غياب زعيم التيار الصدري السيد مقتدى الصدر عن امامة الجمعة في
الكوفة جاء كدلالة واضحة على مدى التوتر الحاصل بين قيادة هذا التيار
والولايات المتحدة الامريكية وقيادتها العسكرية في العراق خصوصا بعد
اعتقال عبد الهادي الدراجي القيادي البارز في التيار الصدري.
كما لايمكن الفصل بين الخطة الامنية التي لم تكن الولايات المتحدة
ببعيدة عنها وبين ارسال المزيد من القوات العسكراتارية الى العراق.
واستكمالا للخطة الامريكية التي يبدو ان القيادة العراقية لاتملك فيها
رأي ولا مشورة، هو الترويج الامريكي لما يمسى "التغلغل الايراني في
العراق" عن طريق عرض بعض الاسلحة والعبوات المضادة للدبابات الامريكية
على وسائل الاعلام. سبق كل ذلك اعتقال الدبلوماسيين الايرانيين في
العراق قبل شهرين على اثر الدعوة التي وجهها لهم الرئيس العراقي جلال
الطالباني.
كل هذه المقدمات تثبت بما لايقبل الشك ان الولايات المتحدة
الامريكية في صدد استكمالها لخطة شبيهة بتلك الخطة التي اطاحت بالنظام
البعثي في العراق والذي نتج عنه اقامة نظام جديد لا يستطيع الوقوف بوجه
الولايات المتحدة الامريكية او يهدد مصالحها في المنطقة بشكل خاص او في
العالم بشكل عام.
الفرق بين الخطتين هو ان النظام العراقي السابق لم يكن له ما يقومه
كما لم يكن يملك اي ورقة ضغط على الولايات المتحدة الامريكية في حربه
معها سوى الاعلام الذي مثله وزير الاعلام العراقي محمد سعيد الصحاف.
اما حالة ايران فتختلف تماما عن الحالة العراقية وذلك لكثير من الاسباب
اهمها:
1. الارتباط الوثيق بين الحكومة الايرانية والشعب الايراني
سيجعل من مهمة اميركا للاطاحة بالنظام الايراني مهمة عسيرة ان لم تكن
مستحيلة!
2. الانقسام الامريكي الداخلي حول النوايا الحقيقية لادراة
الرئيس بوش في حربها ضد ايران وعن مدى الجدية وصدق الاتهامات والذرائع
والمسوغات خصوصا بعد فشل اغلب الادعاءات التي ساقتها تلك الادارة في
حربها على العراق.
3. عدم التأييد الدولي بما فيهم العرب لهكذا حرب لايرى فيها
المجتمع الدولي ضرورة الا لمزيد من الكوارث او لحرب لايعلم احد الى اين
سيصل مداها وتأثيرها
4. الجاهزية العسكرية للقوات الايرانية البرية والبحرية والجوية
فضلا عن الاستخبارات القوية التي اثبتت نجاحها في اكثر من منطقة وعلى
اكثر من صعيد
5. التجهييز الايراني العسكري العالي المتمثل بالصواريخ البعيدة
المدى والتي تم تصميم البعض منها لحمل رؤوس جرثومية وكيماوية قادرة على
الوصول الى العمق الاسرائيلي فضلا عن ضرب المصالح الاميركية في
المنطقة.
6. الجغرافية الايرانية واتساع الخريطة الايرانية التي تصل الى
ثلاثة اضعاف حجم مساحة العراق تقريبا يحعل من السيطرة على ايران امرا
مستحيلا خصوصا وسط غياب البديل المقبول شعبيا ودوليا
7. النفوذ الايراني في المنطقة والعالم فضلا عن علاقات ايران
الدولية وارتباطاتها الاقليمية المتينة على خلاف ما كان يواجهه العراق
انذاك من العزلة الدولية فضلا عن العربية والشعبية
8. اشراف ايران على مضيق هرمز اضافة الى تمكنها من السيطرة على
منافذ الخليج العربي-الفارسي في غضون ساعات الامر الذي يجعل من القوات
الامريكية في المنطقة تحت مرمى البحرية الايرانية وصواريخها المتطورة
9. لازالت القوات الامريكية في العراق تعمل كل مابوسعها للخروج
من الوحل العراقي من دون امل رغم الاجتياح الكبير والعدة والعدد
والتأييد الدولي والمحلي لها ومع كل ذلك فلم يكتب لها النجاح فهل ستنجح
في ايران وكم من الخسائر ستمنى قواتها به وكم من العدة والعدد ستحتاج
لهكذا مهمة عسيرة.
لهذه الاسباب وغيرها يبدو من الاستحالة في هذه الظروف ان تغامر
الولايات المتحدة الامريكية بحرب خاسرة وهي لم تخرج بعد من حرب خاسرة
اخرى في العراق فهل من المنطق ان تدخل في حرب خاسرة ثانية في نفس الوقت
وفي نفس المنطقة وانطلاقا من ارض الحرب الخاسرة الاولى؟! المنطق يقول
كلا خصوصا وانها اي الولايات المتحدة الامريكية منقسمة هذه المرة على
نفسها في الحرب ضد ايران وليس كما حدث في التسويق للحرب على العراق عام
2003.
من جهة اخرى فهناك اكثر من علامة تدلل على ان التدخل العسكري
الامريكي في الشؤون الايرانية لا زال قائما وابرز هذه العلامات:
1. تحريك امريكي لاسرائيل في وقت سابق لافقاد ايران ورقة حزب
الله في لبنان وهو ما لم يتسنى لها.
2. تعزيز القوات العسكرية الامريكية في العراق بمزيد من العدة
والعدد تحت لافتة محاربة الارهاب ولانجاح خطة الحكومة العراقية لفرض
القانون وبسط السيطرة على عموم البلاد ودحر القاعدة كما هو معلن!
3. مهاجمة التيار الصدري وقيادته الامر الذي يفقد ايران ورقة
ضغط كبيرة في داخل العراق في حال تنفيذ الهجوم الامريكي على ايران
4. محاصرة ايران دبلوماسيا من خلال الضغط الذي تمارسه الادارة
الامريكية على دول الاتحاد الاوروبي من جهة ودول الخليج من جهة اخرى
لمهاجمة ايران اعلاميا ومحاصرتها اقتصاديا وسياسا بذريعة البرنامج
النووي الايراني
5. تحريك قطعات عسكرية امريكية الى منطقة الخليج تحديدا والذي
تمثل بحاملات الطائرات وبعض الغواصات
6. محاولات مستميته لاقناع الراي العام العالمي بجدوى التصدي
لايران عسكريا سواء من خلال الاعلام الموجه او السياسة الامريكية
العامة وذلك من خلال الجولات التي يقوم بها مسؤولون اميركيون لاكثر من
دولة اوروبية وعربية
هذه العلامات وغيرها تدلل على مدى جدية الادارة الامريكية لتوجيه
ضربات عسكرية استباقية لايران وهو ماتنفيه تلك الادارة وعلى لسان
رئيسها وكبار المسؤولين فيها. من جهة اخرى فقد قللت الحكومة الايرانية
من امكانية ضرب اميركا لايران في وقت حذرت فيه من مخاطر هكذا ممارسة
"غبية" على حد تعبير بعض المسؤولين الايرانيين. لكن يبقى التساؤل قائما
وهو السبب الحقيقي وراء كل هذه المقدمات الامريكية والتهييج الذي تقوم
به ضد ايران اذا كانت لاتنوي حقا مهاجمتها عسكريا؟
يبدو ان اميركا وان كانت لاتنوي اجتياح ايران على غرار اجتياحها
للعراق الا انها قادرة على توجيه ضربات "جس نبض"! في الوقت ذاته يجب ان
تكون تلك الضربات موجعة ومدروسة العواقب والنتائج ولاتؤدي الى خروج
الوضع عن السيطرة.
لكن هل ستقف ايران مكتوفة الايدي امام انهيار المفاعل النووي مثلا
او سقوط ضحايا او تحطيم قاعدة عسكرية كبيرة او ضرب البنى التحتية كما
حصل في العراق مثلا؟ حالة الاستنفار التي تعيشها ايران هذه الايام على
كل الصعد سواء الشعبية منها او العسكرية تدلل على مدى الجاهزية
الايرانية من جهة وتوقعها من جهة اخرى لمعركة ليس فيها اي نسبة للخسارة
كما ليس فيها اي نسبة للعق الجرح وتضميده ولابد من الرد وهذا الرد يجب
ان يكون بمستوى الفعل ان لم يكن اكبر منه واشد تأثيرا.
*محلل سياسي وناشط عراقي مستقل
www.riyad.bravehost.com |