اختلف الاخوة ابو محمد وابو هبه فيما بينهما على قرار مغادرة
سكناهما بين مؤيد ومعارض بعد التصعيد الكبير في اعمال العنف في بغداد ،
وورود اخبار سيئة من اخيهما ابو حيدر الذي هاجر إلى احدى المحافظات
الجنوبية مؤخرا.
وابو محمد وابو هبه وابو حيدر يعيشون منذ أكثر من ثلاثين سنة في بيت
واحد في حي العامل ببغداد ، ذلك الحي الذي يوصف بأنه يجمع خليطا من
الناس ، حيث يجمع بين المذهبين السني والشيعي.
يقول ابو محمد الذي يرفض الانتقال من بيته وهو يعمل بقالا في سوق
شعبي قرب منزله " ان اموت الف مرة بالسيارات المفخخة ، خير لي من ان
يموت اطفالي امامي بردا ، او اموت انا غيظا والناس يعاملوننا كلاجئين
قادمين من المريخ في المحافظات التي يسمونها آمنه."
ويضيف" أينما تذهب فثمة موت ، فاما أن يقتلوك بالسيارات المفخخة او
بالعبوات الناسفة او طلقة تائهة ، او تموت باخرى."
ولكن ابنته الصغرى مريم (15 عاما) التي تعطلت مدرستها بسبب التهديد
همست في اذني بان " لو كان ابي يمتلك من المال ما يؤمن لنا الخروج من
المنطقة لما تشبث بتلك الكلمات الوطنية والدينية."
أما اخيه ابو هبه الذي يعمل في احدى الصحف العراقية فانه يرى غير
ذلك فهو يقول " لا يمكن أن اعيش في هذه المنطقة التي يُقتل فيها الناس
يوميا ، لست طرفا في هذا النزاع الذي تتبناه الجماعات المسلحة ويذهب
ضحيته الفقراء الذين لا يستطيعون الفرار بجلودهم ، من الغباء ان اكون
رقما جديدا في قائمة الضحايا."
ويضيف" لست مجنونا لكي انتظر نجاح الخطة الامنية الجديدة او
ستراتيجية الرئيس الامريكي جورج بوش."
ويوضح فلسفته في المكان قائلا " لقد هلكنا خارج العراق قبل 15 عاما
وكنا نعمل من اجل البلاد والمساهمة في بنائه وتحريره ، وما المانع أن
نخدم العراق في مكان اخر ، ليس هناك فرق بين بغداد وكربلاء وسوريا
وايران وواشنطن بالنسبة للذين يريدون أن يقدموا شيئا لبلدهم ولا تتلطخ
ايديهم بدماء ابناء جلدتهم."
المشهد في بغداد من بعيد يثير الانتباه ، ويخيل اليك أن الارض تحترق
وان رؤوس الناس تتناثر في الارض ولكن المشهد من قريب يثير فيك الفضول
والتساؤل ، لماذا لم يهاجر هؤلاء الناس إلى المناطق الآمنة ولو بشكل
مؤقت ، كيف ياكلون ويشربون ، ما الذي يجعلهم يتشبثون في المكان رغم
الموت الذي يحيط بهم؟.
يقول سمير الكرخي مدير مركز المستقل للدراسات والبحوث " ان
المتحاربين وحدهم من سيبقى في بغداد والمدن الساخنة الاخرى التي تعاني
من تدهور امني بسبب العنف الطائفي ضيق الافق والذي انسحب في اثاره على
الفقراء والمساكين الذين لم يجدوا مفرا من محرقة لا يفلت منها الا
الغني عادة."
ويضيف الكرخي " ربما كان تشبث العراقي بارضه وحتى محلته او داره الى
حد الغرفة قد يمنعه من تركها ، حتى لا تناله شرارة المحرقة."
وعن علاقة البغدادي بارضه رغم العنف والتهديد اوضح " ان العراقي
يعشق ارضه واي شىء يُصدق عليه عنوان الارض اما المتحاربون فستدفعهم
اجندتهم تقاسما واطرافا وحدودا لا مكانة فيها للمسالم النابذ للعنف
القسري ، والعراقي المسكين سيبقى بين هذا وذاك عنوانا عريضا للصحف
والفضائيات ويتصدر اخبار العالم."
اما عائلة ذرى التي ارتأت الخروج من بغداد في اول ايام عيد الاضحى
الذي تزامن مع تنفيذ حكم الاعدام برئيس النظام السابق صدام حسين
والذهاب إلى النجف عند احد اقاربهم ، ليجربوا هل باستطاعتهم العيش خارج
بيتهم ، فقد عادوا بعد ثلاثة ايام عند معرفتهم أن الوضع في بغداد هادىء
ولكنهم فوجئوا بالتصعيد في اليوم الاول بعد العيد حيث شن المسلحون
هجمات بالهاونات والاسلحة المختلفة لترويع المواطنين في منطقتهم.
تقول ذرى وهي موظفة في وزارة الري " لقد راينا عن طريق التجربة
ولمدة ثلاثة ايام فقط اننا لا نستطيع أن نعيش خارج البيت خاصة وان
عائلتنا تتالف من 12 شخصا فكيف اذا استمر الوضع السيىء ستة اشهر او
سنه" وتضيف" خليها على الله."
وتضيف" الموت في بيتنا اسهل من الخروج منه من الناحية المادية سنموت
هنا لأننا لا نملك اجرة السيارة التي تقلنا إلى أي مكان اخر ،وسنموت
هنا مكرهين ولكن هناك سنموت مختارين."
سنموت هنا ولكننا سنكون شهداء الفقر وليس شهداء الارهاب."
اما الحاج ابو زهراء فيقول " لقد تم تهديدي امس من قبل مسلحين بان
اغلق محل بيع الخبز والخروج من المنطقة."
ويضيف " لا اعرف ماذا افعل ، قُل اي شىء ولكن لا تقل اترك بيتي
ومكاني ، ربما ساذهب للتفاوض معهم أو ارسل اليهم من يؤثر على قرارهم،
ويتساءل، اين الحكومة ؟ اين قوات حفظ النظام ، اين الخطة الامنية؟."
يقول احد الاشخاص الذين هاجروا الى مدينة كربلاء (108كم جنوب بغداد)
أن" الفرق بين الموت في كربلاء ومنطقتي الاصلية في حي العامل انه اذا
متُ في كربلاء فاستطيع أن اوصي اهلي ويكون لمن حولي متسع من الوقت
لقراءة سورة ياسين على راسي واقابل الله سبحانه وتعالى بكامل اعضائي
التي خلقها لي."
ويضيف " اما الموت في حي العامل او اي منطقة ساخنة اخرى فانه لا احد
سيتمكن من جمع اشلائي." |