أطفال العراق بين الاختناق في مستودع القمامة او الموت برصاص الامريكان

صاح المترجم العراقي للجنود الامريكيين قائلا "انه طفل..انه طفل .. لا تطلقوا النار" فيما كان الصبي يصرخ ويرتعد من الخوف داخل حفرة اسمنتية بجوار ضفة نهر في جنوب بغداد.

وعلى مسافة قريبة كانت هناك جثة لطفل اخر ملقاه خلف صندوق قمامة معدني وقد تحولت الى اشلاء بفعل قذيفة من عيار كبير او انفجار.

وكانت الدماء تغطي شعره.

ولم يكن عمر الصبيين بالاضافة الى اخر كان يختبئ ايضا في الحفرة الواقعة على الجانب الشرقي لنهر دجلة يزيد على 12 عاما.

وعلى الجانب الاخر من النهر كان نحو 30 جنديا امريكيا وعدد من عربات سترايكر المدرعة تدعمها طائرتان هليكوبتر يبحثون عن اثنين من المشتبه في كونهما من المسلحين شوهدا وهما يعبران النهر في قارب. وقال الجنود الامريكيون انهم ظنوا ان الصبيين مسلحين.

ولم يتضح من الذي اطلق القذيفة التي قتلت الصبي لكن الحادث يكشف عن مدى السهولة التي يمكن ان يحاصر بها العراقيون وسط العنف ببغداد.

وشنت القوات الامريكية والعراقية حملة الاسبوع الماضي يعتبرها كثيرون محاولة أخيرة لتجنب اندلاع حرب اهلية.

ورافق مصور من رويترز دورية امريكية عراقية وصلت الى الموقع على الجانب الشرقي من النهر بعد سماع اعيرة نارية لحوالي 15 دقيقة وانفجارين.

وقال جنود بالدورية انه جرى استدعاء فريق سترايكر للمساعدة في ملاحقة المسلحين الاثنين المشتبه بهما.

وبجانب صندوق القمامة أحدث انفجار فتحة في جدار مصنع على ضفة النهر في حي الزعفرانية.

وعثر الجنود الامريكيون في بادئ الامر على الجثة ثم سمعوا صريخا ينبعث من الحفرة التي لجأ الصبيان اليها على ما يبدو للحماية.

واصيب صبي في الرأس اما الاخر فكانت اصابته اقل خطورة.

وقام احد المسعفين الامريكيين بمعالجة الصبيين الجريحين ثم نقلا الى المستشفى في عربة تابعة للجيش العراقي مع جثة الصبي القتيل.

وعثرت الدورية على قاربين قديمين على ضفة النهر لا يبدو ان احدهما استخدم في وقت قريب. ولم يكن هناك اي اثر للمسلحين المشتبه بهما او اي اسلحة.

ورفض ضابط امريكي في الموقع التكهن بالجهة المسؤولة عن قتل الصبي.

وقال اللفتنانت كولونيل كريستوفر جارفر المتحدث باسم الجيش الامريكي انه سيتحرى عن الواقعة.

بدورها تمثل الطفلة هدى حمدان (13 عاما) التي كانت تجلس وسط أكوام من القمامة في مستودع للنفايات في بغداد الجانب الانساني لتقرير جديد للامم المتحدة يقول إن ثلث سكان العراق الذي تمزقه الحرب والبالغ عددهم نحو 26 مليون نسمة يعيشون تحت خط الفقر.

وكانت الفتاة التي ترتدي حجابا أسود تأخذ قسطا من الراحة خلال عملية البحث عن علب الالومنيوم والزجاجات البلاستيكية التي تقوم ببيعها مقابل بضع دنانير قليلة.

وتحاول الفتاة منع نفسها من التقيؤ بسبب الرائحة النتنة للمخلفات المنزلية المتحللة المحيطة بها.

وتتنافس هدى واخوتها واخواتها الستة في عملها مع عشرات اخرين بينهم كثير من النساء والاطفال شردتهم أعمال العنف الطائفي التي دفعتهم للفرار من منازلهم واللجوء الى حي مدينة الصدر الذي تسكنه أغلبية شيعية.

واتخذت عشرات الاسر الشيعية النازحة من مستودعات القمامة ملجأ لها حيث تعيش في ظروف غير صحية داخل خيام أو أكواخ بدائية مصنوعة من علب الزيت أو تحتل مباني خالية وتحاول البحث عما يسد رمقها.

وكشف تقرير أعده برنامج التنمية التابع للامم الممتحدة وهيئة حكومية عراقية نشر يوم الاحد أن خمسة في المئة من العراقيين يعيشون في فقر مدقع وان بغداد هي أقل المناطق المحرومة بينما المحافظات الجنوبية هي الاكثر حرمانا.

وقال التقرير إن ثلث العراقيين اجمالا يعيشون تحت خط الفقر. ولم يعرض التقرير مقارنة مع سنوات سابقة.

غير أن برنامج التنمية التابع للامم المتحدة قال إن الدراسة "أظهرت تدهورا في مستويات معيشة العراقيين" حيث كان العراق دولة مزدهرة متوسطة الدخل في السبعينات والثمانينات. وتسببت الحرب التي بدأت قبل نحو أربع سنوات والتي أعقبت نحو عشر سنوات من العقوبات التي فرضتها الامم المتحدة في التسعينات في اصابة الاقتصاد بالشلل وزادت من معدلات البطالة الاخذة في التصاعد.

وقال بيان البرنامج "انه (التقرير) يظهر فشل سلطات الدولة في توفير الخدمات الملائمة للسكان" كما ألقى باللوم على المساعي المدعومة من الغرب لتحويل الاقتصاد الى سوق حرة لتسببها في "تفاقم مستويات الحرمان".

وقالت هدى انها فرت هي وأخوتها من مدينة الفلوجة التي تعد معقلا للمسلحين السنة غربي بغداد بعدما قتل قناص أمريكي أمها. ويعيش هؤلاء اليوم مع جديها وأقارب لهم في مدينة الصدر.

وتشير تقديرات مفوض الامم المتحدة السامي لشؤون اللاجئين الى وجود 1.6 مليون نازح عراقي بينهم 425 الفا فروا من منازلهم بعدما اثار تفجير مرقد الامامين الحسن العسكري وعلي الهادي في سامراء في فبراير شباط 2006 موجة من العنف الطائفي.

وتقول هدى بصوت رقيق "نحن فقراء. لا نملك شيئا."

ورفعت هدى يدها اليمنى ونزعت عنها قفازا باللونين الازرق والابيض مصنوع من الصوف ترتديه لحماية كفها المصابة من الاوساخ وقامت بحذر بفك ضمادة كانت نظيفة بشكل مدهش.

وتسبب الباب الخلفي لشاحنة تنقل النفايات في قطع اصبعها الصغير عندما تزاحم الباحثون عن علب البلاستيك والالومنيوم حول الشحنة محاولين البحث فيها قبل أن تلقي بها الشاحنة فوق كومة القمامة.

وتنتشر الأمراض والعدوى بين هؤلاء. وليس من الصعب معرفة السبب إذا أدير النظر حول مستودع القمامة. فالرجال والنساء والأطفال الذين تكسو ملابسهم طبقة سميكة من الأوساخ يخوضون في برك مياه نتنة أو يتسلقون الجبال بحثا عن القمامة ويقومون بالتنقيب في النفايات باستخدام قضبان معدينة طويلة مقوسة لاخراج العلب.

وكان حظ سيف (15 عاما) جيدا. وقال "وجدت هذا" وكان ممسكا بأربع أرغفة خبز . وقال "سننظفها ثم سنتناولها في الفطور. لا نملك مالا لشراء طعام."

وغير بعيد من المكان كان علي اليتيم الذي يبدو أقل من سنين عمره العشر يسحب كيسا أبيض كبيرا مملوءا بعلب المشروبات ذاهبا بها إلى ميزان تاجر خردة محلي دفع له 2000 دينار عراقي (1.5 دولار) بعدما تأكد من أنه لم يضع طوبا بالكيس لزيادة الوزن.

وكان جواد حبيب (21 عاما) اضطر للنزوح عن منزله في حي أبو غريب معقل السنة في الضواحي الغربية لبغداد. وحصل على وظيفة كعامل بناء باليومية غير أنه ذهب إلى مستودع القمامة بعدما فجر مهاجم انتحاري نفسه وسط مجموعة من العمال.

غير أنه وجد الخطر كامنا أيضا هناك وسط الحطام المتعفن. وقال "عثرت على قنبلة وأبلغت الشرطة." وكان حبيب محظوظا. فقد قال باحثون آخرون وسط القمامة إن فتاة صغيرة قتلت في انفجار.

ويشير تقرير برنامج التنمية التابع للأمم المتحدة إلى أن محنة علي وهدى وسيف وجواد هي نتيجة "أزمة سياسية وأمنية شديدة التعقيد مع عدم وجود حل سريع فيما يبدو."

وقال باولو ليمبو مدير البرنامج في العراق لرويترز في مقابلة من عمان "تواجدت في مناطق صراع على مدى 22 عاما. العراق لا يشبه اي مكان آخر على وجه الأرض."

وأضاف أن الحرب الايرانية العراقية وحرب الخليج في عام 1991 والعقوبات الدولية والفوضى التي أعقبت الغزو الذي قادته الولايات المتحدة قد وجهت سلسلة من الضربات العنيفة للاقتصاد العراقي تسببت في خلق "نوع فريد من الحرمان".

وأضاف "هل سيتحسن الوضع في المستقبل القريب.. . لا.. لا أعتقد ذلك.. لكن ذلك لا يعني أنني غير متفائل. هذا البلد يمتلك ثروة هائلة من الموارد."

شبكة النبأ المعلوماتية-الاحد 25 شباط/2007 -8/صفر/1428