النتائج ستكون كارثية: هل ستهاجم اسرائيل ايران؟

ظلت اسرائيل دوما الورقة التي لا يمكن التنبؤ بفحواها في المناقشات الجارية بشأن البرنامج النووي الايراني فهي رغم كونها خارج المفاوضات رسميا الا أنها تملك نفوذا مؤثرا نظرا لمخاوفها الاستراتيجية وميلها الى الضربات استباقية.

غير أن المسؤولين الاسرائيليين الذين سارعوا في وقت ما بالتلويح بالتهديد العسكري ضد ما وصفه رئيس وزرائهم ايهود أولمرت "بتهديد للوجود" بدأوا على نحو متزايد يتخذون في العلن نهجا أقل حدة بشأن كيفية مواجهة رفض ايران وقف تخصيب اليورانيوم.

ويبدو أن كثيرا من الاسرائيليين توصلوا على مضض الى حكم مفاده أن ايران عدو قوي للغاية يستعصي على قواتهم المسلحة التصدي له وحدها كما يشعر المجتمع الدولي بذلك أيضا حسب نقل رويترز.

وقال افيجدور ليبرمان وزير الشؤون الاستراتيجية الاسرائيلي وهو من أكثر الصقور تشددا في اسرائيل ويتبنى دائما نهجا ينزع لاستخدام القوة "اخر شيء تهتم اسرائيل به هو التصعيد أو القيام بتحرك عسكري ما ضد ايران."

أما زعيم المعارضة بنيامين نتنياهو الذي اقترح العام الماضي أن تبحث اسرائيل مهاجمة ايران في مهمة على غرار الضربة الجوية التي وجهتها عام 1981 ضد المفاعل الذري العراقي فقد بدأ يعيد توجيه خطابه الى المطالبة بفرض عقوبات غربية تصيب طهران بالشلل.

وقال نتنياهو لصحفيين أجانب الشهر الماضي "ما من شك في أنه اذا دعت الحاجة لفرض اجراءات أشد صرامة.. فمن الافضل أن تقود الولايات المتحدة المسيرة."

وترفض اسرائيل مثل حليفتها الولايات المتحدة استبعاد الضربات الاستباقية كوسيلة أخيرة لكبح برنامج ايران النووي الذي تصر طهران على أنه مخصص للاغراض السلمية.

ولكن على النقيض من المنشات النووية العراقية خلال حكم الرئيس الراحل صدام حسين فان منشات ايران النووية ربما تكون بعيدة ومتعددة ومحصنة بدرجة يصعب على اسرائيل التعامل معها. وساهمت الحرب الاسرائيلية غير المحسومة مع مقاتلي حزب الله اللبناني العام الماضي في تعزيز الاحساس بمحدودية الخيار التكتيكي داخل المنطقة وخارجها.

وقال الون بن دافيد المحلل المتخصص في شؤون اسرائيل في نشرة جينز الدفاعية الاسبوعية "يتضح على نحو متزايد أن اسرائيل لا تملك خيارا عسكريا قابلا للتطبيق بخصوص ايران.. وتعلق امالها على حل ما من جانب الامريكيين."

وأضاف "لكن هناك أيضا عددا متزايدا من الاسرائيليين الذين يعتقدون أنه سيتعين على اسرائيل ان تعيش مع ايران المسلحة بأسلحة نووية."

وتسليم اسرائيل بامتلاك ايران قنبلة نووية قد يفجر أزمة مصداقية كبرى بالنسبة للدولة اليهودية التي قامت على تعهد بمنع حدوث "محرقة ثانية" ولهذا السبب تحديدا يعتقد أنها تمتلك الترسانة النووية الوحيدة في الشرق الاوسط.

وزاد الرئيس الايراني محمود أحمدي نجاد من مخاوف اندلاع صراع اقليمي كارثي بانكاره حدوث المحارق النازية ودعوته الى محو اسرائيل "من على الخارطة" رغم أن المسؤولين في طهران قالوا إن ذلك لا يشكل تهديدا.

ويمكن لمس التوتر بشكل خاص في اوروبا القلقة من اندلاع حرب والتي لها علاقات تجارية قوية مع ايران. وطرحت مؤخرا مقترحات اوروبية لتسوية الخلاف مع ايران من خلال السماح لها بعمليات تخصيب محدودة لليورانيوم وهو ما لا يلقى قبولا من الولايات المتحدة واسرائيل.

وقال مارك فيتزباتريك المتخصص البارز في شؤون منع الانتشار النووي بالمعهد الدولي للدراسات الاستراتيجية في لندن "امكانية توجيه اسرائيل ضربة استباقية تجعل التفكير الاوروبي يركز على خيارات لحل الازمة الوشيكة قبل وصولها الى هذه المرحلة."

وتحدث بالفعل زعيم أوروبي واحد على الاقل هو الرئيس الفرنسي جاك شيراك عن ايران المسلحة بأسلحة نووية باعتبارها أمرا واقعا محتملا. وفي مقابلة في أواخر يناير كانون الثاني حاول الرئيس الفرنسي فيما بعد التراجع عما ورد فيها من تصريحات قال شيراك ان ايران لن تحاول شن هجوم نووي على اسرائيل خشية أن "تمحى" طهران ردا على هذا الهجوم.

أما الذي مر دون ذكر من تصريحات شيراك للصحيفة فكان امكانية أن تشن اسرائيل ضربات وقائية ضد ايران.

وأشار سام جاردنر الكولونيل المتقاعد بسلاح الجو الامريكي والمحلل الاستراتيجي الى أن مثل هذه الضربة الاجهاضية ستكون فقط قابلة للتطبيق ضد الاسلحة النووية الايرانية المحتملة وانها لن تطال الاسلحة الايرانية التقليدية مثل الصواريخ طويلة المدى القادرة على استهداف اسرائيل فضلا عن المصالح الامريكية في الخليج.

وقال "يحتمل أن تكون اسرائيل قادرة على مهاجمة المنشآت النووية الرئيسية ... المشكلة هي أنه لا يمكنها أيضا مهاجمة القدرات التي تمكن ايران من الانتقام."

وتابع جاردنر قوله "أرى أن التفكير الامريكي يتحرك بشكل متزايد في اتجاه الاعتقاد بأنه اذا كنت ستوجه ضربة.. فيجب أيضا أن تنزع الزبان من النحلة."

ويتفق محللون غربيون على أنه نظرا لعلاقات اسرائيل الوثيقة مع الولايات المتحدة سيتحتم عليها تنسيق أي هجوم على ايران مع واشنطن.

لكن حصول اسرائيل على الموافقة الامريكية هو محل شك.

ومن شأن ميل اسرائيل الملموس للمجازفة أن يهدد بتقويض التحالف العربي الذي تحاول ادارة الرئيس الامريكي جورج بوش المتورطة بالفعل في العراق حشده ضد البرنامج النووي الايراني.

لكن اذا مضت اسرائيل في الامر وحدها فقد يخدم ذلك المصالح الامريكية في الوقت الذي يحد فيه من العواقب الدبلوماسية.

ونقلت مجلة نيويوركر عن دبلوماسي سعودي سابق قوله "أفضل أن يقصف الاسرائيليون الايرانيين.. حتى يمكننا القاء اللوم عليهم. اذا فعلت أمريكا ذلك فستلقى باللائمة علينا."

بدوره اتهم باراك أوباما، المرشح الديمقراطي إلى البيت الأبيض، الرئيس جورج بوش بتقوية موقع إيران الاستراتيجي من خلال "سياسته الفاشلة" في العراق، داعياً إلى منع طهران من امتلاك السلاح النووي وعدم استبعاد الخيار العسكري لتطبيق هذا الهدف.

أوباما الذي كان يتحدث أمام هيئة الشؤون العامة الإسرائيلية الأمريكية السبت، وهي إحدى جماعات الضغط "لوبي" المؤيدة لإسرائيل في الولايات المتحدة، قال: "إحدى أعمق نتائج فشل إستراتيجية الإدارة الأمريكية الحالية في العراق، هي القوة التي اكتسبتها الإستراتيجية الإيرانية."

واعتبر أوباما أن هذا الفشل "يضعف مصداقية الولايات المتحدة وتأثيرها في المنطقة، ويضع إسرائيل وسائر الدول الصديقة لأمريك،ا أمام خطر داهم"، وفقاً لما نقلت وكالة أسوشيتد برس.

ولم يفت أوباما التشديد على "التزام" الولايات المتحدة تجاه ضمان أمن إسرائيل، التي وصفها بأنها "أقوى حلفاء واشنطن في المنطقة، وصاحبة النظام الديمقراطي المتين الوحيد"، معتبراً أن مهمة بلاده هي: "تجديد المساعي لمساعدة إسرائيل على تحقيق السلام مع جيرانها، وضمان منعتها تجاه أولئك الذين لا يشاطروننا تلك الرؤية."

ووصف أوباما نظام الرئيس محمود أحمدي نجاد بأنه "تهديد لنا جميعاً"، مطالباً "العالم بأسره"، بالسعي لوقف البرنامج النووي الإيراني، الذي "يهدد مجمل المنطقة، وينذر بإطلاق سباق تسلح"، على حد تعبيره.

ورفض السيناتور الديمقراطي، الذي يتمتع بحظوظ جيدة للفوز بمنصب الرئاسة في البيت الأبيض، "إزاحة أي خيار عن الطاولة حيال التعامل مع إيران، بما في ذلك الخيار العسكري"، غير أنه دعا إلى منح "الدبلوماسية المشددة، والعقوبات القاسية" الأولوية في هذه المرحلة.

وكانت إدارة بوش قد أصدرت مؤخراً عدة إشارات تفيد بأنها على استعداد لتليين موقفها إزاء قضايا المنطقة، حيث أعلنت وزيرة الخارجية كوندوليزا رايس عن رغبتها بإثارة موضوع أمن العراق مع الإيرانيين.

وما زالت إيران حتى الآن على موقفها الرافض لتعليق تخصيب اليورانيوم، وهو أمر سبق للدول الكبرى أن طلبته منها، كشرط مسبق لمعاودة التفاوض معها.

وقال تقرير يوم الاثنين إن الضربات العسكرية التي تهدف الى القضاء على البرنامج النووي الايراني ربما يكون لها رد فعل عكسي وتزيد من اصرار طهران على الحصول على أسلحة نووية وتفاقم العداء تجاه الغرب.

جاء في التقرير وعنوانه "هل تنجح الضربات الجوية" الذي أعده خبير بريطاني كبير في مجال التسليح أن الهجمات ربما تكون غير قادرة على ضرب ما يكفي من الاهداف لاحداث أضرار بالغة في المنشآت النووية الايرانية.

وقال التقرير "مع وجود معلومات مخابرات غير دقيقة فمن غير المرجح أن يكون من الممكن تحديد وبالتالي تدمير العدد المطلوب من الاهداف لاحداث انتكاسة في البرنامج النووي الايراني لفترة كبيرة."

وأضاف "عقب أي ضربة عسكرية اذا ما كرست ايران الحد الاقصى من الجهد والموارد لتصنيع قنبلة نووية واحدة فيمكنها تحقيق ذلك في فترة زمنية قصيرة نسبيا."

وجاء في التقرير أن مثل هذا السلاح سيجري استخدامه حينئذ في "بيئة تنطوي على قدر أكبر لا حصر له من العداء." ونشرت التقرير مجموعة أوكسفورد للابحاث وكتبه الدكتور فرانك بارنابي وهو خبير نووي وخبير في التسليح.

وحث بارنابي وهو بين عدد محدود من الخبراء في العالم الذين شهدوا تجربة نووية فوق الارض على بذل جهود دبلوماسية أكبر لانهاء الازمة مع ايران.

وقال تقرير بارنابي إن ايران من المرجح أن تكون قد بنت منشآت سرية تحت الارض الى جانب وضعها "أهدافا وهمية" والتي تصمم لتبدو مثل شكل المواقع النووية لتقوم بدور الاهداف الهيكلية الخداعية.

وقال كاتب التقرير لرويترز في مقابلة قبل نشر التقرير إن أي هجوم على تلك المنشات سيزيد من التأييد لسلطات البلاد.

وأردف قائلا "اذا تم قصف ايران فان المجتمع بأكمله سيوحد صفوفه وراء الحكومة لانتاج سلاح نووي سريعا...سيكون تصرفا أحمق."

ومضى يقول إن الضربات ستسبب اضطراب امدادات النفط وستؤثر على الاقتصاد العالمي.

وأيد هانز بليكس وهو كبير المفتشي الامم المتحدة السابق عن الاسلحة هذه النتيجة التي خلص اليها التقرير وحذر واشنطن وحلفاءها طالبا منهم الاستفادة من درس العراق حيث اتخذ قرار غزوه جزئيا بناء على اعتقاد خاطيء بامتلاك صدام حسين لاسلحة دمار شامل.

وكتب بليكس يقول في تمهيد للتقرير "في حالة ايران فان العمل المسلح سيكون مستهدفا لنوايا ربما تكون موجودة فعلا أو لا. ولكن نفس النتيجة ستتحقق من مأساة واضطرابات في المنطقة."

وقال بارنابي إن قصف أهداف مثل مفاعل بوشهر النووي في جنوب غرب ايران بمجرد بدء عمله ربما يكون له أثر مروع على البيئة.

وأردف قائلا "القصف سيكون عملا اجراميا تماما...سيكون بين أيدينا تشرنوبيل أخرى."

وشهد بارنابي (79 عاما) تجربة على سلاح نووي وشهد القوة المروعة للانفجار الذي تم في الصحراء الاسترالية عام 1953.

وقال "لا يمكن تجنب التأثر البالغ بهذا النوع من التجارب. رؤية تلك الاشياء وهي تنفجر في الغلاف الجوي تجعلني أتخيل ماذا يمكن أن يحدث اذا انفجرت في مدينة. انه أمر مخيف حقا...ويقنعني سريعا بضرورة التفاوض من أجل التخلص من تلك الاسلحة."

بدوره اعتبر الخبير الفرنسي رونو جيرار ضرب ايران جنونا وخروجا عن المنطق داعيا واضعي سياسة البنتاغون الى التفكير مليا في نتائج هجوم عسكري ضد الجمهورية الاسلامية، وقال: لا يبدو ان اصحاب القرار في واشنطن يحتسبون للاسئلة التالية: هل تؤثر هذه الضربة في موجة معاداة امريكا سلبا ام ايجابا، وهل تضعف الانظمة المتحالفة مع الولايات المتحدة ام تقويها؟ وهل في وسع الولايات المتحدة مواجهة حركات تمرد في الدول الحليفة لها، اذا انتفضت بعد ضرب ايران؟ وأضاف انه من الواضح ان الامريكيين لم يعتبروا في تجربة العراق.

ويحذر جيرار من ان حملة عسكرية على ايران، ستحمل الايرانيين على مساندة الرئيس المتشدد احمدي نجاد والتكتل وراءه، فضلا عن انها ستطيح بالتيار المعتدل الذي نال ثقة الناخبين في الانتخابات المحلية الاخيرة، وبالتالي تبدو فرص تغيير النظام من الداخل.

ولا يستبعد المحلل الفرنسي انسحابا ايرانيا من معاهدة الحد من انتشار السلاح النووي وطردها مفتشي الوكالة الدولية للطاقة النووية، وقال: قبل ثلاثة اعوام اغفل الخبراء الاستراتيجيون الامريكيون تأثيرات الحرب على العراق في الشرق الاوسط، وهم لا يزالون يسددون فاتورة تهورهم الى يومنا هذا على حد تعبيره.

شبكة النبأ المعلوماتية-الثلاثاء 6 آذار/2007 -16/صفر/1428