مع ان رئيس الوزراء السيد نوري المالكي كانت لديه فرصة لاختيار واحد
من ثلاثة مرشحين لمنصب الوزير، الا انه-هكذا يبدو قد استعجل، او لنقل
لم يدقق حينما اشر بالموافقة على اختيار اسم(اسعد الهاشمي) وزيراً
للثقافة العراقية..
وبالتاكيد لم يقصد المالكي بتعيين(اسعد الهاشمي) وزيراً في اول
حكومة يشكلها، لم يقصد الاساءة الى الثقافة والمثقفين العراقيين عندما
اختار وزيراً لاصلة له بالثقافة ولا معرفة له باي مثقف، ولم يقرأ شعراً
ولا نثراً من الادب الحديث، واذا ما سالته عن السياب او نازك الملائكة
او صلاح عبد الصبور او يوسف الخال او غيرهم من ادباء ومثقفي العصر،
فإنه لا يجيبك الا بعد الاستعانه بصديق!!.
وما ان وطات قدما الوزير مبنى الوزارة العتيدة حتى جفل منها، فهو
غريب على القوم لا يعرف ما يقولون وهم ايضاً لا يفهمون ما يريد!! فتمنع
معاليه من قبول المنصب وظل اياماً عديدة بين رافضٍ وراضٍ حتى(اقتنع)
بعد ان حبذ له احدهم بأن(الشغله بسيطه تداوم يوم او يومين في الاسبوع
وتقبض راتباً مغرياً)! فانصاع معاليه لنصيحة احد(الاخوان) وباشر
مهمته..
ولما كان لا يعرف كبار موظفي الوزارة ومن بينهم شعراء وكتاب ورسامين
وممثلين ومخرجين سينمائيين، فإنه كلف أحد معاونيه أن يجلسهم على كراسٍ
معينة ومرقمة، ليستطيع الوزير معرفة أسمائهم وعملهم عند مراجعته لقائمة
وضعت على طاولته وادرجت فيها اسماء وعناوين الجالسين مع (معاليه)!!.
وبذلك صار التعرف على كبار المسؤولين في الوزارة أمراً ميسوراً، لكن
كبار الادباء والفنانين الذين اعتادوا زيارة الوزير(كان قبله
د.الجزائري والسيد الراوي) ظلت مشكلتها عويصة وصعبة الحل، فالوزير لا
يستطيع أن يتذكر الوجوه، ولا هو قادر على حفظ الأسماء، وكذلك من العسير
عليه أن يميز بين من هو شاعر أو رسام أو مخرج سينمائي..وأذا ما كانت
مسألة التعرف على كبار موظفي الوزارة قد تم تجاوزها بترقيم الكراسي،
فإن ساحة الكشافة أو ملعب الشعب لا يتسعان مجتمعين لجمع آدباء العراق
على كراس مرقمه، ثم أن القائمة ستكون طويلة جداً جداً!!
ولحل هذه المشكلة قرر الوزير أن لا يستقبل أحداً فانقطع المثقفون عن
الوزارة فأراحوا معاليه واستراحوا من احراجات عدم تعرفه عليهم!! وفرغت
الوزارة من أهلها تماماً.
ولم يعص حل مشكلة فراغ الوزارة وابتعاد المثقفين عنها على
بعض(معاوني) الوزير، فاشاروا عليه بأمرين: الأول استبدال كل المسؤولين
الكبار في الوزارة والمجيء بـ(رجال المقاومة الشريفة) بديلاً عنهم..
أما الأمر الثاني فطرد منتسبي الحمايات السابقة واستبدالهم
بـ(المجاهدين)، وبذلك تكون الوزارة قد عادت إليها الحركة، و(في الحركة
بركة) كما يقولون! وعين(معاليه)العشرات من (كبار الموظفين)الجدد من دون
اخذ موافقة مجلس الوزراء او المالية،وحل الحراسات السابقة واجتث
منتسبيها وجاء بالمئات من المدججين بالسلاح..
ثم قرر اخيراً الانتقال الى شارع حيفا وهجر مقر الوزارة الجميل
والرائع..على قول الشاعر(مالحب الا للحبيب الاول) وجد (معاليه) في
الشارع الساخن مكانه المناسب واجوائه المريحة، وبكذلك لم يبتعد
بحراساته الجديدة عن ساحة عملياتها!!
مشكلة اخرى واجهت معالي الوزير(اسعد الهاشمي) وهي كيف يستطيع ان
يميز بين المدير العام والمستشار والوكيل، فاقترح عليه احدهم حلاً
عملياً لهذه المشكلة،بان تمتد دشداشة المدير العام بشبر تحت الركبة،اما
المستشار فانه لتصل الى ما بعد الركبة، وتم تحديد طول دشداشة الوكيل
بفوق الركبة بشبر!!وهكذا استطاع الوزير ان يتعرف على كبار موظفيه بدقة
ونباهة يحسد عليهما.
أخاطب الدكتور المالكي فاقول له! انت مسؤول امام الله وبعده امام
الشعب عن اداء وزرائك،فان كنت لاتعرف هذا الوزير فلابد انك قد عرفت عنه
بعد مايقرب من سنة من توليه أمر الثقافة في العراق، فهو وامثاله
كثيرون،ولا يصح ان يكونوا حتى بين جلسائك..فاتق الله بالعراق واهله
وثقافته التي مازلت تحترمها كما نعلم.
اتذكر انه في السبعينات زار الملحق الثقافي السوفيتي احدى مؤسسات
وزارة الثقافة العراقية، فأطرى على أدائها، وقال لمضيفته باللغة
العربية (أنني مهتم جدا بالسخافة العراقية)! ويقصد بـ(السخافة) الثقافة
لصعوبة نطق الأخيرة باللغة الروسية، وذهبت نكتة، حتى جاء الوزير ليعيد
إلى الذاكرة تلك النكتة البيضاء! |