وقال الامير تركي في كلمة امام المؤتمر السنوي لمركز الامارات للدراسات والبحوث الاستراتيجية في ابو ظبي "دعوني اقولها بملء فمي: عوضا عن الحلم بهلال شيعي او التخوف منه يمكن ان نعمل معا لبناء هلال خصيب يمتد من العراق حتى لبنان تكون لسوريا صدارة فيه وللاردن حصة فيه ولفلسطين زاوية فيه".

واضاف الامير تركي ان هذا الهلال "ينشغل بالبناء والرخاء والسعادة وتستفيد منه دول الخليج كافة ليكون هلالاً نتفق عليه لا هلالاً نختلف عليه".

واكد ان المملكة وايران اتفقتا خلال القمة بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الايراني محمود احمدي نجاد "على اخماد نار الطائفية المشتعلة في العراق واطفاء جذوتها في لبنان".

وتابع "لذلك افضل النظر الى ايران بوصفها دولة جارة وصديقة تربطنا بها روابط تاريخية ومصالح اقتصادية" مشددا على انه "اذا كان هناك خلاف مذهبي بين ايران ودول المجلس فيجب الا يؤدي هذا الخلاف المذهبي الى اي نوع من العداء والكراهية".

الى ذلك اكد تركي الفيصل ان "الازمة اللبنانية مستمرة". لكنه رأى ان "حدتها خفت بعض الشيء بفضل التواصل السعودي الايراني" الذي تكلل بزيارة الرئيس الايراني الى الرياض.

وقال الامير تركي ان "المملكة وجدت انه من الضروري فتح حوار مع ايران بدلا من الصراع معها في لبنان لان الصراع سيضر اولا باللبنانيين كلهم ثم بالعلاقة بين الجارين الكبيرين على ضفتي الخليج واخيرا سوف يضر اي صراع بالعلاقة المتوترة اصلا بين السنة والشيعة".

واكد ان "المساعي مستمرة" لحل الازمة السياسية الحادة في لبنان حيث تطالب المعارضة وعلى راسها حزب الله الشيعي المدعوم من ايران وسوريا باسقاط حكومة فؤاد السنيورة السني القريب من السعودية والمدعوم من الغرب وتشكيل حكومة وحدة وطنية.

وتابع ان "المبدأ الذي تنتهجه المملكة" بشأن الازمة اللبنانية هو "التفاوض وليس التهديد او القوة العسكرية او الضغوط السياسية" معتبرا ان هذا "المبدأ يستند الى حقيقة قوامها ان شعوب المنطقة تريد العيش الكريم والأمن والاستقرار مع الحرية والكرامة".

واضاف انه "منطق سليم. عندما نتفق عليه مع الطرف الآخر نستطيع ان نحل كل مشاكلنا ولا يبقى حينها اختلاف حول تشكيل محكمة دولية تقضي بالحق في قضية (..) رفيق الحريري".

ورأى ان هذه المحكمة "ان ادت دورها فلن تكون بدافع سياسي بل بدافع امني يحتاجه كل مواطن في لبنان".

كما اعتبر ان "لا معنى للاختلاف على حقوق الشيعة في لبنان اذ انه من البديهي ان لهم التمتع بكل الحقوق التي يفترض ان يتمتع بها أفراد المجتمع اللبناني (..) لا يبغون ولا يهمشون طرف في الحكومة فلا يقصوا عن قرار ولا يفرضوا على الشعب قرارا".

ودعا الى تعزيز العلاقة بين ضفتي الخليج خصوصا عبر الاستثمارات الاقتصادية المتبادلة والاستثمارات الخليجية والايرانية "في العراق ولبنان وفلسطين ودعم للتنمية فيها بل وبيننا ايضا".

واكد "نتطلع لاستثمار سعودي في مشهد او شيراز مقابله استثمار ايراني في مدينة الملك عبد الله الاقتصادية او في الجبيل (...) وبذلك نذهب عنا رجس التوجس والشك".

تعهد السعودية وايران بمصالحة السنة والشيعة يواجه عقبات جمة

من جهة اخرى ذكر تقرير لرويترز عن احتمال تعهد قادة المملكة السعودية وايران في قمة نادرة بمحاربة الصراع الطائفي في المنطقة ولكن حجم التنافس بينهما يعني أن من المستبعد حل الأزمة في كل من العراق ولبنان.

وفي حين أن العنف في العراق وأزمة في لبنان بين الحكومة التي يقودها السنة والمعارضة التي يقودها الشيعة والازمة التي سببها الطموح النووي الايراني تصدرت جدول أعمال الاجتماع الذي عقد في الاسبوع الماضي بين العاهل السعودي الملك عبد الله بن عبد العزيز والرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد فان المحللين لا يرون دلالة تذكر على وجود تعاون.

وقال دبلوماسي غربي "لا توجد مصالح قوية مشتركة من شأنها جعل الرياض راغبة بصورة كبيرة في مساعدة نظام هو في حد ذاته لا يتعاطف مع الانظمة الملكية العربية."

ومضى يقول "هذا يستحضر سؤالا كيف يمكنهم مساعدة العراق ولبنان في التغلب على مسائل تمثل محور خلافاتهما. انهم يضعون الحصان أمام العربة."

وفي حين أن المملكة السعودية حليف رئيسي للولايات المتحدة في الشرق الاوسط فان ايران من أعدى أعداء واشنطن في المنطقة.

وترى دول الخليج العربية أن هذه الزيارة محاولة من ايران للحصول على دعم حليف رئيسي للولايات المتحدة في مواجهة الضغوط الدولية بسبب طموحها النووي.

وتتهم الولايات المتحدة ايران بمحاولة تطوير أسلحة نووية تحت ستار برنامج نووي مدني. وتنفي ايران هذه الاتهامات ولكن طموح الجمهورية الاسلامية وأزمتها مع الغرب يثير مخاوف بين دول الخليج.

وفي أولى تصريحات لوزير الخارجية السعودي سعود الفيصل بعد زيارة أحمدي نجاد قال لنظرائه في دول الخليج ان البرنامج النووي الايراني يمثل عبئا اضافيا على المنطقة.

وفي دلالة على عدم وجود اتفاق بينهما فقد نفت الحكومة الايرانية عقب مغادرة أحمدي نجاد للرياض تقارير من وسائل اعلام سعودية رسمية بأنه أبدى تأييده لمبادرة سلام عربية أطلقها العاهل السعودي الملك عبد الله من شأنها الاعتراف باسرائيل. ولم تنقل الصحف السعودية النفي الايراني.

وقالت مي يماني وهي كاتبة سعودية مقيمة في لندن ومحللة سياسية ان التأثير القوي للمؤسسات الدينية في كلا البلدن هو أكبر عائق يحول دون احراز تقدم في التخفيف من التوترات بين السنة والشيعة.

وقالت "على ايران والسعودية القيام بترتيب البيت من الداخل قبل السعي لمساعدة الاخرين...كان الاجتماع استعراضيا."

وتخشى الرياض أن ينتقل العنف الطائفي في العراق عبر الحدود ليصل الى الاقلية الشيعية لديها والتي تتركز في المنطقة الشرقية المنتجة للنفط قرب الحدود بين ايران والعراق.

وأصبح شيعة السعودية في الاونة الاخيرة أكثر صراحة نظرا لتشجعهم بعد زيادة سطوة الشيعة في العراق والمقاومة الشديدة التي لاقتها اسرائيل في مواجهة جماعة حزب الله الشيعية في لبنان خلال الحرب التي دارت في صيف العام الماضي.

وأدت الاطاحة بصدام حسين الذي كان يلقى الدعم في وقت من الاوقات من واشنطن وحلفائها من العرب السنة للحد من نفوذ ايران الى وجود ائتلاف حاكم في العراق يهيمن عليه الشيعة.

وقال الدبلوماسي الغربي ان السعودية غير قادرة على السيطرة على المسلحين السنة في العراق حيث أن بعضا منهم يضم مقاتلين من القاعدة التي تسعى الى تدمير السعودية كما أن نفوذها على الائتلاف الحكومي الفضفاض في لبنان هو مثار تساؤل أيضا دون دعم من فرنسا والولايات المتحدة.

وعزز شيعة العراق وبعضهم حليف لايران من قوتهم وأدى القتال الذي اندلع بين المسلحين السنة وميليشيات عراقية الى دفع البلاد الى شفا الحرب الاهلية.

ومضى الدبلوماسي الغربي يقول "السؤال لا يتعلق بما يمكن للسعودية أن تفعله للسيطرة على السنة الان بقدر ما يتعلق بحجم الدعم الذي يمكن أن تقدمه لهم ما لم تتم السيطرة على المسألة الطائفية سريعا."

وكذلك تأتي زيارة الرئيس الإيراني للسعودية، قبل انعقاد اجتماع لدول جوار العراق والقوى الدولية في بغداد في العاشر من مارس/ آذار الحالي، وقبل القمة العربية التي سوف تستضيفها الرياض في 28 و29 الشهر الحالي.

وتعد زيارة نجاد إلى السعودية هي الثانية، حيث قام بزيارة سابقة شارك خلالها في أعمال قمة منظمة المؤتمر الإسلامي، التي عقدت بمدينة مكة المكرمة، في ديسمبر/ كانون الأول من العام 2005.

ويتوقع الكثير من المراقبين أن تسفر مباحثات نجاد والعاهل السعودي، عن مبادرة جديدة بين البلدين لانفراج الأوضاع في العراق ولبنان.

ونقلت وكالة الأنباء السعودية "واس"، عن سفير الجمهورية الإسلامية الإيرانية لدى المملكة، سيد محمد حسيني، وصفه الزيارة بأنها "مهمة"، كما اعتبر أنها "تأتي في إطار العلاقات المتينة والطيبة بين البلدين."

وقال إن "هذه الزيارة لها أهميتها الخاصة، لاسيما أن المملكة العربية السعودية والجمهورية الإسلامية الإيرانية بلدان كبيران ومهمان في هذه المنطقة، نظراً لمكانتهما الإقليمية والدولية، والعلاقات التي تربط بين البلدين، والتقدم المستمر للعلاقات وتطورها عبر مراحل عديدة مرت بها."

وأشار إلى أن الزيارة فرصة جيدة لتبادل وجهات النظر، لمزيد من التشاور حول مختلف القضايا، سواء الإقليمية أو المتعلقة بالعالم الإسلامي.

من جانب آخر، قال أنور عشقي مدير مركز الشرق الأوسط للدراسات الإستراتيجية والقانونية في جدة، إن الدولتين متفقتان على عدم السماح باندلاع حرب أهلية بين السُنة والشيعة في لبنان، كما أن المحادثات يمكن أن تؤدي إلى تفاهم يخفف من حدة الصراع بين السُنة والشيعة في العراق.

من جانبه، قال بندر العيبان، رئيس لجنة الشؤون الخارجية في مجلس الشورى السعودي، إن زيارة نجاد للرياض، تعني أن "إيران وصلت إلى قناعة بأن الخروج من الأزمات في العراق ولبنان، يكمن في الحوار والتفاهم مع السعودية."

وأضاف أن إيران تدرك أيضاً أن "استمرار تلك الأزمات، إضافة إلى مشروعها النووي، سيزيد من الحصار الدولي المفروض عليها"، وفقاً لما نقلت تقارير صحفية سعودية ولبنانية.

إلى ذلك، قال أحمد دسمجيان، نائب السفير الإيراني لدى الرياض، إن القمة السعودية الإيرانية، ستتناول العلاقات ذات الاهتمام المشترك بين البلدين، إضافة للقضايا الإقليمية الساخنة، مشيراً إلى أن السعودية وإيران بدأتا اتصالات ثنائية بينهما في فبراير/ شباط الماضي، لاحتواء الأزمة اللبنانية المتصاعدة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الجمعة 9 آذار/2007 -19/صفر/1428