يعود الامير السعودي بندر بعد 22 سنة قضاها سفيرا للسعودية في
امريكا ليفتتح عهدا جديدا من سياسية الخوض"السعودي" في جميع مفاصل
قضايا الشرق الاوسط بتعاون وتنسيق وثيق مع اصدقائه الامريكان وخاصة
علاقته المميزة بالرئيس بوش، والهدف هو تقوية التحالف السعودي الامريكي
والاعتماد على المملكة في انتهاج سياسة تحد من نفوذ ايران في المنطقة،
وتدعم حكومة السنيورة في لبنان لمحاصرة حزب الله، وفرض التوافق بين
الفرقاء في فلسطين حماس وفتح.
اللافت للنظر ان السياسة الجديدة هذه لا تستثني حتى التطبيع الكامل
مع اسرائيل بل تدعو من خلال مبادرة يحضر لها خلف الكواليس للاعتراف
العربي وتطبيع العلاقات مع اسرائيل فورا مقابل تسوية القضية
الفلسطينية، ومن لايعترف باسرائيل من العرب سيعتبر خارجا عن الصف
العربي.
ويقول دبلوماسيون ومحللون حسب رويترز، إن السياسة الجديدة للمملكة
العربية السعودية المتمثلة في العمل الدبلوماسي العلني النشط اصطدمت
بأولى عقباتها الكبيرة بعد معارضة الولايات المتحدة لاتفاق الوحدة الذي
أبرم بوساطة المملكة.
ورعت السعودية وهي حليف رئيس للولايات المتحدة وتعتمد على حماية
الجيش الامريكي في منطقة الخليج المضطربة اتفاقا لإنهاء الاقتتال
الداخلي الفلسطيني من خلال محادثات أجريت الشهر الجاري في مكة وحظيت
بتغطية إعلامية مكثفة.
وردت إسرائيل وحليفتها الولايات المتحدة ببرود على اتفاق حكومة
الوحدة بين حركة فتح بزعامة الرئيس محمود عباس الذي يحظى بدعم الغرب
وحركة المقاومة الاسلامية (حماس) التي ترفض الاعتراف باسرائيل.
لكن دبلوماسيين ومحللين يقولون ان زعماء السعودية فقدوا ثقتهم في
قدرة واشنطن على ضمان الاستقرار الاقليمي في أعقاب الحرب على العراق
حيث يستعر العنف الطائفي وانهم مستعدون للتعايش مع غضب الولايات
المتحدة من أجل وقف الاقتتال الفلسطيني.
وقال فهد نزار وهو زميل بمعهد شؤون الخليج في واشنطن "الامر الذي
أصبح واضحا إلى حد ما ومثيرا للاهتمام بالطبع في هذه الدبلوماسية
الجديدة المنفتحة والعلنية والخطيرة هو أن السعوديين ماضون فيها."
وفي مركز هذا التوجه الدبلوماسي يقف الامير بندر بن سلطان وهو
دبلوماسي مخضرم وعضو بارز بالاسرة الحاكمة عاد الى السعودية عام 2005
بعد عمله كسفير للسعودية لدى الولايات المتحدة لمدة 22 عاما حيث أقام
هناك علاقات حكومية وثيقة.
ويقول دبلوماسيون في الرياض ومسؤولون فلسطينيون ان بندر كان على
اتصال مستمر بالادارة الامريكية قبل وأثناء محادثات مكة لكنه لم يتمكن
من الحصول على موافقة واشنطن.
وقال دبلوماسي بارز "هناك سلسلة مهمة من المعضلات السياسية التي
ستلوح (للرياض)." وأضاف "الامريكيون يشعرون بخيبة أمل بالغة من اتفاق
مكة والسعوديون يقولون أعطوه وقتا ... الولايات المتحدة واسرائيل
يجهزون أنفسهم بوضوح لمقاطعة (الحكومة الفلسطينية)."
وقال الدبلوماسي ان الدبلوماسية السعودية ـ التي يوجهها أيضا وزير
الخارجية المخضرم سعود الفيصل ـ تتسم بالتشتت، وفي العام الماضي تحدث
الامير سعود أيضا عن أذرع مختلفة للحكومة السعودية لا تعلم ما يفعله
الاخرون.
وقال "زيادة النشاط الدبلوماسي ناتج عن وجود بندر وجلساته مع الملك
حتى وقت متأخر .. بندر يقف على أرضية راسخة .. وهو حريص على ادخال
السرور (الى قلوب الاخرين)."
وخلال الاسابيع الماضية قام بندر بزيارات مكوكية لطهران وموسكو
وباريس وعمان لاعبا دورا محوريا في الجهود الرامية الى تهدئة التوتر في
لبنان حيث تدعم السعودية وايران أطرافا متعارضة من أجل السيطرة على
الحكومة.
ويقول محللون ان القلق السعودي من قيام ايران بتوسيع نفوذها ليمتد
الى العراق ولبنان بالاضافة الى الاراضي الفلسطينية من خلال الدعم
المالي لحماس كان عاملا رئيسيا وراء هذه التوجه الدبلوماسي.
وتعجز الولايات المتحدة عن اعادة الهدوء الى العراق بعد أن قادت
غزوا في عام 2003 وضع الشيعة حلفاء ايران في سدة الحكم. وتشارك
السعودية الغرب في مخاوفه من أن ايران تخطط الان لانتاج أسلحة نووية
تحت غطاء برنامج مدني للطاقة الذرية وهو اتهام تنفيه طهران.
هذا و كشفت صحيفة الحياة جوانب من المفاوضات السعودية - الإيرانية
حيث قالت مصادر سياسية واكبت الاتصالات السعودية - الإيرانية لدعم
تسوية في لبنان ان الرياض ما زالت تنتظر جواباً واضحاً من طهران على
الموقف السوري النهائي من تسهيل قيام المحكمة ذات الطابع الدولي،
بالتالي على الموقف الإيراني منها.
وكشفت المصادر السياسية لـ «الحياة» ان الاتصالات الإيرانية -
السورية على مستوى كبار المسؤولين كانت توقفت بعد 13 الشهر الجاري، إثر
تبادل عدد من الأوراق والأفكار حول دعم تسوية بين الفرقاء اللبنانيين،
بعدما أبلغ سكرتير المجلس الأعلى للأمن القومي الإيراني علي لاريجاني
المسؤولين السعوديين في اليوم ذاته «بصراحة انه يصعب السير» في إقامة
المحكمة ذات الطابع الدولي لمحاكمة المتهمين في جريمة اغتيال الرئيس
رفيق الحريري ورفاقه وسائر الجرائم المرتبطة بها، نظراً الى ان سورية
تطالب «بالبحث» في الأمر بعد انتهاء التحقيق الدولي في الجريمة.
وكشفت المصادر ذاتها ان الموقف الإيراني هو الذي دفع المسؤولين
السعوديين الى اعتماد سياسة اخذ المسافة عن المفاوضات وترك الأمر
للاتصالات بين اللبنانيين، لكن طهران والرياض اتفقتا، على رغم ذلك، على
العودة الى التشاور، خصوصاً ان لاريجاني اكد استمرار التزام بلاده
بورقة مكتوبة صيغت منتصف الشهر الماضي، تقضي باتفاق الأفرقاء
اللبنانيين على المحكمة أولاً وعلى «ضمان آليات إقرارها ثانياً،
وبتوسيع الحكومة على قاعدة 19-10-1 أو 19-11 حسبما يتفق عليه
اللبنانيون بدعم من جهود الدولتين.
وأوضحت المصادر أن الفراغ الذي أحدثه انتظار الجواب الإيراني جرى
ملؤه بالمفاوضات بين فريق العمل المؤلف من معاوني رئيس المجلس النيابي
نبيه بري وزعيم تيار «المستقبل» النائب سعد الحريري خلال الأسبوعين
الماضيين وبالاتصالات التي كان يجريها سفيرا السعودية عبدالعزيز خوجة
وإيران محمد رضا شيباني، تفادياً لوقف المساعي السعودية - الإيرانية.
وكشفت المصادر السياسية التي واكبت تبادل الأفكار بين طهران
والرياض، وبين أعضاء فريق العمل الذي شكله بري والحريري عن تسلسل
الأوراق والاقتراحات التي تم تبادلها، نشرت بعضها الحياة منها:
- ان عقد القمة السورية - الإيرانية أعقبه انشغال لاريجاني بالتفاوض
على الملف النووي قبل المجيء الى الرياض ليبلغها بموقف طهران.
- ان الرئيس بري كان اقترح ورقة مكتوبة تقضي بتشكيل لجنة لبحث
المحكمة «بإيجابية عالية» لإقرار التعديلات عليها على ان يبحث الجانبان
في صيغة تشكيل حكومة من 19-11 على ان يتم التنفيذ بالتلازم. وأبدى بري
الاستعداد للذهاب الى مكة لإعلان الاتفاق هناك.
- اجتمعت قوى 14 آذار، لتنسيق الموقف من اقتراح بري وجرى التشاور مع
رئيس الحكومة فؤاد السنيورة وتقرر مجدداً عدم الموافقة على صيغة 19-11
للحكومة ووضعت الأكثرية آلية مكتوبة لتنفيذ الاتفاق سلمت الى السفير
خوجة، نصت على الآتي:
* الإعلان عن فريق عمل ينهي درس الملاحظات
على المحكمة في مهلة أقصاها 5 أيام.
* يبدأ بحث توسيع حكومة السنيورة الى 30
وزيراً على القاعدة التي اقترحها الأمين العام للجامعة العربية عمرو
موسى أي 19-10-1 على ان يُضم إليها ممثلون عن حركة «أمل»، «حزب الله»
وتكتل التغييروالإصلاح.
* وضع آلية لاختيار الوزير الحادي عشر.
* إنهاء الاعتصام في وسط بيروت وإنهاء
التحركات في الشارع.
* إحالة مشروع المحكمة معدلاً على المجلس
النيابي.
وقال أحمد الشعلان وهو كاتب سعودي في صحيفة الحياة المملوكة
لسعوديين ان الدبلوماسية الامريكية أفلست وتحتاج الى الذهاب الى ما هو
أبعد من فكرة دعم عباس ضد حماس.
وأضاف أنه لا عجب في أن واشنطن لم تستقبل محادثات مكة بحماس بالنظر
الى أن السياسة التي تتبعها ادارة بوش تتمثل في تقوية عباس ضد حماس.
وقال الشعلان ان دعم طرف ضد اخر بهذه الصورة من شأنه أن يؤدي الى
أزمة أكثر تعقيدا في الوضع الفلسطيني الداخلي وهذا بدوره يمثل بداية
لحرب أهلية.
وتسعى حركة المقاومة الاسلامية (حماس) الى حث اللجنة الرباعية
الدولية للاعتراف بحكومة الوحدة الوطنية ورفع الحصار مستندة في تحقيق
هذا الاختراق الى الموقف الروسي الذي وصفته حماس ب"المتقدم".
ويقوم رئيس المكتب السياسي لحركة حماس خالد مشعل الاثنين القادم
بزيارة الى موسكو في اطار جولته التي بدأها بمصر وستقوده الى ايران قبل
التوجه الى روسيا.
وقال اسماعيل هنية رئيس الوزراء المكلف ان مشعل "يقوم بزيارة عربية
واسلامية الهدف منها حشد الدعم العربي والدولي والاسلامي لاتفاق مكة
والعمل على كسر الحصار المفروض على الشعب الفلسطيني".
وعبر هنية بعد صلاة الجمعة في مسجد في مخيم الشاطىء غرب غزة
للصحافيين عن امله في ان "تطور اللجنة الرباعية من موقفها لجهة انهاء
الحصار واحترام الارادة والشرعية الفلسطينية والتعامل مع الحكومة
الفلسطينية باعتبارها نتاج وفاق وطني فلسطيني".
واضاف هنية "اللجنة الرباعية ليست موحدة في مواقفها هناك مواقف
ثمناها في اللجنة الرباعية الموقف الروسي الموقف الاوروبي الى حد وموقف
الامم المتحدة".
واشار الى ان "الموقف الاميركي يغرد خارج السرب وخارج الارادة
الفلسطينية والاقليمية".
وقال نزار ريان القيادي البارز في حركة حماس لوكالة (فرانس برس) ان
موقف روسيا "ايجابي" تجاه حكومة الوحدة الوطنية التي تراسها حماس "لذا
فان زيارة مشعل تاتي في هذا الاطار من اجل حشد الموقف لصالح الحكومة
والعلاقة مع الحركة".
ورأى غازي حمد المتحدث باسم الحكومة الفلسطينية ان زيارة وفد حماس
برئاسة مشعل الى موسكو هي "من اجل المحاولة للحصول على الدعم السياسي
كون الموقف الروسي متقدم ومبادر ومشجع في اللجنة الرباعية تجاه الحكومة
القادمة والتعامل معها بايجابية لذا ستشكر حماس روسيا على هذا الموقف".
وقال حمد لوكالة فرانس برس "هذه محاولة للاستفادة من الموقف الروسي
وعلاقات روسيا مع اعضاء الرباعية كونها جزء منها.. ونحن نعول على هذا
الموقف الايجابي لان روسيا لازالت تشكل قوة كبيرة ونعول على ان تلعب
دورا كبيرا في التعاطي بايجابية مع الحكومة".
وتوقع اسماعيل رضوان المتحدث باسم حماس "احداث انفراج من خلال
العلاقة مع روسيا وان تساعد روسيا بالضغط باتجاه الحوار مع بعض الدول
الاوروبية.. مثل فرنسا وايطاليا والسويد للتعاطي بايجابية مع الحكومة
القادمة". |