مصطلحات نفسية: الجنوح والاجرام

 الجنوح

Delinquency

مجموعة من مخالفات قوانين المجتمع..

يتكلم علماء علم النفس الاجتماعي دون تمييز على الجنوح أو الإجرام. إن الجنوح ضرب من فقدان التكيف، وهو يعبر عن النزاع الذي يجعل الفرد يعارض المجتمع، والمجتمع يستجيب تبعاً للمذهب السياسي السائد فيه.. ففي الأنظمة السلطوية، من النموذج النازي أو الفاشي، تتناسب العقوبة مع خطورة الجرم دون أي اعتبار آخر.

 وتبذل الجهود في الأنظمة الديمقراطية لفهم دلالة الفعل الجرمي واتخاذ إجراءات التقويم التي تفرض نفسها في كل حالة خاصة. فلا فائدة من معاقبة مصاب بالضعف العقلي الذي يتصرف دون تمييز؛ والأفضل توجيهه وتربيته. وسيكون كذلك خطأ أن نعلن العقوبة نفسها على مجرم مصاب بمرض عقلي أو انحراف، لا يرعبه شيء.

 ويطلب القضاء إلى الخبراء والأطباء النفسيين، تجنباً لارتكاب الأخطاء من هذا النوع، أن يباشروا فحص المجرمين من الناحية الطبية والسيكولوجية، فلكل مجتمع جانحوه، وعددهم ثابت بصورة محسوسة من سنة إلى أخرى (تقع النسبة المتوسطة في فرنسا حول 6 بالألف). ولكن الإجرام يزداد ازدياداً كبيراً خلال الحركات الاجتماعية العنيفة (الهجرة الريفية، والنمو الصناعي السريع) ولا سيما خلال فترات الاضطراب (ثورة، حرب وبعد الحرب). ومصدر الجانحين هو الرجال (85%) الذين لا أهلية مهنية لهم ويتحدّرون من أسر مفككة: 45% من أسر الجانحين مفككة: 75% من القتلة و85% من السارقين).

وكانت العدالة فيما مضى قمعية فقط، فالمجتمع يكتفي بالدفاع عن نفسه ويعاقب الآثمين. وبعد أن سيطر الاعتقاد، مع سيزار لامبروزو (1835 – 1909)، أن السلوك الجرمي كان واقع فئة من الأفراد معينة يمكن التعرف عليهم من مورفولوجيتهم (قضية المجرم بالولادة)، بأن معظم الجانحين لا يختلفون اختلافاً أساسياً عن السكان العاديين. ويبذل علماء الجريمة جهودهم حالياً لإجراء توليف بين نظرية لامبروزو ذات النزعة الجبلّية وبين الموضوعيين السوسيولوجيين، موضوعي غابرييل تارد وإميل دور كهايم، إذ يدرسون المجرم (في علاقاته بالغير، وصلته بالواقع بين الإنساني) (أ. هيسنارد).

وفي رأي دانيال لاغاش (1903 – 1972) أن الجانح هو، بصورة أساسية، فرد ذو تمركز على الذات، غير ناضج من الناحية الوجدانية، يبحث عن الحصول على إشباعات مباشرة وأخلاقيته ليست على وفاق مع الاتجاهات الرئيسة للجماعة الاجتماعية التي ينتمي إليها. أضف إلى ذلك أن علاقاته بالغير متأثرة بمكونة سادية مازوخية ذات أهمية تضعه في وضع من نموذج (مضطهَد – مضطهِد) ويبدو الجانح على الغالب أنه يحقق ميلاً إلى حب العدل يدخل السكينة إلى نفسه، ولكنه يظهر في الوقت نفسه أنه يبحث بحثاً لا شعورياً عن أن يدينه المجتمع.

والجرائم المرضية قليلة العدد نسبياً. فالذين يرتكبونها على وجه الخصوص هم:

 1- المصابون بالصرع، في فترة الخلط العقلي التي تلي الأزمة الصرعية، والفعل، ذو العنف الأقصى، ينبعث فجأة؛ فثمة أشخاص، لا يعرفهم الفاعل على الغالب، يكونون موضع الهجوم والضرب بأية أداة؛ وليس لدى المريض بعد الأزمة أي ذكر لما حدث؛

 2- الفصاميون الشباب؛ فقتل الإنسان عبث، عنيف وغير متوقع؛ والموجود الأعز، الام، هو الضحية في بعض الأحيان؛

 3- المصابون بالذهان الهذاني (البارانويا) والهذيان الذين يتوصلون، جراء استنتاجات خاطئة، إلى جعل الغير مسؤولاً عن تعاساتهم وآلامهم؛ إنهم يعتقدون أنهم مضطهدون ويعزمون على استبعاد المضطهد المزعوم قتلاً؛ وهذا المضطهد المزعوم يمكنه أن يكون شخصاً حيادياً بل شخصاً عطوفاً من محيطهم، فجريمتهم فعل من أفعال الإنصاف في ناظريهم.

 وثمة فئة ثانية من الجرائم تضم أولئك الذين لا نجرؤ أن نسميهم (أسوياء). إنهم مصنوعون من أفراد اختاروا بعملهم أن يتحدوا المجتمع جاهلين قوانينه. وبوسع المرء أن يتساءل عن هذا السلوك. كيف يتوصل موجود إنساني إلى الجريمة؟ لماذا يرتكب المخالفة الخطيرة لقانون المجتمع الذي سيستبعده؟ وهل ثمة إمكان لإصلاحه، لإعادة تربيته، لإعادة تكييفه من الناحية الاجتماعية؟ إن علماً جديداً، علم الجريمة، قد تأسس، يضم اختصاصيين من فروع المعرفة المختلفة يبذلون جهودهم لدراسة الجنوح وفهمه.

والعوامل الاجتماعية الاقتصادية، والذكاء، والوجدانية، ترتبط بالجريمة ارتباطاً لا ينفصم. والمجموع المنظم لهذه العوامل كله هو الذي يمكنه أن يشرح الجنوح. ويؤدي الشقاء وعدم التكيف الذي يلي الهجرة وظاهرات المثاقفة التي تفرضها، والحركية الجغرافية، وبنية المجتمع غير المستقرة، دوراً مؤكداً في الإجرام، ولكن عاملاً جبلّياً بين أسباب الجنوح يبدو أنه موجود. والواقع أن دراسات عالمي النفس الأمريكيين، س. غلويك  و. هـ. شيلدون، بينت وجود علاقة إيجابية بين النموذج المورفولوجي ذي التشكل المتوسط، أي العضلي، وبين الإجرام، وبين من جهة ثانية ج. (و) ج. فيردو في فرنسا، المختصان في التصوير الكهربائي للدماغ، وجود فروق ذات دلالة بين مخططات الدماغ الكهربائية للأفراد الأسوياء ومخططات الدماغ الكهربائية للجانحين.

وتبين الدراسات السيكولوجية، أخيراً، أن المجرمين ليسوا أقل ذكاء من غير الجانحين، ولكنهم، على الغالب، اندفاعيون، عدوانيون، حذرون، عصاة أمام كل سلطان، ويميلون إلى أن يؤكدوا ذاتهم من الناحية الاجتماعية. فـ(أنا) هم ينبغي أن تسود؛ والمهم وحده إشباع رغباتهم؛ والجانح، العاجز عن أن يضع نفسه مكان مثيله – الذي لا يقيم له الجانح أي اعتبار -، يرجع كل المشكلات إلى شخصه، فالنضج ينقصه في حكمه وفي نقده الذاتي، ولا يستمد عبراً من التجارب الماضية، ويراقب نفسه مراقبة انفعالية سيئة، ويميل دائماً إلى أن يعتبر نفسه محبطاً، ضحية ظلم، فالمجرم ليس مريضاً ولا منحرفاً، ولكنه موجود غير محبوب جيداً لم يتكيف من الناحية الاجتماعية ولم يفلح في أن يحل نزاعاته.

وتفترض إعادة تربية المجرم معرفة معمقة بتاريخه وشخصيته. وتعلّمُ مهنة ممكن في كثير من الحالات، ولكن يصعب عليك أن تمنح المحبة جانحاً لم يتلقاها أبداً، ومعنى قيمته الشخصية التي كانت موضع نكران عليه، والمناخ المعنوي الذي يحقق الأمن، مناخاً كان ينقصه دائماً، فالإجراءات التربوية، والعلاج النفسي، يظلان ضروريين، ولكن الأفضل، لتقليص الإجرام، مكافحة التعاسة، والكوخ القذر، والكحولية، وتربية الناس بوسائل الإعلام الجماهيرية.

وجنوح الأحداث، الذي يمثل في فرنسا 10.6بالمئة من الجنوح الإجمالي (58625 جانحاً عام 1975)، يعرف الأسباب النفسية الاجتماعية نفسها: كحولية الأبوين، التفكك الأسري، شقاء الأطفال الوجداني. ولا يتميز الجانح القاصر كثيراً من الأطفال الآخرين غير المتكيفين، وفهم المشرّع جيداً هذا الأمر، وأصلح، بقرار كانون الأول (ديسمبر) 1958، إصلاحاً كاملاً بنيات العدالة في محاكمة الأطفال. ويعتبر أنه لا يوجد فارق أساسي، منذ هذا التاريخ، بين قاصر معرّض للخطر لأنه موضع عناية سيئة أو تغذيته غير كافية وبين هارب صغير أو سارق. ويساعد قاضي الأطفال فرقاء من المربين، وعلماء النفس، والمساعدين الاجتماعيين والأطباء، ويبذلون جهدهم للوقاية من الجنوح بدلاً من علاجه، فالوقاية نابت مناب إعادة التربية والقمع. وهذه الإجراءات تمثل تقدماً إنسانياً واجتماعياً نفيساً جداً.

وأحد أعمال الوقاية الأكثر رهافة هو العمل الذي يؤديه المربون في الشارع. وإذ يعرفون ميل الفتيان إلى التجمع، والانتساب إلى جماعة، والانضمام إليها، فإنهم يبذلون جهودهم أول الأمر ليقبلهم أولاً مراهقوا الحي، ثم يسعون، إذ يستخدمون معنى الشرف والانضباط لدى هؤلاء المراهقين، إلى أن يحولوا العصبات المغلقة إلى جماعات مفتوحة على الناس ومتكيفة اجتماعياً.

وهؤلاء المربون، مربوا الوقاية، تابعون إدارياً إما إلى هيئات عامة، كوزارة العدل أو وزارة الصحة، وإما إلى هيئات شبه خاصة، كالجمعيات الإقليمية لحماية الطفولة والمراهقة.

شبكة النبأ المعلوماتية-الاثنين 19 شباط/2007 -1/صفر/1428